بحثا عن ديمقراطية بمقاييس “شرقية”
منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، بدأ "فيروس" الاصلاح والتغيير في الإنتقال من بلد شرق أوسطي الى آخر، ولكن طبقا للمقاييس الغربية المتبلورة فيما يسمى بـ "العولمة" المسيطر عليها أمريكيا.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن “الفيروس” حط عصا الترحال في دولة الإمارات التي تقرر فيها انتخاب نصف أعضاء البرلمان الإتحادي.
لقد بدأت واشنطن حملة للترويج للديمقراطية والاصلاح في الشرق الاوسط بعد تلك الهجمات الإرهابية بزعم أن التطرف الديني ينبثق من الافتقار للحرية والاصلاح. ومنذ ذلك الوقت صار الحديث عن “الاصلاح والتغيير” مباحا، ووصل الأمر الى الحد الذي أخذ الحكام أنفسهم يتبنون طرحها والترويج لها، عبر منتديات شاركوا فيها منها بالطبع “منتدى المستقبل” الذي احتضنته الرباط (ديسمبر 2004) ثم البحرين (نوفمبر 2005).
ويمكن القول أنه قد حصل تقدم جزئي في مستوى الاصلاحات التي طالبت بها الولايات المتحدة دول الشرق الأوسط، إلا أن الخلاف ما يزال مستمرا حول ما تم انجازه حتى لترسيخ الديمقراطية بتلك المقاسات.
في مصر حصل تقدم من خلال السماح بمنافسة الرئيس حسني مبارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث “كررت” مصر ولم “تقرر” بسبب سيطرة السلطة وقوتها والعقبات التي وضعها التعديل الجزئي للدستور أمام منافسي الرئيس.
في السعودية، أنجزت هذا العام أول انتخابات بلدية، وحصل مثلها في باقي دول الخليج العربية عدا دولة الامارات العربية المتحدة التي اكتفت بالتجربة التي خاضتها إمارة الشارقة.
تجربة الشارقة
لقد كان حاكم الشارقة سباقا الى مشاركة مواطنيه في المجالس البلدية، وأصدر المرسوم الأميري رقم 2 لسنة 2005 بتاريخ 15/1 بتحديد اختصاصات الجمعية العمومية للمجالس البلدية في الإمارة، وحدد اختصاصاتها بوضع آليات التنسيق فيما بين الأجهزة التنفيذية للبلديات وضع خطط المشاركة الشعبية في مشروعات البلديات بالجهود والإمكانيات الذاتية، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة بحفظ الأمن والنظام في الإمارة.
وفي يوم 22 فبراير الماضي أدى 88 عضواً بينهم سيدتان يمثلون تسعة مجالس بلدية، اليمين أمام الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة الذي اعتبر المجالس البلدية في إمارته خطوة نحو الانتخابات المباشرة.
وطالب الشيخ سلطان القاسمي أن لايقتصر دورالمجالس البلدية على المهام التقليدية المعروفة المحددة وحسب، وأن يمتد هذا الدور ليشمل كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمنطقة وبراحة أبنائها والتعرف عليها ونقلها بكل أمانة دون زيادة او نقصان للبدء بحلها، مشيرا الى دور كل فرد فى الوعى بمشكلات المنطقة والمجتمع والابلاغ عن أى خلل وصعوبات والتواصل مع بلديته لتطور خدماتها وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع.
من جانبها، لمحت امارات أخرى (مثل دبي) الى أنها قد تجري انتخابات بلدية ولكن لم يحدد جدول زمني لذلك من واقع أن من حق كل امارة اجراء انتخابات محلية بمقتضى الدستور.
لكن هذا يجب أن لايقلل من شأن مبادرة حاكم الشارقة التي تركت أثرا ايجابيا على باقي الإمارات التي تتشكل منها الدولة، ورحب بها أعضاء المجلس الوطني الاتحادي لأنها تجسيد أيضا لما كان ينادي به الشيخ زايد بن سلطان الراحل وأكد عليه حتى قبل شيوع موضة “الاصلاح والديمقراطية” القادمة من الغرب وأمريكا.
سابقة سعودية وأخرى عراقية
ففي عام 1998 قال الرئيس الراحل لدولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان (الذي توفي في أواخر العام الماضي) إنه مستعد لبحث اجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني على قاعدة “أهل مكه أدرى بشعابها”، الى أن جاءت خطوة رئيس الدولة الحالي الشيخ خليفة بن زايد في الذكرى الـ34 لتأسيس الامارات، مبشرا بعهد جديد من المشاركة الشعبية.
