المرتزقة الجدد والقانون الدولي
يطرح اللجوء المتزايد إلى استعمال المقاتلين الخواص في الصراعات الدولية معضلة تحديد المسؤولية تجاه القوانين والمعاهدات الدولية وعلى رأسها معاهدات جنيف.
كما تثير ظاهرة “خصخصة الحروب” بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر، السؤولة عن تطبيق معاهدات جنيف، مشكلة احترام بنود تلك المعاهدات من قبل هؤلاء المرتزقة الجدد.
إذا كانت ظاهرة تجنيد الخواص لأداء بعض المهام في الصراعات المسلحة ذات الطابع الدولي، قد طفت على السطح مجددا في حرب الخليج الأولى من خلال لجوء الولايات المتحدة إلى تجنيد حوالي 1% من مجموع قواتها في صفوف “المرتزقة الجدد”، فإن حجم هذه الظاهرة لم يظهر على حقيقته إلا في حرب العراق الأخيرة.
إذ تشير بعض المصادر الإعلامية إلى أن إجمالي تعداد الخواص من بين القوات الأمريكية المتمركزة في العراق حاليا يفوق 20 ألف شخص أي حوالي 15% من مجموع الـ 130 ألف جندي أمريكي في بلاد ما بين الرافدين.
مهنة مربحة للغاية ولكن…
ومع أن عدة أطراف لا تتردد في إطلاق صفة “المرتزقة الجدد” على هؤلاء المجندين الخواص، فإن توظيفهم يتم عبر شركات حراسة أمريكية وجنوب افريقية وأوربية بعضها له أسهم في البورصة، وتفوق مداخيل بعضها الآخر 100 مليار دولار سنويا.
ومن أهم المغريات التي تدفع أشخاصا إلى مغادرة مهن ووظائف مريحة في بلدانهم الأصلية كسائق شاحنة أو حارس سجن أو متقاعد في الشرطة او حتى في الوحدات الأمنية أو العسكرية الخاصة، الرواتب العالية المعروضة عليهم والتي تتراوح ما بين 500 و 1500 دولار امريكي في اليوم الواحد.
وفيما اقتصرت المهام التي تسند لهؤلاء المجندين الخواص في الفترات السابقة على تأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والعتاد والذخيرة، فإن كثرة اللجوء إلى هذه الفئة من المقاتلين، وتعدد الصراعات التي تطلبت تدخلهم في مناطق شتى من العالم من البلقان إلى أفغانستان إلى العراق حاليا، أدت إلى توسيع مفهوم ومجالات استخدام هؤلاء المرتزقة الجدد.
فقد أصبحت توكل لهم مهام حساسة كالتجسس، والتدريب، وحراسة الشخصيات والمواقع الإستراتيجية أو الحساسة. وتكفي مشاهدة التهافت الكبير لشركات الحراسة على العمل في العراق منذ سقوط بغداد لإدراك الحجم الهائل لهذه السوق التي تجد في تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين تشجيعا على ازدهارها.
فقد اخترع وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد (حسبما أوردته مؤخرا صحيفة لوتون السويسرية)، مفهوم الـ OUT-sourcing المقصود به عمليا “التجنيد من خارج صفوف الجيش”، كما ظهر مصطلح “الميليشيات الصديقة” التي طالب نائب وزير الدفاع الأمريكي بول فولفوفيتز في العاشر من أغسطس 2004 الكونغرس بتخصيص ميزانية لفائدتها بحوالي 500 مليون دولار، من أجل محاربة “الإرهاب والثورات” على حد قوله.
في المقابل، يبدو أن الفائدة الكبرى التي تدفع إلى تجنيد هؤلاء المرتزقة الجدد بأجور مرتفعة وخيالية في بعض الأحيان، تتمثل في حرص القيادات العسكرية (والسياسية) على التقليل إلى أدنى حد من حجم خسائر القوات النظامية التي تسقط في ميدان المعارك، خصوصا إذا ما تم الزج بتلك القوات في صراع ما ضد إرادة أغلبية الرأي العام الوطني.
لذلك عادة ما يتم تجاهل إضافة أرقام القتلى في صفوف فرق الحراسة الخاصة إلى القائمة الرسمية لضحايا الصراع. وفي العراق أو أفغانستان، لم ينتبه الرأي العام إلى وجودهم أصلا إلا عندما تعرضت وسائل الإعلام إلى بعض من سقطوا منهم ضحية عمليات اختطاف كرهائن.
مرتزقة… وخارج القانون
إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استحدثت في حربها ضد الإرهاب عبارة “مقاتل خارج القانون” لوصف المعتقلين الذين تعتبرهم من أنصار القاعدة وحركة طالبان، فإن لجوئها إلى تجنيد هذه الأعداد الكبيرة من الخواص في حربها بالعراق ومن قبل في أفغانستان، يثير اليوم تساؤلات حول مدى امتثال هؤلاء المقاتلين للقوانين الدولية، وبالأخص لمعاهدات جنيف.
ومثلما أوردت صحيفة لوتون الصادرة في جنيف، “لم يعد بإمكان اللجنة الدولية للصليب الأحمر تجاهل هذه الفئة من المقاتلين في مناطق النزاع” حسبما ورد في حوار اجرته الجريدة مؤخرا مع جيل كاربونيي المسؤول عن “وحدة الاتصال بالقطاع الخاص” في اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما اعترف المسؤول باللجنة الدولية بـ “وجود غموض في القانون الإنساني الدولي بخصوص مسؤولية هؤلاء المتقاتلين الخواص”. فإذا كان منتسبو القوات النظامية مطالبون باحترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وتسهر الدول في أغلب الأحيان على تلقينهم تلك المبادئ، فإن منتسبي هذه الشركات الخاصة مطالبون في حال ارتكابهم لتجاوزات وانتهاكات أن يقدموا إلى محاكمة أمام النظام القضائي في المكان الذي ارتكبت فيه تلك التجاوزات.
والمزعج هنا هو أن النظام القضائي في مناطق النزاعات عادة ما يكون متدهورا بل مفقودا في الكثير من الأحيان، وهو ما يثير قلق اللجنة الدولية بخصوص إفلات الجناة من العقاب. ولعل خير دليل على ذلك هو ما تم في حق الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب حيث أثبتت التحقيقات والشهادات تورط عدد من هؤلاء الخواص في عمليات التعذيب والتحقيق.
من جهتها، ترى العديد من المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق الصراعات المسلحة، أن التعامل مع القوات النظامية يتم بيسر وسلاسة من خلال الحوار مع القيادات المتتالية (أي ذات السلم القيادي التصاعدي الواضح)، بينما يعسر التعامل مع هذه الوحدات الخاصة التي لا يُعرف الكثير عن التسلسل القيادي فيها والتي كثيرا ما تتحول إلى عائق بوجه العمل الإنساني.
وفيما تتحمل الدول عادة مسؤولية نشر مبادئ القانون الإنساني الدولي والترويج لها في صفوف مواطنيها سواء كانوا عاملين ضمن القوات النظامية ام لا، تعتزم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الفترة المقبلة – حسب السيد كاربونيي – تعزيز اتصالها المباشر مع كبريات شركات القوات الخاصة في العالم لتحسيسها بمبادئ القانون الإنساني الدولي ولحثها على نشره بين أفرادها.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.