تعاون علمي بين سويسرا وتونس لحل معضلة ملوحة المياه بالوطن القبلي
في الوقت الذي تعرف فيه المناطق الشاطئية كثافة سكانية كبيرة في مختلف القارات، يلحق تسرّب ملوحة البحر إلى مخزون المياه الجوفية العذبة أضرارا بالغة بجودة المياه، وبالمنتجات الزراعية فيها.
هذه المعضلة البيئية كانت محور أطروحة دكتوراه بمعهد الدراسات الهيدروجيولوجية في نوشاتيل بسويسرا أنجزها الباحث التونسي جوهر كرّو قبل بضعة أشهر، وأشرف عليها الخبير السويسري فيليب رينار، بالتعاون مع المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، والمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بها.
الأطروحة التي أجازتها لجنة علمية من عدة دول تسلّط الضوء على الوضع المائي بقرية “قربة” التونسية الواقعة في الشمال الشرقي للبلاد، وهي من المناطق المهددة في المستقبل القريب بأزمة مائية حادة بحسب تقدير الخبراء.
ويقول جوهر كرّو، صاحب الأطروحة، أنه “حظي بدعم وتشجيع العديد من الجهات في تونس وفي سويسرا، كالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس، والمدرسة الوطنية للمهندسين، والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بنابل، ومن الجانب السويسري، الصندوق الوطني للبحث العلمي، الذي موّل الجانب الأكبر من المشروع، بالإضافة إلى دعم وتمويل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون”.
أهداف الأطروحة
ويتلخص موضوع الأطروحة كما يقول السيد كرّو في البحث في تقنيات النمذجة الرياضية وسبل تطبيقها في المجال الجيولوجي بمنطقة قربة التونسية، للوصول من وراء ذلك إلى وضع تنبؤات علمية حول تطور أوضاع الثروة المائية في تلك المنطقة في المستقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار جملة من المتغيّرات الهامة، كالتغيرات المناخية مثلا.
لكن البحث لم يقتصر على الجانب النظري فحسب بل شمل أيضا دراسة واختبار العديد من الخطط في مجال إدارة الموارد المائية لتحديد الأكثر نجاعة من بينها، والتوصل بالتالي لخطة مثلى لإدارة رشيدة ومستدامة لتلك الموارد المتجهة إلى النضوب.
ورغم أن هذا البحث قد تركز منذ البداية على دراسة الحالة التونسية، وهدف إلى تزويد المزارعين التونسيين بمنطقة الوطن القبلي بحلول ناجعة ومستدامة تسمح لهم في نفس الوقت بضمان التزوّد بالمياه السطحية والجوفية الصالحة للري، وحماية منتجاتهم من ظاهرة الملوحة التي لا تتوافق وطبيعة الزراعات بالمنطقة، فإن هدف الجهات الراعية والداعمة لهذا المشروع العلمي أشمل من ذلك بكثير، نظرا لأن هذه المشكلة تحولت إلى معضلة دولية حقيقة لا مجازا.
وقد كشف الباحث جوهر كرّو عن عمق هذه المشكلة، حيث أشار إلى أن “آخر الإحصائيات تثبت أن هناك أكثر من 50% من سكان العالم اليوم يعيشون في مناطق لا تبعد عن شواطئ البحار والمحيطات بأزيد من 100 كلم، وأن جميع المناطق الشاطئية تعاني من كثافة سكانية مرتفعة، وهو ما أدى إلى تراجع منسوب المياه الجوفية في هذه المناطق، وبالتالي تداخل مياه البحر المالحة مع ما تبقى من المياه الجوفية العذبة”.
ومن البلدان التي تعاني من هذه الظاهرة بلدان الشرق الأوسط، والبلدان الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط كإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وأيضا قبرص واليونان.
نتائج الدراسة
بالإضافة إلى كونها توصلت إلى تعداد وإبراز سلبيات العديد من الطرق العلمية والرياضية التي كانت مستخدمة من قبل في الأبحاث الجيولوجية، وساهمت في تجاوز العديد من أوجه القصور في بعض البرامج المعلوماتية ذات العلاقة، مكّن النموذج الرياضي الذي طوّره الباحث التونسي كما يقول هو نفسه “من رسم السيناريوهات التي ستواجه الثروة المائية بقرية قربة التونسية في المستقبل، وإلى حدود سنة 2050”.
ويضيف: “للأسف توقعاتنا في هذا الإطار سوداوية جدا، لأنه لو افترضنا أن المزارعين في تلك المنطقة قلصوا استهلاكهم من المياه الجوفية إلى 50% من الآن فصاعدا، فإنه من المتوقع في هذه الحالة أن يفقد 20% من مخزون المياه الجوفية في المنطقة عذوبته بحلول سنة 2050”. وسيزداد تفاقم الوضع إذا أخذنا بعين الإعتبار التغيرات المناخية، حيث تشير أفضل التوقعات بالنسبة إلى تونس إلى أن “معدل تساقط الأمطار في منطقة الوطن القبلي سوف يتراجع من 400 ميلمتر في السنة حاليا إلى 320 ميلمتر في العام بحلول 2050”.
ومن بين الإجراءات المستعجلة التي بالإمكان اتخاذها لإيقاف هذا التدهور، يوصي الخبير التونسي، “أوّلا، بالسيطرة على استهلاك المياه الجوفية، والإعتماد أكثر على مصادر بديلة كالسدود، وبالحفاظ على نوع من التوازن بين الجهات، فإذا ما ارتفع الإستهلاك في جهة، لابد من الضغط عليه في منطقة أخرى، وأيضا المراقبة والمتابعة المستمريْن”.
تعاون سويسري تونسي
الأطروحة تندرج ضمن مشروع علمي أشمل هو “مشروع المياه بالوطن القبلي”، والذي يتم انجازه بالتعاون بين المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، والمعهد الوطني للعلوم الفلاحية، بالإضافة إلى معهد الدراسات الهيدروجيولوجية بنوشاتيل.
وبفضل هذا التعاون تقوم الجهات المشاركة بأبحاث متزامنة و متكاملة حول نفس الموضوع. وفي هذا السياق يمكن الإشارة أيضا إلى أطروحة السيدة فيروز سلامة، باحثة بالمعهد الوطني بالمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس حول موضوع “تسرب الملوحة للمياه الجوفية غير العميقة”، تحت إشراف الأستاذة رشيدة بوحليلة، ودراسة أخرى تشرف عليها الأستاذة جميلة ترهوني، من المعهد الوطني للعلوم الفلاحية، والتي تحولت مؤخرا إلى سويسرا للتباحث حول نفس الموضوع مع فريق الباحثين بمعهد الدراسات الهيدروجيولوجية بنوشاتيل.
وتكمن الأهمية العملية لهذه الدراسات في أنها تدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان، وتلفت أنظار أصحاب القرار إلى الأخطار المحدقة بسبب تسرّب الأملاح إلى المياه الجوفية. ويؤكد الدكتور جوهر كرّو أنه “بإمكان المسؤولين بقطاع المياه، وقبل فوات الأوان، وبالاعتماد على هذه الدراسة، أن يضعوا خططا متوازنة ومناسبة لإدارة جميع القطاعات الاقتصادية بالمنطقة”.
في سياق متصل، يستمر الإهتمام بهذا الموضوع عبر بحوث علمية أخرى، إذ يستعد الأستاذ السويسري فليب رينار للإشراف قريبا على أطروحة جديدة تتناول المجال نفسه، وقد قدّم هذا الأخير طلبا لتمويلها إلى الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي، وهي معلومة أكدها مسؤولون بالصندوق، لسويس انفو أفادوا بأن “الطلب قيد الدراسة”.
عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch
حسب آخر تقييم للموارد المائية (سنة 2000) نشر على مواقع إلكترونية تابعة لمؤسسات بحثية مختصة، تبلغ كمية الموارد الجملية بالبلاد التونسية 4825 مليون متر مكعب منها 2700 متر مكعب مياه سطحية والأخرى جوفية.
الموارد المائية السطحية
يبلغ معدّل الأمطارالسنوية التي تنزل على البلاد التونسية 230 ميليمتر. ويتميز نظام هطول هذه الأمطار بالتغير حسب الفصول والمناطق حيث أن مصادر المياه السطحيــة في أقصى الشمال تمثل 36 % من الموارد السطحية الجملية رغم أن هذه المنطقة لا تمثل إلاّ جزءا ضئيلا من مساحة البلاد (3 %).أمّا عن باقي مصادر المياه السطحية بالشمال التونسي فهي متأتية من أحواض “مجردة” و”الوطن القبلي” و”مليان”.
أمّا منطقة الجنوب التي تبلغ مساحتها حوالي ثلثي مساحة البلاد فإنها تمتاز بمحدودية مواردها المائية السطحية بمعدل لايتعدى 6 % من الموارد الجملية أي حوالي 190 مليون متر مكعب سنويا.
الموارد المائية الجوفية
حسب تقييم سنة 2000 تبلغ نسبة الموارد المائية الجوفية 2125 مليون متر مكعب منقسمة إلى 745 مليوم متر مكعب متأتية من الخزّانات السطحية و1380 مليوم متر مكعب من الخزانات العميقة مع العلم وأن 650 مليون متر مكعب من الموارد المائية الجوفية العميقة غير متجددة.
أمّا عن نسب الموارد الجوفية حسب المناطق الطبيعية للبلاد فتحتوي منطقة الشمال أكثر من النصف (55 %) من الطبقات القليلة العمق أما في الوسط فلا تتجاوز هذه النسبة 30 % ويحتوي الجنوب على 15 % منها. وأما الموارد الجوفية العميقة فتوجد خاصة في منطقة الجنوب حيث تمثل 58 % من جملة الموارد المتوفرة بالبلاد.
وبلغت نسبة إستغلال الموارد الجوفية القليلة العمق 780 مليون متر مكعب سننة 2000، يقع استغلالها عن طريق ما يقارب من 90.000 بئر سطحية مجهزة بمحركات حرارية أو كهربائية. وتستغل هذه الموارد في عدة قطاعات كالزراعة والإستهلاك المنزلي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.