الفصائل الفلسطينية.. قوة حاضرة غائبة
تتربع الفصائل الفلسطينية على عرش من قوة وتعب.. قوة حاضرة غائبة، وتعب لا يستنزف سوى الناشطين الرافعين شعار المقاومة ودحر الاحتلال كما في مثال خطة الانسحاب الإسرائيلية من قطاع غزة.
ولا يستوي ذكر الخطة الإسرائيلية دون الإشارة المباشرة إلى قضية الحوار الوطني الفلسطيني.
لا يستوي ذكر الخطة الإسرائيلية دون الإشارة المباشرة إلى قضية الحوار الوطني الفلسطيني حيث تنطق الترجمة باسم ومطالب وشروط ما يقارب من 13 فصيلا وحركة وطنية وإسلامية، هي عماد ما يطلق عليه القوى السياسية على الساحة الفلسطينية.
وليس للرقم الكبير من ترجمة عملية بذات الحجم، إذا ما استثنينا حركة فتح ومقابلها حركة حماس، رأس حربة المعارضة والمحور الذي يمكن أن تدور عليه عجلة الحوار الوطني، أو تتوقف عند قوة مكابحه.
ولعل في سيرة هذه الفصائل عموما، وفي أسلوب حكم السياسة الفلسطيني التقليدي ما يشي بأكثر ما تقوله مواقفها المعلنة حول مشروع خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وربما أن في تفاصيل مثالب ومحاسن هذه القوى، ما يسهل التنبؤ بما يمكن أن تتركه من آثار على مجمل القضية.
وفي انتظار حيثيات الفصل الأخير من مشروع رئيس وزراء إسرائيل حول نيته المعلنة من الانسحاب، سيكون لهذه الفصائل ما تدقق فيه وتعيد حساباتها حوله قبل أن تنطق حكمها الأخير فيه.
ربما أن عديد الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية لن تتعب كثيرا في التفكير والتدقيق بمسالة الانسحاب، حيث ينسجم الموقف مع ما تقوله القيادة الفلسطينية، التي لم تقل كثيرا حتى الآن. لكن المناسبة تظل تشكل فرصة أخرى لارتداء قناع القوة التقليدي.
وما كان لممثلي ومندوبي معظم هذه الفصائل، أن يتأخروا عن تلبية الدعوة التي وجهها مكتب الرئاسة الفلسطيني للقاء اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية والمبعوث المصري الرسمي للتنسيق مع الفلسطينيين حول المسالة، والاستماع منه إلى ضرورة اغتنام فرصة تلويح شارون بالانسحاب.
الفرق في حماس
ولما كانت معظم الفرق الفلسطينية الوطنية متفقة في الراي، أو “مدجنة” كما يحلو للبعض هذا التوصيف، حول ما يريده الرئيس ياسر عرفات ويقرر فيه، فإن الخلاف يظل يدور في فلك الحركتين الإسلاميتين حماس أولا، والجهاد ثانيا أو ربما ثالثا أو حتى رابعا في الدرجة.
هنا تصبح المسالة أكثر من صراع قوة أو تنافس على المركز على الأول، بل أنها تطال صميم الوجود على الساحة أو عدمه، وهذا ما قام عليه أساس الحوارات السرية والمعلنة بين حماس والسلطة أو في ترجمة واحدة حقيقية، بين حماس وفتح.
وقد مضى زمن على الاتفاق الذي توصل إليه العقيد محمد دحلان مع قائد حماس الراحل عبد العزيز الرنتيسي، ومفاده أن حماس ستسهل مرحلة الاستقرار في غزة بعد تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي منها مقابل شروط ومطالب معينة.
ليست الشروط المشار إليها، من النوع السهل ولا هي تتعلق أيضا بمواصلة المقاومة، لكنها تصب في قلب السلطة حيث طرحت حماس احتواء كوادرها في الأجهزة الأمنية المختلفة ومشاركتها في مؤسسات السلطة كشريك ند.
دحلان لم يعد مسؤولا رسميا في السلطة، وإن كان يحمل بتفويض من الرئيس عرفات مسمى وظيفيا في ملف غزة. والرنتيسي انتقل إلى رحمة الله، لكن حماس ما زالت قائمة واقفة وتناور للحصول على أكبر حصة ممكنة من مشروع غزة.
المعلومات الأخيرة تقول إن ثمة شرخا قد أصاب جدار الحوار الوطني الخاص بمسألة الانسحاب من غزة، ومفاده أن حماس علمت مؤخرا أن إحدى النتائج المرجوة من الحوار الوطني لا تعني بالضرورة للحركة الإسلامية ما تشتهيه وتبغيه من سلطان.
وفي تفصيل ذلك أن المصريين، ومعهم الأميركيين وكذلك الإسرائيليين، لا يرغبون في تغيير ميزان القوى الفلسطيني المحلي، وإنما العمل على إعادته إلى الوضع الذي كان عليه قبل اندلاع الانتفاضة، وهو الميزان الذي ترجح كفته فتح – السلطة وليس حماس المعارضة.
وقد عمل هذا التطور الجديد فعله، إذ عادت حماس إلى عملياتها التي كانت أوقفتها بالرغم من اغتيال مؤسسها الشيخ احمد ياسين وقائدها الرنتيسي في فترة وجيزة. إعادة إطلاق حماس لعملياتها كفيل وحده بأن يعيد الأمور إلى مربعها الأول.
صحيح أن الأمور لن تتجاوز مربعها الأول أصلا، لكن رد فعل حماس على ما يمكن أن لا تحصل عليه من مشروع غزة، يشير بشكل أكيد إلى الصيغة والإطار اللذين يجمعان صورة الحوار الوطني وما يمكن أن يكون عليه.
في الانتظار
ربما كانت حيثيات مطالب حماس والرد عليها أوسع ممّا نشر، وربما كان في التفاصيل غير المعلنة ما يخفي تعقيدات لا تطيقها طاولة الحوار والمفاوضات الفلسطينية الفلسطينية، لكن في الجعبة أيضا ما يمكن تحسسه أو تخيله، وهو اضعف الإيمان.
إذ يؤكد أعضاء في لجنة المتابعة، الإطار الذي يضم مندوبي الفصائل الوطنية والحركات الإسلامية، أن حالة التردي والضعف داخل هذه اللجنة قد وصلت مداها، بسبب حالة انفراد القوة الذي تجسده فتح وحماس، وأنها( لجنة المتابعة) ليست سوى كومة من فشل.
ولم يسع أحد هؤلاء الأعضاء، عندما طُلب منه تشخيص الحالة الفلسطينية الراهنة، إلا أن صرخ بملء فيه أن التوصيف الدقيق لا يمكنه الخروج عن حالة من التدمير الذاتي سببها صراع القوة الداخلية.
بل أن نائبا في البرلمان، شغل منصب وزير سابق، قال إن الأمر لا يتعدى كونه فرصة أخرى للفصائل والقوى لتحقيق مكاسب ضيقة وخوض غمار المعركة بعيدا عن الميدان، ولكن في قلب الصراع على السلطة.
مسؤول آخر برتبة وزير، رفض الإفصاح عن هويته، ذهب إلى وصف التعامل الفلسطيني مع عملية الانسحاب من قطاع غزة على أنها “فرصة تجارية للربح” لمراكز النفوذ والقوة التي تسيطر على الساحة الفلسطينية.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.