مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الهجوم على معبد الملكة بلقيس يُـصيب الاقتصاد بمقتل

رجال قبائل يمنيون يقفون جوار السيارات التي دمرها الهجوم الإنتحاري يوم 3 يوليو 2007 في مدينة مأرب شرق البلاد Keystone

باغت متطرفون إسلاميون أجهزة الأمن اليمنية، رغم استنفارها منذ أن أعلن ما يطلق على نفسه "قاعدة الجهاد" في اليمن الأسبوع الماضي، تهديداته بتوجيه ضربات مُـوجعة للحكومة، وهو ما حصل باستهداف الفوج السياحي الإسباني، الذي على ما يبدو أنه أصاب اقتصاد اليمن بمقتل.

فعلى حين غُـرة، نفّـذ الإرهابيون وعِـيدَهم وسدّدوا ضربتهم لنقطة الضّـعف في الاقتصاد الوطني، الذي ظل عُـرضة طيلة العقد الأخير لمنغِّـصات الأوضاع الأمنية في البلاد.

فاختيار منفذي العملية لأهم المعالم التاريخية اليمنية، عرش الملكة بلقيس ملكة سبأ، لم يكن حسب المراقبين والمتابعين، إلا اختيارا لضرب السياحة اليمنية، التي تراهن عليها صنعاء لتحريك عجلة الاقتصاد اليمني، الذي يعاني من صعوبات عديدة.

ويرى المراقبون أن الهجوم على القافِـلة السياحية، الذي أدّى إلى مقتل وجرح ثلاثة عشر شخصا من الإسبان ومرافقيهم من اليمنيين، يعيد طرح الإشكال الأمني في البلاد من عِـدة زوايا، وسيكون له آثار وانعكاسات خطيرة على الصّـعيد الأمني والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

الترهيب والترغيب

فعلى المستوى الأمني، يُـعد تنفيذ تنظيم القاعدة لتهديداته، مؤشرا على أن هذا التنظيم، رغم الضربات المُـوجعة التي تلقّـاها منذ إعلان الحرب على الإرهاب بُـعيد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، لا زال قويّـا، ويستطيع أن ينفِّـذ وعِـيده، على عكس ما كان متوقّـعا من أن أتباع التنظيم في اليمن، قد حجموا، بالقدر الذي أربك نشاطهم الإرهابي.

وحتى وقوع الهجوم، ظل الاعتقاد السائد، أن التنظيم ليس بمقدوره أن يوجِّـه ضربات مؤلمة، لاسيما أن الأجهزة الأمنية أفشلت في السابق محاولات إرهابية عدّة، آخرها كان إفشال تفجير منشآت نفطية، في كل من حضرموت ومأرب خلال الحملات الانتخابية في سبتمبر من العام الماضي.

غير أن تنفيذ الإرهابيين لهجومهم هذه المرة، في أجواء أمنية مشددة وبوجود حِـراسة دائمة ترافق أفواج السياحية المتنقلة، جاء ليُـلقي بمزيد من الشكوك حول القضاء النهائي على خطر القاعدة، الذي باغت قوات الأمن اليمنية من حيث لا تحتسب، طِـبقا لما نُـقل عن مسؤولين كبار، وأكّـده الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي قال في مؤتمر صحفي عقب الهجوم “في حقيقة الأمر، إن الأجهزة الأمنية كانت لديها معلومات منذ حوالي 4 أيام قبل الهجوم الإرهابي، حول احتمال وقوع حوادث إرهابية وتفجيرات لكن أين؟ ومتى؟ وفي أي مكان؟ هذا الذي كان غائبا عن هذه الأجهزة، وطبعا الأجهزة الأمنية أخذت احتياطاتها ورفعت الجاهزية في كل المرافق، خاصة حول المنشآت النفطية ومؤسسات الدولة المختلفة والمناطق الحساسة، ولم يَـتبادر إلى ذهنها أن الهجوم سيكون في تلك المنطقة المحيطة بمعبد أوام في مأرب”.

وكان تنظيم القاعدة قد أعلن قبل الهجوم أنه بصدد الإعداد لتوجيه ضربات مُـؤلمة للحكومة اليمنية، التي اتَّـهمها بأنها تقف في صف الطُّـغيان ضد الإسلام والمسلمين، وطالبها بإعادة النظر بعلاقتها بواشنطن والكفِّ عن مُـلاحقة المجاهدين، وما لم تفعل، فإنها ستكون هدفا لمشروعه الجهادي، مما استنفر المراقبة الأمنية تحسُّـبا لأي طارئ، إلا أن ذلك لم يَـحُـل دون تنفيذ المتشددين الإسلاميين لتهديداتهم.

ويرى المتابعون، أن تنفيذ الهجوم في هذه الظروف الأمنية المشددة وقبلها هروب 23 من عناصر التنظيم من سجن الأمن السياسي عبر نفق أرضي، يعني أن التنظيم، رغم ملاحقة أعضائه وضرب أوكاره على مدار الست سنوات الماضية، لا زال خطَـره قائما، مما يعنِـي أن جهود مكافحة الإرهاب، التي بذلتها وتبذُلها الحكومة اليمنية، تحتاج إلى مُـضاعفة، وربما إعادة نظر تطال تبديل وتغيير التكتيكات المتّـبعة، لتشمل تجفيف منابع الإرهاب، خاصة أن صنعاء لا زالت تمِـيل إلى إتِّـباع أساليب الترهيب والترغيب مع المتطرّفين الدينيين، تارة تلاحقهم وأخرى تحاورهم، وهو أمر لم يفضِ إلى القضاء على العنف والتطرف الديني، الذي كثيرا ما قيل أن المقاربة اليمنية في التعاطي مع هذا الملف، حققت نتائج مُـرضية، قلَّـما حققتها بلدان أخرى.

شعار لإرضاء الخارج

وفي معرض تعليقه على تعامل الحكومة اليمنية مع ظاهرة العنف الديني، قال الدكتور عبد الإله الكبسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق في جامعة تعز لسويس انفو “لا يبدو أن هناك إستراتيجية متكاملة لمكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، وحتى الآن لم تعالج الإشكالية باعتبارها شأنا مجتمعيا تهُـم كل مؤسسات وفعاليات المجتمع، من جامعات وصحافة ومثقّـفين ومجتمع مدني، والطريقة التي اتُّـبعت لم تنفتِـح على المفهوم الواسع للأمن القومي، بما هو أمن مجتمع، وإنما جرى التعامل معها كشعار لإرضاء الخارج أكثر من أنه إشكالية مجتمعية، وبالتالي، تعاطت معها السلطات كمسألة أمنية مُـحاطة بالسرية والكتمان، الأمر الذي يعقِّـد فهم ظاهرة اختيار معنى الموت وانتحار مَـن يَـقدِمون على مثل هذه الأعمال، دون هدف واضح”.

ويستطرد الكبسي موضِّـحا أن الأسباب المنتجة للظاهرة متعدّدة، وبالتالي، فإن الحوار مع المتطرفين، الذي كثيرا ما فاخرت به الحكومة، ظل شأنا سُـلطويا أكثر منه شأنا مجتمعيا، يهم المجتمع بكل شرائحه واتِّـجاهاته، مما أضعف الدور الاجتماعي لمؤسسات المجتمع وهيئاته.

ضربة قاسية للاقتصاد

على الصعيد الاقتصادي، بات في حكم المؤكَّـد أن الهجوم سيترك أثارا سلبية على الاقتصاد اليمني، الذي يمر بأوضاع حرِجة ويُـعاني من مشاكل عدّة، أبرزها تراجع إنتاج النفط من سنة إلى أخرى، حيث تشير المعطيات المتوافرة، أن احتياط النفط اليمني في تناقُـص مُـستمر، وقد تراجع احتياطي النفط الخام من 5 مليار برميل في مطلع التسعينيات إلى ما دون مليار برميل، ويتراجع الإنتاج بمعدل سنوي يقدر بـ 4.6%، مما يحمل انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد، لاسيما أن الصادرات النفطية تشكِّـل ما نِـسبته 90% من إجمالي صادرات البلاد، وعوائد تصديره تقدّر بحوالي 70% من موارد الموازنة العامة ويمثل نسبة 28% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي، نضوبه في أفق السنوات الثمان القادمة، سيحرم الخزينة العامة من موارد التمويل اللاّزمة للتنمية البشرية والاقتصادية، وسيخلِّـف أثارا شديدة الوطأة على الاقتصاد اليمني الهش.

أمام هذه الحقائق، التي تلتقي عليها الكثير من التقارير، راهنت الحكومة على القِـطاع السياحي، غير أن هذا القطاع ظل عُـرضة لتقلُّـبات الظروف الأمنية في البلاد، فقد تعرض منذ منتصف التسعينيات إلى حوالي 100 حالة اختطاف لسياح أجانب من قِـبل مجموعات قبلية، مما أدى إلى تذبذب أعداد السياح القادمين إلى اليمن مع كل حادثة من تلك الحوادث، ثم يأتي هذا الهجوم الانتحاري ليُـصيب السياحة بمقتل، بعد أن كان القطاع قد عرف تحسُّـنا ملحوظا بفِـعل الجهود المبذولة للحدّ من تعرّض السياح لعمليات اختطاف.

وتعاملت الحكومة بصرامة مع منفِّـذي تلك العمليات، مما أتاح فرصة لنمو العائدات السياحية في العامين الماضيين، وبلغت أعلى مستوى لها العام الماضي، الذي زار البلاد خلاله أكثر من 330 ألف سائح، وحقق عائدا بلغ 287 مليون دولار.

وكانت الحكومة اليمنية وضعت خطة للفترة ما بين 2005- 2010، همّـت تنشيط القطاع، بُـغية تحقيق عوائد تصل إلى 1.5 مليار في أفق عام 2010، ويصل عدد السياح القادمين إلى البلاد مليون سائح، وبما يعوّض تراجع الإنتاج النفطي، بيد أن الهجوم الإرهابي الأخير، سيُـلقي بظِـلاله على هذا النشاط الموعود، خاصة للسياح القادمين من أوروبا والدول الغربية، التي بادر عدد من حكوماتها عقِـب هذه الحادثة إلى تحذير رعاياها من السفر إلى اليمن، فيما ألغت وكالات السفر حجوزاتها المفترضة، وهو ما يعني الدخول في مرحلة ركود جديدة للنشاط السياحي، المعوّل عليه في تحريك عجلة الاقتصاد اليمني.

ثنائية التقسيم الداخلي

على المستوى الثقافي والاجتماعي، يعيد الحادث طرح إشكالية التشردم الثقافي والاجتماعي بثنائية الصراع بين من يتصورون أنهم، ثقافيا، يمتلكون الحقيقة وحدهم وما دونهم الباطل.

واجتماعيا، في ضرورة تلاحم القريب ضد الغريب، وهو ما بدا واضحا في بيان التهديد، الذي توعد به تنظيم القاعدة الحكومة اليمنية، كما أن المكان والهدف الذي اختاره منفِّـذو العملية الانتحارية، لا يخلوا من المغزى المعبِّـر عن ثُـنائية الصراع بين من يعتقدون أنهم الخير المُـطلق وغيرهم الشر المطلق.

وفي هذا السياق، يذهب الدكتور عبد الإله الكبسي إلى التعليق بقوله “ثنائية التقسيم الداخلي للمذهبيات الإسلامية، التي ترفض التعايش مع الآخر الإسلامي والآخر غير الإسلامي، إشكالية مُـزمنة، زاد منها التقسيم الغربي لبلدان العالم إلى ثنائيات مُـتصارعة زادت من حدّة الوضعية الانقسامية بشكل غير مسبوق عبّـر عنها بن لادن بصِـراع بين دار الإسلام ودار الكفر، وجسّـدها بوش بتصويره للصِّـراع بين دار الحضارة الديمقراطية ودار الإرهاب، مُـعتبرا أن الآخرين يحسِـدونه على ما ينعم به من حرية و ديمقراطية، وقد ذهب إلى ذلك مِـرارا في تفسيره للصِّـراع وبرّر لنفسه احتلال العراق وأفغانستان، والنتيجة أنها تُـصبح سببا، والسّبب يغدو نتيجة، مما يُـعقد من الظاهرة الإرهابية ويوسِّـع نشاطها، ما لم تتَّـجه المعالجات للأسباب المؤدية لتنامي أعمال العنف”.

