مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد أحداث غزة.. إسرائيل تعيد النظر في حسابات الربح والخسارة

دبابة إسرائيلية من طراز ميركافا تستعد لدخول قاعدة عسكرية قرب معبر كارني المؤدي إلى قطاع غزة يوم 19 يونيو 2007 Keystone

حسابات الربح والخسارة في المعادلة الجديدة، الناشئة بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، من الممكن أن تمنع إسرائيل من القيام بخطوات عسكرية دراماتيكية للإطاحة بـ "نظام حماس في غزة "، حسب تسمية بعض الإسرائيليين.

فإذا كانت السياسة في العادة تقوم على حسابات الربح والخسارة وتقاطع أو تضارب المصالح، فالإطاحة بحماس وعودة القطاع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية وتتويج أبو مازن كمنتصر في هذه المواجهة، قد يضطر إسرائيل إلى دفع الثمن مضاعفا لشريكها في السلام عند العودة إلى طاولة المفاوضات.

الأجواء في إسرائيل صبيحة سيطرة غزة على القطاع، كانت مُـكفهِـرة، ولكن عادية. فالتصريحات الإسرائيلية السابقة حول حماس وعدم اعترافها بإسرائيل، ونية الحركة القضاء على “الكيان الصهيوني”، دفعت العديد من الإسرائيليين للاعتقاد بأن إسرائيل، التي امتنعت عن التدخل خلال فترة الاقتتال الفلسطيني الداخلي في الحرب الدموية في القطاع، ستنقض لتقطيع أوصال القطاع وأوصال حماس إذا ما انتصرت في المواجهة مع فتح، وأن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة “إرهابية” على حدودها الجنوبية.

غداة انتصار حماس، سارت الحياة بشكلها الطبيعي في إسرائيل، فيما شكلت أحداث غزة في الأساس حُـجة لاولمرت ولايهود باراك للتخلُّـص من عمير بيرتس وإخلائه من وزارة الدفاع، بعد أن خسر المعركة على رئاسة حزب العمل في الجولة الأولى، وهُـزم في الجولة الثانية مع حليفه عامي ايالون.

من هو البديل الأفضل لإسرائيل؟

وقد كتب افرايم هيلفي، الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي في صحيفة يديعون احرونوت يوم الأحد 18 يونيو، “ما المطلوب من إسرائيل فعله لضمان بقاء أبو مازن في السلطة ولتعزيز مكانته كقائد قوي ومعترف به في بلاده وفي العالم العربي وفي العالم أجمع”؟ ثم تساءل: “.. هل الثمن المطلوب من إسرائيل دفعه يستحق ذلك، هل يمكن لإسرائيل أن تدفعه، وهل المقابل بالتالي مضمون”؟

هليفي، الذي كتب مُـطالبا بإعادة تقييم شاملة للرؤية وللإستراتيجية الإسرائيلية في المرحلة القادمة، أضاف: “أمام انهيار قوات فتح المدرّبة والمزوّدة جيدا بالعتاد في قطاع غزة، هل من الممكن التقدير وباحتمالية عالية، أن فتح ستحافظ على قوتها في الضفة؟ وهل باستطاعة الولايات المتحدة أن تدرب هذه القوات وأن تبعث فيها مناعة عسكرية سياسية ونظامية”؟

“كيف ووفق أية معايير يجب تقييم أداء أبو مازن في الأزمة الأخيرة، وما هي الاحتمالات بأن يستمر ويبقى قائدا لشعبه مستقبلا”؟ و”هل هنالك بدائل لأبي مازن؟ من هي؟ وهل هذه البدائل جديرة بالفحص نظرا لوجود احتمالات بعدم قدرة أبو مازن بالاستمرار والتغلب على الأزمة”؟ و”ما المطلوب دفعه من قبل إسرائيل لإسقاط حماس؟ من يمكن أن يأتي مكانها، هل البديل أفضل أم أسوأ لإسرائيل”؟

معارك حزبية إسرائيلية

على الرغم من أن هذه الأزمة قد تلعب إعلاميا لصالح إسرائيل، خصوصا وأن الويلات المتهافتة هذه المرة على رؤوس الفلسطينيين، هي من صنيع الفلسطينيين أنفسهم وتستطيع إسرائيل أن تنتقد مستوى “البشاعة والإجرام” و “عمليات التطهير” المستمرة في القطاع، إلا أن توقيت هذه الأحداث لا تبدو جيدة لإسرائيل في الظروف السياسية الداخلية والمعارك الحزبية فيها.

