اللاجئون الموريتانيون: هل حانت نهاية مأساة 18 عاما؟
اللاجئون الموريتانيون في السنغال ومالي، قصة معاناة وحرمان عمرت حوالي 18 سنة، وكانت ذات يوم خطّـا أحمرا يتوقف الجميع، حتى قبل أن يصل إليه، لكنها أصبحت فجأة مناط حديث الجميع بدون استثناء.
فاليوم تعود قصة هؤلاء إلى واجهة الأحداث، لكن هذه المرة من باب الاعتراف الرسمي بها والعمل على إيجاد حل نهائي لها.
اللاجئون الموريتانيون في السنغال ومالي، قصة معاناة وحرمان عمرت حوالي 18 سنة، طوحت بها السياسة في مهاوي الخلافات والتعصب الأعمى وظلم الوطن والأحبة، وحضرت فيها بصمات العنصرية بشكل مؤسف.
وكانت ذات يوم خطّـا أحمرا يتوقف الجميع، حتى قبل أن يصل إليه، لكنها أصبحت فجأة مناط حديث الجميع بدون استثناء، حتى من كانوا السبب في وجود تلك المأساة، يتظاهرون بالرغبة الجامحة في تسويتها، ويذرفون دموع التماسيح عليها.
فاليوم تعود قصة هؤلاء إلى واجهة الأحداث، لكن هذه المرة من باب الاعتراف الرسمي بها، والتعهد بالعمل على حلها وفقا لرؤية متفق عليها بين الجميع في داخل البلاد، وبمعية المنظومة الدولية، ممثلة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (التي يوجد مقرها في جنيف).
هكذا كانت البداية
بدأت الخيوط الأولى لنسج هذه القضية في أبريل عام 1989، عندما تحول خلاف على الحدود بين مُـزارعين سنغاليين وموريتانيين إلى مواجهات عرقية، استهدفت جاليات كل بلد في البلد الآخر وعاشت المدن الموريتانية والسنغالية على وقع أيام دامية سقط فيها العشرات من الموريتانيين في السنغال، والسنغاليين في موريتانيا في أعمال عنف أخذت طابعا عرقيا غير مسبوق.
وقام كل بلد بإبعاد مواطني البلد الآخر في ظروف سيئة للغاية وشملت عمليات الإبعاد، مواطنين يحمِـلون جنسيات البلد الذي كانوا يقيمون فيه، لأنهم ينحدرون من أصول تعود إلى البلد الآخر.
ومن بين من الذين أبعِـدوا، آلاف من الزنوج الموريتانيين الذي أصر نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع على أنهم سنغاليون، زاعما أن حصولهم على جنسيات موريتانية كان نتيجة للتزوير وفساد الإدارة وهشاشتها.
وما بين 1990 و1992، وإبّـان انشغال العالم بغزو العراق للكويت وحرب تحرير هذه الأخيرة، شهدت المؤسسة العسكرية الموريتانية عمليات تصفية عِـرقية، استهدفت الجنود والضباط الزنوج، الذين أعدِم منهم حوالي 500 شخص، حسب تقديرات بعض منظمات حقوق الإنسان، وفرَّ العشرات مع أسرهم هربا من جحيم تلك التصفيات.
رفض العودة دون شروط
وبعد فترة وجيزة، وبالتحديد عام 1994،عادت العلاقات بين موريتانيا والسنغال إلى سابق عهدها وفتحت الحدود بينهما وسمح لمواطني كل بلد بالدخول إلى البلد الآخر دون تأشيرة، وأعلنت موريتانيا استعدادها لاستقبال كل من يثبت أنه موريتاني، وفي خِـضم ذلك، عاد الآلاف من الزنوج الموريتانيين الذي أبعِـدوا في تلك الأحداث، وفور ذلك الإعلان، قررت المفوضية العليا للاجئين ومنظمة الأمم المتحدة وقف المساعدات التي كانت تقدِّمها للمقيمين في تلك المخيمات، بدعوى أن دوافع اللجوء القسري قد انتفت وأن موريتانيا مستعدّة لاستقبالهم على أراضيها.
