مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الوضع السياسي في السعودية والعراق هو المحدد”!

أين تكمن أهمية السعودية في الإنتاج النفطي العالمي؟ Keystone

تعقد منظمة الدول المصدرة للنفط الأوبك في بيروت اليوم 3 يونيو اجتماعا استثنائيا، للتباحث في إمكانية رفع سقف الإنتاج النفطي لأعضائها.

ومع استمرار ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، لاسيما بعد أحداث العنف التي تشهدها المملكة العربية السعودية، استطلعت سويس إنفو رأي الخبير النفطي الدولي البارز الدكتور نيكولا سركيس.

عندما أرادت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية الرصينة أن تغطي أحداث العنف التي تشهدها المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، لم تشأ الحديث عن أسباب ذلك العنف أو مبرراته. اختارت بدلا من ذلك النظر إلى نتائجه، ومن زاوية اقتصادية بحتة. وكان اختيارها في محله.

فالسؤال الذي شغل معظم وسائل الإعلام الدولية، إثر تعرض مجمع سكني للعاملين في شركة بترول أمريكية بمدينة الخبر السعودية يوم السبت 29 مايو، كان ولا يزال: كيف سيؤثر استهداف المنشآت النفطية السعودية على سوق النفط العالمي؟

للإجابة عن هذا السؤال اتصلت سويس إنفو بمدير المركز العربي للدراسات البترولية (الذي مقره باريس)، والخبير الدولي في الشؤون النفطية الدكتور نيكولا سركيس. وفيما يلي نص الحوار:

سويس إنفو: هل تؤيد الرأي القائل إن الجماعات التي تشن عمليات إرهابية في المملكة العربية السعودية قررت أن تستهدف القطاع النفطي؟

دكتور نيكولا سركيس: من الواضح وليس من المستغرب أن تقوم هذه الجهات بعمليات ضد المنشآت النفطية. إذ إنها بعملها هذا تطال في الوقت نفسه أنظمة الحكم القائمة، خاصة في المملكة العربية السعودية، وتطال أيضاً المصالح الأجنبية بما فيها المصالح الأجنبية. لذلك الأمر ليس مستغرباً، وليس من المستغرب أيضا أن تستمر هذه العمليات في المستقبل لسوء الحظ.

ومثل هذه العمليات هي في الحقيقة السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار البترول. إذن لولا أن الوضع في العراق كان غير ما هو عليه الآن، أي كان وضعه مستقراً، ولولا الهجمات التي تعرضت إليها المنشآت النفطية وغيرها في السعودية مؤخراً، لولا هذا حتما لم تكن أسعار البترول لتصل إلى 40 و41 دولار للبرميل، ولكن ربما 34 أو 35 دولار للبرميل.

سويس إنفو:هل برأيكم يمكن لجماعة إرهابية أن تستهدف المنشآت النفطية السعودية بصورة تؤدي إلى توقف أو عرقلة الإنتاج لعدة أسابيع؟

دكتور نيكولا سركيس: هذا دائماً ممكن. لأنه من الصعب تأمين حماية مائة بالمائة لكل المنشآت النفطية. المنشآت النفطية (السعودية) تمتد على مسافات طويلة خاصة فيما يتصل بالأنابيب، وتشمل طبعاً أيضاً موانئ التصدير والمصافي الخ.. والتدابير الأمنية التي قامت بها المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان المصدرة للبترول جعلت من الممكن حتى الآن تجنب الكثير من الهجمات الانتحارية أو الإرهابية.

ولكن مهما كانت هذه الحماية فدائما قد يكون من الممكن أن تحدث مثل هذه الهجمات أو العمليات، التي قامت حتى الآن في موانئ التصدير. ولكن أصعب شئ هو حماية خطوط الأنابيب، وهذا ما يفسر أن معظم العمليات التي تمت في العراق مؤخراً تناولت خط الأنابيب الذي يصل حقول النفط في شمال العراق بميناء سيهان التركي. كلما قامت السلطات العراقية بتشغيل هذا الخط تحصل هجمات تؤدي إلى توقف تدفق النفط في هذه الأنابيب.

سويس إنفو: كيف سيؤثر ما حدث على محاولات المملكة خفض أسعار النفط في الأسواق العالمية، خاصة في ضوء اجتماع منظمة الأوبك المقرر يوم غد (3 يونيو) في بيروت؟

دكتور نيكولا سركيس: قدرة الدول المصدرة للبترول، بما فيها المملكة العربية السعودية، قدرتها في التأثير على السوق حالياً محدود جداً، وذلك لسببين رئيسيين. السبب الأول يكمن كما قلت في العامل السياسي، أي الوضع السياسي القائم والعمليات الإرهابية التي حصلت مؤخراً. العامل الثاني هو أن معظم الدول المصدرة تنتج حالياً بطاقتها القصوى، باستثناء المملكة العربية السعودية، وإلى حد ما الإمارات العربية المتحدة.

القدرة الإنتاجية غير المستعملة الموجودة أصبحت منخفضة جداً، لذلك فإن إمكانية رفع الإنتاج أصبحت محدودة، وهذا يحد من قدرة هذه البلدان على التأثير في السوق من خلال زيادة كبيرة في الإنتاج، خاصة أن دول الأوبك حاليا تنتج حوالي 26 مليون برميل في اليوم، أي ما يقارب 2.7 مليون برميل أكثر من الإنتاج المعمول به. زيادة الإنتاج الفعلي إلى أعلى من ذلك هي محدودة جداً.

سويس إنفو: لكن المملكة العربية السعودية، بحكم وضعها كمنتج “مُرجح” (أي قادرة على التأثير على كمية النفط المتواجدة في السوق العالمية)، تستطيع أن تستخدم النفط الفائض المخزون لديها؟

دكتور نيكولا سركيس: هذه وسيلة ممكنة طبعاً. زيادة الإنتاج تتم عن طريق زيادة الضخ، وأيضا عن طريق وضع قسم من الإنتاج في أمكنة تودعها وتستعملها في حالة الضرورة. هذا يؤثر على الناحية الميكانيكية في السوق، أي على العرض.

ولكن الجميع يعلم الآن أن الموضوع ليس موضوع عرض، بل هو أكبر وأخطر من ذلك. الموضوع هو خطر قيام عمليات إرهابية تؤدي إلى توقف الضخ لمدة ما، قصيرة أو طويلة. هذا هو العامل الرئيسي، وإلى جانب (ه) العامل الميكانيكي، الذي له أثره على السوق ولكن ليس الأثر الفعال والحازم في الواقع. الأمر حالياً يتوقف على الوضع السياسي في المملكة والعراق.

سويس إنفو: لم لا تتدخل الولايات المتحدة أو الدول المصنعة من خلال الوكالة الدولية للطاقة باستخدام جزء من احتياطها لتهدئة الأسواق؟

دكتور نيكولا سركيس: هذا سؤال ممتاز وفي محله. فهو يثبت ما سبق وقلته، بمعنى أنه لو أن السلطات الأمريكية والأوروبية مقتنعة بأن الموضوع موضوع نقص في إمدادات البترول الخام، لكان بإمكانها اليوم وفي أية لحظة أن تستعمل جزءا من الاحتياطي الموجود لديها، بما فيه المخزون النفطي الإستراتيجي في الولايات المتحدة لتخفيض الأسعار.

لكنها لم تقم بذلك حتى الآن لاعتبارين: الأول هو أنها تعرف أن الموضوع ليس موضوع عرض، ولا توجد ظروف استثنائية لاستخدام هذا المخزون، وثانياً لأنها تعلم أن لديها إمدادات تستوعب ما يكفي لسد حاجات الاستهلاك. الموضوع هو موضوع سياسي.

وفيما يخص بالولايات المتحدة بشكل خاص، يوجد أيضاً موضوع تكرير، بمعنى أنه يوجد طلب كبير على البنزين (الكازولين )في الوقت الراهن، والمصافي الأمريكية غير مؤهلة لتأمين الكميات اللازمة من الكازولين لسد حاجات الاستهلاك، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الكازولين في الولايات المتحدة، وهذا كان عاملاً من العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار البترول الخام.

سويس إنفو:ما هي الانعكاسات المحتملة لهذه الأوضاع المقلقة على معدلات النمو في الولايات المتحدة والدول المصنعة بصفة عامة؟

دكتور نيكولا سركيس: من الأكيد أن ارتفاع أسعار البترول شأنه في ذلك شأن ارتفاع أي مادة أخرى تدخل في التجارة العالمية، له طبعاً اثر على البلدان المستهلكة ومعدلات النمو.

ولكن يوجد تضخيم كبير وتهويل كبير حول موضوع الأسعار، وذلك لسبب بسيط؛ الآن مجموع قيمة صادرات البترول في العالم هو حوالي 600 مليار دولار في السنة على أساس الأسعار الحالية. في حين أن مجموع قيمة الصادرات العالمية بما فيها البترول تتجاوز 6000 مليار دولار.

هذا يعني أن نصيب البترول في مجموع قيمة الصادرات العالمية لا تتجاوز9%حالياً. ولكن دائماً الأضواء تسلط على هذه ال 9% وعلى البترول، ولا تسلط على مواضيع أخرى، كالمواد الأولية والمصنعة وكل ما يدخل في التجارة العالمية.