الاتفاق بين اولمرت وباراك على التخلص بأسرع وقت ممكن من عمير بيرتس من وزارة الدفاع، كان ربما التوظيف الأول لغزة وأحداثها في السياق الحزبي الإسرائيلي الداخلي، وفي مشروع إعادة بناء حكومة اولمرت من جديد، وهي الخطوة التي حلم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ فترة طويلة.

تصريحاته بالتخلص من بيريتس، ووزير دفاعه الجديد ايهود باراك، لم يمهله طويلا تصريحاته في جلسة كتلة حزب العمل الاحتفالية بداية الأسبوع عند تسلمه مقاليد رئاسة الحزب من عمير بيريتس، كانت مستفزة لحزب كاديما. تصريحاته بأن طموحه هو تغيير غرفة الكتلة بالكنيست بغرفة كتلة كاديما، أي غرفة الحزب الحاكم، الأكبر حجما والأوسع داخل قاعات الكنيست المخصصة للكتل البرلمانية داخلها، شكلت صدمة لقيادات كاديما ولرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تواجد حينها في الولايات المتحدة.

فجأة، بدا أن الأجندات السياسية للشخصين مختلفة، وربما حتى متناقضة. باراك تحدث على أنه يجب الاستعداد للانتخابات وأن عام 2008 هو عام انتخابات في إسرائيل، وأنه هو الشخص الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة مرة أخرى ببنيامين نتنياهو، رئيس حزب الليكود المعارض.

باراك.. مصدر قلق جديد

بالنسبة لباراك، فكاديما واولمرت ليسا موجودين في حساباته بتاتا وأن ما حذر منه الوزير مئير شطريت، بأن انضمام باراك إلى الحكومة ما هو إلا وسيلة لتعزيز مكانته في الشارع الإسرائيلي، تمهيدا للانقلاب على اولمرت وحكومته، صحيح.

هذا الحديث قد يعني أن الاستراتيجية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي سيقودها باراك خلال الفترة القادمة، ستبقى متأثرة بخُـطط باراك الشخصية وأن طبيعة وحجم الضربات الإسرائيلية ضد حماس وجيشها في القطاع، لن يكون مجردا من حسابات سياسية إسرائيلية حزبية.

عودة باراك إلى رئاسة الحزب وإلى مكتب وزير الدفاع، كان مربوطا بالحاجة إلى شخصية عسكرية سياسية قوية هناك، بعد الشعور الذي اجتاح الشارع الإسرائيلي بالهزيمة بعد الحرب الأخيرة على لبنان.

بالنسبة لباراك، فإن حماس هي الحالة الأمثل، فالشارع الإسرائيلي يحب جدا أن يكرهها، وإن استطاع الانتصار عليها أو تحطيم ذراعها العسكري، فإنه سيحظى بدعم، ربما غير مسبوق في الشارع الإسرائيلي، هذا الشارع التواق والمتعطش لانتصارات عسكرية والمستعد أن يدفع لبراك عندها في المقابل، منصب رئيس الوزراء.

مصدر القلق الجديد لاولمرت والمسمّـى ايهود باراك، قد يكون العامل الأقل أهمية في الفترة القادمة. فالتقرير الأولي للقاضي فينوغراد، رئيس لجنة التحقيق في إخفاقات حرب لبنان الثانية، قال إن التقرير النهائي سيشمل استنتاجات شخصية ضد المسؤولين عن الإخفاق، عندما نُـشر التقرير الأولي، شمل انتقادات حادة لكل من رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزير دفاعه حينها عمير بيرتس ورئيس هيئة الأركان الجنرال دان حلوتس، وحمَّـلهم المسؤولية المباشرة لما حدث.

