“اليوم التالي” لتفجيرات لندن الثانية
لم تتسبب تفجيرات لندن الثانية في وقوع خسائر بشرية كبيرة كالتي أدت إليها تفجيرات 7 يوليو، وكانت أقرب من الناحية الفنية إلى "محاولات تفجير" أو ضربات إزعاج.
لكن شرطة لندن اعتبرتها مع ذلك خطيرة للغاية، وهى كذلك بالفعل، إذ أن تكرار الحدث في حد ذاته بنفس الصورة، يجعل المسألة تتجاوز وصف حوادث إرهاب إلى كونها “مشكلة إرهاب”.
على الرغم من أن المسؤولين البريطانيين لم يصرحوا على الفور، كما حدث في الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، بأن ثمة حربا تشن على بريطانيا، إلا أن الشعور العام لدى المواطن البريطاني هو أن بلاده تواجه “شيئا” أكبر مما يبدو عليه، وأنها تدفع ثمن وضع ما يتم النقاش حوله، فدلالات ما وقع في 21 يوليو أكبر من حجمه بكثير.
لقد واجهت بريطانيا عقب الهجمات الأولى وضعا شديد الصعوبة، فعلى الرغم من وجود إدراك محدد يستند على دلائل مؤكدة بأن لندن مستهدفة، وعلى الرغم من أن كل الإجراءات الأمنية الممكنة في حدود الطريقة البريطانية قد اتخذت، فوجئ الجميع بما حدث.
فلا أحد يصدق عادة أن مثل هذه الهجمات يمكن أن تقع إلا بعد وقوعها، وفى تلك المرة كانت هناك ملابسات تتعلق بالجناة والتوقيت والأسلوب والأهداف. وتضيف التفجيرات الثانية تعقيدات جديدة إلى ما سبق، لكن كل شيء سيتوقف على ما ستكشف عنه المعلومات التالية، التي قد تحمل مفاجآت بشأن ما تواجهه بريطانيا بالفعل.
المشكلة غير الأمنية
إن الافتراض الأساسي الذي حكم التفكير البريطاني قبل 7 يوليو الجاري هو أن الهجمات المحتملة سوف تأتى على الأرجح من الخارج، كما حدث في الحالات السابقة لدول مماثلة. ومن المتصور هنا أن سيناريو الخلايا النائمة كان مطروحا أيضا، لكن النقاش الذي جرى حول دوافع “الباكستانيين الصغار” خلف تفجير أنفسهم في وسائل المواصلات العامة يشير إلى أن احتمالات تورط مواطنين في عمليات إرهابية كان مستبعدا.
وقد أدى ذلك إلى ارتباكات شديدة في التعامل مع المشكلة، طالت التركيبة السكانية والتعددية العرقية والثقافة الإسلامية، فلم تكن المسألة قاصرة على وجود مشكلة إجراءات أمنية.
كانت المشكلة الثانية تتعلق بدوافع الفاعلين، وثار جدل شديد حول المقولة التقليدية التي حكمت التفكير البريطاني (وقبله الأمريكي) بهذا الشأن، وهي أن السياسة الخارجية البريطانية، خاصة تجاه العراق، لم تخلق المشكلة وإنما أدت إلى تفاقمها.
فقد ظهر تيار قوى يشكك في ذلك، مؤكدا أنه ربما يكون الارتباط مع الولايات المتحدة عبر الأطلسي، ووجود القوات البريطانية في العراق، يمثلان سببا مباشرا لما جرى. وعلى الرغم من أن وجهة النظر تلك لم تسود، إلا أن تقارير مختلفة أشارت إلى وجود تفكير بريطاني في الانسحاب من العراق.
القضية الأساسية هنا، هي أنه إذا اتضح أن العملية الثانية هي نسخة مكررة للعملية الأولى، بمعنى أن من قاموا بها هم أيضا خلية نائمة أخرى تشكلت من مواطنين بريطانيين، باكستانيين أو غيرهم، سوف تتفاقم المشكلة غير الأمنية المتعلقة بالتركيبة السكانية لبريطانيا والسياسة الخارجية البريطانية، بحيث يشهد الوضع العام تحولات حقيقية تتجاوز مجرد تشديد الإجراءات الأمنية – كما فعلت الولايات المتحدة وإسبانيا من قبل.
ولا يتعلق الأمر فقط بالتوجهات الرسمية، وإنما توجهات المواطنين البريطانيين تجاه من سيعتبرونهم “بريطانيين أجانب”، أو تجاه سياسة بريطانيا الخارجية. وإذا حدث ذلك ستكون “القاعدة” – بافتراض أنها هي الرأس الكبير – قد حققت انتصارا في معركة إن لم يكن في الحرب.
المشكلة الأمنية
إن ما يدعم ذلك، هو ما يبدو من أن هناك بالفعل مشكلة أمنية في التعامل مع هذا النوع من التفجيرات الإرهابية في حالة بريطانيا. فإذا كان ما وقع في المرة الأولى قد تكرر بنفس الشكل تقريبا في المرة الثانية، بصرف النظر عن حجم العبوات أو فشل التفجيرات، فإن التصور المنطقي هو أن مثل تلك العمليات لا تزال قابلة للتكرار، لاسيما وأن الإجراءات التي اتخذت بعد 7 يوليو في ظل وجود احتمالات حدوث عمليات تالية لم تمنع تكرارها بالفعل، ولو بشكل رمزي، خاصة في إطار ما يلي:
أولا، أن العملية الأولى، وربما الثانية قد نفذتها خلية نائمة، ومن الصعب للغاية اكتشاف مثل تلك الخلايا قبل قيامها بتنفيذ مهمتها بالفعل، فلا توجد يقينا علاقة بين الخلية الأولى والثانية تبعا لطريقة التشكيل العنقودية التي تحكم تكوينها، وليس هناك يقين بشأن إمكانية الاستناد إلى المؤشرات المتوافرة في الحالة الأولى (كزيارة باكستان) لاكتشاف الخلايا الأخرى، وعناصرها المحتملة في النهاية هم شبان عاديين “عمدا” أبعد ما يكونون عن الشبهات، حتى بالنسبة لأسرهم، بل أن الشهادات التي رصدت حول خلية 7 يوليو من قبل معارفهم تدفع في اتجاهات مضللة، فهم آلات قتل من طراز خاص.
