“المساعدة على الانتحار” تثير الإنقسام في صفوف الأطباء
فيما اختتمت يوم الجمعة 6 يونيو في بازل، محاكمة طبيب بتهمة المساعدة غير المشروعة على الانتحار، دعا أطباء سويسريون إلى إضفاء مزيد من المرونة على التوجيهات العامة المتعلقة بهذا الملف.
ويرى البروفيسور كلود روغامي، رئيس اللجنة المركزية للأخلاقيات التابعة للأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية، أن توجها من هذا القبيل سيعتبر خطأ.
لا يكاد ملف المساعدة على الانتحار يغادر مسرح الأحداث في سويسرا، حتى يعود إليه بقوة أكبر، ومن الواضح أن هذه المسألة تثير حاليا انشغال عدد كبير من الأطباء.
فعلى سبيل المثال، نشرت مجلة الأطباء السويسريين في أعدادها الأخيرة، مواقف متضاربة حول الموضوع، وخاصة منذ أن أقرت المحكمة الفدرالية (وهي أعلى سلطة قضائية في الكنفدرالية) في شهر نوفمبر 2006، الحق في اللجوء إلى المساعدة على الانتحار بالنسبة لحالات المرضى النفسيين، بشروط محددة.
في هذا السياق، تابع المعنيون بانتباه شديد المحاكمة، التي دارت على مدى أسبوعين تقريبا في مدينة بازل، وانتهت يوم 6 يوليو الجاري بصدور حكم بالسجن بثلاثة أعوام ضد طبيب نفساني رافق ثلاثة مرضى نفسيين في انتحارهم.
البروفيسور كلود روغامي، رئيس اللجنة المركزية للأخلاقيات، التابعة للأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية، التي قامت في عام 2004 بمراجعة توجيهاتها بخصوص التكفّـل بالمراحل الأخيرة من الحياة، وقد سمح ذلك بفتح طريق (وإن بشروط محددة)، بوجه تدخل طبيب للمساعدة على الانتحار.
سويس انفو: لا شك أنكم تتابعون المحاكمة الجارية في بازل؟
البروفيسور كلود روغامي: نعم بالتأكيد. وعلى ضوء الحُـكم، فقد يتوجّـب علينا إعادة النظر في توجيهاتنا، لكن الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية، ليست هنا لرد الفعل على الفور.
سويس انفو: هل لا زال الأطباء ممزقين حول المسألة؟
البروفيسور كلود روغامي: النقاش لن ينتهي أبدا. فمن هنا وهناك، نستمع إلى أصوات تعتبر أنه يجب توسيع مجال المساعدة على الانتحار، ليشمل حالات أخرى تتجاوز المراحل النهائية من الحياة، لأن المحكمة الفدرالية لم تعترف بوضوح في القرار، الذي أصدرته في شهر نوفمبر الماضي، بهذا المقياس.
في المقابل، يُـعتبر هذا المقياس حاسما في توجيهاتنا الحالية، إذ لا يمكن لطبيب أن يتدخل بصفته الشخصية (في المساعدة على الانتحار – التحرير)، إلا إذا كان المريض في المرحلة النهائية من حياته. أما المقاييس الأخرى، فتتمثل في حرية اختيار قرار الموت واستمرار الرغبة في الموت.
سويس انفو: ماذا يقول الأطباء المؤيدون لانفتاح جديد؟
البروفيسور كلود روغامي: الطبيب الذي يقبل بالمساعدة على الانتحار والذي يتصرف، بناء على قناعاته الشخصية، يرى أن التخلي عن مريضه في تلك اللحظة، ليس قرارا سليما. ويعترف الأطباء، الذين يرغبون في توسيع مجال التوجيهات، لتشمل بالخصوص المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو المصابين بأمراض مُـتلفة للأعصاب، مثل مرض ألزهايمر، بأنه يجب احترام القرار المستقل لكل شخص، فحتى المرضى، الذين يعانون من اضطرابات نفسية لديهم القدرة على التقييم والتمييز.
سويس انفو: وماذا عن الأطباء الذين يعارضون هذا الانفتاح؟
البروفيسور كلود روغامي: الأطباء الآخرون يعتبرون أن المساعدة على الانتحار، لا تدخل في إطار الطب، الذي يجب عليه أن يتحرك على العكس من ذلك ضد الرغبة في الموت، كما أن على الطب أن يخفف، بوجه خاص، من الآلام وأن يعالج المخاوف، من خلال مرافقة المريض.
وقد سبق للأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية أن أصدرت توجيهاتها بهذا الخصوص في عام 2006 تحت عنوان “العلاجات المسكِّـنة”، ولهذا السبب، عنونت مقالي الأخير، الذي نشرته في مجلة الأطباء السويسريين بـ “الأطباء ليسوا خبراء في الموت الإرادي”.
سويس انفو: برأيك، أين يكمُـن الخطأ في توسيع مجال التوجيهات (لتشمل المرضى الذين ليسوا في مراحل الحياة النهائية – التحرير)؟
البروفيسور كلود روغامي: عندما نخرج من إطار نهاية الحياة، فسوف نكون قد تدخلنا في مجال لم يعد طبيا، لكنه يندرج في إطار خيار مجتمعي، أي اختيار طريقة الموت، أما الخطر الثاني، فيتمثل فيما يسمى بالإنكليزية « slippery slope » أو المنحدر المنزلق.
صحيح (مثلما أظهر ذلك مقال نُـشر مؤخرا في مجلة نيو إنغلاند الطبية)، أن الدول التي أقدمت على تحرير المساعدة على الانتحار، أي هولندا وبلجيكا وولاية أوريغون الأمريكية، التي تُـمارس فيها المساعدة على الانتحار تحت المسؤولية الطبية، لم تسجِّـل ارتفاعا في عدد الحالات، بل إن هولندا شهدت بعد الانخفاض. وفي كل هذه الأماكن، تم إقرار “العلاجات المسكِّـنة”، وهذا أمر جيِّـد.
في المقابل، فإن الاعتراف بالمساعدة على الانتحار، يمكن أن يدفع أشخاصا لا يُـمكن السيطرة عليهم، إلى ارتكاب الخطإ الذي لا يمكن إصلاحه، مثلما حدث في قضية ممرض لوتسرن (وهو شخص يبلغ 36 عاما من العمر، قتل 22 مُـسنا في دار للعجزة بدافع الشفقة ما بين عامي 1995 و2001، حسب تصريحاته في المحاكمة التي أثارت جدلا واسعا في سويسرا)، على سبيل المثال.
سويس انفو – أريان جيغون بورمان
(ترجم الحوار من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
في سويسرا، يُـمكن لمنظمات المساعدة على الانتحار مرافقة الأشخاص الراغبين في الموت، شريطة أن لا تكون دوافع ذلك أسبابا ذات طابع أناني أو الشفقة.
على الشخص أن يتناول بنفسه المشروب القاتل، الذي لا يُـسلّـم إلا بناء على وصفة طبية.
في عام 2004، خففت الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية من توجيهاتها، وسمحت بتدخل طبيب بشروط محددة، من بينها أن يكون الشخص الراغب في الموت في مرحلة نهائية من الحياة.
في أعقاب قضية أثارت صدمة لدى الرأي العام في سويسرا، اتخذت جمعية Exit، الناشطة في الأنحاء الناطقة بالألمانية، قرارا بالتوقف لفترة معينة عن التكفل بالأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، وقد رفِـع هذا الحظر في عام 2004.
في المقابل، وضِـعت شروط صارمة جدا، من بينها أن يكون الشخص قادرا على التمييز وأن تكون الرغبة التي عبّـر عنها ثابتة لفترة طويلة وأن تتأسس على قرار مستقل.
في قرار أصدرته المحكمة الفدرالية بتاريخ 3 نوفمبر 2006، أقرت أعلى هيئة قضائية في سويسرا المساعدة على الانتحار للحالات النفسية، لكنها رفضت إمكانية المطالبة بهذا الحق، واستبعدت أيضا، اعتبار “وصول المريض إلى مرحلة نهائية في حياته”، مقياسا أساسيا للسماح بذلك.
إذا ما وافق (الطبيب) في حالات استثنائية على تقديم مساعدة على الانتحار إلى مريض، فعليه تحمّـل مسؤولية التثبت من توفّـر المتطلبات الدنيا التالية الضرورية:
· أن المرض الذي يعاني منه الشخص، يسمح باعتبار أن نهاية حياته قريبة.
· أنه تم اقتراح علاجات بديلة عليه وأنه – في صورة إبداء المريض الرغبة في ذلك – قد تم استعمالها.
· أن يكون المريض قادرا على التمييز وأن تكون رغبته في الموت ناجمة عن تفكير معمّـق وأن لا تكون نتيجة لضغط خارجي مورس عليه وأن تكون مستمرة، وهذا الأمر يجب أن يتم التحقق منه من طرف شخص ثالث، لا يجب أن يكون بالضرورة طبيبا.
· في كل الحالات، يجب أن يقوم المريض نفسه بالخطوة الأخيرة للمسار المؤدي إلى الموت.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.