يوجد تهويل وتضخيم، ومحاولة دائمة لإظهار البترول كما لو كان هو المسؤول عما يحدث في العالم.

سويس إنفو: وما هي الانعكاسات المحتملة لهذه الأوضاع على دول العالم النامي؟

دكتور نيكولا سركيس: حتماً أنها ستتضرر أكثر من غيرها، لأنها دول نامية وفقيرة، ولأنها أيضا لا تملك مخزوناً نفطياً كما الحال في البلدان الصناعية. طبعا تتضرر.

لكن المسؤول ليس دول الأوبك في الحقيقة، أولاً. وثانياً، وهذا ما ننساه ونتناساه أحيانا، المشكلة الحقيقية الآن هي مشكلة أسعار، بيد أن وراء هذه المشكلة توجد مشكلات أخرى، وهي ضرورة تنمية طاقات الإنتاج البترولية في العالم لسد الطلب العالمي، الذي يزداد بمعدلات أعلى من المعدلات المنتظرة.

فمن المقدر أن يرتفع الطلب العالمي على البترول من حوالي 80 مليون برميل حالياً إلى 120 مليون برميل بعد 20 عاماً. زيادة 40 مليون برميل هي زيادة ضخمة جداً، ولا يمكن بشكل من الأشكال أن تتمكن الدول المصدرة الأعضاء وغير الأعضاء في الأوبك من سد هذه الحاجات، إن لم تبادر هي والشركات إلى توظيف مئات المليارات من الدولارات لتنمية الطاقات الإنتاجية.

هذا لا يتم حالياً، فالاستثمارات غير كافية، ويوجد خطر حقيقي أن نواجه بعد سنوات معدودة صدمة بترولية ضخمة جداً أكبر بكثير من صدمة السبعينات، والسبب في ذلك لن يكون موضوع أسعار بل نقص في الإمدادات وفي الطاقات المتوافرة في العالم لسد حاجات الاستهلاك من البترول، ومن مصادر طاقة أخرى.

كل هذا يستلزم أسعاراً للطاقة كافية، تكون حافزاً كافياً للدول المصدرة وللشركات العالمية لتوظيف الأموال التي ذكرتها الآن.

سويس إنفو: أين تكمن أهمية السعودية في الإنتاج النفطي العالمي؟ الإنسان العادي قد يتساءل ألا يمكن أن يُعوض إنتاج السعودية بإنتاج القوقاز أو روسيا أو بحر الشمال؟

دكتور نيكولا سركيس: حتماً لا. حتماً لا. أهمية المملكة العربية السعودية تنجم عن كونها تملك ما يقارب ربع احتياطي النفط الثابت وجوده في العالم، وفي كونها أيضا اكبر مصدر للبترول في العالم.

والمملكة هي المنتج “المُرجح” (أي قادرة على التأثير على كمية النفط المتواجدة في السوق العالمية)، وهي المنتج الذي يمكن أن يؤمن ما يلزم لسد حاجات العالم. ولكن منذ مدة يوجد بعض علامات الاستفهام حول هذا الموضوع.

علامات الاستفهام ليست بسبب كميات الاحتياطي الموجودة في السعودية. فمن الواضح أنه يوجد في السعودية كميات ضخمة من البترول، وليس من المستغرب أن يصل حجمها في الواقع إلى ربع الاحتياطي العالمي. ولكن التساؤل هو حول قدرة المملكة العربية السعودية على زيادة طاقات الإنتاج، وعلى زيادة الإنتاج بالمعدلات المطلوبة لسد حاجات الاستهلاك. هذا موضوع مطروح بالنسبة للسعودية وبالنسبة للدول الأخرى، خاصة بلدان الشرق الأوسط.

إذ أنه من اللازم ومن المقدر أن على هذه الدول أن تضاعف من إنتاجها خلال السنوات القادمة، أي أن ترفع إنتاجها من 20 إلى 40 مليون برميل في اليوم لكي تتمكن من سد القسم الأكبر من الاستهلاك العالمي، مع العلم أنه توجد مناطق أخرى بما فيها آسيا الوسطي وغيرها، هي أيضاً من المطلوب أن تساهم، ولكن مساهمتها ستكون اضعف بكثير من دول الشرق الأوسط ، لأن ليس لديها نفس كميات الاحتياطي.

ومن هنا تأتي أهمية الشرق الأوسط، وأهمية ما يجري في الشرق الأوسط، لأنه لا يمكن لصناعة البترول في هذه المنطقة أن تنمو بما هو مطلوب في ظل الأحوال السياسية الحالية.

أجرت الحوار إلهام مانع – سويس إنفو

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية