اهتمامُ اليمين بمسلمي سويسرا مثار تساؤل
في ظرف لم يتجاوز الشهر، أصدرت ثلاثة أحزاب يمينية مُشاركة في الحكومة الفدرالية وثائق تضمنت مواقفها إزاء حياة المسلمين في سويسرا.
وأثار هذا الاهتمام المكثف بالجالية انتقاد الحزب الاشتراكي، المشارك أيضا في الائتلاف الحكومي، إذ اعتبرته المتحدثة باسم الحزب استخداما للمسلمين لأغراض سياسية.
بين 20 مارس الماضي و13 أبريل الجاري، صدرت عن الأحزاب اليمينية الثلاثة المشاركة في الحكومة الفدرالية وثائق تطرق – بعضها باختصار وبعضها الآخر باستفاضة- لحياة المُسلمين في سويسرا.
ولئن اختلفت المضامين والرؤى واللهجة من وثيقة لأخرى، فإنها أبرزت، تارة بوضوح تام وتارة بتلميحات من نوع “إياك أعني فاسمعي يا جارة”، مواقف هذا الحزب وذاك من الحضور المسلم على التراب السويسري وتصوراته لسبيل العيش معا دون تصادم. مع التذكير بالقيم الديمقراطية والليبرالية والغربية وأحيانا المسيحية للكنفدرالية، والتنويه إلى ضرورة احترام الأسس القانونية التي تقوم عليها.
كان حزب الشعب اليميني المتشدد السّباق لتوضيح موقفه من بعض القضايا المتعلقة بالمسلمين. ولئن حرص الحزب على تقديم وثيقته “قواعدنا صالحة للجميع” (الصادرة يوم 30 مارس 2006 في برن) كنص يتحدث عن الأجانب عموما، فإن كثيرا من الأمثلة التي استشهد بها تُسمِّي الجالية المُسلمة بعينها.
آراء أو تهديدات؟
فبعد تأكيد الحزب بلغة غير بعيدة عن التهديد على أن “الوقت قد حان لنفرض مجددا قواعدنا التقليدية في هذا البلد” وأنه “على الأجانب الضيوف على سويسرا احترام النظام القانوني السويسري وأعرافنا وتقاليدنا أو مغادرة البلاد”، أشار إلى أن السجون السويسرية تعرض باقة من الوجبات “التي تأخذ بعين الاعتبار العادات الثقافية والدينية المختلفة”.
ولا يروق هذا النوع من التفهم بتاتا لحزب الشعب الذي دعا إلى “التخلي عن الاستجابة لمطالب معينة مثل الوجبات الخاصة”، وحرص على أن يكرر في أكثر من مناسبة أن الثقافة السويسرية “مسيحية وغربية” بالدرجة الأولى “وتظل صالحة في هذا البلد ومن يريد العيش هنا يجب أن يحترمها”، مشددا على أن تلك الثقافة المسيحية والغربية تتعرض أكثر وأكثر “لتسلل” ثقافات وعادات أخرى.
وإثر سرد أمثلة عن “انفجار عدد المسلمين” في الكنفدرالية وتكاثر المساجد والمراكز البوذية وحتى معابد السيخ، أوضحت وثيقة حزب الشعب أن المشكل الرئيسي يكمن في ميول السلطات تحت ضغط متزايد إلى التخلي عن مبادئها و”التضحية بالثقافة السويسرية لفائدة مَثل مُُبهم لتعدد الثقافات”.
وأكد الحزب أن النظام الليبرالي المُُطَبق في سويسرا يتعرض “أكثر فأكثر للانتهاك من قبل الأجانب الذين يواصلون تطبيق سياسة بلدهم الأصلي حتى أنهم لا يترددون في المطالبة بتغيير القانون السويسري”. وفي هذا السياق، ذكرت وثيقة الحزب أن السلطات السويسرية “تقبل بلا قلق تظاهرات الأكراد أو أن تتحول ساحة القصر الفدرالي إلى مسجد”، في إشارة إلى تظاهرة أدى فيها المتظاهرون الصلاة أمام البرلمان في العاصمة برن.
