اليمن: مُـنافسة انتخابية على كل المحاور
منذ أن أصدر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قراره بدعوة الناخبين إٍلى الاقتراع يوم 20 سبتمبر القادم، اجتاحت الشارع اليمني والأوساط السياسية هستيريا الحمّـى الانتخابية المبكّـرة.
كما اشتدت بوادر منافسة شرِسة بين أهم كتلتين سياسيتين، المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وأحزاب اللقاء المشترك الذي يضمّ أهم أحزاب المعارضة.
تشير الدلائل الأولية إلى أن المنافسة في الانتخابات الرئاسية والمحلية القادمة ستكون الأشرس من نوعها منذ إجراء أول انتخابات متعدّدة الأحزاب عام 1993 في البلاد، نظرا لاختلاف قواعد اللّـعبة الانتخابية هذه المرة، واختلاف موازين القوى بين الأطراف المتحالفة.
فمن الواضح أن الانتخابات ستجري هذه المرة بين كتلتين سياسيتين، كل واحدة منهما تتوفّـر على مقوِّمات المنافسة لدخول المعترك الانتخابي. فهناك المعارضة بأحزابها الخمسة الرئيسية المنضوية في إطار “اللقاء المشترك: التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق”، وبعض المستقلين، ستخوض الانتخابات لأول مرّة بجبهة مُـوحّـدة قِـوامها مرشّـح واحد للرئاسية وقائمة موحّـدة للانتخابات المحلية.
فيما يقِـف في الجبهة الأخرى المؤتمر الشعبي العام بمرشّـحه، الرئيس الحالي علي عبد الله صالح، الذي يُـسيطر على الأغلبية المُـطلقة في الهيئات المُـنتخبة، المجلس النيابي والمجالس المحلية.
“أمـر غيـر مسـبوق”
ويرى المراقبون أن وجود كُـتلتين في الانتخابات القادمة على هذا النحو أمر غير مسبوق في الاستشارات الشعبية السابقة، ممّـا سيرفع من وتيرة الحساسية الانتخابية عند التعاطي مع مُـجمل القضايا الداخلية والخارجية، بما فيها الأحداث والتطوّرات الجارية على الساحة اللبنانية والفلسطينية.
فعلى الصعيد الداخلي، يثير تركيز المعارضة على ما تعتَـبره فسادُ السّـلطة القائمة والإصلاحات السياسية ونهب المال العام وبناء الدولة الوطنية، القائمة على احترام حقوق المواطنة وسيادة القانون، ردود فعل قويّـة من قِـبل السلطة.
وبدأت تُـلوِّح في الأفُـق بوادِر حرب ضَـروس من خلال فتح ما تسمّـيه المعارضة، ضلوع الحزب الحاكم في قضايا فساد ونهب للمال العام، فيما عمد هذا الأخير إلى فتح ما يسميه بملفات الفساد لدى بعض الأحزاب المعارضة، والتلويح بما يعتبره مخالفاتها للقانون، مثل حصولها على دعم من دُول أجنبية، وجمع تبرّعات من المواطنين لصالح دعم القضايا العربية، فيما يجري توجيهها لتمويل الأحزاب التي تقوم بجمعها، والمقصود بها حزب التجمع اليمني للإصلاح ذو التوجه الدّيني، الذي ظلّ في الانتخابات السابقة من أشدّ مؤيّـدي إعادة ترشيح الرئيس صالح، لكنه هذه المرة يصطفُّ إلى جانب المعارضة، الأمر الذي يُـساهم في لهيب حمّـى المعركة الانتخابية، لاسيما بين حلفاء الأمس، خصوم اليوم.
الحُـمّـى الانتنخابية
وتكاد تلك الحُـمّـى الانتخابية أن تمتَـدّ إلى مختلف المَحاوِر وكلّ ما من شأنه أن يدعم حظوظ كل منافس ويعزز مواقعه لدى الرأي العام، بما فيه دخول مواقف الأطراف السياسية من الحرب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين حَـلَـبة المُـنافسة الانتخابية.
فيبدو أن تلك الأحداث قد دخلت على خطّ المنافسة الانتخابية، حيث يرى العديد من المراقبين أن التعامل مع هذا الملف يَـظهَـر في بعض الأحيان كما لو أنه عرْض من أعراض الحُـمّى الانتخابية. فالمؤتمر الشعبي العام “الحاكم”، الذي سبق أن دعا إلى الخروج في مظاهرات للتّـنديد بالهجوم الإسرائيلي على لبنان، سُـرعان ما حمل بشدة على تظاهرات مماثلة نظمتها أحزاب المعارضة أو المنظمات النّـقابية المؤيِّـدة لها، واعتبرها موجّـهة للداخل أكثر من كونها ضدّ الخارج، طِـبقا لما ذهب إليه الحزب في موقعه الرسمي على الإنترنت.
فحسب العديد من المراقبين، كانت قد دخلت التطوّرات الجارية على فلسطين ولبنان، دائرة الاهتمام الانتخابي بدعوة الرئيس صالح المبكّـرة إلى قمّـة عربية، لبحث الهجوم الإسرائيلي على لبنان وفلسطين، حيث رفعت تلك البادرة من أسهمه في الشارع اليمني، خاصة بعد رفض دوّل عربية للقمة ومطالبته الجامعة العربية بتفعيل اتفاقية الدّفاع العربي المشترك، وفتح الحدود العربية أمام المتطوِّعين لنُـصرة المقاومة في لبنان.
وقد اكسبه ذلك الموقف زخما لافتا في الشارع اليمني المتعاطف مع القضايا العربية، وزاد من أهمية شعبيته لدى الشارع ظهور بعض الأنظمة العربية بمظهَـر المتواطِـئ مع الحرب الإسرائيلية على لبنان.
تزامن الحدث مع بداية انطلاق الماراتون الانتخابي، لم يفُـت الأحزاب المعارِضة، فأرادت أن تكون في صُـلب الحَـدث خِـشية من استثماره المُـنفرد من قِـبل الخَـصم القوي، الرئيس صالح، فبادرت بدورها في هذا الاتجاه إلى تسجيل مواقف مماثلة لدعم المقاومة، سواء بإصدار البيانات أو تنظيم المظاهرات الدّاعمة لموقف ردّ الهجوم الإسرائيلي. وجاءت زيارة مرشّـح المعارضة، فيصل بن شملان، إلى كل من السفارة اللبنانية والفلسطينية ومكتب الأمم المتحدة في صنعاء، بادرة لا تنفَـكّ عن حُـمّـى المنافسة الانتخابية المبكّـرة، رغم مقاصِـدها النّـبيلة.
منافسة شَـرِســـة
ومع أن سياسيين من المعارضة والسلطة أكّـدوا لسويس انفو أن الموقف من القضايا العربية، هي مواقف مبدئِـية لا علاقة لها بالحسابات الانتخابية، إلا أن مراقبين محايدين يروْن أن الاعتبارات الانتخابية غير بعيدة عن تلك المواقف من تطوّرات الحرب على لبنان.
وهؤلاء المراقبون، إن كانوا لا ينكرون المُـنطَـلقات المبدئِـية والأيدلوجية لمواقف كل الأطراف السياسية اليمنية من هذه الحرب، حيث جميعها تتبنّـى الدفاع عن القضايا العربية، سواء كانت أحزاب وطنية أو عربية أو إسلامية، إلا أنهم يؤكِّـدون على أن اللّـحظات الانتخابية هي لحظات حماسية تنافُـسية، يسُـودها الترقّـب الحذِر والخشية المتبادلة بين الخصوم من توظيف كل ما من شأنه أن يزكِّـي موقِـف الخصْـم ويرفع من حظوظه وسط الرأي العام، مما يُـحتّـم على الطرف الآخر أن يحشد في مثل هذه الظروف كل ما يُـعزِّز مواقفه ويدعم حظوظ فوزه.
إجمالا، يُـمكن القول أن اليمن، وفي ظل تحوّل المُـعطيات التي ظلّـت تحكم الاستشارات الشعبية في المراحل السابقة، ومع تغيير التحالفات الجديدة ومكوناتها، سيبقى تحت رحمة منافسة انتخابية شرِسة تنعكس على كل مناحي حياته وقضاياه.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.