الخلاصة التي يخرج بها المراقبون والمتابعون للشأن اليمني، هي أن اليمن يبدو، بإمكاناته المحدودة ومشاكله المتشعبة، سيظل عُـرضة لاختلالات مكوّناته الاجتماعية والثقافية، التي يساهم في تفاقُـمها غياب الإرادة السياسية القوية للتصدّي للملفات والقضايا الحيوية، التي تفرز مثل هذه الحالات وتزيد في توترات تلك المكوّنات، خاصة التي أصبحت لا تقتصر فقط على إفراز مثل هذه الممارسات، بل وغيرها كالظاهرة الحوثية والجهوية والمناطقية مع تزايد التهميش الاجتماعي والاقتصادي وإقحام البُـعد الثقافي في الصِّـراعات الآنية، وهو ما يعني أن اليمن بحاجة إلى معالجة شاملة للتصدّي لمشكلة الإرهاب، معالجة أمنية واقتصادية وثقافية ودينية واجتماعية، ولا تقتصر فقط على التدبير الأمني والتّـمويه على الأسباب الحقيقية المغذية للعنف والتطرف، كما تجلى في صور شتى على أن ذلك يحتاج إلى مساعدة الآخرين، بدلا من تحويل اليمن إلى ساحة صراع أفكار وطوائف بحسابات دولية وإقليمية، تعمل على تعميق مصاعب البلاد، وتزيد من متاعبه إلى الحد الذي قد لا يسلم من قساوتها أحد، داخل البلاد وخارجه على حد السواء، لاسيما أن هذا العمل قد سدّد ضربة قوية للاقتصاد اليمني، الذي يُـعد اليوم واحد من أهم الفضاءات لتغذية للتطرف.

عبد الكريم سلام – صنعاء

صنعاء (رويترز) – أعلنت مصادر أمنية يوم الأربعاء 4 يوليو، أن السلطات اليمنية اعتقلت عشرات يشتبه أن لهم صلة بالقاعدة منذ الهجوم الانتحاري، الذي وقع يوم الاثنين 2 يوليو على موقع سياحي وأدّى إلى مقتل سبعة سياح إسبان واثنين من اليمنيين.

وقال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ومسؤولون آخرون رفيعي المستوى، إنهم يعتقدون أن تنظيم القاعدة يقِـف وراء التفجير الانتحاري بسيارة ملغومة على معبد ملكة سبأ الأثري بمحافظة مأرب، التي تبعد 150 كيلومترا شرقي العاصمة.

وقال مصدر، طلب عدم نشر اسمه لرويترز “اعتقل عشرات من المشتبه بهم، الذين نعتقد أن لهم صلة بالقاعدة في ثلاث محافظات.. صنعاء وأبين وعدن”.

وعرض صالح، الذي انضمت بلاده إلى الحرب على الإرهاب، التي تقودها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 يوم أمس جائزة قيمتها 75500 دولار، لمن يقدم معلومات تؤدّي إلى القبض على متشدّدين لهم صلة بالهجوم.

وقالت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الرسمية، إن محققين إسبانيين وصلوا إلى اليمن في وقت متأخر اليوم الأربعاء، للمشاركة في التحقيقات، مضيفة أن وزير الداخلية رشاد العليمي أطلع السفير الإسباني على النتائج الأولية.

وقالت مصادر أمنية لرويترز، إن القاعدة أصدرت بيانا الأسبوع الماضي، طالبت فيه بالإفراج عن بعض أعضائها السّجناء في اليمن، وهدّدت بأعمال لم تحدّدها، ويخوض اليمن قِـتالا ضد المتشددين الإسلاميين منذ سنوات.

وذكر مصدر أمني يوم الاثنين أن المفجر قد يكون واحدا من بين 13 عضوا في القاعدة أدينوا، ثم تمكّـنوا من الهرب من السجن عام 2006، ولكن صالح قال يوم الثلاثاء إن الأدلة حتى الآن، تشير إلى أنه عربي غير يمني.

وينظر الغرب إلى اليمن على أنه ملاذ للمتشددين الإسلاميين، إذ شهدت البلاد عدّة تفجيرات كبرى.

ويحاول اليمن، وهو واحد من أفقر الدول خارج إفريقيا، تشجيع السياحة التي تعوّقها عمليات الخطف والهجمات بالقنابل وتعزيز الاستثمارات الأجنبية مع انخفاض إنتاجه من النفط.

وأحبط اليمن هجومين انتحاريين على منشأتين للغاز والنفط عام 2006 بعد أيام من حث القاعدة المسلمين على استهداف المصالح الغربية، وخصوصا منشآت النفط، وأعلن جناح القاعدة في اليمن مسؤوليته عن الهجومين وتعهّـد بشن هجمات أخرى.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 يوليو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية