مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برلين تطبخ رُؤية جديدة لعلاقات أوروبا بالمغرب العربي

في العاصمة التونسية، التقى وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بالوزير الأول التونسي محمد الغنوشي يوم 17 نوفمبر 2006 Keystone

بقدر ما أبدى وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير من حذاقة في استثمار اختلاف العُـطل الأسبوعية في بلدان المغرب العربي ليقوم بجولته المكوكية الأخيرة في المنطقة..

..أظهر مقدرة كبيرة على استيعاب التناقضات بين العواصم المغاربية المُـتصارعة لجرِّها إلى التفاهُـم مع الأوروبيين على أجندة تُسكـَن مخاوفهم الأمنية، وتُـعيد الرّوح إلى مسار برشلونة.

بدأ شتاينماير الجولة من ليبيا وانتقل منها إلى الجزائر، ثم طار إلى تونس في اليوم التالي وغادرها بعد أربع وعشرين ساعة إلى المغرب، ليختمها في اليوم الخامس بزيارة قصيرة إلى موريتانيا.

واستطاع الوزير، الذي يستعد بلده لتسلّـم رئاسة الإتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعا، مع مطلع العام المقبل، أن يُـقابل في خمسة أيام الزعماء المغاربيين (عدا الرئيس التونسي، الذي أناب عنه وزيره الأول محمد الغنوشي) ووزراء خارجيتهم، ويسمع منهم خطابات قاسية عن حصاد السياسة الأوروبية تُـجاه المنطقة.

لكن محلِّـلين رأوا أن المحادثات كانت ستدُور في أجواء أكثر صراحة وشفافية، لو لم يخضع شتاينماير للعُرف الألماني، الذي يفرض مرافقة نواب برلمانيين من “الرايشتاغ” الوزير في جميع محادثاته.

وفعلا، لازمه نائبان، أحدهما ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والثاني إلى الحزب الديمقراطي المسيحي المتآلفان في الحكم، وحضر النائبان جميع مقابلاته، عدا المحطة الجزائرية، حيث رفضت الدولة المُـضيفة إشراكهما في المحادثات الرسمية فبقيا … في الفندق.

وعزا عضو في الوفد الألماني قبول شتاينماير بوجود “عيون” ترقب ما يقول إلى أنه بيروقراطي وليس رجل سياسة. فقد تقلب في مناصب إدارية سامية، آخرها مدير مكتب المستشارية، ولم يتبوّأ أي منصب سياسي قبل الخارجية.

بيد أن هذا “الأباراتشيك” اللامع، استطاع أن يُـسيطر على الملفّـات المغاربية ويقوم بالمهمة التي تتطلّـع إليها المستشارة ميركل، التي تسعى إلى دور أوروبي نشط، بعدما أرهقتها الهموم الداخلية.

فأنجيلا ميركل، التي احتفلت يوم 22 من الشهر الجاري بالذكرى الأولى لصعودها إلى سدّة المستشارية، أمضت سنة عسيرة بعدما وجدت نفسها في مواجهة ملفات ملتهبة، ليس أقلها تخفيف عبء الضرائب ومعاودة هيكلة النظام الصحي، لذلك، نزلت عليها رئاسة الإتحاد الأوروبي نزول حبل الإنقاذ من السماء لتنقلها إلى فضاء أرحب وتمنحها هامشا أوسع للمناورة.

وفي ضوء تقويم أعدّه خبراء ألمان وأوروبيون، أدركت المستشارة أن ملف العلاقات مع المغرب العربي يكتسي طابعا استراتيجيا، ليس فقط للروابط الاقتصادية المتينة، التي نسجتها أوروبا مع بلدان المنطقة، وإنما خاصة بسبب الهواجس الأمنية التي تسكُـن العقل الأوروبي تُـجاه الضفّـة الجنوبية للمتوسط، والتي تعتبر مصدرا رئيسيا للهجرة غير المشروعة والحركات المتشدّدة المناوئة للغرب والمهددة لاستقراره.

توجُّـــس أوروبي

وأقرَ شتاينماير في جميع العواصم التي زارها، بأن أوروبا تتوجّـس خيفة من صعود الإسلام السياسي في المنطقة، لكن محاوريه أكّـدوا له أن الذنب على الأوروبيين الذين ما فتئوا يُـطالبون بإصلاحات ديمقراطية، بينما أثبتت التجارب الانتخابية في فلسطين وتركيا والمغرب أن الحركات الأصولية، هي المستفيد الأول من الالتزام بآليات الانتخاب الحر والشفاف.

ولم يثر كلامه عن الإصلاحات الاستغراب في غالبية العواصم التي زارها، وإنما لقي تجاوبا، وخاصة في الرباط، إلا أنه كهرب الأجواء في المحطة التونسية. فبعدما خاطب شتاينماير مُـلتقى لأكاديميين ألمان وتونسيين بلهجة شدّدت على ضرورة تحقيق تقدم على المسار السياسي، أسوة بالمكاسب التي حققها البلد على المسارين، الاقتصادي والاجتماعي، فوجئ بإلغاء اللقاء الذي كان مقرّرا مع رئيس الدولة في اليوم التالي، على رغم حصول اتفاق كامل على ترتيباته البروتوكولية. كما تمّ إشعار الإعلاميين في اللّـحظة التي وصل فيها شتاينماير والوفد المرافق له إلى مطار تونس للمغادرة بإلغاء المؤتمر الصحفي الذي دعوا إلى حضوره.

وإلى جانب ملف الإصلاحات، حمل الوزير الألماني إلى المغاربيين هموم البلدان “المتضررة” من الهجرة غير الشرعية، وحضّـهم على التجاوب مع التدابير التي اقترحتها البلدان الأوروبية المتوسطية، والخاصة بتشكيل دوريات مشتركة لمراقبة الحدود البحرية من مراكب المهاجرين السريين، وأكّـد أن الإطار الأمثل لحل المشكلة، هو التعاون الإقليمي وتجاوز البلدان المغاربية الخلافات القائمة بينها.

وفي هذا السياق، اعترف شتاينماير بأن مسار برشلونة معطّـل ومشلُـول، مؤكِّـدا أن برلين غير مُـرتاحة لهذا الوضع، واعِـدا بإطلاق مبادرات لإحيائه مع النأي به عن الاجتماعات العقيمة والاتجاه نحو مبادرات ملموسة تؤثِّـر في قِـطاعات واسعة من الناس وتُشعرهم بفوائد المسار، من دون إعطاء تفاصيل عن خُـطط ألمانيا في هذا المجال.

وكرّر الوزير القول في أكثر من عاصمة، وبلهجة ساخرة، أن ألمانيا قامت بعمل جيِّـد في مجال التعاون لحماية السُّـفن الغارقة في أعماق المتوسط والتنقيب عن هذه الثروة الأثرية، اعتمادا على فِـرق مشتركة من العلماء والآثاريين، لكنها مُطالبة بعمل أكبر في مجالات أهم، مثل مكافحة البطالة والتصدّي للهجرة السرية.

وأعلن في هذا المضمار، أن برلين ستستضيف اجتماعات مكثّـفة للبحث في آليات النهوض بالشراكة الأورو متوسطية ومساعدة البلدان المغاربية والمتوسطية عموما، على الاستفادة أكثر من الإعتمادات، التي رصدها الإتحاد الأوروبي لتحديث القضاء والإعلام وتقوية النسيج الصناعي وتعزيز أوضاع حقوق الإنسان في بلدان المنطقة. غير أن شتاينماير ظل مع كل هذه الإرادة المتحفِّـزة، متشبثا ببراغماتية الألمان، إذ أقر بأن الصِّـراع العربي الإسرائيلي والوضع المتفجِّـر في العراق، يلقيان ظلالا كثيفة من الضّـباب أمام سفينة برشلونة التائهة في البحر.

البحث عن موقع بين الكبار

ومع أن أعضاء الوفد المرافق لشتاينماير رفضوا عقد مقارنات بين مستويات التجاوب الذي لاقوه في البلدان التي شملتها الجولة، بدت المحطة المغربية أكثر سلاسة وتِـلقائية، إذ اجتمع النائبان اللّـذان رافقاه إلى أعضاء الكتل البرلمانية القريبة منهما بشكل منفصّـل، كما كانت للوزير محادثات مطولة ومهمَّـة مع كبار المسؤولين، وفي مقدمتهم الملك محمد السادس، شملت في آن معا الملفات الثنائية والإقليمية.

واعتبر عضو في الوفد المرافق للوزير الألماني، أن حصاد الجولة كان إيجابيا في بلورة رؤية ألمانيا لمشاكل المنطقة الآن، أي وهي في سبيلها لتسلم الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي من فنلندا مطلع العام المقبل، وعشية القمّـة التي يعقدها الزعماء الأوروبيون الشهر المقبل في هلسنكي.

وأوضح أن ألمانيا حريصة على الاستماع مُـباشرة إلى البلدان المعنية بملفات مهمّـة ستُـطرح على مائدة البحث في القمّـة، التي ستحدّد سياسات الإتحاد للفترة القادمة، وفي مقدمتها الأمن المتوسطي ومكافحة الهجرة غير المشروعة ومستقبل التعاون الاقتصادي، في ظل سياسة “الجوار الجديد”، التي اعتمدها الأوروبيون لتحُـل محلّ صيغة الشراكة.

وإذا كانت هناك من فائدة لبرلين من الجولة المغاربية التي قام بها وزير خارجيتها، والتي كانت الأولى من نوعها، فهي الوقوف على الحاجة إلى بلورة رؤية ألمانية للتعاطي مع هذه المنطقة.

فعندما توجّـه مسؤول مغاربي كبير لشتاينماير قائلا “ليست لديكم سياسة متوسطية”، لم يجادله الوزير الزائر، وإنما أقَـرَ بأن تلك هي الحقيقة، مما يُـوحي بأن ألمانيا تتهيّـأ للنزول إلى المسرح المتوسطي عموما والمغاربي خصوصا، كي تحتّـل موقِـعا بين اللاّعبين الكبار.

فهل سيفسحوا لها المجال أم يكون ردّهم من حجم الردّ الفرنسي والبريطاني على زيارة الإمبراطور الألماني إلى المغرب في مطالع القرن الماضي؟

تونس – رشيد خشانة

قام الدكتور فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية الألمانية، بزيارة في شمال إفريقيا شملت دول المغرب العربي وهي: ليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا. واستغرقت الرحلة خمسة أيام من 14 إلى 18 نوفمبر 2006.

تستعد الحكومة الألمانية حالياً لرئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2007، و في إطار رئاستها للمجلس سوف تولي الحكومة اهتماماً كبيراً للانتهاء من صياغة سياسة جوار أوروبية.

وتعد دول الجوار المطلة على جنوب البحر الأبيض المتوسط شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي، الذي يتحرك منذ عام 1995 على أسس إقليمية من خلال الشراكة الأورومتوسطية (ما يعرف بعملية برشلونة). وقعت الجزائر وتونس والمغرب اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، كما تتمتع ليبيا وموريتانيا بدور المراقب في عملية برشلونة.

أكد شتاينماير في بداية زيارته على أنه: “يجب على الاتحاد الأوروبي ودول الجنوب المطلة على البحر الأبيض المتوسط أن تهتم بتعزيز التعاون فيما بينها وأن تستغل كل الطاقات الكامنة في عملية برشلونة”.

وقد أجرى شتاينماير محادثات سياسية في كل البلدان مع ممثلين حكوميين رفيعي المستوى. شملت المحادثات الموضوعات ذات الاهتمام المشترك و قضايا تتعلق بالسياسة الأوروبية والشئون الدولية. كما قام الوزير بمساندة العمل على حماية حقوق الانسان وسيادة القانون. أيضاً ناقش مسائل متعلقة بالحوار بين الثقافات، والتقى ممثلين عن المجتمع المدني و الحياة السياسية و الثقافية.

كما صرح الوزير قائلاً: “إن دول المغرب العربي تمثل بالنسبة لأوروبا جسراً إلى العالم العربي الإسلامي. يجب أن يكون هدفنا المشترك هو تعزيز قوى التحديث والتسامح في كلتا الدائرتين الثقافيتين. لذلك نريد استكمال حوار الثقافات”.

(المصدر: نقلا عن موقع إعلامي تابع لوزارة الخارجية الألمانية – بتصرف)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية