انتخابات تشريعية على النمط اليمني!
امتزجت ملامح عديدة في الانتخابات التشريعية العامة الثالثة التي شهدتها اليمن يوم 27أبريل، كان الخوف من العنف إحداها.
ولإدراك اليمني قبل غيره أن الطريق لازال طويلا أمام ترسخ الديمقراطية بمفهومها الانتخابي في نسيجه الاجتماعي، جاءت عملية الاقتراع مصبوغة بعطر يمني خاص.
التحلي بالهدوء. عبارة ظل عدد من المسؤولين اليمنيين يرددونها طوال عملية الاقتراع التشريعية التي تمت يوم 27 أبريل: الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إستبق الأمور قبل يوم من بدء العملية بالقول في مؤتمر صحفي:”أدعو جميع المرشحين إلى الهدوء، وأن تكون أعصاب الجميع في ثلاجة”!
نفس العبارة بنفس الصيغة كررها، في مساء ثالث انتخابات تشريعية تشهدها اليمن منذ عشر سنوات، رئيس قطاع الإعلام في اللجنة العليا للانتخابات عبده واسع الجندي عندما قال في معرض تعليقه على سير الحدث حتى تلك اللحظة: “يجب أن تكون أعصاب الجميع في ثلاجة”!
وعلى ما يبدو، فإن ذاك التحذير لم يأت اعتباطا. فالتجربة الديمقراطية التي تشهدها اليمن تظل في مهدها، لم تتأصل بعد في تقاليد راسخة لدى المواطن اليمني، وامتزاج مشاعر الولاء لديه للعائلة أولا، ثم للقبيلة ثم للمناطقية (الانتماء للمنطقة) جعل من عملية إدلاءه بصوته والقبول بنتائج أصوات الأغلبية عملية غير مضمونة النتائج.
ديمقراطية ليست بالغربية!
يكفي للتدليل على ذلك ما حدث في دائرة محافظة الجوف الانتخابية، الموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، عندما ظن أحد أقرباء مرشح هذا الحزب أن النتيجة لم تأت لصالح قريبه (رغم عدم بدء عملية الفرز بعد)، فما كان منه إلا أن أستولي على صندوق الاقتراع وهرب!
ورغم حدوث أكثر من 85 إصابة في مواجهات عنف في الدوائر الانتخابية حتى الساعة الثامنة من مساء 27 أبريل حسب إفادة اللجنة الأمنية، إلا أن الملفت هو أن السيد عبده واسع الجندي حذر من أن الخوف الحقيقي لن يتملكه إلا عند بدء عملية فرز الأصوات (التي ستستغرق 72 ساعة) ويقول: نحن لسنا في ديمقراطية أوروبية راسخة حتى نعتقد أن المواطن سيدلي بصوته ويولينا ظهره. وهذا صحيح.
لذا، لم يكن مستغرباً أن تحدث معظم حوادث العنف في المناطق البعيدة عن سلطة الدولة المركزية. كما كان ضروريا إعلان يوم الانتخابات يوما خالياً من السلاح، خاصة مع وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح في اليمن (بمعدل ثلاث لكل مواطن).
والأهم هو القرار الذي أصدرته اللجنة العليا للانتخابات لإدراكها، على ما يبدو، بعقم نتيجة أية مواجهة بين السلطات الأمنية والمواطنين، بأنه في حال التلويح بالعنف سيتم توقيف الانتخابات في الدائرة المعنية، وفي حال سقوط قتلى سُتلغى نتيجة الانتخابات.
ملامح أخرى!
هذا لا يعني أن العنف والخوف من حدوثه كان الملمح الأساسي الوحيد لانتخابات يوم الأحد. كان التنافس الشديد بين الأحزاب المشاركة، وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والحزب الوحدوي الناصري، ملمحاً أخر.
بيد أنه تنافس لم يعكس نفسه على مستوى برامجها الانتخابية التي جاءت متشابهة إلى حد كبير ترجم نفسه بالأحرى في المنطلقات الأيديولوجية لكل حزب، والاتهامات الشرسة المتبادلة بينها على صفحات جرائدها، والبيانات المتواصلة الصادرة من أحزاب المعارضة أو الحزب الحاكم على حد سواء، تكيل التهمة تلو الأخرى للجانب الأخر بانتهاك القواعد الانتخابية أو الالتفاف عليها.
لذلك، يبدو الفرق واضحا في هذه الانتخابات عن تلك التي سبقتها عام 1997 عندما غاب الحزب الاشتراكي مقاطعا لها، وترك الساحة لكل من الحزب الحاكم والإصلاح اللذين عايشا آنذاك أخر أيام شهر عسلهم.
هذه المرة، تحالف التجمع اليمني للإصلاح مع خصم الأمس اللدود الحزب الاشتراكي، وانضم إليهما الحزب الوحدوي الناصري في كتلة “اللقاء المشترك”. هدف اللقاء مواجهة الحزب الحاكم الذي فرد أجنحته وبسط هيمنته على شؤون الحياة العامة.
ديمقراطية.. مع بعض التحفظات!
على الضفة الأخرى، اختلف موقف السلطة الحاكمة وحزبها المؤتمر الشعبي العام عن ذاك الذي سبقه عام 1997. هو لا يسع هذه المرة إلى أن يكون حضوره منفردا على الساحة.
وكما علق أحد المراقبين المستقلين لسويس إنفو: هناك قناعة بأن الظرف الحالي (الدولي منه على الخصوص) يستلزم وجود معارضة حزبية قوية.
بطبيعة الحال، فإن وجود هذه المعارضة القوية لا تعني المساس بالعديد من الأمور التي أصبحت من المسلمات. منها، وهو أمر أستجد بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، عدم السماح بتحول حزب التجمع اليمني للإصلاح بصبغته الدينية إلى صورة تعكس واجهة متطرفة لليمن. فالظرف الحالي لا يتحمل مثل هذه المخاطرة.
ومنها، وهو الأساس، عدم تحول مسألة التداول السلمي على السلطة داخل أروقتها التشريعية إلى تداول مقابل على قمة الهرم الممثلة بشخص الرئيس علي عبدالله صالح. هذا رغم إصراره في مؤتمر صحفي أخير على أنه لن يسع إلى ترشيح نفسه لدورة رئاسية ثالثة (لازالت هناك دورة ثانية مقبلة).
لكل شئ حدود، والديمقراطية اليمنية ليست استثناء. وإذا كانت انتخابات يوم 27 إبريل مقارنة بما يحدث في عددٍ لا يستهان به من الدول العربية تبدو إيجابية إلى حد كبير، فإن نواقصها معروفة. أو كما أفاد أحد الصحفيين العاملين في صحيفة رسمية وهو يمزح: No body is perfect، أو الكمال لله.
إلهام مانع – صنعاء – سويس إنفو
اتهامات بين الأحزاب:
المؤتمر الشعبي العام يتهم الإصلاح بتكفير الآخرين، ومخالفة القواعد الانتخابية للدعاية.
التجمع اليمني للإصلاح يتهم المؤتمر باستغلال موقعه في الحكم للتأثير على الناخبين، ومحاولة التلاعب بنتائج الانتخابات.
الرموز الانتخابية للأحزاب: الخيل للمؤتمر الشعبي العام،الشمس للتجمع اليمني للإصلاح،النجمة للحزب الاشتراكي.
شنت الدولة حملة واسعة لتشجيع اليمنيين على الإدلاء بأصواتهم.
أعلنت يوم 27 أبريل يوم عطلة لتتيح للناخبين الاقتراع.
بلغت الحملة مداها مع بث رسالة تشجيع صوتية في كل مرة يستخدم فيها المرء الهاتف في اليمن.
استمرت بعض الأحزاب، وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، في الدعاية لناخبيها بعد بدء الانتخابات.
خلت المراكز الانتخابية التي تم زيارتها من السلاح، وكان الإقبال فيها على الاقتراع كبيرا.
بلغت التقديرات الأولية لنسبة الإقبال على الانتخاب إلى أكثر من 60%.
سجلت 85 إصابة في مواجهات عنف أثناء عملية الاقتراع.
تمركزت المواجهات في مأرب وحضرموت وذمار وشرعب وتعز.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.