الفــوضـى المـنـظـمـــة!
لئن كان من السابق لأوانه الحديث عن حملات إرهابية منظمة، فإن الاعتداءات التي استهدفت الرياض ثم الدار البيضاء تفتح المجال أمام تأويلات كثيرة.
وفي الوقت الذي اتهمت السعودية والمغرب “الإرهاب الدولي” بالوقوف وراء الاعتداءات، فإن منفذي العمليات الانتحارية هم سعوديون ومغاربة…
كانت مدينة الدار البيضاء ليلة الجمعة الماضي، على وشك بداية سهرها الذي لا ينتهي حتى الصباح ليلة السبت. لكن المدينة التي تسهر على إيقاع نواديها الليلية ومقاهيها وأرصفتها في أيام الصيف، الذي جاء مبكرا هذا العام، سهرت تلك الليلة على إيقاع انفجارات مُدوية واعتداءات بشعة، جعلت المغرب من شماله إلى جنوبه يواسي الدار البيضاء طوال الليل.
خمسة أهداف، ما بين الفندق والمطعم والنادي والمقبرة وسط عاصمة المغرب الاقتصادية، استهدفتها سيارات مفخخة أو حقائب متفجرة أو قنابل. فندق فرح سفير، مطعم بالقرب من القنصلية البلجيكية والأمريكية، كاسا دي إسبانيا (نادي بيت إسبانيا)، ونادي الرابطة اليهودية ومقبرة اليهود، تعرضت لاعتداءات متعاقبة.
كانت الانفجارات تتوالى حتى الفجر، ولم تتوقف الاتصالات الهاتفية بين الناس في انتظار صدور بيان رسمي عن الأوضاع، تأخّـر صدوره حتى انتشرت الإشاعات كالهشيم.
تحدّث البيان الرسمي الأول عن أربعة انفجارات إجرامية خلفت العديد من الضحايا والجرحى، ثم ظهر وزير الداخلية مصطفى الساهل ليضيف معلومات تتعلق بالمنفذين، قال إنهم عشرة مغاربة اعتُـقل واحد منهم، واثنين يُـشك في مشاركتهما، ووجه الوزير التهمة إلى ما أسماه “الإرهاب الدولي”.
وأفادت المعلومات المتداولة بوقوع عمليات انتحارية بالقنابل أو الأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة. وقد أوقعت الاعتداءات ما لا يقل عن 150 ضحية، من بينهم 41 شخصا لقوا مصرعهم في الانفجارات، حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن السلطات المغربية.
أي “إرهاب دولي”؟
وفور الإعلان عن العمليات، اتُّـخِذت إجراءات أمنية مشددة في مختلف المدن المغربية، مثل منع وقوف السيارات بالقرب من الفنادق الكبرى أو مقرات بعثات المؤسسات الأجنبية، ووضع حواجز في الطرقات الداخلية والخارجية، وإخضاع كل المشتبه بهم إلى التفتيش والتحقيق.
وجّهت السلطات أصابع الاتهام فور وقوع الانفجارات للنشطين في التيارات الأصولية المتشددة أو المقربين منها. فعمليات الدار البيضاء فتحت مرة أخرى، وبشكل مأساوي ومفاجئ ملف هذه التيارات التي شغلت البلاد في الصيف الماضي، حين أعلن عن اكتشاف خلية نائمة لتنظيم القاعدة التي يتزعمها المعارض السعودي أسامة بن لادن، وما تبع ذلك من قمع لتيارات أصولية مغربية، تبين، حسب تحقيقات السلطات، أنها ارتكبت أعمال عنف ضد أفراد ومؤسسات مغربية.
وأظهرت إيقاعات الصيف الماضي والأحكام التي صدرت قبل أسابيع على ثلاثة مواطنين سعوديين بتهمة الإعداد لهجمات مسلحة ضد أهداف بحرية أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق، وتفجيرات في ساحة “الفنا” السياحية بمراكش أو حافلات نقل الركاب، واستمرار متابعة نشطي جماعة السلفية الجهادية أو جماعة التكفير والهجرة، أن الأجهزة الأمنية المغربية، إلى جانب المبالغة في التعاطي مع اعتقالات الأصوليين ومحاولة “الاستثمار” السياسي للقضية، قد تكون تحت على البلاد عداوات كان يمكن تلافيها.
