اين وصلت العلاقات بين السعودية والعراق؟
اكدت مصادر دبلوماسية عربية ان وزيري خارجية العراق والمملكة العربية السعودية سيلتقيان نهاية الشهر الجاري، لبحث وسائل عودة العلاقات بين البلدين بعد الانفراج الذي حصل بينهما في قمة بيروت العربية.
سيلتقي الوزيران في الخرطوم خلال حضورهما اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي الذي سيعقد في العاصمة السودانية في 25 من الشهر الجاري. سيناقش الوزيران في لقائهما سبل تعزيز أجواء الثقة والمصالحة التي تمت بينهما خلال قمة بيروت وما تم إنجازه من خلال الاتصالات المستمرة بين الرياض وبغداد.
يعد لقاء صبري والفيصل المرتقب في الخرطوم، اول لقاء لهما في أعقاب المصالحة التاريخية التي جرت بين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي السيد عزة إبراهيم وولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت، اواخر مارس الماضي والتي جرت بحضورهما.
تأتي هذه التطورات بعد ان عيَّن العراق الدكتور محمد مجيد السعيد ممثلا للبعثة العراقية في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تتخذ من جدة مقرا لها والتي وصفها وزير الخارجية العراقي ناجي صبري بأنها خطوة عراقية باتجاه التطبيع مع المملكة العربية السعودية.
وقد تصاعدت وتيرة العلاقات الاقتصادية بين السعودية والعراق في شتى الميادين، بشكل ملحوظ وتسجل يوميا خطوة جديدة تدفع بالعلاقات السياسية إلى الأمام وتساهم في توفير الأجواء المناسبة لاتخاذ الخطوة التاريخية بعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة والتطبيع الشامل بينهما.
وكشف مصدر عراقي موثوق عن اتصالات سرية يجريها العراق والسعودية تهدف الى صياغة آلية جديدة لبدء العلاقات الرسمية بينهما. وأوضح هذا المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن هذه الاتصالات التي يجريها البلدان في اكثر من عاصمة عربية قطعت شوطا مهما لصياغة الإطار المناسب الذي يعلن عن بدء التطبيع بين البلدين وإعادة العلاقات بينهما والمقطوعة منذ اثني عشر عاما اثر الاجتياح العراقي للكويت.
التطبيع بعيدا عن الاضواء.
استنادا الى ما قاله المصدر، فإن تلك الاتصالات يباشرها دبلوماسيون رفيعو المستوى من الجانبين. وعزا المصدر سرية هذه الاتصالات بين بغداد والرياض الى رغبة المسؤولين السعوديين في مناقشة الأمور بشكل هادئ بعيدا عن الأضواء من اجل بحث جميع القضايا العالقة بينهما. ورفض المصدر العراقي الإفصاح عن مكان هذه المباحثات أو المسؤولين الذين يقودون هذه المباحثات إلا انه أشار إلى أن المكان ليس بعيدا عن العاصمتين العراقية والسعودية.
قال المصدر العراقي في معرض تقييمه للمباحثات بين البلدين وتوقيت الإعلان عن نتائجها، “إنها تجري برغبة صادقة من كلا البلدين لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بينهما وفي مجمل مسيرة العلاقات العربية العربية” مضيفا “إن الإعلان عن هذه النتائج سيكون مفاجأة للجميع لما ستضيفه لمسيرة العمل العربي المشترك من آفاق جديدة تعيد لها الحيوية” حسب تعبيره.
من جهة اخرى تشارك مجموعة شركات سعودية في معرض زراعي متخصص يقام في العاصمة العراقية اواخر هذا الشهر، الامر الذي يقدم مزيدا من الدلالات على تحسن العلاقات بين العاصمتين العربيتين.
عقدة العلاقة مع الكويت
ومهما يكن الامر فإن للعلاقات بين بغداد والرياض انعكاساتها لا على الأوضاع في البلدين فحسب، بل أيضا على مجمل الوضع في منطقة الخليج العربي وعلى العلاقات العربية الايرانية، كما لها انعكاساتها على العلاقات العربية العربية. فليس جديدا القول ان السعودية هي الدولة المحورية في منطقة الخليج، كما انه ليس سرا ان تحسن علاقات الرياض ببغداد يمكن اعتباره مفتاح تحسن العلاقات بين العراق واقطار الخليج العربي الاخرى وعلى راسها الكويت.
كما انه ليس مستبعدا ان تقوم الرياض، ومن خلال مكانتها الاعتبارية لدى الكويت، بمبادرة لتخفيف التوتر مع بغداد بل وربما بمبادرة لتطبيع العلاقات أيضا على اساس نزع فتيل الأزمات وبناء جسور ثقة حتى وان كانت اقتصادية في أول الأمر.
فقد بادر العراق أكثر من مرة بالإفصاح عن استعداده للتعاقد مع الشركات الكويتية ومنحها قدرا من الأفضلية في العقود التي يبرمها في إطار اتفاق النفط مقابل الغذاء، بل ان نائب رئيس الجمهورية العراقي السيد طه ياسين رمضان ألمح الى ان بلاده يمكن ان تباشر علاقات اقتصادية مع الشركات الكويتية حتى في حال استمرار انطلاق الطائرات الامريكية والبريطانية من قواعد لها في الاراضي الكويتية، وهو ما تعتبره بغداد عملا عدوانيا من جانب واشنطن ولندن.
ان تحسن العلاقات بين الرياض وبغداد يمكن اعتباره مقدمة لخطوة مماثلة يبدأها العراق باتجاه الكويت وهو ما حصل بالفعل في قمة بيروت العربية الأخيرة. كما ان العلاقات السعودية الايرانية المتطورة، يمكن ان تكون بوابة لتحسين علاقات العراق بإيران التي ما تزال تراوح مكانها منذ نهاية الحرب العراقية الايرانية.
ولا شك ان عودة الدفء الى مسار العلاقات بين بغداد والرياض سيطرح مجددا مسألة بقاء القوات الأمريكية في الخليج العربي، خاصة بعد ان ارتفعت في الآونة الأخيرة اصوات داعية الى رحيل القوات الأجنبية من الخليج مياها وأرضا، وهي أصوات باتت مسموعة حتى في الرياض، التي استقدمت هذه القوات علانية عام 1990 بعد الغزو العراقي للكويت. وقد راجت مؤخرا انباء عن احتمال سحب قيادة القوات الأمريكية الى الدوحة بدلا من الظهران.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات، فان العلاقات السعودية العراقية، اذا ما شهدت تحسنا وتطبيعا، تصب في محصلتها في صالح النظام العربي الذي تخلخلت أركانه منذ عام 1990 نتيجة غزو الكويت وما نجم عنه من عداء بين الرياض وبغداد. وستفصح الأسابيع المقبلة عن جوانب مهمة من المسار المتطور لمنحى العلاقات بين العراق والسعودية وهو ما يتمناه كثيرون في بغداد والرياض وعواصم عربية عديدة.
مصطفى كامل – بغداد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.