المغرب يعيش مُسبقا على وقع تشريعيات 2007
تتحكم تشريعيات 2007 بالفعل الحزبي المغربي منذ الآن في برامج اليمين والوسط واليسار، وفي بنيات الأحزاب وتحالفاتها، بل وفي الشعارات التي ترفعها على الساحة السياسية.
التشريعيات المقبلة لن تكون، دستوريا وسياسيا، كغيرها من التشريعيات السابقة، والتي شكلت، زمنيا وسياسيا، محطة متميزة في مسار المغرب المستقل.
الفاعل الحزبي المغربي يريد تمييز تشريعيات 2007 لأسباب تهمه ولا تهم غيره أو تهم البلاد.
كل الانتخابات التشريعية المغربية منذ استقلال البلاد 1956 كانت محطة وعلامة بارزة أو حملت طابع مرحلة جديدة في إقامة الدولة المغربية وتطورها.
تشريعيات سنة 1963 كانت انتخابات أول برلمان مغربي دون أن تكتمل دورته الدستورية، وحل عام 1965 بعد توتر واضطرابات وتشريعيات ما بعد ذلك إلى أن شهد عام 1977 مقاطعة الأحزاب الديمقراطية، فلم تكتمل دورتها أيضا.
ومنذ منتصف السبعينات، بداية المسلسل الديمقراطي الذي تتطور متزامنا مع فتح ملف الصحراء الغربية والذي تواصل حتى الآن، عرف المغرب خمسة استحقاقات تشريعية، حملت كل منها طابعا خاصا، لكنها شكلت حلقات في سلسلة لا زالت متواصلة إيجابا، وإن كانت المسيرة عرفت تعثرات كادت أن تودي بها لولا حراجة الموقف المغربي، سياسيا وعسكريا في الصحراء الغربية.
تشريعيات 2007 تأتي في سياق المسلسل الذي انطلق منتصف السبعينات، وبعد أن ترسخ المسلسل وبات فاعلوه متفقين على عدم التراجع عنه والعودة إلى الوراء وتوافق على ثوابت وطنية، وشُرعت قوانين تضبط العمل الحزبي والسياسي لتجعل العملية الانتخابية استحقاقا طبيعيا وعاديا وليست مسألة احتفالية أو “عرسا للديمقراطية” بقدر ما هي ممارسة سياسية يقوم بها المواطن إذا أراد كلما دعي إلى ذلك.
وسياسيا، قد تكون تشريعيات 2007 محطة عادية في الحياة السياسية المغربية، لكن الأحزاب المغربية تتعاطى معها كمحطة استثنائية، وتستعد لها منذ الآن وتربط كل ما تقدمه وتعلنه بها، وهو ما يثير التساؤل والاستغراب.
تخوفات ورهبة .. وآمال
فالأحزاب المغربية، المشاركة في الحكومة أو تحتل مقاعد المعارضة، يمينها ويسارها ووسطها، اشتراكيوها وليبراليوها وأصوليوها، كلهم يتحدثون عن 2007، وهو ما يؤشر على تخوفات ورهبة تسكن قلوب البعض وآمالا يحلم بها البعض الآخر، لذلك ستكون تشريعيات 2007 محطة تحول لكل القوى الحزبية المغربية، فاليسار أو ومن يطلق عليها بالقوى الديمقراطية هيمنت على الشارع المغربي منذ الاستقلال، وتقدم نفسها دائما على أنها المعبرة باسمه والحاملة لهمومه وطموحاته وبرامجها حبل نجاة البلاد من المآزق والأزمات الاقتصادية والتعليمية التي تعيشها.
ورغم أن الملك أمير المؤمنين ورمز البلاد، فإنها كانت تقدم نفسها شريكا له في تحقيق الاستقلال وبديلا عنه في مراحل ما بعد تولي الحسن الثاني الملك في البلاد، وعادت تطرح نفسها شريكا منقذا ثم قبلت بأن تكون الفاعل الحزبي الأساسي في ظل ملكية تنفيذية.
