“المتنبي” يحط الرحال في برن
استضافت العاصمة برن جزءا من فعاليات مهرجان المتنبي الشعري العالمي، في دورته السادسة بعد أن انطلق في 13 مايو في زيورخ ومنها إلى لوتسرن، وقبل أن يتوجه إلى جنيف ثم لوغانو.
المتبني يناقش هذا العام العلاقة بين الشعر والسياسية ويستضيف 21 شاعرا من أطياف ثقافية مختلفة كما أضاف الموسيقى كركن هام إلى فعالياته.
قد يعتقد المرء للوهلة الأولى أنه لا توجد علاقة بين الشعر والسياسة، ولكن ما أن تستمع إلى مقتطفات من قراءات شعراء يقدمون من ثقافات مختلفة أو تتعرف على وجهات نظرهم حول ماهية السياسة وعلاقة المشتغلين بها بالمثقفين عامة والشعراء خاصة، حتى يتبين لك أن هناك علاقة، تختلف جغرافيا وتاريخيا.
فعندما صعد الشاعر المصري حلمي سالم أمام الجمهور ليقرأ قصائده، تحدث عن القلم والريشة، فالأول يمكن أن يكون بندقية والثانية تطير لتصيب مواطن القلق والتوتر، وجعل من الكلمة حماما طائرا وثوابت راسخة أمام المجتمع بكل طبقاته، ثم تحدث عن إنقاذ الحداثة حتى وإن كان الفرد بسيطا في تعليمه، فطالما تتحرك اليد والأصابع، فالإنسان قادر على تغيير واقعه ومواجهة الظلم والفساد.
ويقول حلمي سالم لسويس انفو بأن العلاقة بين السياسة والشعر في العالم العربي هي علاقة السلطة المتحكمة مع المثقف الذي ينقل أوجاع المجتمع، وبالتالي فإن الشعراء على اختلاف توجهاتهم هم أول من يتعرضون للقمع، أو يتحولون إلى ابواق للنظام، أما في الفرب فإن العلاقة مختلفة تماما، لأن مفهوم السياسة في الغرب يختلف عنه في الشرق، وبالتالي لا يعيش المثقف أو الشاعر نفس معاناة نظيره العربي.
أما الليبية خلود الفلاح، (وهي أول مساهمة نسائية ليبية في المهرجان)، فقدمت مقطوعات قصيرة أشبه بفراشات تمزج بين جمال الطبيعة والخيال الحالم، ولكنها لا تنسى دائما بأن هناك قلقا وتوترا ومخاوف من كوارث ونكبات، وتعكس بذلك أن العالم أصبح قرية صغيرة ومرآة إن لم تكن ترى نفسك فيها فغيرك يراك، كما ترى أنت فيها الآخرين.
من قلب المعاناة
ويبدو الفرق بين علاقة الشعر بالسياسة جليا عند المقارنة بين أشعار الأوروبيين مع ما يكتبه العرب، حيث توفق المهرجان في اختيار ارنسيت فيخنر، الألماني من أصل روماني، الذي يعبر في كلماته عن حال رومانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والذكريات التي بقيت في عقله منذ سنوات نشأته الأولى، ويقول النقاد بأن المعالجة الشعرية لهذه الحقبة بالتحديد تبدو جلية تماما.
فهذا الشاعر كان سيكتب تلك المقطوعات بصيغة أخرى لو لم يكن هاجر إلى ألمانيا في السبعينيات، فهو نوع من شعر المهجر إن صح التعبير، أثرت فيه التجربة الديمقراطية الألمانية مقارنة مع القمع الشيوعي الروماني، وبالتالي جاء نقده مختلفا عمن يكتب من قلب المعاناة.
تلك المعاناة التي فر منها فيخنر لينتقل إلى ألمانيا، عاشها الفلسطيني مريد البرغوثي مع أبناء شعبه طيلة أكثر من نصف قرن، فكان لها وقع آخر في تنظيم شعره، فهو على الرغم من المعاناة المتواصلة، يريد أن يشعر أنه فرد عادي في هذا العالم، وإن كان هذا الشعور لا يلغي قسوة الاحتلال ومرارة العيش، ولا يعني بأن هذا الحالة غير العادية، تحولت إلى شئ طبيعي.
ويرى البرغوثي بأن مشاركة الشعراء الفلسطينيين في مهرجان المتنبي وغيرها من الفعاليات الثقافية في سويسرا أمر هام جدا، إذ يجب على الشريحة المثقفة الأوروبية أن ترى صورة أخرى للفلسطيني غير أن يكون ضحية مضرجة بالدماء أو قاتلا موصوفا بالإرهاب.