وأضاف حزب الشعب أن “رجال دين مسلمين يتحدثون بشكل مفتوح عن تبني الشريعة ويدعمون عقوبات مثل رجم النساء الزانيات”، وأن عددا متزايدا من الأجانب “ينتهك حرية الدين والضمير” لمطالبة الإعفاء من نشاطات مدرسية أو مهنية، مثل مشاركة البنات المسلمات في دروس السباحة. وأكد الحزب بهذا الشأن مطالبته بـ”عدم الأخذ بعين الاعتبار الآمال الخاصة في المدارس”.
وقد سارعت رابطة مسلمي سويسرا يوم 23 مارس الماضي بإصدار بيان اعتبرت فيه ما ورد في وثيقة حزب الشعب عن الجالية المسلمة “تصريحات عنصرية ومعادية للمسلمين”، وعبرت عن “انشغالها البالغ لهذا الانزلاق الخطير، الذي يأتي مباشرة بعد الجدل الذي أثارته الرسوم المسيئة لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم”.
الراديكاليون يتخذون من الكاريكاتور مدخلا
وقد كانت قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبي المسلمين مُبرر إصدار الحزب الراديكالي (يمين) يوم الثلاثاء 11 أبريل الجاري في برن لوثيقة بعنوان “الدفاع عن القيم الليبرالية”، إذ لم يتقبل الحزب إدارة “سويسرا الرسمية” لأزمة الكاريكاتور بحيث “أهدرت فرصة لتشجيع القيم الليبرالية التي تشكل هوية بلادنا” على حد تعبير الراديكاليين الذين رأوا أن سويسرا الرسمية لم تدافع كما يجب عن حرية الرأي والصحافة. فقرروا تضمين موقفهم هذا في الوثيقة التي تطالب سويسرا بالدفاع بشكل أفضل عن القيم الليبرالية والتأكيد على الفصل بين الكنائس والدولة.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الراديكاليون في ذلك اليوم، قال رئيس الحزب فولفيو بيللي إن قضية الكاريكاتور أظهرت أن جزء من الحكومة لم يعرف الدفاع عن تلك القيم، وأن “سويسرا الرسمية – وسمّى تحديدا رئيس الكنفدرالية موريتس لوينبرغر ووزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري- اختبأت وراء الحياد”، مؤكدا أنه “لا يجب الخلط بين قانون الحياد الذي ينطبق على النزاعات المسحة وحياد الرأي”.
من جهته، شدد النائب كورت فلوري على ضرورة عدم وجود أي فرق “عندما يتعلق الأمر بمنح رخصة لبناء كنيسة بجرس أو مسجد بمئذنة”. وأكد الحزب على أن الدين لا يجب أن يكون “معيارا يرشد الدولة في علاقاتها مع المواطنين” و”لا محل لوجود سياسة يتم توجيهها وفقا لعوامل دينية أو ثقافية”.
وفيما يتعلق بارتداء الحجاب، أكد الراديكاليون أنهم يرفضون إعفاء البنات المسلمات من دروس السباحة. في المقابل، لا يرى مانعا في أن ترتدي المعلمات الحجاب طالما لا تقمن بدور إرشادي ديني في المدرسة.
لكن لهجة الراديكاليين اتسمت، خلافا لحزب الشعب، بعدم وضع كل مسلمي سويسرا والمسلمين عموما في سلة واحدة، مشيرة إلى أن أزمة الكاريكاتور لم تعكس “صدام ثقافات بل سوء فهم كبير وحذر متبادل”.
ودعت وثيقة الحزب بهذا الصدد إلى “الإدانة القوية” للمحاولات الرامية إلى “زرع الخلط بين الديانة المسلمة والأصولية الإسلامية”، مؤكدة أن “الليبرالية والديمقراطية لا يتعارضان مع الديانة المسلمة”، وأنه “كما يوجد لدينا متطرفون وأصوليون، توجد في العالم المسلم أصوات تدعو إلى التعقل”. وأقر الحزب بأن “الأغلبية الكبيرة لمسلمي سويسرا تعيش في انسجام تام مع تصورنا للقانون والعالم”.
