“الكويز”.. طوق نجاة أم ماذا؟
أثار اتفاق "المناطق الصناعية المؤهلة"، أو ما يرمز له اختصارا بكلمة كويز (Q.I.Z) ، والذي تم توقيعه بين مصر وأمريكا وإسرائيل يوم 14 ديسمبر 2004، أثار جدلا كبيرا في الشارع المصري.
ففيما تعتبره الحكومة ورجال الأعمال “قاربَ نجاة”، يُـحذر خبراء اقتصاديون وسياسيون مصريون من الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه.
تعتبر الحكومة ورجال الأعمال اتفاق “المناطق الصناعية المؤهلة” بمثابة “قاربَ نجاة” للصناعة المصرية المتعثرة، فيما يحذر خبراء اقتصاديون وسياسيون مصريون من الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه، مشككين في نوايا الولايات المتحدة من ورائه، متهمين إياها بالسعي لكسر العزلة الاقتصادية المضروبة حول إسرائيل، ومحاولة ضرب المقاطعة العربية لها، من خلال “فرضها” كشريك أساسي في الاتفاق.
وقد تقدم 12 نائبا من المعارضة بمجلس الشعب (أحد غرفتي البرلمان المصري)، بطلبات إحاطة للحكومة حول الاتفاقية، فنّـدوا خلالها حُـجج الحكومة، وقالوا إن إسراع الحكومة بإبرام الاتفاقية دون دراستها جيدا وعرضها على البرلمان، دليل دامغ على الضغوط الأمريكية لدمج إسرائيل في الاقتصاد العربي، فضلا عن ضغوط بعض رجال الأعمال المنتفعين، مُـشيرين إلى ما أسموه بـ” الفشل والتخبط الحكومي”.
فيما يرى خبراء اقتصاديون ومحللون سياسيون أن “الكويز” تأتي ضمن مشروع “الشرق الأوسط”، الذي طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز، بهدف إدماج إسرائيل في اقتصاديات المنطقة العربية، وذلك ضمن المخطط الأمريكي الذي طرحه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على الكونغرس الأمريكي عام 1996، بدعوى “دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط”.
ويقول الخبير الاقتصادي أسامة سرايا، في حديث خاص لـ” سويس إنفو” إن “الكويز لها شقان: أحدهما اقتصادي، والآخر سياسي، وهي من الناحية الاقتصادية مفيدة بكل المستويات، أما من الناحية السياسية فمشكلتها أنها ترتبط بإسرائيل، والشعب المصري يكره أي شيء يُـذكّـره بإسرائيل، غير أنه يجب علينا أن نُـعطي الاتفاقية الفرصة، لتُـثبِـت جدواها، وندعمها لكي تنجح”.
معلومات أساسية
اتفاقية “المناطق الصناعية المؤهلة”، التي يُـرمز لها اختصارا بكلمة كويز، (Q.I.Z) تشمل 3 مناطق صناعية، تمتد على 7 مناطق جغرافية ، هي شبرا الخيمة، والبدرشين، و15 مايو، والعاشر من رمضان، ضمن منطقة القاهرة الكبرى، وبرج العرب، و العامرية ضمن منطقة الإرية، بالإضافة إلى منطقة بور سعيد، وذلك كمرحلة أولى، مع إمكانية إضافة مناطق أخرى في المستقبل.
ويتلخص الاتفاق في اختيار بعض المناطق الصناعية المصرية لتكون مناطق مؤهَّـلة، تُـصدّر منتجاتها إلى السوق الأمريكي دون أية جمارك أو ضرائب، شريطة أن يتضمن المنتج النهائي نسبة مكون إسرائيلي 11.7 %، و نسبة أخرى من المكونات الأمريكية قد تصل إلى 15%.
وتستفيد من الاتفاق كافة السلع المصنعة بالمناطق الصناعية المؤهلة (منسوجات، أثاث، صناعات معدنية أو غذائية)، كما تستفيد أيضا منه كافة مصانع القطاعين العام والخاص، المُـقامة بهذه المناطق. كما يُـعتبر تطبيق الاتفاق اختياريا وليس إلزاميا، وليست هناك مدة زمنية لانتهاء المزايا الممنوحة.
وتشير إحصاءات وزارة التجارة الخارجية المصرية إلى أن أمريكا تحتل المركز الأول في توزيع الصادرات المصرية، حيث تستقبل 39% من صادرات مصر، فيما يأتي الاتحاد الأوروبي في المركز الثاني بنسبة 27.3%.
وجدير بالذكر أن تركيا كانت أول دول المنطقة توقيعا لهذا الاتفاق مع واشنطن، بعد تدشين التحالف العسكري مع تل أبيب عام 1996، وتم إنشاء 5 مناطق صناعية مؤهّـلة في تركيا تنفيذا للاتفاقية، وأن الأردن كانت الدولة التالية لتركيا انضماما لهذه الاتفاقية عام 2001.
مبررات ومحاذير
تدلل الحكومة على إيجابيات الاتفاق بالقول إن صادرات مصر من المنسوجات والملابس الجاهزة للسوق الأمريكية ستصل إلى نحو 4 مليارات دولار خلال 5 سنوات، قياسا على تجربة الأردن، الذي ارتفعت قيمة صادراته من 2.4 مليون دولار عام 1999 إلى 586.6 مليون دولار عام 2003، كما زاد حجم عمالته من 16 إلى 36 ألف عامل.
في المقابل، يقول المحلل الاقتصادي ممدوح الولي، نائب رئيس الصفحة الاقتصادية بالأهرام، في حديث خاص مع سويس إنفو، إن “المقارنة بين مصر والأردن غير منطقية. فالأردن ليست لديه صناعة نسيج وطنية مثل مصر، فضلا عن أن أكثر من 80% من الشركات العاملة في المناطق المؤهلة بالأردن آسيوية، ونصف العاملين بها ليسوا أردنيين”.
وبينما تنفي الحكومة أن يمثل شرط المكون الإسرائيلي (11.7%) عقبة، مؤكدة أنه ينحصر في “التيكت” والشماعة والكرتونة، يرى الولي أن هذا يمكن أن يكون مقبولا في الملابس الجاهزة، أما في الصناعات الأخرى، خاصة الإلكترونية، فإن التفوق الإسرائيلي بها سيكون كبيرا، مُـتخوفا من تأثير رداءة المكون الإسرائيلي، أو رفع إسرائيل لأسعار مكوناتها، وهو ما يؤثر على جودة السلعة والكلفة النهائية للمنتج الذي سيحمل العلامة المصرية، مما يُـسيء للمنتج المصري ويؤثر على قدرته التنافسية.
وإذا كان السيد أسامة سرايا يرى أن “الاتفاق سيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للاستفادة من الاتفاقيات التفضيلية التي تتمتع بها مصر مع الاتحاد الأوروبي أو المنطقة العربية أو الكوميسا، فضلا عن الأسواق الأمريكية”، يُـحذر الولي من الانعكاسات السلبية لـ”الكويز” على التعاون الاقتصادي العربي، مُـتخوفا من احتمالات هروب الاستثمارات العربية، كما حدث في التجربة الأردنية.
وبينما تُـهوّن الحكومة من مسألة مشاركة إسرائيل في الكويز، يعتبره الولي”بابا خلفيا للاختراق الصهيوني للسوق المصرية، ومن بعدها السوق العربية، وهو ما ستكون له تأثيرات سياسية واقتصادية خطيرة على الوضع في المنطقة، وليس على مصر فقط”، معتبرا أن “الاتفاقية تمثل محاولة لدفع الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، تطبيعا سياسيًّا واقتصاديًّا”.
وفي الوقت الذي تنظر فيه الحكومة إلى الكويز على أنها فرصة كبيرة لانطلاق المنتجات المصرية نحو العالمية، يعتبر خبير القانون الدولي الدكتور عبد الله الأشعل في تصريحات لسويس إنفو أنها “تأتي ضمن مشروع كبير تسعى إليه أمريكا منذ سنوات، بهدف تقسيم العمل بين دول المنطقة، بحيث يتخصص العرب في تقديم المواد الخام والعمالة الرخيصة، بينما تقدم إسرائيل التكنولوجيا والنواحي الفنية!!”
في المقابل، يرى أسامة سرايا أن الاتفاق يمثل مرحلة انتقالية تمهيدا لتطبيق اتفاق منطقة تجارة حرة مع أمريكا، وهو ما يعني تحرير الجزء الأكبر من تجارتها الخارجية من الرسوم والحصص والعوائق التجارية.
وتتوقع الحكومة، حسبما يعتقد سرايا، أن تدفع تلك المناطق الصناعية المؤهلة إلى زيادة الاستثمارات والإنتاج، وتفادي فقدان 150 ألف فرصة عمل بسبب إلغاء نظام الحصص اعتبارا من أول يناير 2005 الجاري، وتوليد حوالي 250 ألف فرصة عمل.
غير أن الولي يقول “إن اختيار بعض المناطق الصناعية دون غيرها، قد يؤدي لفجوة بين العمال، وهجرة عمالة من منطقة صناعية إلى أخرى”، مشيرا إلى أن “اختيار هذه المناطق المؤهلة، التي تم اختيارها، قد غلبت عليها مصالح رجال الأعمال. فبعض المدن التي دخلت الاتفاقية، مثل البدرشين، لا تُـقارَن بمدن صناعية عملاقة مثل المحلة الكبرى أو الإسماعيلية التي لم تدخل الاتفاق!”