لكن مجموعة من المُـبعدين بقِـيت في مخيمات اللاجئين في السنغال وبعضهم في مالي، رافضين العودة إلى موريتانيا، ما لم تقُـم الحكومة الموريتانية بتنظيم رحلات عودة لهم، وتُـمكِّـنهم مِـما سُـلب منهم أثناء الأحداث الدامية أو تمنحهم تعويضا مُـجزيا عنه.
هذا الشرط قابله نظام ولد الطايع بالرفض التام، بل أنه مضى إلى القول أن جميع من يُـوجدون في تلك المخيمات، ليسوا موريتانيين، وأنهم سنغاليون أبعِـدوا في تلك الأحداث، تأسيا بما حدث للموريتانيين في السنغال.
وقد شهِـدت تلك المخيمات صراعات سياسية على النفوذ داخلها، بين جبهة تحرير الأفارقة الزنوج في موريتانيا (أفلام)، وهي حركة قومية زنجية راديكالية، كانت تعتمد النضال المسلح لمواجهة النظام، وبين حزب اتحاد قوى التقدم اليساري، الذي يُـصر على النضال السلمي ويطالب بإعادة اللاجئين، وأثرت تلك الصراعات على رأي اللاجئين، الذين كانوا جزءا من سلاح سياسي، تنازل به هذه الحركات بعضها البعض.
ومع سقوط نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في انقلاب قاده رئيس المجلس العسكري العقيد اعل ولد محمد فال، أعلنت منظمات الدفاع عن هؤلاء اللاجئين رغبتها في الحوار مع النظام الجديد، أملا في حل مشكلتهم، لكن ولد محمد فال سارع إلى قطع الطريق أمامهم، قائلا إن حكومته لن تُـعيد أحدا إلى البلاد، وتمسَّـك بما أعلنه سلفه ولد الطايع من استعدادٍ لاستقبال كل شخص يتمكَّـن من إثبات هويته الموريتانية، لكن شريطة أن يعود من تلقاء نفسه.
الانتخابات بداية الحل
وخلال حملة الانتخابية المحضَّـرة للانتخابات الرئاسية، التي شهدتها موريتانيا في شهر مارس الماضي، حرِص المرشحون للانتخابات الرئاسية على خطب ودِّ الناخبين الزنوج، من خلال التعهد بحل تلك المشكلة وإعادة اللاجئين، لكن أكثر التعهدات وضوحا في هذا السياق، هو ذلك التعهد الذي أطلقه الرئيس الفائز في تلك الانتخابات سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، حين قال أثناء مناظرة تلفزيونية مع منافسه زعيم المعارضة أحمد ولد داداه، إنه يلتزم بحل هذه المشكلة في ظرف لا يتعدى ستة أشهر من تاريخ تولِّـيه الحكم في البلاد.
وتنفيذا لذلك التعهد، أعلن رئيس الوزراء الموريتاني الزين ولد زيدان في أول مثول له أمام البرلمان، أن حكومته بصدد تنظيم عودة لهؤلاء للاجئين، متعهِّـدا بوضع خُـطة شاملة بالتنسيق بين الحكومة الموريتانية والأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، ودعا ولد زيدان المجتمع الدولي إلى مساعدة موريتانيا في إعادة مواطنيها واحتضانهم وتوفير حياة كريمة لهم.
وفي 20 يونيو الجاري، احتفلت موريتانيا لأول مرة في تاريخها، باليوم العالمي للاجئين، وأعلن وزير الداخلية الموريتاني يال زكرياء، وهو من أصل زنجي، أن الحكومة باتت بصدد الشروع في إجراءات إعادة هؤلاء إلى الوطن، مضيفا أن ذلك سيتم وفقا لاتفاقية جنيف وبرتوكولاتها ذات الصلة، والاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان (1948)، والاتفاقية الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (1968)، ووجَّـه الوزير الموريتاني نِـداءً إلى المفوضية السامية للاجئين لمساعدة بلاده في استعادة مواطنيها، وهو النداء الذي ردّت عليه المنظمة الدولية باستعدادها لتقديم العون للحكومة الموريتانية من أجل استعادة اللاجئين الموريتانيين، الذين لا زالوا يعيشون في مالي والسنغال، والراغبين في العودة إلى بلادهم .
وقالت المفوضية في بيان أصدرته في جنيف “إن الإجراءات العملية لعودة هؤلاء والعون الذي سيقدم في هذا الإطار، سيكون موضع مشاورات مع كل الأطراف، خاصة اللاجئين المعنيين وحكومات دول اللجوء في أقرب الآجال”، وتعهدت المفوضية العليا للاجئين بتقديم طلب إلى المنظومة الدولية للمساعدة في هذه العودة الطوعية، “حتى تتم عودة جميع اللاجئين واندماجهم في المنظومة الوطنية الموريتانية في أحسن الظروف، وسعيا لضمان ديمومة الحل، الذي يتخذ لصالحهم”.
وعلى الصعيد الداخلي، طالب “منتدى منظمات حقوق الإنسان في موريتانيا”، والذي يتألف أساسا من منظمات مختصة في الدفاع عن هؤلاء، عن ارتياحه لقرار الحكومة الموريتانية بتنظيم “عودة مشرفة لهم، تحفظ حقوقهم وكرامتهم”.
وطالب المنتدى في بيان أصدره بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، “بفتح حوار مباشر مع منظمات الضحايا، دون وساطة، والقيام بإحصاء فوري للمتبقين منهم في السنغال ومالي، والعودة المنظمة والمشرفة لهم وتغطية حقوقهم الوطنية وتسوية حقوق العمال منهم واستعادتهم لأملاكهم المفقودة”.
مخاوف الهجرة السرية
وعلى الطرف الآخر، ظهرت أصوات تطالب بالتعاطي الحذر مع هذا الملف، مُـبدية تخوّفها من أن يكون تنظيم عودة هؤلاء فرصة لدخول بعض الأجانب من غير الموريتانيين إلى الأراضي الموريتانية.
ويرى أصحاب هذا الطرح، أن وجود هؤلاء اللاجئين بدون هويات، نظرا لأن معظمهم انتزعت منهم هوياتهم أثناء ترحيلهم، سيعقِّـد من مهمة التدقيق في حقيقتهم، كما سيتيح الفرصة لبعض المتسللين للانخراط في صفوفهم، وهو ما يعزز الخِـشية من أن يتدفق العشرات من غير الموريتانيين إلى الأراضي الموريتانية، خصوصا من الراغبين في الهجرة السرية إلى أوروبا، والذين درجوا على اتخاذ الأراضي الموريتانية مُـنطلقا لهم نحو القارة العجوز.
وفي هذا السياق، يقول رئيس لجنة الأمن والدفاع والداخلية في البرلمان الموريتاني، النائب سيدي محمد ولد محم، إنه لا أحد يعارض عودة الموريتانيين إلى وطنهم، لكن على السلطات أن تتوخَّـى الحذر أثناء عودتهم، حتى لا تشمل غير الموريتانيين من الراغبين في دخول الأراضي الموريتانية أو الاستفادة مِـما قد يمنح للاجئين الموريتانيين من تعويضات وامتيازات.
غير أن مثل هذه المخاوف، يرفضها رئيس “الرابطة الموريتانية للاجئين الموريتانيين في السنغال” آمادو صمبا بيدي، قائلا “هذا تخوف غير وارد، فنجن لا نريد إدخال الأجانب إلى بلدنا، والأجانب أيضا لا يتعلَّـقون بموريتانيا كل هذا التعلق”.
أما المُـبعَـد إبراهيم كيبي، والمقيم حاليا في مخيم “تياباخ 3” للاجئين الموريتانيين في السنغال، فيرى أن التخوف غير مبرر الآن، مؤكِّـدا أن هناك إحصائيات قديمة في موريتانيا يمكن العودة إليها في تحديد هويات الموريتانيين، ومنها إحصاء سنة 1981 وآخر سنة 1985، وإحصاء نُـظم سنة 1887، وهناك الإحصاء الذي قامت به المفوضية العليا للاجئين، التي استقبلت المُـبعدين سنة 1989 فور تهجيرهم من موريتانيا، وأضاف “مهما يكن، فموريتانيا تعرف أبناءها، ونحن ليست لدينا أية مصالح في إدخال الأجانب إلى بلدنا”.
شروط العودة
أما عن كيفية تنظيم عودة هؤلاء، فإن الرأي يختلف فيه باختلاف الجهة التي تطرحه، ورغم أن الحكومة الموريتانية لم تتقدم حتى الآن بخطة واضحة لتنظيم هذه العودة التي وعدت بها، إلا أن للسياسيين آراء في هذا الموضوع، حيث يقول زعيم المعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه، إن الحل يكمُـن في تنظيم رحلات عودة لهؤلاء تتولاها الحكومة الموريتانية وتُـشرف عليها الأمم المتحدة وبتنسيق مع حكومتي السنغال ومالي، واستعادة هؤلاء لحقوقهم وتسليط الضوء على الانتهاكات التي كانوا ضحية لها.
بينما يرى زعيم التيار الإسلامي محمد جميل ولد منصور، أن العودة المنظمة لهم واستعادتهم لكامل حقوقهم هو الحل المنشود، وهو المطلب الذي طالما رفعه الإسلاميون خلال السنوات الماضية – حسب قوله – مضيفا “نعتقد أن أي أمر سيسهِّـل عودة هؤلاء المبعدين إلى وطنهم ويكفل حقوقهم، من أمور تنظيمية يتم عليها الاتفاق مع اللاجئين أنفسهم والدول التي تستضيفهم والمفوضية العليا للاجئين، يجب الأخذ به، وعلى الدولة الموريتانية، التي رحلتهم أصلا، أن تتحمل المسؤولية تجاههم”.
أما صالح ولد حننا، رئيس حزب “حاتم” فيقول، إن أي شخص من هؤلاء يثبت هويته الموريتانية، “يجب أن يُـعاد فورا إلى وطنه وإلى وظيفته السابقة، إذا كان موظفا، وأن يتم التعويض لجميع المتضررين، كما ينبغي العمل على عدم تِـكرار مثل هذا الخطأ مستقبلا”.
أما اللاجئون أنفسهم، فيضعون شروطا للقبول بالعودة إلى موريتانيا، يلخصها رئيس تكتل روابط اللاجئين الموريتانيين في السنغال ومالي، مصطفى تراوري قائلا: “الشرط الأول هو إعطاء المواطنة بمفهومها الواسع للاجئين الموريتانيين وإعادة المَـزارع والأراضي التي كانوا يملكونها قبل ترحيلهم، وإعادة الموظفين منهم إلى وظائفهم واستفادة البالغين منهم سن التقاعد من ذلك الحق، ومنح أبناء الضحايا الذين قُـتلوا من التعويض اللازم، كما تجب معرفة لماذا قُـتِـل ومَـن قُـتِـل وكيف قُـتِـل، كما أننا لن نقبل بأي صيغة لا تشارك فيها المفوضية العليا للاجئين وتشرف عليها”.
نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي
دكار-السنغال (بانا)- رحبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة بقرار الحكومة الموريتانية بالسماح لـ 20 ألف لاجئ موريتاني بالعودة إلى بلادهم من مالي والسنغال المجاورتين.
وقالت المفوضية في بيان أمس الجمعة 22 يونيو، إن بعض اللاجئين قضوا أكثر من عقدين في المنفى.
وأكد رضواني النصير، مدير مكتب المفوضية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مرتاحة جدا لهذا التطور، وإننا سنعمل عن قرب مع كل الأطراف المهتمة لتأكيد العودة السَّـلِـسة والكريمة والآمنة لجميع اللاجئين، الذين يختارون العودة طواعية”.
وقالت وكالة الأمم المتحدة للاجئين، إنها تعمل على وضع تفاصيل عودة اللاجئين بالتعاون مع الحكومات الموريتانية والسنغالية والمالية واللاجئين أنفسهم.
ويذكر أن الصراع الحدودي الطويل بين موريتانيا والسنغال قد تصاعد في عام 1989 إلى أعمال عنف عرقية حيث هرب عشرات الآلاف من الموريتانيين الجنوبيين إلى السنغال ومالي، بينما هرب مواطني موريش السنغالية إلى موريتانيا.
يشار إلى أن قرار الحكومة الموريتانية تزامن مع الإحتفال باليوم العالمي للاجئين، الذي صادف يوم الأربعاء 20 يونيو 2007.
(المصدر: وكالة الأنباء الإفريقية Panapress بتاريخ 23 يونيو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.