ثانيا، أن كل ما أثير حول الأسلوب الذي يتم إتباعه، وهو العمليات الانتحارية، يشير إلى صعوبة شديدة في الوقاية المسبقة. فليس هناك من يمكنه وقف تنفيذ عملية لشخص على استعداد لقتل نفسه، بما يتضمنه كل ذلك من لاعقلانية، أو “مسح مخ”.
وتبعا لكل الخبرات السابقة في العراق وفلسطين وجنوب لبنان، وقبل ذلك في حالات اليابان وسريلانكا، تعد وسيلة القنابل البشرية المتحركة من أصعب أساليب العمل التي توجد معضلة حقيقية في التعامل معها، وبالتالي فإذا كان هناك المزيد من الانتحاريين ستكون هناك عمليات أخرى.
ثالثا، أن من المستحيل تقريبا أن تؤدي الإجراءات الدفاعية – الوقائية إلى منع تلك العمليات على ضوء طبيعة الأهداف التي توجه إليها العمليات، وهي المرافق العامة، أو المواصلات العامة. فهناك حوالي 3 ونصف مليون شخص يستخدمون قطارات الأنفاق يوميا في لندن على سبيل المثال، وتتطلب السيطرة عليهم مئات الآلاف غير المتوافرين من رجال الشرطة. وتتمثل أهمية الدوائر المغلقة فقط في اكتشاف الفاعلين بعد قيامهم بالعملية، ومحاولة منع تكرار ما قد يتكرر أو لا يتكرر مرة أخرى.
ساحة لندن
في إطار ذلك، فإن أسوأ ما يمكن توقعه خلال المرحلة القادمة هو أن تكون بريطانيا مسرح عمليات حقيقي لصدام متعدد الأبعاد ليس لدى أحد فكرة محددة عما يمكن أن يصل إليه، بحيث تضاف ساحة لندن إلى ساحتي أفغانستان والعراق.
فهوية الفاعلين في الحالة البريطانية سوف تدفع في اتجاه نكوص بريطاني عن تلك السياسة التقليدية التي جعلت لندن لفترة طويلة ملاذا آمنا لمتطرفين سياسيين تم النظر إليهم وكأنهم لاجئين سياسيين لأهداف أثارت دولهم الأصلية ضد السياسة البريطانية، وقد يمتد ذلك – ولو من جانب المواطنين البريطانيين – إلى البريطانيين الذين ينتمون لعرقيات مرتكبي العمليات الإرهابية الذين يعانون أصلا من مشكلات اندماج حادة في المجتمع البريطاني، بما سيطرحه ذلك من مشكلات لا يوجد تصور محدد حول كيفية التعامل معها.
كما أن المعلومات التي ستظهر حول هوية الفاعلين في التفجيرات الأخيرة، سوف يستتبعها بالضرورة ظهور سيناريوهات شديدة التعقيد تستند على منطق أسوأ حالة متصورة من جانب أجهزة الأمن البريطانية التي لن تترك احتمالا واحدا دون أن تتعامل معه بشكل ما، حتى لو لم يكن يتمتع بمصداقية، خاصة وأن التفجيرات “الثانية” قد حملت معها ملامح تشير إلى استعراض قوة حقيقي مستفز بشدة لمؤسسة أمنية شديدة الكفاءة إرتبطت صورتها بشخصيات سينمائية مثل “جيمس بوند”، ولن تحتمل تحطم تلك الصورة ببساطة في ظل هاجس التفجير الثالث، وبالتالي سيتم التصرف وكأن هناك حرب غير معلنة، فلن يتم الحرص على صورة رجل الشرطة صديق الأطفال الذي لا يحمل مسدسا أو الذي لا يطلب الاطلاع على الهوية، فأمن المملكة – وفق ما تشير إليه تصريحات قادة الشرطة – يتعرض للخطر.
في النهاية، فإن عملية لندن الثانية سوف تسجل، على أنها بداية عملية تحول من نوع ما، سوف يرتبط نطاقها بما سيتوافر من معلومات حولها. فقد يرتبط ذلك التحول ببداية حرب بريطانية ضد الإرهاب، أو برؤية للتركيبة التي تحكم بنية المملكة بالنسبة للبريطانيين من أصل أجنبي، أو إجراءات أوروبية جماعية بهذا الشأن، وربما تصل المسألة إلى طرح قضايا كبرى مثل علاقات الحضارات.
لكن المسألة كلها بشكلها الحاد سوف تتوقف على “العملية الثالثة”، إذا كانت نفس العناصر التي ارتكبت الجريمة الأولى هي التي نفذت العملية الثانية، فما يبدو حتى الآن هو أنه لا يزال من الممكن احتواء آثار العملية الثانية، خاصة وأنها لم تسفر عن خسائر بشرية، ولا تزال أسئلة كثيرة بدون إجابة تحيط بها. أما إذا وقعت عملية جديدة، فإن كل الاحتمالات سوف تفتح على مصراعيها.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.