المغرب: لا غالب ولا مغلوب!
كشفت نتائج الانتخابات البلدية في المغرب تراجع حزب العدالة والتنمية الإسلامي مقارنة مع النتائج التي حققها في الانتخابات التشريعية.
وقد جاء هذا الحزب في المرتبة الحادية عشرة ضمن قائمة الأحزاب والتيارات التي ضمنت مقاعد في المجالس البلدية.
قالت مصادر أمنية مغربية إن الشرطة أوقفت يوم الثلاثاء الماضي بمدينة بوزنيقة قرب العاصمة الرباط مجموعة من 14 منتخبا ببلدية الناظور (شمال المغرب) جمعهم رئيس البلدية السابق طارق يحيى.
قد لا يتوقف الكثيرون عند هذا الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلا من زاوية اعتقال أشخاص انتخبهم سكان مدينة الناظور يوم الجمعة الماضي أعضاءً في مجلسها البلدي يُـسيّـرون شؤونهم لمدة ست سنوات.
لكن للخبر في الوقت الذي يلي الانتخابات أبعادا كثيرة تتمحور حول تشكيل المجالس البلدية التي تتولى التسيير اليومي لشؤون المواطنين في مختلف المدن والقرى المغربية.
فالمنتخبون الذين يتجاوز عددهم أكثر من 23 ألف شخص يُـشكّـلون القاعدة الانتخابية أو الناخبين الكبار، ليس فقط للمجالس البلدية، بل أيضا لمجالس الجهات والعمالات، وأيضا لثلثي مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) في البرلمان المغربي.
ويأتي اعتقال 14 منتخبا في إطار عمليات الضغوط والاغراءات التي يُـمارسها الطامحون للوصول إلى رئاسة المجالس القروية أو رئاسة المجالس البلدية للمدن، وأساسا لمنصب عمدة المدينة في المدن التي يتجاوز عدد سكانها الـ 500 ألف نسمة.
خارطة سياسية مفتتة
وبالنسبة للأحزاب، فالانتخابات البلدية التي جرت في المغرب يوم 12 سبتمبر أفرزت خريطة مُـفتّـتة حرمت أي حزب من الأحزاب الـ 22 التي خاضت الانتخابات من امتلاك أغلبية في أي مجلس (بلدي أو مجلس مدينة) لمدينة كبيرة، وجعلت عدد الأصوات التي حصل عليها أي حزب من الأحزاب أو المقاعد التي فاز بها على مستوى المدن أو على مستوى المغرب غير كافية لتحديد البلديات التي سيتولى تسييرها خلال السنوات القادمة.
وبالتالي، ستكون الأحزاب مضطرة (شرعيا وسياسيا) إلى إنشاء تحالفات لم تتبلور بعد بصورة نهائية لتحديد من سيتولى رئاسة البلديات، لاسيما في المدن الكبرى.
والانتخابات البلدية، حسب قانون الانتخابات المغربي الجديد، تجري وفق ثلاثة أنماط. بالنسبة لمجالس الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 25 ألف نسمة تتم وفق الانتخاب الفردي، والمجالس للجماعات أو المدن التي يترواح عدد سكانها بين 25 ألف و500 ألف نسمة وفق الانتخابات باللائحة، أما بالمدن التي يتجاوز عدد سكانها الـ 500 ألف نسمة، فقُـسمت إلى مقاطعات يجري انتخاب مجالسها باللائحة، ويُـكوّن منتخبوها مجلس المدينة الذي ينتخب العمدة، وهذا النمط ينطبق على مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس ووجدة وطنجة.
أعطت نتائج الانتخابات البلدية حزب الاستقلال (أعرق الأحزاب المغربية) المرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات وعدد المقاعد المحصل عليها، وأعطت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الحزب الأول في مجلس النواب) المرتبة الثانية، أصواتا ومقاعدا، يليهما التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، فيما احتل حزب العدالة والتنمية (الأصولي المعتدل) المرتبة 11 وهي نفس الرتبة التي احتلها في قائمة الترشيحات.
