القائمة السوداء: بعد التنديد.. حان وقت التحقيق
كلفت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا مؤخرا عضوَ مجلس الشيوخ السويسري ديك مارتي بمهمة جديدة.
فبعد التحقيق الشهير الذي أنجزه حول السجون السرية لوكالة الاستخبارات الأمريكية في أوروبا، سيـنكب مارتي على إعداد تقـرير حول القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي.
نشرت صحيفة لوتون الصادرة بجنيف (نُسخة 23 أغسطس الجاري) نقلا عن صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (عـدد اليوم السـابق) أن السيد ديك مارتي – النائب عن الحزب الراديكالي في مجلس الشيوخ السويسري ورئيس لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا – كـُلف من قبل هذه الأخيرة بالتحقيق وإعـداد تقرير حول القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي التي أدرج فيـها مجلس الأمن أسماءَ الأشخاص والشركات والمنظمات الذين يـُشتبه في تورطهم في الإرهاب.
وقد بدأت جلسات استمـاع في هذا الإطار في بداية هذا الصيف، حسب الصحيفة.
اتهامات بدون أدلة
وكان السيد مارتي قد نـدد في شهر أبريل الماضي بتـلك القائمة السوداء التي وصفها بـ”ظلم فادح”، مُستنكرا تحرك الأمم المتحدة في هذا الإطار بدون أدلـة، وإلحاق الضرر بالمساعي الدولية المبذولة لمكافحة الإرهاب.
وأوضح السيد مارتي – الذي تقلد في السابق منصب المدعي العام في كانتون تيتشينو، مسقط رأسه جنوب سويسرا، أن الأشخاص المعنيين محرومون من فرصة الدفاع عن نفسهم بشكل عادل ضد الإجراءات التي تعنيهم، والتي يمكن أن تقوم على اتهامات لم تثبت صحتها.
ولتعزيز انتقاداته، استند السيد مارتي في التقرير الأولي (الذي نشره في أبريل الماضي في ستراسبورغ) إلى مثال يمس سويسرا عن قرب، ويتعلق بالمواطن المصري الإيطالي يوسف نـدا، مدير شركة “التقوى للإدارة” سابقا (التي تحولت إلى منظمة “ندا للإدارة” في مدينة لوغانو جنوبي سويسرا)، الذي سُجل اسمه في القائمة السوداء منذ خريف عام 2001 بزعم الاشتباه في تمويل الإرهاب الإسلامي، وهجمات 11 سبتمبر 2001.
وبعد تحقيق معمق تواصل أربـعة أعوام في قضية السيد ندا، أصدر مكتب المدعي العام الفدرالي يوم 1 يونيو 2005 حكما بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى في التحقيق الأولي ضده، ليـُغلق الملف بسبب الافتقار للأدلة ولتـُقدم تعويضات بسيطة للسيد ندا.
ورغم صدور هذا الحكم، ظل اسم السيد ندا مدرجا على القائمة السوداء، وبقيت ممتلكاته مجمدة، سواء في سويسرا أو الخارج. كما مُنع مبدئيا من مغادرة مكان إقامته بـ”كامبيوني”، وهو جيب إيطالي وسط أراضي كانتون تيشينو السويسري.
وشدد السيد مارتي على أن محاربة الإرهاب لا تبرر كل شيء، معبرا عن صدمته من “خطورة تآكل الحقوق والحريات الأساسية في الوقت الحاضر، حتى من طرف المؤسسات التي أنشئت لحمايتها وتعزيزها”.
ومن الحالات التي تمس سويسرا مباشرة، حالة المواطن السويسري أحمد هوبر (80 عاما) الذي اعتنق الإٍسلام عـام 1963. هذا الصحفي السابق المعروف بانتقاداته اللاذعة والمتكررة للولايات المتحدة وإسرائيل، وبقربه ودعمه الشديد لإيران، كان أحد أعضاء مجلس إدارة “التقوى”، ومازال اسمه مُسجلا في القائمة السوداء. (انظر الشهادة التي أدلى بها السيد هوبر في برن لسويس انفو يوم 24 أغسطس 2007 في المادة المتعلقة يسار الصفحة).
التزام سويسري
وذكرت صحيفة لوتون بأن القوائم السوداء للأمم المتحدة تعتبر جزء من العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي، ضمن الصلاحيات المخولة له. وتوكل مهمة وضع القوائم للجنة تضم ممثلين عن الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.
وكان السيد ديك مارتي قد نوه على هامش مؤتمر عقد تحت شعار “لماذا الإرهاب”؟ الذي انعقد يوم 25 أبريل الماضي في ستراسبورغ بمبادرة من مجلس أوروبا، إلى أن الأسماء تُسجل على تلك القوائم دون منح الأشخاص المعنيين حق الاستماع إلى أقوالهم ولا الاعتراض على إضافتهم للقائمة أماما هيئة مستقلة.
وأوضح مقرر الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن الأسماء الواردة في اللائحة السوداء تُـقترح من طرف إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن “في غالب الأحيان دون تقديم أسباب مفصلة”، وأن اللجنة “تعطي موافقتها دون الاستماع للمعني بالأمر ولا حتى إبلاغه”.
رولاند فوك، رئيس القسم المكلف بمتابعة العقوبات ضمن كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، أوضح في تصريحاته لصحيفة لوتون أن “سويسرا التزمت منذ سنوات بأن يتم تحسين إجراءات تسجيل وشطب الأسماء في اللوائح الأممية وأن يُعزَّز موقف الأشخاص المعنيين”.
ونوه كاتب المقال دونيس ماسميجان إلى أن سويسرا ساهمت في إتاحة الإمكانية لهؤلاء الأشخاص بعرض حالاتهم مباشرة على الهيئات الأممية. ففي السابق، لم يكن للمعترضين على تسجيل اسمهم على القائمة سوى خيار واحد، وهو تسليم شكواهم إلى الأمم المتحدة عبر الدولة التي ينتمون إليها أو دولة إقامتهم.
كما أشار كاتب المقال إلى أن سويسرا دعمت في هذا الإطار الإجراءات التي قام بها أستاذ سابق في المعهد التقني الفدرالي في زيورخ كان قد طالب بشطب اسمه من لائحة الداعمين لتنظيم القاعدة. لكن فيما يخص السيد يوسف ندا، أوضح السيد رولاند فوك لصحيفة لوتون أنه “لا يمكن للكنفدرالية أن تتدخل لصالحه” لأنه “ليس مواطنا سويسريا ولا يقيم في سويسرا”.
“تقدم غير كاف”
ويقر السيد رولان فوك بأن “التقدم المسجل ليس كافيا”، موضحا أن سويسرا تواصل بذل الجهود لتحسين الأمور في هذا المجال، ومضيفا “في انتظار ذلك، هذا لا يعفينا من تطبيق النظام السائر المفعول، إذ لا يمكننا الانسحاب منه”.
ويشير تقرير صحيفة لوتون إلى أن تقرير السيد ديك مارتي يـُفترض أن يتعمق فيما إذ كان بإمكان الدول الأعضاء في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان تطبيق العقوبات الأممية بعيون مغمضة، أو إذا كان عليها، بالعكس، النظر في تطابقها مع الحريات الأساسية التي يضمنها القانون الأوروبي. وتطرح هذه المسألة بشكل خاص بالنسبة لدول ثلاث هي أيضا أعضاء دائمة في مجلس الأمن الدولي، أي فرنسا والمملكة المتحدة وروسيا.
وينتهي مقال صحيفة لوتون بتذكير السيد رولاند فوك بأن العقوبات الحالية يمكن أن تخضع لبعض الاستثناءات، إذ يمكن تجميد الممتلكات للسماح للأشخاص المعنيين بتغطية النفقات المتكررة، ورفع منع السفر بشكل مؤقت، في حال الضرورة.
سويس انفو – إصلاح بخات (استنادا لمقال صحيفة لوتون بتاريخ 23 أغسطس 2007)
في خريف عام 2001، أبلغت من طرف الأمم المتحدة بأنني على لائحتها السوداء، ثم أبلغتني السلطات الفدرالية السويسرية كذلك بالخبر، واستدعتني للقاء تواصل ثلاث ساعات ونصف. قيل لي بوضوح منذ البداية أنني لست مُتهما، بل أسأل فقط بصفة شاهد. سألت لماذا؟ أجابوا أن الأمريكيين لم يقدموا أي دليل ضدي أو ضد الأعضاء الآخرين الذين كانوا يشكلون مجلس إدارة التقوى، يوسف ندا، وخالد همت، ومحمد منصور. (…) كان تصرف السويسريون منذ البداية سليما جدا. بعد مضي زهاء عامين أرسلت فيها وتوصلت خلالها بالعديد من الخطابات، لم أعد أعتبر شاهدا في القضية، بل تحولت فقط إلى شخص يمكن أن يدلي بمعلومات إضافية حولها. ففي القانون الجنائي السويسري، هنالك الاتهام، والمُتهم، والشاهد، والشخص الذي يدلي بالمعلومات الإضافية دون أن يكون شاهدا في القضية.
وبصفتي عضوا (سابقا) في مجلس إدارة التقوى، طلب مني إن كنت على علم بأن بنك التقوى، أو إدارة التقوى مولت الارهاب الاسلامي الدولي، وهو اتهام خطير. وتتهمنا الوثيقة الأمريكية بالفعل بتمويل الارهاب، وحتى تمويل 11 سبتمبر 2001 ربما، وهذا خطير جدا، لكنهم لم يقيموا أي دليل أبدا على ذلك، لا شيء. وهذا دفع السويسريين إلى تصفية القضية رسميا في 2005 (المدعي العام الفدرالي أغلق الملف للافتقار للأدلة، التحرير). وتلقيت رسالة من الكنفدرالية أبلغت فيها أن القصة انتهت. (…)
لكن لدي الآن مشكلة مع السلطات الفدرالية، لأن أخي توفي في 2005 وترك ثروة (…) يفترض أن أقتسم جزءا منها مع أختي، لكن الحصة التي تعود لي مازالت مجمدة لأن الأمم المتحدة مازالت تتحكم في هذه القضية، ولأن سويسرا، مع الأسف، عضو في الامم المتحدة وتتعاون معها. (…) أنا أيضا مراسل لإذاعة طهران باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وهذا شيء يـُحتسب ضدي. أتعاون مع إخواننا الإيرانيين لأنه البلد المسلم الوحيد المستقل. (…)، اتخذت خطوات لكي يحذف اسمي من اللائحة، وكتبت للأمم المتحدة، فأجابوني بلطف كبير قائلين إنهم يريدون معلومات إضافية. والآن، يجب أن أناقش ذلك مع السيد رولاند فوك، من كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية المسؤول عن هذه القضايا، فهو متعاون جدا ويقوم بعمل جيد. يجب الآن ترك الأمور تأخذ مجراها. (…) أعتقد أننا سنصل إلى حل في غضون الأسابيع القليلة القادمة. (…).
دعتني السلطات السويسرية في نوفمبر أو ديسمبر من عام 2001. بعثوا لي رسالة قالوا فيها إنه بإمكاني أن أتقدم بطلب إلى الأمم المتحدة والحكومة الامريكية عبر السفارة الامريكية في برن، وعرضوا أن يقوموا بدور الوسيط للمطالبة بسحبي من اللائحة السوداء، لكنني أجبت برسالة قلت فيها إن النظام الأمريكي نظام مجرم ومارق وشتمتهم فيها (الولايات المتحدة)، وكتبت: مع مجموعة مجرمين ومارقين، لا تسمح لي كرامتي كمسلم ووطني سويسري بأن أطلب رحمة الولايات المتحدة. (…)، أوصتني السلطات السويسرية بعدم الذهاب إلى دول تتمتع فيها الولايات المتحدة بتأثير مباشر، أي انجلترا وكندا مثلا. قالت لي إذا تم القبض عليكم وتحويلكم إلى غوانتانامو، لا يمكننا القيام بشيء من أجلكم، لكن إذا ذهبتم إلى ايطاليا، أو ألمانيا، أوالنمسا أو فرنسا، ووجدتم صعوبات، يمكن أن نخرجكم (من المأزق) لأن لدينا علاقات جيدة، فالأمور تختلف في أوروبا”.