قبل ذلك، نادي من تسميهم ماكينة الاعلام الغربي بالاصلاحيين في الصيف الماضي، ببرلمان منتخب في دولة الامارات العربية المتحدة، وهي أول مطالبة ” عامة” من نوعها بمشاركة أكبر في القرار السياسي.
القرار الذي اتخذه الشيخ خليفة في عيد الدولة الوطني وذكرى تأسيس الاتحاد، أعاد الى الأذهان الحديث عن بلد محاط بطوق من الأزمات التي تعصف بالدول المجاورة، ورغم ذلك ظل يحافظ على استقراره ن لسبب بسيط وهو عدم وجود معارضة سياسية أو أحزاب، تنتج في الغالب مسلسلات العنف والتشدد أو صراعات ترافق في الغالب أيضا العملية الانتخابية.
ولا يستبعد عارفون أن تكون الانتخابات المحلية التي جرت في وقت سابق من هذا العام في السعودية، قد ضغطت بقوة على الشارع الاماراتي (أي المواطنين)، ليبدأ الحديث عن الامارات بصفتها الدولة الخليجية الوحيدة التي لا توجد بها أي هيئة منتخبة في منطقة الخليج برمتها.
كذلك وبعد سقوط النظام العراقي السابق، فان “البشرى” الأمريكية بأن يتحول العراق الى نموذج للديمقراطية في المنطقة، قد فتحت شهية الشعوب في المنطقة الخليجية وهي ترى أن العراقيين صاروا ذهابهم الى صناديق الاقتراع، معلما بارزا في حياتهم الجديدة رغم الموت ومشاهد العنف والدماء والأشلاء المتطايرة هنا وهناك.
حضور .. وغياب
ومن شأن هذا التطور الجديد في العراق أن يضغط على الدول المجاورة، إذا أضيفت لها الانتخابات الايرانية التي تجري بمعدل انتخابات واحدة كل عام منذ قيام نظام الجمهورية الاسلامية عام 1979.
وبدا أن اجراء انتخابات في العراق وايران كان فاعلا لكي يطالب أكاديميون اماراتيون بهذا الحق لهم لأنه من الغريب أن يسجل المقيمون من العراقيين والايرانيين أسماءهم في الامارات للمشاركة في انتخابات بلادهم في حين أن مواطني دولة الامارات ليس لهم الحق في الانتخاب. هذا الكلام يردده عدد من الأكاديميين “الاصلاحيين” في الامارات وهم يرون أن الأمر بات محرجا لبلادهم أن تتخلف عن الركب، وطالبوا بصوت عال بأن يصبح في الامارات مجلس منتخب بالكامل.
لكن القرار الذي أعلن رئيس الامارات، والذي يمكن وصفه بـالخطوة الحذرة نحو ديمقراطية تريدها الامارات بمقاييس شرقية تتلائم مع عادات البلاد وتقاليدها، لم يشر الى انتخابات تجري الاقتراع المباشر. فالانتخابات ستكون جزئية يشارك فيها عدد محدود من وجهاء الامارات السبع قبل الدخول الى مرحلة الاقتراع المباشر، ربما لكي يجرب الاماراتيون تمرين العمل الديمقراطي بالطريقة التي تنسجم وتاريخ بلادهم وحضارتها.
وهي إذن خطوة نحو تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي عبر انتخاب نصف أعضائه من خلال مجالس لكل إمارة وتعيين النصف الآخر.
انتقادات ورؤى متعددة
قبل الاعلان عن هذه الخطوة، بث التلفزيون الاماراتي الرسمي، في شهر رمضان الأخير تمثيلية مسرحية وجهت انتقادات حادة جدا للمجلس الوطني الاتحادي بصيغته الحالية، وكشفت (التمثيلية) عن مواقع الخلل في اختيار الأعضاء وطريقة إدارة الجلسات ومحدودية الصلاحيات.
التمثيلية وهي جزء من مسلسل تناول بالنقد كبار المسؤولين، قدمت طرحا جريئا جدا ألمح الى أهمية ايجاد تغيير في تركيبة المجلس الوطني بأعضائه الأربعين، وتفعيل دوره للاشراف على السلطة التنفيذية، وتحدثت لأول مرة وبصراحة متناهيةعن فشل محاولات اصلاح المجلس من الداخل، كما طالبت أن تكون للمجلس سلطات لاقتراح القوانين ومناقشة القضايا العامة دون اذن من الحكومة.
صحيفة الخليج الاماراتية التي تصدر من إمارة الشارقة، اقتربت كثيرا من هذا النقد وكتبت في احدى افتتاحياتها مانصه: “غابت العافية في السنوات الأخيرة عن المجلس الوطني الاتحادي بسبب قلة الصلاحيات ومحدودية دوره”.
كما كتب بعض الاكاديميين منتقدين الإطار الاستشاري دون التشريعي للمجلس، وقالوا إن هذا الاختصاص الضيق مقيد بموافقة مجلس الوزراء بالنسبة إلى كل موضوع تراد مناقشته على حدة.
مواقع اماراتية على شبكة الإنترنت تطرقت قبل ذلك الى مسالة المشاركة السياسية، ونوقش فيها السؤال التالي: “هل من المتوقع أن تبدأ المشاركة الشعبية والاصلاحات السياسيه بالامارات،أم لايزال الوقت مبكرًا وغير مناسب”؟. وأجمعت كلمة العديد من المواطنين المشاركين في هذا النقاش على رفض انتخابات صورية تؤدي الى نتيجة شرحها البعض بقوله: “بعض الغياب حضور .. وبعض الحضور غياب”.
من جهتهم، عبر بعض اعضاء المجلس الوطني الاتحادي عن تأييدهم لإجراء انتخابات مباشرة ولكن مع بعض الشروط اوالتحفظات احيانا. ورأى العديد منهم أنه ليس من الضروري تتبع الامارات النظام القائم في بعض البلدان العربية لان “غالبية البرلمانات التشريعية في البلدان العربية تتسم بالنفاق، وأن عددا من اعضاء هذه المجالس التشريعية لم ينتخبوا لمواصفاتهم القيادية”. ودعا آخرون الى أن “تتمكن النساء من المشاركة فيه”.
وفيما أكد العضو في المجلس الوطني الاتحادي، محمد بن علي النقبي إنه “يؤيد مبدأ الانتخابات شرط ألا يكون ذلك تحت تأثير الضغوط الخارجية، مشيرا أنه “اذا انبثقت (هذه الفكرة) من الحكومة الاماراتية ولم تفرض من الجهات الخارجية، سأدعمها”، اعتبر عضو آخر هو محمد راشد النصيري أن “الوضع الديمغرافي للامارات لا يدعو الى اجراء انتخابات لان السكان الاصليين لا يتجاوزون 30% من مجمل سكان البلاد”.
نجاح محمد علي – دبي
أعلى سلطة اتحادية في دولة الامارات العربية المتحدة هي: المجلس الاعلى الذي يضم حكام الامارات السبع وهي أبوظبي ودبي والشارقة وأم القيوين وعجمان ورأس الخيمة والفجيرة.
يقطن الامارات أربعة ملايين نسمة أغلبهم من الاجانب وهي دولة تتمتع باستقرار سياسي وأمني واقتصادي فريد.
المجلس الوطني الاتحادي الحالي الذي تأخر افتتاحه هو إحدى السلطات الاتحادية الخمس المنصوص عليها في الدستور وهي: المجلس الأعلى للاتحاد، رئيس الدولة ونائبه، مجلس الوزراء، المجلس الوطني الاتحادي، القضاء الاتحادي.
ويشكل المجلس الوطني الاتحادي من أربعين عضوا
توزع عدد مقاعد المجلس على الإمارات كما يلي: 8 مقاعد لكل من أبوظبي ودبي و6 مقاعد لكل من الشارقة ورأس الخيمة و4 مقاعد لكل من عجمان وأم القيوين والفجيرة.
يترك لكل إمارة طريقة اختيار المواطنين الذين يمثلونها في المجلس، ومدة العضوية في المجلـس سنتان ميلاديتان تبدأ من أول اجتماع له، ويطلق على هذه المدة “الفصل التشريعي”.
وتكون دعوة المجلس للانعقاد وفض الدورة بمرسوم يصدره رئيس الدولة، وإذا لم يتم دعوة المجلس للانعقاد لدورته السنوية خلال الفصل التشريعي قبل الأسبوع الثالث من نوفمبر انعقد من تلقاء نفسه في الحادي والعشرين من الشهر المذكور.
كان أول اجتماع للمجلس في 13 فبراير من عام 1972.
ينوب عضو المجلس عن شعب الاتحاد جميعه وليس عن الإمارة التي قامت باختياره.
لا يجـوز للعضو أن يتدخل في أي عمل من أعمال السلطتين القضائية أو التنفيذية لكن له الحق في أن يوجه لرئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة للاستفسار عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم بما في ذلك الاستفهام عن أمر يجهله العضو والتحقق من حصول واقعة وصل علـمها إليه.
لا يجوز أن يوجه السؤال إلا من عضو واحد ويكون توجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء أو إلى وزير واحد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.