المُـهاجرون.. بين تحرّك الشمال وصمت الجنوب
فاضت الروح الانسانية على بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي أثناء مناقشاتها موفى الاسبوع الماضي مصير المهاجرين غير الشرعيين.
وبينما يكثف الاتحاد مشاوراته الخاصة بإقامة معسكرات لهؤلاء المهاجرين في شمال إفريقيا، تظل الدول المغاربية المعنية بهذا المشروع ملتزمة الصمت.
فاضت الروح الإنسانية أثناء مناقشة مقترح ألماني بإقامة معسكرات إيواء في دول شمال إفريقيا للمهاجرين السريين تمهيدا لتقرير مصيرهم، وتحديدا في ليبيا والمغرب، وذلك أثناء اجتماع عقد في روما لوزراء خارجية إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا.
لم تبد الدول الأربع، وبدرجات تراوحت بين الرفض والتحفظ، حماسها للمشروع، وإن تركت الباب مفتوحا للمزيد من النقاش. فإذا كانت فرنسا أبدت رفضها الشديد للمقترح الألماني، فقد أكّـد ميشيل بارنييه وزير خارجيتها هذا الرفض علنا “لأنها لا تريد تصدير المشاكل الأوروبية للدول الأخرى”، ذكر زملاءه بتساؤلات كثيرة من جماعات حقوق الإنسان، فإن إيطاليا وإسبانيا والبرتغال قالت إن المشروع الألماني يحتاج إلى مزيد من الدراسة.
ويعتقد وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فارتيني أن الفكرة لازالت تحتاج إلى تقييم شامل لكافة الآثار المترتبة على تطبيقها، وأساسا تحديد الاجتماعية واحترام كرامة الإنسان. ونظيراه الإسباني ميكائيل مورياتينوس، والبرتغالي انطونيو مونتيروان قالا “إن الباب لم يُـغلق بعد أمام الفكرة، وإن كانت تحتاج للمزيد من الدراسة”.
والمسألة الإنسانية ليست الوحيدة التي يستند إليها رافضو المشروع أو المتحفظون عليه، إذ هناك مسألة تمويل المشروع وضمانات احترام حقوق الإنسان في المعسكرات، وإبعاد المحتجزين عن محترفي التهريب البشري.
رفض من ناحية المبدأ
نُـسب مشروع معسكرات الإيواء إلى وزير الداخلية الألماني اوتو شيلي الذي قدمه للاتحاد الأوروبي في اجتماع شيفينيغن بهولندا من أجل “مواجهة أولئك البشر القادمين من الجنوب، ويعرضون أنفسهم للخطر بركوبهم زوارق متهالكة من أجل دخول أوروبا”.
وقد يأتي حماس ألمانيا، رغم أنها ليست مستقبلة للمهاجرين السريين، في سياق أنهم يصلون إلى إيطاليا وإسبانيا، ويشدون الرحال بسرعة إلى دول الشمال الأوروبي، ومنها ألمانيا، حيث البحث عن المهاجرين السريين أقل وطأة وشدة، وهو ما يسهل تحويل المهاجر السري إلى مقيم غير شرعي.
ليست معسكرات الإيواء استحداث الوزير شيلي، فجُـلّ دول الاتحاد الأوروبي، وتحديدا إيطاليا وإسبانيا وفرنسا بحكم قربها الجغرافي من محطات المهاجرين السريين، يقيمون وحتى الآن مثل هذه المعسكرات، بغض النظر عن مسمياتها، وتضم المئات من الأفارقة الذين تمكنوا من الوصول إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
وكان أبرز هذه المعسكرات أو المراكز – مركز مدينة سبتةK ومركز سان غات التابع للصليب الأحمر المقام بمدينة كاليه شمال فرنسا، والذي أغلق قبل عامين بعد بعض الاحتجاجات.
وأثارت منظمات حقوق الإنسان في عدد من الدول الأوروبية ألا إنسانية هذه المعسكرات، ليس فقط لما يتعرض له المحتجزون من انتهاكات لحقوقهم وكراماتهم، بل أساسا من ناحية المبدأ، إذ اعتبرت أن المعسكرات ستكون عبارة عن سجون، وهذه فكرة غير إنسانية ولا تنسجم مع مبادئ وقيم الحضارة الإنسانية.
لـمَ التفكير في شمال إفريقيا؟
تريد أوروبا “المفعمة” بالروح الإنسانية” و”الفائضة” بحقوق الإنسان أن تريح ضميرها وأيضا أسماعها من مناشدات وتنديدات ناشطي حقوق الإنسان، وها هي الآن تتداول وتناقش فكرة إقامة معسكرات أو مراكز إيواء في دول شمال إفريقيا.
ورغم ان ليير باخين، كاتبة الدولة الاسبانية في التعاون الدولي اعتبرت إثر تصريحات في الرباط ان موقف الدول المعنية باقتراح إحداث مراكز استقبال بمنطقة المغرب العربي بأنه “أساسي”، وانه لابد من الاخذ بعين الاعتبار وجهة نظر الدول المعنية حول هذه المسألة.
واكدت السيدة ليير أن هذه الفكرة لا تشكل “اقتراحا رسميا”، وأنه ليس هناك بالتالي “رد رسمي” للدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي، فإن تأمين موافقة دول الاتحاد على الفكرة كافية لان موافقة الدول المستقبلة تكون مسألة ثانوية، فهي موافقة مؤمنة من جهة، ولانها دول تتحمل عواقب ما ستعرفه المراكز او المعسكرات من انتهاكات حرصت اوروبا ان تكون خارج مسؤوليات حضارتها.
وفي مرحلة سابقة، كان التوجه الأوروبي نحو إقامة معسكرات احتجاز في الدول المصدرة للهجرة السرية أو ما يُـعرف بدول المنشأ، لكنها أدركت فيما بعد أن مثل هذه المعسكرات، إذا لم تترافق مع استثمارات ومؤسسات تكوينية، تساعد هؤلاء الشباب على إنعاش آماله بمستقبل ممكن أن يكون سعيدا في بلده بدل الهجرة، والمغامرة بإتجاه أوروبا التي لم تعد تستوعب “مهاجرين جدد” يحملون فيروس أمراض معدية وفتاكة أو حاملين لفيروس الإرهاب.
كانت خشية المتحمسين للمشروع قيام السلطات في دول المنشأ من التسريع بفك حجز هؤلاء، وما دفعهم للعدول عن الفكرة والبحث في إمكانية احتضان دول من شمال إفريقيا لمثل هذه المعسكرات، وأن يصرح وزير الداخلية الألماني بصوابية مشروعه، يؤكّـد أن المفاوضات أو الاتصالات مع طرابلس والرباط قد قطعت أشواطا بعيدة، خاصة وأن اجتماع شيفينيغن أقر مساعدات في هذا الإطار لليبيا والمغرب.
علامات استفهام.. وصمت
المغرب وليبيا المتداول اسميهما رسميا في مناقشات الاتحاد الأوروبي لاستضافة المهاجرين السريين والمقيمين غير الشرعيين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، لازالا حتى الآن يلتزمان الصمت، ليس فقط على الصعيد الرسمي، بل حتى على صعيد الإعلام والمجتمع المدني.
وبإستثناء صحيفة العلم، تجاهلت الصحف المغربية هذا الملف أو لم تنتبه له، رغم مخاطره وإساءته للبلدين، داخليا ودوليا، والمجتمع المدني بمنظماته المختلفة لازال مطبق الصمت ولم يُـدل برأيه في هذا المشروع، وهو ما قد يؤشر على تمييز عنصري لا شعوري، بحكم أن المعسكرات ستكون مخصصة لذوي البشرة السوداء من إفريقيا جنوب الصحراء، رغم أن كلا من ليبيا والمغرب وأية دولة ستقبل بإقامة مثل هذه المعسكرات على أراضيها ستتحول إلى سجن لهؤلاء.
صحفيا، اضافة إلى تقرير في صحيفة العلم حول المشروع، وجهت يوميتا البيان وليكونوميست انتقادا حادا للفكرة، وقالت إن أصحاب هذا الاقتراح يسعون لرمي مسؤوليتهم على عاتق بلدان الضفة المتوسطية الجنوبية.
واختارت صحيفة البيان عنوان “مخيمات العار”، فيما اختارت ليكونوميست ذات التوجه الاقتصادي عنوانا مثيرا هو “سانغات” وأن “من سيؤدي ثمن ذلك هم المغاربيون، وبالدرجة الأولى المغاربة، لأنه في المغرب تتمتع الصحافة والجمعيات غير الحكومية بهامش أكبر من الحرية للتحري
داعية إلى محاربة هذه “الفكرة السيئة” بقوة.
وقالت البيان: “إن بعض قادة الدول الأوروبية الذين، عوض التفكير في الأسباب العميقة لهذه الظاهرة، يفكرون في إحداث حائط بين الضفتين لها وجهة واحدة، جنوب – شمال”، وأضافت :”بدل أن تأخذ كل الوقت لإعداد سناريوهات كابوسية لملاجئ محصنة ومحاطة بالأسلاك الشائكة لوقف المهاجرين السريين عند السواحل المتوسطية الشمالية، كان الأجدر بالاتحاد الاوروبي وضع مخطط للتعاون وتنمية إفريقيا اعتمادا على ثرواتها، مما سيساعد على قلب التوجه مبكرا وتحقيق الإقلاع الاقتصادي”.
على الصعيد الرسمي مغربيا، لازالت السلطات تعلن يوميا عن عدد المهاجرين السريين الذي تلقي القبض عليهم، ويضافون في اللوائح التي تضم، حسب المصادر الرسمية المغربية، أكثر من 120 ألف مهاجر، ولا تنسى هذه السلطات التذكير بأن هؤلاء ينتمون إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ولا زالت طرابلس تعلن مخاطر التواجد الشبابي الإفريقي المكثف في مدنها وقراها وما يحمله هؤلاء من أوبئة وفيروسات مهددة للحياة البشرية، وتقول “إن ليبيا تحتضن أكثر من مليون مهاجر إفريقي مرشح للهجرة السرية”.
يطرح الموقف الرسمي لكل من الرباط وطرابلس أكثر من علامة استفهام حول المكاسب التي ستجنيها كل منهما من مثل هذه المعسكرات. فالرباط بحاجة لمساعدات واستثمارات وقروض، وقد يكون في احتضان معسكرات الإيواء إحدى ضمان وصول رسالة حول إمكانية الانخراط الكامل في المشروع الأوروبي، بغض النظر عن الحجم والثقل، وقد يكون ذلك مشجعا لأوروبا للذهاب أبعد مع الرباط في ملف النزاع الصحراوي المؤرق للرباط منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.
وقد تتحمس ليبيا لمشروع معسكرات الإيواء لإقناع الغرب أن ليبيا القرن الماضي ليست ليبيا القرن الحادي والعشرين، وأنها مؤهلة للمساهمة بفعالية في تحولات حضارية تعرفها الإنسانية.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.