تساؤلات وملاحظات
يتهم السيد سرايا المعارضة المصرية بأنها “تستثمر ورقة كراهية الشعب المصري لإسرائيل لإفشال الاتفاق، ومن ثم إظهار فشل الحكومة المصرية”. إلا أن النائب الإسلامي البرلماني حسين محمد إبراهيم يتساءل “لماذا تضغط أمريكا على مصر لإجبارها على التطبيع مع إسرائيل؟ وإذا كانت مصر رفضت التوقيع عليها منذ 1996، فلماذا وافقت عليها اليوم؟ ما الذي جد بالموضوع؟ ولماذا أُعلِـن عنها بهذه السرعة، دون عرضها على البرلمان؟”
ويقول النائب حسين إبراهيم في حديثه مع سويس إنفو إن ثمة علاقة بين عدد من الأحداث التي وقعت مؤخرا، مثل “مقتل 3 جنود مصريين على الحدود برفح”، ثم “إبرام صفقة عزام/الطلبة”، ثم “السماح باستضافة مسؤولين إسرائيليين بوسائل إعلام مصرية”، وبين التعجيل بإبرام اتفاقية الكويز، متسائلا عن سبب حجب نص الاتفاق عن الإعلام، وعدم السماح بنشره إلا قبل ساعات قلائل من الاتفاق؟
وبينما تحاول الحكومة أن تصور أمريكا على أنها المنقذ للاقتصاد المصري من عثرته، يرى المعارضون، ومنهم النائب البرلماني، أن أمريكا لا تفعل ذلك لـ “وجه الله”، وأن لها أهداف غير معلنة، منها تمكين الكيان الصهيوني من اختراق المنطقة والاندماج فيها، فضلا عن رغبة واشنطن في إضعاف القدرة التنافسية للصناعة المصرية، بما يحُـول دون الاستفادة من اتفاقات أخرى، مثل الكوميسا والشراكة الأوروبية.
بدائل ومقترحات
على الطرف الأخر، يرى الخبير الاقتصادي أسامة سرايا أن مصر وقّـعت على الاتفاقية بهدف إنقاذ صناعة النسيج من التدهور، ويصفها بأنها بمثابة “العكاز” الذي يستند عليه الاقتصاد المصري للدخول إلى السوق الأمريكية.
يرد على ذلك الولي قائلاً إنه بإمكان الشركات الصناعية المصرية أن تُـصدر لدول الاتحاد الأوروبي الـ 25 بدون جمارك، أو اشتراط “مكون إسرائيلي”، وكذا دول الكوميسا الإفريقية الـ 18، ودول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى الـ17 ، فضلا عن منطقتي التجارة الحرة مع العراق وليبيا.
من جانب أخر، لفتت السيدة عائشة عبد الهادي، نائبة رئيس الاتحاد العام للعمال المصريين إلى عنصر أخر عندما قالت “اتخذ الاتحاد قرارا منذ عدة سنوات بعدم التطبيع مع العدو الصهيوني، ومازال العمل به ساريا حتى الآن. لكن الحكومة تقول إن هذه الاتفاقية ستساهم في حل جزء كبير من مشكلة البطالة، وأنها ستوفر 250 ألف فرصة عمل! ونحن، كاتحاد عمال مسؤول ومشغول بالعمال المصريين، لا نقف ضد أي حل لمشكلة البطالة، وسننتظر ما ستسفر عنه الاتفاقية”.
مخاوف!
يتخوف البعض من أن وجود مكون إسرائيلي في المنتج المصري سيفتح الباب أمام التجسس الإسرائيلي في المجال الصناعي، في إشارة إلى أن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام كان يعمل بصناعة النسيج بمدينة العاشر من رمضان.
إلا أن السيدة عائشة ترد على تلك المخاوف في حديث خاص لـسويس إنفو بالقول “هذا كلام مستحيل، فالعامل المصري عنده حس وطني شديد، ولا يقبل مُـطلقا أن يستخدم كأداة للتجسس ضد بلاده، ثم إن هذه المصانع ليست حربية، ومنتجاتها لا علاقة لها بالتسليح، وإنما هي مصانع غزل ونسيج وملابس جاهزة، كما لا يمكن أن يدخل عامل إسرائيلي واحد إلى مصانعنا، فهذا خارج الاتفاقية، فضلا عن أننا لا نقبله مطلقا مهما كان الثمن”.
غير أنها تضيف بعد ذلك قائلة “في الحقيقة، أنا لا أخفي أنني متخوفة من هذه الاتفاقية، ومن آثارها السلبية على صناعتنا. فأنا شخصيا لا أثق بالإسرائيليين، فتاريخهم معنا لا يبشر بخير، ولكن لا مانع من أن نجرب ونعطي للاتفاقية فرصة، ثم نحكم عليها وعلى مدى استفادتنا منها ونفعها لنا، وهل نستمر فيها أم نفسخها”.
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.