مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القمة الإفريقية الأوروبية الثانية تواجه تحديات المستقبل

وزير الخارجية البرتغالي لويس أمادو في جلسة افتتاح الإجتماع الوزاري التحضيري لقمة لشبونة في شرم الشيخ يوم 5 ديسمبر 2007 Keystone

أعلن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن مؤتمر وزراء خارجية أفريقيا أوروبا الذي انعقد يوم 5 ديسمبر بمدينة شرم الشيخ "سيقرر الموافقة على استراتيجية التعاون الإفريقي الأوروبي على مستوى القمة".

ويشمل جدول أعمال قمة لشبونة التي تفتتح يوم 9 ديسمبر الجاري “تفعيل آليات التعاون بين الطرفين وتعميق العلاقات الإستراتيجية ومواجهة تحديات العولمة وخاصة فى مجال تنظيم المبادلات والتحكم فى قطاع الهجرة وحماية البيئة وحفز النمو وإدارة الصراعات”.

مثلما توقع المعنيون بالقمّـة الإفريقية الأوروبية الثانية، تم تجاوز الأزمة التي سبّـبها الموقف البريطاني من مشاركة رئيس زيمبابوي في القمة المقرّر عقدها في لشبونة في بداية الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر الجاري، ليلتفتوا إلى أزمات أخرى تقف في طريق رؤساء الدول الإفريقية والأوروبية إلى العاصمة البرتغالية.

ولقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون مقاطعته لقمة لشبونة، احتجاجا على مشاركة رئيس زمبابوي روبرت موغابي، المتَّـهمة حكومته بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقال إنه وأي من وزرائه “لسنا مستعدّين للجلوس إلى نفس الطاولة مع الرئيس موغابي ولسنا مستعدّين لتقديم أي إشارة إلى أي شخص تُـوحي بأننا نتغاضى عن انتهاك حقوق الإنسان في بلاده أو عن الفقر والحِـرمان لشعبه، ومسلكه غير المقبول كرئيس”.

لكن هذا الإعلان لم يكُـن بقيمة موقف سلفه طوني بلير لنفس السّبب، الذي حال دون عقد القمة الأوروبية الإفريقية الثانية، التي كانت مقررة في عام 2003، لأن الاتحاد الأوروبي تبنّـى موقِـفا مُـعاكسا لموقف براون، وأيضا لأن تصريح بروان حمَـل في طيّـاته إمكانية حضور بريطانيا على مستوى مُـنخفض.

وأثار موقف براون، الذي تدعمه فنلندا والسويد وهولندا دون الذّهاب معه نحو المقاطعة، قلقاً في أوساط رؤساء جمهوريات وحكومات الدّول الإفريقية، واعتبروه تدخّـلا في شؤونهم الداخلية واستمرارا لمنهج “وِصاية الرجل الأبيض” على القارة السمراء، التي يعتبرها قاصِـرة في تدبير شؤونها.

انزعاج وتخوّف

الزعماء العرب الذين سيشاركون في القمة الموعودة من الموقف البريطاني، لم يُـعلنوا موقِـفا محددا من هذه المسألة، وإن كانوا كغيرهم من الأفارقة منزعجين، لكن ذلك لا يمنع ارتياحهم لأن أزمة حضور موغابي قد تكون من الأزمات النّـادرة في القارة الإفريقية أو في علاقات القارّة مع القارات الأخرى، التي لا يكون العرب بشكل مُـباشر او غير مباشر طَـرفا فيها، وأيضا لأن الأفارقة والأوروبيين سيجِـدون من الأزمات أو الأزَيْـمات التي سيثيرها العرب أو ستُـثار ضدّ العرب قُـبيل القمة أو أثناءها، ما هو أقل حدّة من أزمة الموقف البريطاني وتداعياته.

العرب أطلوا على القِـمة الثانية من خلال أزمة دارفور ومطالبة ثلاث منظمات لحقوق الإنسان، بمنع الرئيس السوداني من حضور القمة “عِـقابا” للخرطوم على ما ترتكبه حكومتها في دارفور، حسب منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية ومنظمة أوكسفام.

لكن الأزمة النائمة، التي يخشى الأوروبيون والأفارقة إيقاظها، هي مطالبة جبهة البوليساريو أو الجمهورية الصحراوية، التي تشكلها الجبهة، بحضور قمّـة لشبونة، بعد أن اعتبرت غيابها عن القمة الأولى التي عقدت في القاهرة في أبريل 2000، تنازلا منها وعلامة حُـسن نيتها على رغبتها في نجاح التعاون الإفريقي الأوروبي وأن لا تكون عائقا أمام هذا التعاون.

قمة بدون إطار

كانت القمة الإفريقية الأوروبية الأول قد انعقدت سنة 2000 بدعوة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعد عام من تولِّـيه رئاسة بلاده، التي كانت تعاني من مواجهات دموية مع الجماعات الأصولية المسلحة وأيضا بعد عشرة أشهر من تولِّـيه رئاسة الاتحاد الإفريقي، الذي انتعش في عهده وأصبح له حضور دولي من خلال مشاركته في عدد من المؤتمرات والتجمّـعات العالمية.

وفي واقع الأمر، كانت القمّـة مبادرة من الرئيس الجزائري لإعادة بلاده إلى ريادة دول العالم الثالث، بعد تراجعها طوال عقد التسعينات، ولقِـيت استجابة من الاتحاد الأوروبي، نتيجة قرار بروكسل دعم بوتفليقة ليقلِّـص خطر المواجهات الدموية في بلاده والجماعات الأصولية التي تزحف على دول جنوب البحر المتوسط، ولأن المبادرة وجدت صدىً إيجابيا لدى القادة الأوروبيين، الذين كانوا يسعون لقيام أوروبا موحّـدة تقف بوجه الزحف الأمريكي عبر الحِـفاظ على مناطق نفوذها الأخيرة، التي باتت مقتصِـرة على القارة الإفريقية.

ولأن الوضع الأمني في الجزائر لم يكُـن يضمَـن حماية هذا الحشد من رؤساء الدول، اتّـفق على عقدها بالقاهرة لأنها عاصمة إفريقية وعربية، إلا أن الإعداد للقمة لم يكن مسألة يسِـيرة لتلبية الدّعوة والترحيب بها بعد أن طرحت مسألة الإطار الذي سيجتمع به الأفارقة والأوروبيون، والذي يعني المشاركين بالقمة.

الجزائر ومعها نيجيريا وجنوب إفريقيا، كانت تنظر إلى القمة وإلى المشاركين فيها في إطار الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وهو ما كان يقتضي برأيها مشاركة الجمهورية الصحراوية التي تشكِّـلها جبهة البوليساريو وتدعهما الجزائر، واستبعاد المغرب الذي انسحب عام 1984 من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي فيما بعد)، احتجاجا على قبولها عضوية الجمهورية الصحراوية.

حضور الجمهورية الصحراوية وغِـياب المغرب رُفِـض أوروبيا، وتحديدا من قِـبل فرنسا التي كان رئيسها جاك شيراك يرى في دعم ومساندة العاهل المغربي الملك محمد السادس التزام عليه أن لا يخل به. وسياسيا، كانت أوروبا تجد خللا لا يحتمل ولا يقبل في غياب المغرب، أحد ابرز الدول الإفريقية وأقربها للقارة الأوروبية، بل وبوابة أوروبا لإفريقيا وبوابة إفريقيا لأوروبا.

كاد الخلاف الفرنسي الجزائري أن يودي بالقمة الأوروبية الإفريقية الأولى من نوعها، والتي يراهن عليها المشاركون كثيرا في إقامة تعاون يضمن مناطق النفوذ لأوروبا ويوفر لدول القارة السمراء دعما ضروريا، يُـسعف تنمية اقتصادية واجتماعية مرتبطة باستقرار وأمن هذه الدول، فكان التوافُـق على عقد القمة بدون إطار وتحميلها عنوان القمة الأوروبية الإفريقية، فحضر المغرب وغابت جبهة البوليساريو.

حضر المغرب وغاب البوليزاريو

كان ذلك قبل سبع سنوات ونصف، والصدفة منحت للبرتغال رئاسة الجانب الأوروبي بصفتها الرئيس الحالي لاتحادها الذي بقي الإطار دون أن يُـعلن رسميا أن الأوروبيين ينتظمون به، في تعاطيهم مع القمة حضورا أو برامج دعم وتعاون، ووجدت الدبلوماسية البرتغالية نفسها سنة 2007 أمام تسوية إشكاليات مشابهة لإشكاليات قمة 2000.

وفي زيارة وزير الخارجية البرتغالي لوي أمادو إلى غانا، حيث ترأس الترويكا الأوروبية التي تضم ممثلين عن الرئاسة الدورية للإتحاد والمجلس الوزاري والمفوضية الأوروبيين مع الترويكا الإفريقية، أبلغت بشكل غير رسمي أثناء اجتماع الترويكا الأوروبية مع الترويكا الإفريقية في أكرا الأسبوع الماضي، بضرورة حضور كل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، وأعلن لوي امادو أنه تَـقرر توجيه دعوة لكافة القادة الأفارقة لحضور أعمال القمة الأوروبية الإفريقية، المقررة في لشبونة.

وقد تكون زيمبابوي هي القصد من هذا التصريح أو جملة “كافة القادة الأفارقة”، بعد أن وجدت لشبونة دعما من برلين وباريس وروما ضدّ موقف لندن، لكنها جملة تعني أيضا، حسب الجزائر، الجمهورية الصحراوية أو جبهة البوليساريو، لأنها جملة عامة لا تحمِـل في طيّـاتها استثناءً أو توصيفا محددا، مثل جميع القادة الأفارقة الذين شاركوا في قمة القاهرة عام 2000.

الحكومة المغربية قررت المشاركة بالقمة على مستوى رئيس الحكومة، واعتبرت نفسها غير معنية بالمحاولات الجزائرية لاقحام جبهة البوليزاريو في القمة الافريقية الاوروبية وحرصت على تجنب ازمة محتملة عبر ترك المسألة لاوروبا التي قطعت مع الرباط أشواطا بعيدة في التعاون في مجالات حيوية لدول الضفة الشمالية لبحر المتوسط، وهو ما ازعج الجزائر دون أن تثير ازمة. أما جبهة البوليزاريو – وعلى عكس الصمت الذي التزمت به في عام 2000 – فقد أصدرت بلاغا تناولت فيه بالنقد الموقف الاوروبي باستبعادها من القمة “كدولة عضو في الاتحاد الافريقي” وأيضا دول الاتحاد الافريقي التي خضعت “للابتزاز المغربي”، حسبما ورد في البيان.

وفي عالم تتحكم فيه المصالح ونظرا لأن الافارقة يطمحون في الحصول على دعم يأتي من أوروبا ويدركون الأهمية التي تكتسيها دولة مثل المغرب لأوروبا، التي قطعت الرباط شوطا بعيدا في التعاون معها في مجالات مكافحة الارهاب والهجرة السرية والمخدرات، وهي مرتكزات قمة لشبونة التي حددت جدول اعمالها بـ “تفعيل آليات التعاون بين الطرفين وتعميق العلاقات الإستراتيجية ومواجهة تحديات العولمة وخاصة فى مجال تنظيم المبادلات والتحكم فى قطاع الهجرة وحماية البيئة وحفز النمو وادارة الصراعات”، كما أنها مجالات ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الاوروبي وهي التي ستقدم أوروبا من خلالها الدعم المرتقب للدول الافريقية.

محمود معروف – الرباط

بروكسل- وكالات: تواجه الشراكة الأوروبية الإفريقية ومجمل خطط التكتل الأوروبى السياسية والأمنية والتجارية تجاه القارة السمراء ساعة الحقيقة الفعلية مع انعقاد قمة رؤساء دول وحكومات التجمعين الأوروبى والإفريقى بدءا من يوم السبت 8 ديسمبر 2007 فى العاصمة البرتغالية لشبونة.

وأعلنت البرتغال التى تتولى حاليا الرئاسة الدورية الأوروبية والتى تتحمل أعباء تنظيم اللقاء الأوروبى الإفريقى وهو الثانى من نوعه منذ عام 2000 أن القمة وقبل انعقادها تبدو مكللة بالنجاح بعد أن أعلن أكثر من سبعين رئيس دولة أوروبية وافريقية حضوره الشخصى لها.

ويعقد خمس وعشرون برلمانيا أوروبيا يقودهم رئيس البرلمان الأوروبى هانس غيرت بوترينغ قمة مصغرة يوم الجمعة 7 ديسمبر تسبق أعمال اللقاء الأوروبى الإفريقى مع عدد من البرلمانيين الأفارقة فى أول مبادرة من نوعها لتكريس التعاون بين المجلسين النيابيين فى أوروبا والاتحاد الإفريقي. وستنعقد القمة البرلمانية فى لشبونة وترأسها عن الجانب الإفريقى السيدة غيرترود مونغيلا رئيس البرلمان الإفريقى.

وكان وزراء خارجية المجالين الأوروبى والإفريقى الذين اجتمعوا فى مدينة شرم الشيخ المصرية يوم 5 ديسمبر 2007 قد اتفقوا على الخطوط العريضة للإعلان النهائى الذى سيصدر عن قمة لشبونة يوم الأحد القادم. ويحمل هذا الإعلان إشارة صريحة الى التوجه نحو إقامة تحالف أو شراكة إستراتيجية أوروبية افريقية ودعم التعاون فى المجالات المختلفة وخاصة السياسية والتجارية.

وتعتمد الشراكة الأوروبية الإفريقية المعلنة على مبادئ المساواة والاحترام والتشارك بهدف دعم السلام والأمن فى إفريقيا ورفع كفاءة الإدارة والحكم الراشد ولكن وعلاوة على إعلان النوايا التى يرددها الطرف الأوروبى حاليا فان خيارات التكتل الأوروبى تجاه القارة الإفريقية تبدو دقيقة فى غالبها ويكتنفها الغموض أيضا وفى العديد من الجوانب.

وفشلت محاولات التكتل الأوروبى حتى الآن فى إقامة شراكة عادلة ونزيهة قوامها الاحترام المتبادل مع القارة الإفريقية التى اعتبرتها الأوروبيون مصدرا للمواد الأولية بالدرجة الأولى. وبعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وتغيير التوازنات المسجل فى العلاقات الإفريقية مع العديد من المجالات الدولية الأخرى وخاصة الصين بدأت المعادلة تنقلب لصالح الطرف الإفريقى فى تعامله مع التكتل الأوروبي.

وجاء تخطيط أوروبا الحالى لتغيير آليات التعاون القائمة بين بروكسل والدول الإفريقية وتجاوز اتفاقياتى لومى وكوتونو لتزيد من حدة الشكوك فى نوايا الطرف الأوروبى الذى يسعى بوضوح لجعل العلاقات الأوروبية الإفريقية تندرج ضمن آليات منظمة التجارة العالمية وليس ضمن آلية تعامل خاصة ومتميزة.

وتواجه القمة الأوروبية الإفريقية هذا التحدى الرئيسى مع اقتراب الموعد الذى حدده الأوروبيون للشريك الإفريقى للقبول بقواعد اللعبة الجديدة والتى تعتبرها العديد من الدول الإفريقية مضرة بمصالحها.

كما ان تعامل أوروبا المتشدد مع ظاهرة الهجرة الإفريقية وشح الاستثمارات الأوروبية فى القارة وانعدام الالتزام الفعلى بالمساعدة على بسط استقرار فعلى فى العديد من الأماكن داخل القارة الإفريقية قوامها التنمية وليس التدخل العسكرى يطرح أكثر من علامة استفهام حاليا حول التوجهات المعلنة من قبل المسؤولين الأوروبيين.

وسعت بريطانيا وحتى اللحظة الأخيرة الى إفشال قمة لشبونة عبر تمسكها بمقاطعة رئيس زيمبابوى روبرت موغابي ولكن تلاحم الدول الإفريقية وتمسكها بموقف واضح تجاه هذه المسالة وعدم حصول لندن على دعم الدول الأوروبية أحبط المناورة البريطانية.

ويرى المراقبون ان التكتل الأوروبى وأمام التغيرات الدولية والإقليمية وظهور لاعبين جدد على الساحة الإفريقية سيكون عاجلا او آجلا مجبرا على تغيير نظرته نحو القارة والمتسمة بعوامل تعود الى عقود مضت من الآن.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية