اليمن .. ملتقيات عديدة وتوصيات مؤجلة
تحولت العاصمة اليمنية خلال السنوات القليلة الماضية إلى وِجهة محبذة لعقد عدد من المؤتمرات والفعاليات الإقليمية والدولية المكرسة للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية.
وفي هذه المؤتمرات بُـحـثت قضايا المشاركة السياسية والحريات العامة وحقوق الإنسان وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وسبل النهوض بوضعية المرأة.
في دلالة على تزايُـد مثل هذه الملتقيات، استضاف اليمن في الأسبوع الالثاني من شهر ديسمبر بالتزامن “المنتدى الديمقراطي الأول للمرأة العربية”، وورشة عمل حول “تطوير مهارات القيادات النسائية في الجزيرة والخليج”. وفي أواخر شهر نوفمبر الماضي، عقد في مدينة عدن “الملتقى الديمقراطي الثالث حول برنامج التمكين السياسي للمرأة في دول الخليج والجزيرة العربية”.
كما استضاف اليمن في السنوات القليلة الماضية مؤتمرات عدة تصُـب كلها في الإطار ذاته، منها “مؤتمر صنعاء حول الإعلام الحر والمستقل” عام 1996 بمشاركة منظمة اليونسكو، ثم عقد عام 1999 “منتدى الديمقراطيات الناشئة”، وخلال العام الجاري، استضاف اليمن “المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية”.
وإذا كان من المعتاد صدور بيانات ختامية عن مثل هذه اللقاءات، فقد تمخضت بعض هذه الفعاليات عن إعلانات شهيرة، مثل “إعلان صنعاء حول حرية واستقلالية الصحافة” عام 1996، و”إعلان صنعاء حول الديمقراطيات الناشئة” عام 1999، ثم الإعلان الأخير حول “حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية” عام 2004، وأضحت هذه “المقررات” و”الإعلانات” بمثابة مرجعيات يُـشار إليها ضمن سياق التحضيرات المزعومة للإصلاحات السياسية في العالم العربي، كما صاغته الإدارة الأمريكية في مشروعها الحالي.
الهيمنة المُـطلقـة
واللافت للانتباه، هو أن كل هذه التظاهرات المنظمة في اليمن، من حيث عددها ومواضيعها وتواترها، باتت تَـطرح أكثر من علامة استفهام بشأن خلفيات اختيار هذا البلد لاستضافتها، وحول مدى نجاعتها ومردودياتها على الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.
وهنا تتعدّد الإجابات حول هذه الظاهرة تبعا لتعدّد مواقع أصحابها واتجاهاتهم. فالسلطات اليمنية ترى فيها مؤشرا قويا للحكم على التجربة الديمقراطية في بلدهم وما تنعم به من حريات، مقارنة بما هو عليه حال بلدان المنطقة المجاورة.
غير أن الاتجاه المعارض لا يرى في مثل هذه الملتقيات سوى مُـجرد مظاهر “مناسباتية احتفائية” الغاية من ورائها تلميع السلطات لنفسها أمام الخارج، وإيهام المجتمع الدولي، وخاصة المنظمات والدول المانحة بأن اليمن يُـطبق النهج الديمقراطي، ويحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان، بغية الاستفادة من دعم الجهات المانحة تلك.
ويستدل أصحاب هذا الرأي على تشخيصهم للمسألة على هذا النحو، باستحضارهم المستمر الملاحقات والمحاكمات، التي طالت وتَـطال الصحف والصحفيين اليمنيين، فضلا عن ما تعتبره المعارضة، الهيمنة المطلقة للحزب الحاكم “المؤتمر الشعبي العام” على الحياة السياسية في البلاد.
استرضاء الخارج
وفي محاولة لتقريب الصورة لما يُـحيط بهذه الملتقيات من عدة جوانب بغية الوقوف على هذه الظاهرة بشكل أدق وأشمل استطلعت سويس إنفو أراء محللين ومنخرطين في هذه الملتقيات المكرسة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتمكين النساء من المشاركة السياسية.
المحلل اليمني والنشط الجامعي محمد الصبري قال في هذا الصدد لسويس انفو: “فيما يتعلّـق بحرص الحكومة اليمنية على احتضان مثل هذه المؤتمرات، ما من شك أن هناك مُـناخا ديمقراطيا يشجّـع الأطراف الداعمة لهذه التوجّـهات على تنظيمها في اليمن، غير أن المُـلفت للنظر، أن الحكومة في بعض الأحيان تزجّ نفسها في تظاهرات ليست معنية بها أصلا، و ترمي من ورائها إلى إيصال رسائل للخارج، وهذا الحال تكرَّس بشكل أكبر بعد أحداث 11 سبتمبر، الذي أفضى إلى جعل السلطات اليمنية أسيرة لأجندة مكافحة الإرهاب”.
وفي السياق ذاته، قال الصبري، النشط الحقوقي “إن التظاهرات التي تنظَّـم من قبل مؤسسات المجتمع المدني عادية، وتعبّـر عن ديناميكية المجتمع المدني وتطلعاته بما هي هيئات ناشئة وجديدة، كل ما تستطيع فعله هو عقد منتديات، وتنظيم ورش عمل، وطرح برامج. أما الرسمية منها، فهي مُـثيرة كون الحكومة تدخل كمنافسة، لأن مهمة الوزارات والهيئات الرسمية رسم خُـطط وتنفيذ برامج عمل، ونادرا ما يقتضي الحال منها أن تنظم وُرش عمل أو منتديات، وبالتالي، لا يخلو الأمر من قرينة الشّـبهة في استرضاء الخارج أكثر من كونها موجّـهة للداخل ومستقبله الحقوقي والديمقراطي”.
من جهته، يعتقد الكاتب الصحفي محمد الغباري أن الحكومة اليمنية هي أكبر المستفيدين من استضافة هذه المؤتمرات، موضحا ذلك بقوله “مع كل النقد الذي يوجَّـه إليها، وللتجربة الديمقراطية وللقصور الذي يشوبها، إلا أن ذلك يجعل الكثيرين ينظرون إلى اليمن على أنه البلد المنفتح بين بلدان المنطقة التي ما تزال تنظر حكوماتها بعين الريبة لمثل هذه القضايا، وبالتالي، فهي تعبّـر عن محاولات لتوسيع هامش الحرية، وتعكس تطلعات النشطين السياسيين والحقوقيين للوصول إلى مرحلة أفضل من الممارسة الديمقراطية”.
وفي معرض تقييمه لمردودية هذه الفعاليات بشكل عام، يرى السيد الغباري أن “ضُـعف منظمات المجتمع المدني، بما فيها الأحزاب السياسية، لا تمكّـن إعلانات وقرارات هذه المؤتمرات والندوات من أن تتحوّل إلى وعي عام أو إلى برنامج عمل سياسي وتنفيذي، بل إن أغلب القائمين على مثل هذه الفعاليات لا يلتزمون بها أصلا، مما يُـقلل من مردوديتها. فضلا عن ذلك، فإن غالبية الفعاليات التي تُـنظمها لا تخلو من الشبُـهات، حيث يعمد القائمون على المنظمات غير الحكومية إلى تحويل المؤتمرات والندوات إلى مصدر للدخل والحصول على الأموال، وهذا الأمر أثر بصورة كبيرة على مصداقية مُـعظم مؤسسات المجتمع المدني، وعلى القرارات التي تصدُر عنها، لاسيما أن هناك غيابا تامّـا على رقابة تمويلها ونفقاتها كما أن حساباتها لا تُـدقق ولا تُـفحص”.
