الفلسطينيون بعدَ مرور ستين عاما على النكبة
فيما يحتفل الإسرائيليون بالذكرى الستين لقيام دولتهم يوم الأربعاء 14 مايو، غطّـت الأعلام الزرقاء والبيضاء تتوسّـطها نجمة داوود، الشوارع والمباني العامة في شتى أنحاء البلاد، في المقابل، يستعيد جيرانهم من العرب الفلسطينيين ذكريات مغايرة تماما.
سويس انفو أجرت حوارا مع سيدة فلسطينية تقطن في القدس حول حياتها العائلية وآمالها ومخاوفها، بعد مرور ستين عاما على حدوث النكبة.
تقول شيرين بكليه (اسم مستعار)، ” عندما كنت طفلة، أتذكّـر أنه كانت هناك دائما عمليات إطلاق للشماريخ في مثل هذا الوقت من السنة”، وتضيف “كُـنا نتجاهلها ولم أعرف أبدا ما الذي كانوا يحتفلون به”.
“والِـدَي لم يحدِّثاني أبدا عن الموضوع. لقد كان أشبه شيء بمحاولة العثور على حلٍّ لأحد الألغاز، لم يكونا راغبين في إعلامي بأن تلك الشماريخ كانت احتفالا بهزيمتهم، لقد كانا يريدان أن أعيش طفولة عادية وسعيدة”.
تشير أغلب التقديرات، إلى أن ما بين 700 ألف و900 ألف فلسطيني فَـرّوا من بيوتهم أثناء النكبة، أي في الفترة الفاصلة ما بين يونيو 1946 والنهاية الرسمية لأول حرب عربية إسرائيلية في يناير 1949. واليوم، يبلُـغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجّـلين لدى الأمم المتحدة، الذين ينحدرون من اللاجئين الأولين والمقيمين في الشرق الأوسط، إلى حوالي أربعة ملايين ونصف مليون شخص.
عائلة السيدة “بَـكليه” كانت من بين العائلات التي يُـمكن وصفها بالمحظوظة، حيث استمرت عائلة أمها في الإقامة والعيش في حيفا بعدما أصبحت المدينة تابعة لإسرائيل، حيث تمكّـن جدّها من إدارة محلٍّ للخياطة إلى حين وفاته العام الماضي عن سن 87 عاما.
لقد أصبحوا عربا إسرائيليين، حسب التسمية الرسمية، التي لا تحبذها السيدة “بـكليه”، وهم متحصِّـلون على الجنسية الإسرائيلية وحاملون لجواز سفر إسرائيلي، لكنهم يظلون فلسطينيين وهم “مواطنون من الدرجة الثانية في إسرائيل”، مثلما تقول.
في المقابل، اضطرت عائلة والدها لترك بيتها في إسرائيل في عام 1948، واليوم، توجد عمارة سكنية أقيمت فوق موقع بيتهم القديم، لكن الشجرة التي زرعها عمُّـها، لا زالت موجودة إلى الآن، وتقوم العائلة في زيارتها من حين لآخر.
والد شيرين بكليه، يتوفّـر على جواز عبور أو وثيقة سفر يحتاج إلى تجديدها كل عامين، وهو ما يعني أنه لا يحمل الجنسية الإسرائيلية على الرغم من أنه مقيم في مدينة القدس.
باعتبارها من عرب إسرائيل، تتوفّـر السيدة “بكليه” على جواز سفر إسرائيلي، وهو ما يعني أنها تمتلك حرية السفر والتنقل على عكس مليون و300 ألف لاجئ فلسطيني من الجيل الثالث، المقيمين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان.
“نفي التاريخ”
تعتقد هذه السيدة الفلسطينية، أن مأساة الفلسطينيين تكمُـن في نفي إسرائيل للتاريخ وفي غياب الوعي والتفهّـم للتاريخ والثقافة الفلسطينيين من طرف السكان الإسرائيليين، الذين ينشؤون معتقدين بأن هذه هي أرضهم وأنها كانت خالية من السكان قبل قدومهم. وإلى اليوم، لا زال يتردّد على مسامعها “شعار أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، الذي رفعه الزعيم الصهيوني إسرائيل زانغفيل.
السيدة “بكليه” التحقت بمدرسة كاثوليكية خاصة في القدس الشرقية، يُـتابع الدروس فيها مسيحيون ومسلمون فلسطينيون، ولم تكُـن كُـتب التاريخ (بالعربية)، التي كانت مُـعتمدة آنذاك في البرامج الإسرائيلية، تحتوي على أية إشارة للتاريخ الفلسطيني أو للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
لقد اكتسبت المعلومات المتعلِّـقة بتاريخها من القِـصص، التي كان أباؤها وأجدادها يروونها لها، ومن تعليقات مدرِّس التاريخ، الذي خشِـي من الإدلاء بأي تصريح، رغم توقّـف آلة التسجيل.
ذيلٌ وقُـرون
أمها، التي ولِـدت في حيفا في عام 1948 تروي أنها “عندما كانت رضيعة، قدِمت امرأتان يهوديتان إلى البيت وبدأتا في التفرُّس في شعرها والبحث في ثناياه، لأنه كان يُـقال لليهود إن العرب عندهم ذيل وقرون، وقد أرادتا التثبّـت بنفسيهما من الأمر”.
هذه القصة العائلية تُـجسِّـد بالنسبة للسيدة، معظم الجوانب السلبية القائمة مع إسرائيل اليوم، حيث تتم شيطنة العرب في الصحافة وفي الثقافة الشعبية في إسرائيل وفي الغرب على حدِّ السواء، إذ يُـنظر إليهم على اعتبار أنهم أشخاص فقراء وغير متعلمين وعنيفين، وهي صورة تعزّزت من خلال العمليات الانتحارية، التي نُـفِّـذت خلال الانتفاضة الثانية.
وفي الوقت الحاضر، لا تجد السيدة “بكليه” ما يكفي من الوقت للمشاركة في العدد الكبير من برامج المساعدة، التي ظهرت للوجود في سياق عملية السلام، لمحاولة الجمع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتقول “إن هذه البرامج لا تتعاطى مع المشاكل الحقيقية ومع العقبات التي يواجهها الفلسطينيون لدى سعيهم لممارسة حياة عادية”.
فإسرائيل لا زالت تحتلّ 40% من أراضي الضفة الغربية، فيما تؤدّي المستوطنات الإسرائيلية – غير الشرعية طبقا للقانون الدولي – والقواعد العسكرية وشبكات الطُّـرق ومئات نقاط التفتيش والحواجز المرورية، إلى تفكيك الأراضي الفلسطينية.
حصـــار
وهناك أيضا جدار الفصل، الذي يبلغ ارتفاعه 8 أمتار، وبدأت إسرائيل في تشييده في عام 2005، ومن المحتمل أن يمتدّ على طول 700 كيلومتر فوق أخصب الأراضي في الضفة الغربية. هذا الجدار، أدّى إلى مزيد التضييق على حياة الفلسطينيين وقطعهم عن أراضيهم وعائلاتهم ومصادر رزقهم وإمدادات المياه.
وفي قطاع غزّة، لا زال مليون و400 ألف فلسطيني يعيشون في ظل حِـصار إسرائيلي مُـطبِـق، منذ أن سيطرت حركة المقاومة الإسلامية حماس عليه في منتصف يونيو من العام الماضي.
وفيما بدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش زيارة القدس للمرة الثانية في هذا العام، تعتقد السيدة “بكليه” بأن العقبة الرئيسية التي لا زالت قائمة في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم يتمّ التعامل معها بعدُ، وتقول “منذ الصِّـغر، يُـنشّـأ الإسرائيليون على الخوف من جميع العرب والفلسطينيين والخوف من أن بلادهم ستتعرّض للهجوم”، لذلك تعتبر أن “عامل الخوف هذا، هو أكبر سلاح في ترسانة إسرائيل وليست قوتها النووية”.
سويس انفو – فيكتوريا بروس – القدس
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه كمال الضيف)
أنشئت دولة إسرائيل أثناء الحرب، التي يسميها الإسرائيليون “حرب الاستقلال” ويُـطلق عليها الفلسطينيون تسمية النكبة. وقد اندلعت الحرب بين الإسرائيليين وعرب فلسطين والدول العربية المجاورة إثر القرار الصادر عن الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 1947، الذي نصّ على تقسيم فلسطين وإقامة دولتين منفصلتين لليهود والعرب.
يبلغ تعداد سكان إسرائيل اليوم 7،82 مليون شخص، 20% منهم من العرب ويقيم 3،8 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في عام 2007، بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين 450 ألف شخص، يتوزّعون على 149 مستوطنة في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، لكنها فرضت حـصارا شاملا عليه منذ يونيو 2007، إثر سيطرة حركة حماس على القطاع. وتقول إسرائيل، إن حصارها يهدِف إلى وقف هجمات الصواريخ، التي يُـطلقها مقاتلو حماس على المدن الإسرائيلية.
التضييقات الإسرائيلية أثرت بشدة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزّة، حيث لا يُـسمح لهم باستعمال شبكة الطرقات الواسعة، التي تخترق الضفة الغربية، كما أدى بناء الجدار الفاصل إلى تقليص شديد في حرية حركتهم، ما أدّى إلى تدهور خطير في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين.
لا تتوفّـر الضفة الغربية على موارد طبيعية كبيرة، كما يتوقّـف اقتصادها على التجارة والتحويلات الواردة من العمل في إسرائيل. وتشير التقديرات إلى أن 23،4% من سكان الضفة عاطلون عن العمل، أما اقتصاد قطاع غزّة، فقد انهار وأصبح 70% من السكان يعيشون على مساعدات الأمم المتحدة الغذائية.
اليوم، يعيش 80% من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الموجودة في قطاع غزة والضفة الغربية، تحت مستوى الفقر، في حين كانت هذه النسبة لا تزيد عن 20% في عام 2000.
الجولة الأخيرة من محادثات سلام الشرق الأوسط، أطلِـقت في مؤتمر أنابوليس يوم 27 نوفمبر 2007، الذي حضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وشهد – ما اعتُـبر توافقا للمرة الأولى – على حلّ الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقال الرئيس بوش بالمناسبة، إنه يريد التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص قبل نهاية 2008.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.