وحين كلف الحسن الثاني في ربيع 1998 هذه القوى والأحزاب بتدبير الشأن العام وتشكيل حكومة هي عمودها الفقري، كانت في الحسابات السياسية شريكا للقصر في انجاز إصلاحات سياسية ودستورية تحقق الديمقراطية وإقامة دولة الحق والقانون.
ونجحت في تقديم نفسها فاعلا سياسيا مختلفا عن كل الحكومات التي تأسست في عهد الحسن الثاني، لكن بعد وفاة الملك الحسن الثاني سنة 1999، ومع ملك جديد، وجدت هذه الأحزاب والقوى في القصر أسلوبا جديدا وحسابات مختلفة ارتبكت في التفاعل معه واثبات قدرتها على الحفاظ على نفسها شريكا، ووجدت نفسها تائهة بين ما رفعته من شعارات طوال سنوات المعارضة والآمال التي بنيت عليها أدت اكراهات الحكومة وتدبير الشأن العام إلى الابتعاد عن التماس اليومي مع الشارع، مصدر قوتها، وبين إدراكها أن قدراتها وإمكانياتها والحد من سلطاتها والتزماتها التي لا تسمح لها بالتعبير عن واقعها ستدفع ثمنه في تشريعيات 2002، حتى وان بقيت تحتل رأس قائمة الفائزين.
تحركات داخلية وخارجية
وهذه الأحزاب تراهن على 2007 لإعادة مكانتها إن كان في الشارع أو في القصر التي تزعزعت لذلك تستعد من الآن دون أن تخفي استعدادتها، إن كان في إعادة هيكلة نفسها داخليا وتسخين مواقفها من قضايا صمتت عنها طويلا، أو من خلال دعوات التحالف فيما بينها وتعميقه ووضع أسسه من الآن.
وإذا كانت تشريعيات 2007 قد تبعد نهائيا من ساحة منافسة الأحزاب الديمقراطية، من توصف مغربيا بالأحزاب الإدارية، التي تسعى لإثبات وجودها على الأقل، فإن المنافس الحقيقي هو التيار الأصولي المعتدل الذي اطل برأسه وأكد حضوره في تشريعيات 2002، واحتل المرتبة الرابعة، مع إعلانه انه لم يكن يريد اكتساح الساحة وانه حرص على اقتصار ترشيحه في عدد من الدوائر الانتخابية وليس في كل الدوائر.
وتتفق الأوساط السياسية على أن التيارات الأصولية، في ظل التحولات العالمية وما عرفه التيار الأصولي من مد وتصاعد في مختلف الدول العربية والإسلامية، وتقلص حضور التيارات الديمقراطية في الأوساط الشعبية والأحياء الفقيرة والمهمشة، استطاعت خلال السنوات الماضية أن تكون القوة الحزبية الأولى في المغرب.
ومن هذا المنطلق، تستعد التيارات الأصولية المعتدلة لاستحقاق 2007 لشرعنة قوتها الجديدة وتجسيدها بمقاعد في المؤسسة التشريعية ثم التنفيذية تؤهلها لكي تكون شريكا يكلف بتدبير الشأن العام.
والاستعدادات ليست تنظيمية حزبية فقط أو تحالفات أو أطروحات تطمئن الفاعلين الداخليين، بل أيضا تحرك خارجي لدى أطراف دولية تجد الأصولية المعتدلة في تدبير الشأن العام بديلا لقوى وأحزاب يسارية وليبرالية تقلص حجم تأثيرها لدى النخب أو في الأوساط المؤهلة لتصبح بنادق بيد التطرف الأصولي المهدد لها.
قد تكون تشريعيات 2007 المغربية بعيدة زمنيا، لكن التعاطي مع المرحلة الحالية كمرحلة انتقالية يجعلها همّا يوميا للأحزاب والتيارات السياسية المغربية، وان كانت تشغلها عن التزامات يكون انجازها ضروريا لتحقيق أماني المرحلة القادمة.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.