الديمقراطيون يتعمقون أكثر في المسألة
وصدرت الوثيقة الأكثر عمقا وشمولية عن الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) بعنوان “الهوية والحرية الدينية” في برن يوم 13 أبريل الجاري، داعية إلى “الحديث مع المسلمات والمسلمين وليس عنهم”، وإلى الحفاظ على السلام الديني.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الحزب في نفس اليوم لاستعراض موقف المسيحيين الديمقراطيين من الجالية المسلمة، قال ريتو فيرلي، رئيس مجموعة العمل التي صاغت الوثيقة إن “معظم المسلمين المقيمين في سويسرا لا يواجهون مشاكل على مستوى التأقلم، مضيفا أن الفوارق الدينية أو الثقافية، وإن كانت تخلق بعض المشاكل أحيانا، فيمكن أن تُحل بتوفر “الإرادة الحسنة”.
في المقابل، أوضح الحزب الديمقراطي المسيحي أنه ليس على استعداد لتقديم تنازلات في مجال التعليم الإجباري والعلماني، إذ أوضحت النائبة في مجلس الشيوخ مادلين أمغفيرد أن “العروض المدرسية يجب أن تكون واحدة بالنسبة للجميع ولا يجب أن يُقصى منها أحد لأسباب دينية”. لكن الحزب شدد على ضرورة السماح للبنات المسلمات بارتداء لباس يكسو جسمهن بالكامل خلال دروس السباحة، وأن تؤخذ بعين الاعتبار العادات الغذائية للتلاميذ المسلمين خلال الرحلات الدراسية.
وفضلا عن التعليم الإجباري والعلماني، تطرقت وثيقة الحزب إلى جملة من القضايا المتعلقة بالجالية المسلمة كالحجاب وتعدد الزوجات وتكوين الأئمة والمقابر الإسلامية وخطر الأصولية. وتناولت كل هذه القضايا تحت شعار ضرورة ضمان الحرية الدينية مع بقاء الدستور والقانون سيدا الموقف.
وفي هذا الإطار، يوصي الحزب الديمقراطي المسيحي مثلا بعدم فرض تقييدات على مراسيم الدفن الإسلامية أو بناء المساجد إلا في إطار القانون، وبالأخذ بعين الاعتبار “قدر الممكن” آمال المسلمين في مجال الدفن، سواء بتخصيص مساحات خاصة لهم أو إنشاء مقابر إسلامية.
وفيما يتعلق بالحجاب، يرى الحزب أن “منع ارتداء الحجاب يشكل تقييدا هاما بالنسبة للأشخاص المعنيين ونحن نعتبر هذا الحظر غير مقبول إلا إذا كان يقوم على قاعدة قانونية يكون قد تم سنها لخدمة الصالح العام”. ويعتقد الحزب أنه يجب أن تتمتع السيدات والبنات المسلمات بحق اختيار ارتداء الحجاب أم لا، وأن “المهم هو أن يكون هذا الاختيار تم بالفعل دون تأثير أو ضغط من الأسرة أو أطراف ثالثة”.
في المقابل أكد الحزب أنه “يدافع عن الرأي القائل إن ارتداء الحجاب من طرف معلمة في المدارس ينتهك مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وبالتالي على المسلمات المعلمات التخلي عن ارتداء الحجاب”.
وفي مجال محاربة الأصولية الدينية، عبر الحزب عن تأييده لإنشاء كلية لاهوت مسلمة في إحدى الجامعات السويسرية لتكوين أئمة يتلقون تكوينهم في سويسرا ويتحدثون لغة البلاد ويعرفون ويحترمون مؤسساتها.
وبعد توضيح بأن الإسلام “يمكن تصريفه بصيغة الجمع” بمعنى “إسلامات” إشارة إلى اختلاف المذاهب السنية والشيعية والتيارات المتشعبة عنها، أكدت وثيقة الحزب أن “دين الإسلام لا يمُثل خطرا لا على الأمن الدولي ولا على أمن سويسرا خصوصا”.
نوايا صادقة أم تلاعبات سياسية؟
وإن كان الأمر كذلك، لم كل هذا الاهتمام السياسي المكثف بمسلمي سويسرا الآن تحديدا، علما أنه يأتي في خضم النقاش الحاد حول مراجعة قانوني اللجوء والأجانب التي يدعمها بقوة حزب الشعب اليميني المتشدد؟ وذلك دون إغفال الانتخابات الفدرالية التي ستنظم العام القادم.
صحيفة “لا ليبرتي” الصادرة في فريبورغ (عدد 15 أبريل 2006) تساءلت عن جدوى هذه التحركات اليمينية المتتالية في هذه الفترة تحديدا، فكانت إحدى الأجوبة على لسان المتحدثة باسم الحزب الاشتراكي (يسار)، وهو الحزب الوحيد في الحكومة الفدرالية الذي لم يُصدر وثيقة لتوضيح موقفه من الجالية المسلمة.
السيدة كلودين غودا قالت للصحيفة “أصبح المسلم العدو العام رقم واحد، والسياسيون يستغلون هذه الأجواء للتموقع (في الساحة الانتخابية). وأضافت المتحدثة “نحن نفضل التفكير في الإطار الشامل. إن الدين ليس سوى جانب من النقاش، والإسلام ليس إلا ديانة من ضمن ديانات أخرى”.
لكن الحزب الديمقراطي المسيحي يرد على هذا الانتقاد بالقول إنه “لا يمكن غض الطرف عن هذه الإشكالية” ويرى “أن الحوار ضروري لضمان اندماج جيد”.
من جهته، قال ستيفان لاتيون، رئيس “مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا في حديثه مع الصحيفة “إن المبادرة محمودة” إلا أن “المشكل يتمثل في عدم رغبة المسلمين ربما أن نتحدث عنهم حاليا”. ونوه الأستاذ المساعد في علوم الديانات في جامعة فريبورغ إلى أن “هذه التصورات تتم بناء على فكرة مُسبقة مفادها أن الجالية (المسلمة) تطرح مشكلا، بينما يقبل غالبية أعضاءها بالقوانين السويسرية”.
ويتساءل الباحث لاتيون عن جدوى نقل هذا النقاش إلى الساحة الوطنية علما أن إدارة القضايا الدينية في سويسرا الفدرالية تظل من صلاحيات الكانتونات التي ينتهج كل منها سياسته الخاصة في المجال الديني. وأضاف الباحث في هذا السياق: “إذن لن تكون للتدخلات الأخيرة معنى إلا إذا كانت ستـُنقل على المستوى المحلي للكانتونات. وإذا لم يحدث ذلك، يتساءل الباحث لاتيون: “هل لن يكون كل هذا مجرد خداع سياسي؟”.
تساؤل في محله ويدعو بالفعل إلى التأمل في وضع مسلمي سويسرا تحت مجهر اليمين.
سويس انفو – إصلاح بخات
حسب الإحصاء الفدرالي لعام 2000، يبلغ عدد المسلمين في سويسرا 310807 شخص.
في عام 1970، كان عددهم 16353 ثم ارتفع إلى 56625 في عام 1980 وإلى 152217 في 1990.
90% من مسلمي سويسرا ينحدرون من تركيا ودول البلقان.
نسبة العرب لا تتجاوز 5,6%. أما الشبان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما فيمثلون النصف تقريبا إذ يصل عددهم إلى 151815. فيما لا تتعدى نسبة الحاصلين على الجنسية السويسرية 11,75% من مجموع الجالية المسلمة في سويسرا.
معظم أبناء الجالية المسلمة يعيشون في المدن وينتمون للجيل الثاني من الأجانب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.