التحالفات السياسية التقليدية
ترتيب الأصوات أو المقاعد المحصل عليها لا تعني أن أي حزب من الأحزاب الأساسية في الحياة السياسية المغربية يستطيع إعلان فوزه أو أن فرحته اكتملت بهذه الأرقام، وعليه خلال الأيام القادمة أن يُـكثّـف اتصالاته لتكوين تحالفات تعطيه حظا لقيادة المجالس، خاصة في المدن الست الكبرى.
محور التحالفات هما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال. فقد تقاسم الحزبان صدارة قوائم الفائزين في هذه المدن (حزب الاستقلال في مراكش وفاس والدار البيضاء ووجدة، والاتحاد الاشتراكي في الرباط وأغادير)، وهما اللذان شكلا محور التحالفات عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في 27 سبتمبر 2002، وأدّى التنافس بينهما على احتلال منصب الوزير الأول إلى استبعادهما وتكليف ادريس جطو (تكنوقراط غير مُصنّـف حزبيا) بهذه المهمة.
كل من الحزبين يعيد قراءته للنتائج، قام بمشاورات أولية لجس النبض حول التحالفات، وكل منهما وصل إلى توافق حول أن تكون التحالفات في إطار الأغلبية الحكومية، أي أن تتكون المجالس، حيث يتوفر ممثلون وبنسبة التمثيل، من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار والقطب الحركي (تحالف الحركة الشعبية والحركة الوطنية الشعبية والاتحاد الديمقراطي)، وهي الأحزاب التي فازت بأكثر من 70 بالمائة من الأصوات والمقاعد، وتشكّـل أغلبية مريحة في جل المجالس، وفي جميع المجالس البلدية في المدن المتوسطة والكبرى.
وقالت مصادر لسويس انفو إن الوزير الأول إدريس جطو التقى قادة هذه الأحزاب واتفق معهم على التحالف في إطار الأغلبية الحكومية، كون ذلك يبقى السبيل الوحيد لقطع التحالف بين أي من هذه الاحزاب، خاصة حزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية الأصولي، واتفق معهم مبدئيا على منح حق الرئاسة أو العمادة إلى الحزب المحتل للمرتبة الأولى في تلك المدينة.
عقدة الدار البيضاء
إلا أن المصادر أشارت إلى أن الإقرار النهائي لهذا التحالف لازال رهينا بالاتفاق بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال حول مدينة الدار البيضاء، التي يعتبر كل منهما أنها المقياس لإعلان فوز مهما كانت وضعيته في المدن الأخرى.
فالاتحاد الاشتراكي يعتبر المدينة تاريخيا أحد معاقله ويرشح لعمادتها خالد عليوة عضو مكتبه السياسي ووزير التعليم العالي، فيما يراهن حزب الاستقلال على مدينة الدار البيضاء لما سيكون لعمادة المدينة من دور في ميدان الاستثمار أو تدبير الشأن العام، ويرشح للعمادة كريم غلاب وزير التجهيز والنقل أو ياسمينة بادو كاتبة الدولة المكلفة بالعائلة والتضامن الاجتماعي. إلا أنه قد يكون للسلطات موقف مختلف فتدفع، كما فعلت فيما يتعلق بمهمة الوزير الأول، باتجاه اختيار شخصية من خارج الحزبين.
قراءات متعددة لنتائج انتخابات قالت المصادر الرسمية إن نسبة المشاركة فيها وصلت الى 54% (لم تتجاوز بالمدن الكبرى 25%)، وكل حزب اعتبر نفسه فيها فائزا.
فالاستقلال قال إنه احتل المرتبة الأولى، والاتحاد الاشتراكي قال إنه لأول مرة يحتل المرتبة الثانية من حيث الأصوات والمقاعد ويفوز بدوائر كانت محرمة عليه في وقت سابق، وحزب العدالة والتنمية أعلن فوزه بحجم المقاعد التي حصل عليها قياسا مع عدد الدوائر التي خاض فيها الانتخابات، واحتلاله المرتبة الثانية في محصلة أصوات المدن الكبرى، والأهم أن السلطات تعلن فوزها بانتخابات شهد الجميع أنها جرت في كنف النزاهة.
ويبقى السؤال هل أن نتائج الانتخابات تحقق فوزا للمغرب أم انتكاسة لتجربة رائدة في دول العالم الثالث في ميدان العمل الجماعي؟
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.