ألبير فريديريك أرمون هوبر، من مواليد 25 مارس 1927 في فريبورغ بسويسرا من والدين بروتستانتين. أبوه كان تاجرا ورجل أعمال. شغل منصب نائب مدير شركة صناعة شوكولاطا فيلار. تابع دراسته الإعدادية في فريبورغ قبل أن ينتقل إلى برن حيث حصل على باكالوريا (لاتيني إغريقي) ثم درس القانون.
في عام 1956، اختير من طرف الحزب الاشتراكي السويسري كمحرر مركزي للصحافة الاشتراكية في برن في القصر الفدرالي. وكان عضوا في ذلك الحزب منذ عام 1952. عمل على مدى سنوات صحفيا في البرلمان الفدرالي لصحافة للحزب الاشتراكي وصحف اخرى مثل “بازلر تسايتونغ” و”فيلت فوخي”، ووكالة “اسوشييتد بريس”.
اقترب من الإسلام بعد تأثره بالثورة المصرية (1952) والثورة الجزائرية (1954). في عام 1963، نطق بالشهادة في الجامع الأزهر بالقاهرة أمام الشيخ محمود شلتوت. تحول في ذلك الوقت إلى مناصر للعرب وأتيحت له خلال تحوله إلى مصر فرصة لقاء الرئيس جمال عبد الناصر لمدة ربع ساعة فقط ظلت راسخة في ذاكرته، ووصف الرئيس المصري بـ”الطيب جدا”. عاد إلى سويسرا حيث التقى بعد بضعة أشهر سيدة مصرية أصبحت زوجته في نفس العام، أنجبا ولدان ولهما حاليا ستة أحفاد. ويحرص السيد هوبر على التأكيد بأنه اعتنق الإسلام قبل التعرف على زوجته.
انتماءه إلى اليسار ومواقفه السياسية كانا من العوامل الرئيسية التي حالت دون تمكنه من تسلق المراتب في جيش الميلشيات السويسري، حيث كان ملازما أولا. ينشط منذ 1970 في حركات إسلامية مختلفة، وعقد مؤتمرات كثيرة حول الاسلام في الولايات المتحدة (قبل أن يُتهم بتمويل الإرهاب)، وأوروبا وإيران والشرق الأوسط وجنوب افريقيا. في عام 1988، أًصبح عضوا في مجلس إدارة شركة التقوى سابقا في لوغانو بكانتون تيتشينو.
فقد عمله ثلاث مرات، كانت أولها عام 1967 بعد حرب الستة أيام، ثم في عام 1970 ثم 1989 بسبب انتقاداته للولايات المتحدة وإسرائيل. كان آخر منصب شغله في “شفايزر إلوستريت”، حيث فضل مستخدمه ميكاييل رانجيي (صاحب دار النشر السويسرية “رانجيي”، المتخصصة في وسائل الإعلام منحه التقاعد المبكر ومعاشا “جيدا” عام 1989. يقول إن “اللوبي الدولي اليهودي الامريكي” يصفه بالإرهابي والإسلامي ومن أتباع الخميني والنازيين الجدد والمعاديين للسامية. في عام 1944، طـُرد رسميا من الحزب الاشتراكي السويسري. مازال لحد اليوم يتعاون مجانا مع إذاعة طهران التي تتصل به مرتين أو ثلاثة في الأسبوع من أجل حوارات قصيرة أو تعليقات.
(المصدر: السيد أحمد هوبر في تصريحات لسويس انفو يوم 24 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.