فقد صنف أسامة بن لادن في آخر رسالة صوتية له المغرب بين الدول المارقة، ووعد بالرد على الحملة التي شنت على أنصاره وحلفائه. ويبدو من العمليات التي نفذت ليلة الجمعة الماضي، إذا ما كانت من تنفيذ القاعدة، أن الاستعداد لها كان جيدا تدريبا واستطلاعا وتنفيذا، وأن الذين قاموا بارتكاب الاعتداءات انتظروا الوقت المناسب لتنفيذ عملهم.
فالتنفيذ جاء بعد احتفالات كبيرة عرفتها المملكة بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، والتي تُـِّوجت بإحياء العاهل المغربي الملك محمد السادس المناسبة في مسجد الحسن الثاني، الذي يقع في نفس المنطقة التي شهدت الانفجارات الخمسة، وبعد أيام من احتفالات بميلاد ولي العهد والتي تُـوِّجت بحفل “العقيقة” (مرور سبعة أيام على ميلاد الطفل)، قبل انطلاق الانفجارات بست وثلاثين ساعة، وفي نفس يوم الاحتفال بالذكرى السابعة والأربعين لتأسيس الجيش المغربي والأمن الوطني. وعلى الصعيد الآني، كانت العمليات ليلة الجمعة، أي نهاية الأسبوع التي تشهد فيها عادة مثل الأماكن المستهدفة كثافة في الزبائن.
أضرار جسيمة
ولئن كانت هذه الاعتداءات قد أدخلت المغرب، مؤقتا على الأقل، في نادي الدول المستهدفة من الإرهاب الأصولي، فإن التعاطي معها سيسجل تحولا جذريا بمثابة الانقلاب في التعاطي الأمني المغربي مع هذه الظاهرة.
فما شهده المغرب الصيف الماضي من اكتشاف خلية القاعدة أو ملاحقة نشطاء التيارات الأصولية المغربية المتشددة، كان يحمل بوضوح بعدا سياسيا مرتبطا بوضع داخلي صعب أو علاقات دولية شائكة. لكن التعاطي مع تداعيات تفجيرات ليلة الجمعة سيحمل طابعا أمنيا وسياسيا متشددا، وسينعكس على الأوضاع السياسية في البلاد التي تستعد لإجراء انتخابات بلدية في نهاية الصيف القادم.
وكانت أوساطا عديدة تبدي تخوفات من تحقيق التيارات الأصولية المعتدلة نتائج إيجابية على غرار نتائجها في الانتخابات التشريعية في سبتمبر الماضي.
إلا أن الانعكاسات الأخطر ستكون على الوضع الاقتصادي المغربي. فبداية الصيف يعني بداية موسم السياحة، أحد المصادر الرئيسية للخزينة المغربية من العملة الصعبة، والتي راهن مسؤولو هذا القطاع على ما عرفته دول شرق آسيا من وباء “سارس” لمضاعفة عدد السياح، خاصة الخليجيين.
وقد جاءت التفجيرات بعد انتعاش نسبي للاستثمارات الخارجية، واستعدادات لاستقبال العمال المغاربة المقيمين بأوروبا، الذين يُـعَـدّون المصدر الأول للعملة الصعبة، والإشارة إلى أن منفذي العمليات قد يكونوا مرتبطين بخلية لتنظيم القاعدة في بلجيكا، يعني استقبالا ترافقه إجراءات أمنية صارمة للمهاجرين المغاربة الراغبين في قضاء الصيف بين ذويهم.
إنه وباء الإرهاب ينتشر وتتوسع جغرافيته، ولا أحد يستطيع ضمان عدم إصابته به، خاصة إذا كانت بيئته السياسية وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تساعد على الإصابة بالمرض وانتشاره.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.