“شيء أفضل من لا شيء”
ويرى المتابع لمجريات هذه الظاهرة، رغم ما يلحظه من أهمية كبيرة لمواضيعها وجداول أعمالها المكرسة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة سياسيا، أن المستقبل البعيد هو الكفيل بأن يُـعطي لمثل هذه التظاهرات المردودية المتوخاة منها، نظرا للبون الشاسع بين القضايا التي تناقشها، وبين ممكنات الواقع، لاسيما منها على وجه الخصوص تلك المرتبطة بتمكين المرأة سياسيا، لأنها ما زالت تُـعاني في معظم البلدان العربية من الأمية والفقر والتمييز وهيمنة التقاليد الاجتماعية، التي تجعلها في حالة تبعية دائمة لها.
يبقى مثل هذا الإشكال قائما، كما بدا مـهيمنا على سير أعمال المُـنتدَيَـيْن المُـنعقديْـن الأسبوع الماضي في صنعاء، حول تمكين المرأة العربية سياسيا، واللذان نُـظِّـما من قبل منظمات مدنية تحت رعاية وزارة حقوق الإنسان بمشاركة 19 دولة عربية من منطقة الخليج وشمال إفريقيا والقرن الأفريقي، بحضور حوالي 100 نشطة ونشط.
وقد عبرت الدكتورة رؤوفة حسن، أستاذة الصحافة بجامعة صنعاء، ومؤسسة مركز الدراسات النسوية وإحدى أبرز النشطات والمنافحات اليمنيات لسويس انفو عن قضايا المرأة بقولها “إن تلتقي النساء ويلتقي معهن الرجال لمناقشة قضايا المرأة، فهذا نوع من المحاولة لتلمس الإشكالية بشكل ما، لكن ما يُـؤخذ عليه أنه يتم بين نخبة من النساء والرجال المتمكّـنين للحديث عن آخرين غير متمكنين، وبالتالي، فإن تأثيرها على هؤلاء الأخيرين، يحتاج إلى جهود أكبر من مثل هذه المؤتمرات، كما تحتاج إلى منظمات وإلى حركة مدنية، وإلى إرادة سياسية وتشريعات وقوانين مؤيّـدة، وتحتاج أيضا إلى مناخ وبيئة مجتمعية مواتية كي تتمكّـن المرأة من ممارسة دورها السياسي، والحاضرات هنا، هُـنّ القادرات والمؤهَّـلات فقط، وبالتالي، فإن المشاكل الجوهرية الحقيقية للنساء لا تناقش هنا، وإنما تناقش الأقل جوهرية، لكن على أي، فهذا شيء جميل وأفضل من لا شيء، حتى وإن كان لن يحقق الطفرة والتغيير المأمول في الجيل الواحد، لكنه ربما على مائة عام، إذا واصلنا على منوال مثل هذه من المؤتمرات”.
وترى الدكتورة رؤوفة حسن أنه من الأنسب في الظرفية الحالية لتمكين المرأة اليمنية سياسيا، العمل بنظام “الكوتا”، ويقبلوا بمسألة الحصة الانتخابية، ويقتنعوا أنها أصبحت فّـرض عين، وأنها مسألة إجبارية، وأنها خرجت من أيديهم، بحيث لا تُـصبح عُـرضة للمفاوضات والمناقشات، في المؤتمرات والندوات الإقليمية.
المضي بمسلسل الإصلاحات
إجمالا، يُـمكن القول أنه، على الرغم من تبايُـن المواقف والآراء حيال هذه الظاهرة التي تنفرد بها اليمن، فإنها تأتي كمحصلة لالتقاء وتقاطع أوضاع وتطلعات داخلية، ولحسابات دولية وإقليمية، ولا يمكن الحُـكم عليها إلا من خلال مدى الالتزام والمضي بمسلسل الإصلاحات الديمقراطية في اليمن والمنطقة من جهة، وبمدى الالتزام بما يصدر عن مثل هذه التظاهرات من إعلانات وتوصيات من جهة أخرى.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.