أشعار البرغوثي ركزت على الهوية الفلسطينية من خلال تشبيهات وتعبيرات مختلفة في أبياته، وتتلخص رسالته في أن الفلسطيني موجود وإن نظر إليه الآخرون على أنه لا يستحق الوجود. وتعكس أشعار البرغوتي رؤيته للأجواء التي تحيط بالقضية الفلسطينية من خير وشر، والبحث عن الأمن والاستقرار، وفي الوقت نفسه يرى بأن الشعب الفلسطيني – رغم القهر والمعاناة – يجعل “أعدائه الأقوياء يخافون منه بشكل دائم”.
جسر متواصل بين ثقافتين
تواصل مهرجان المتبني الشعري الدولي للعام السادس على التوالي وانتقاله بين 5 مدن سويسرية يرى فيه الشاعر العراقي ورئيس المهرجان علي الشلاه نجاحا، ترجمه أيضا دعم مؤسسات سويسرية مختلفة له، آخرها كان الفرع السويسري لمنظمة اليونسكو.
ويؤكد الشلاه في حديثه مع سويس انفو بأن المهرجان يمثل جسرا للتواصل بين سويسرا والعالم العربي من خلال الشعر، حتى وان اعتقد البعض بأن الشعر يفتقد جمهورا في أوروبا أو سويسرا، ولكن المهرجان لاحظ مع تواصل أنشطته للعام السادس على التوالي، أن قاعات الإستماع إلى النصوص وحضور المناقشات تكون ممتلئة عن بكرة أبيها، كذلك فإن تجربتنا هذا العام لنقل المهرجان إلى مناطق سويسرا اللغوية الثلاث، هي أيضا نوعا من بناء جسور التواصل بين المشهد الثقافي السويسري، وهي تجربة “تحدث للمرة الاولى في سويسرا”، حسب تأكيده.
هذا الإنتاج الشعري الغزير الذي قدمه المهرجان خلال مسيرته والتي استعرض فيها العلاقة بين الشعر ومجالات مختلفة مثل الموسيقى والدين والفن التشكيلي، ودور القصيدة في حوار الحضارات، هي توثيق هام لرؤية شعراء من مختلف ثقافات الأرض تقريبا حول قضايا ثقافية هامة لها انعكاساتها على نواح مختلفة في الحياة.
ويقول الشلاه بأن طرح هذه الأعمال التي قام المهرجان بترجمتها وتوثيقها في شكل استعراض لرؤية الشعراء عمل يقوم المهرجان بتجهيزه، لكن هناك مشكلة التمويل والتوزيع أيضا لأن المهرجان يعاني من أحل الحصول على التمويل المناسب، وحتى الآن فإن التمويل يقع بالكامل على الجانب السويسري.
ويقول الشلاه بأن محاولات العثور على تمويل عربي محايد لا يتدخل من أعمال المهرجان ولا يفرض شروطا أمر يكاد يكون حتى الآن مستحيلا، ولا يريد المهرجان ان يقع في خطأ الجامعة العربية عندما تركت تمويل حضورها في مهرجان فرانكفورت الدولي للكتاب في أياد لم تتمكن من وضع الثقافة العربية في صورتها الصحيحة.
وأكد الشلاه على أن ما وصل إليه المهرجان من نجاح حتى اليوم تجعل مسؤولية المحافظة عليه أمرا تحرص الإدارة عليه، وبالتالي من واجب إدارة المهرجان أن تمسك بزمامه بالكامل أفضل من أن تتركه في أياد تتردد أو تخشى من التطرق إلى هذا الموضوع أو ذاك أو تفرض دعوة هذا الشاعر أو ترفض حضور آخر، إذا يرى الشلاه بأن الحفاظ على مصداقية المهرجان أمر لا يجب التهاون فيه
رأي البعض أن العلاقة بين الشعر والسياسة هي علاقة بين طرفين، أحدهما سلطوي قمعي لا يريد سماع الصوت الآخر الصادر من قلب المجتمع، وآخرون يرون بأنها علاقة بين صناعة القرار وضمير المثقف، يسترشد الأول برأي الثاني، وبالتالي فهي علاقة تناغمية، لكن للشاعر العراقي كاظم الحجاج رأي ثالث إذ يرى أن “السياسة في اللغة العربية هي طريقة ترويض الخيول وفي اللغات اللاتينية هي كلمة أقرب ما تكون إلى الشرطة، وكلاهما لا يصلحان للتعامل مع الشعر”.
سويس انفو – تامر أبو العينين – برن
يستمر مهرجان المتنبي الشعري السادس من 13 إلى 20 مايو 2006 ويشرف عليه المركز الثقافي السويسري العربي ومقره زيورخ.
يشارك في فعاليات هذا العام 21 شاعرا من بينهم 3 شاعرات من سوريا وليبيا والإمارات.
يطوف المهرجان بخمس مدن سويسرية هي زيورخ ولوتسرن وبرن وجنيف ولوغانو.
نجح المهرجان في كسب تأييد ودعم العديد من الجهات الثقافية السويسرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.