دان حلوتس استقال من منصبه وسافر للدراسة في الولايات المتحدة وعاد ليتسلم منصبا رفيعا في إحدى شركات القطاع الخاص في إسرائيل.

عمير بيرتس خسِـر المعركة على رئاسة حزب العمل وخسر منصبه في وزارة الدفاع ولم يتبق من المسؤولين أمام الاستنتاجات النهائية للجنة، سوى رئيس الحكومة ايهود اولمرت، الذي بات يدير حكومته وسيف اللجنة مسلول فوق عنقه، وفي هذه الظروف، بات يعمل ويسافر ويدير سياسته الداخلية والخارجية.

كابوس أولمرت

على الرغم من قضاء اولمرت على محاولات الانقلاب الأبيض ضده، والذي قادته وزيرة خارجيته تسيبي ليفني، التي حلمت بوراثته، وتخلصه من شمعون بيرس، الرئيس الجديد لإسرائيل، الذي طالما شكل تهديدا لاولمرت، لأن الكثيرين داخل كاديما وفي الائتلاف الحاكم، رأوا فيه الخيار الطبيعي لتبديل اولمرت، إن اقتضت الحاجة ذالك، إلا أنه لا زال يحظى بشعبية متدنية جدا في الشارع الإسرائيلي ويعيش مع كابوس قد يتحقق، إن طالبه التقرير النهائي للجنة فينوغراد، المتوقع إعلانه خلال الشهور الأربع القادمة بالاستقالة أو إذا استغل باراك موعد الإعلان عن توصيات التقرير، للإعلان عن انسحابه من حكومة اولمرت، للتوجه نحو انتخابات عامة جديدة في إسرائيل، مستغلا ما قد يحققه في حرب قد يُـعلنها على حماس.

وإن استطاع اولمرت اجتياز عقبة فينوغراد، فعليه حينها أن يقرر هل بإمكانه تسديد فاتورة مرحلة ما بعد حماس أم أن استمرار سيطرة حماس على غزة أفضل بالنسبة له، لأن مجموع ما يخسره، سياسيا وعسكريا مع حماس، يبقى أقل من الثمن الذي سيضطر لدفعه في حال التخلص منها.

قاسم الخطيب – القدس

القدس (رويترز) – قال مسؤولون إسرائيليون وغربيون بارزون يوم الثلاثاء 19 يونيو، إن إسرائيل تعتزم تشديد حصار مالي على قطاع غزة، الذي تحكمه حماس، بحيث تمنع دخول أي أموال باستثناء المساعدات الإنسانية والإمدادات الأساسية. ورفضت حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عرض حماس إجراء “حوار” رفضا قاطعا وحظرت كل الاتصالات مع الحركة.

ووصف محمد دحلان، عدو حماس الأبرز ومستشار الرئيس للأمن القومي، الحركة الإسلامية بأنها “قوة احتلال” في غزة، وهو تعبير عادة ما يستخدم للتنديد بإسرائيل. وفي الوقت الذي يسمح فيه بتدفق الأموال على حكومة الطوارئ، التي يدعمها الغرب والتي شكّـلها عباس في الضفة الغربية المحتلة، تريد إسرائيل والولايات المتحدة عزل حماس، ماليا ودبلوماسيا وعسكريا، في قطاع غزة الذي سيطرت عليه الحركة بالقوة الأسبوع الماضي، وسيقترن الحظر بمساع تقودها الولايات المتحدة لإحياء محادثات السلام بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت.

وقال سامي أبو زهري، المسؤول بحماس إن من الأمور المثيرة للدهشة أن يكون زعماء فتح مستعدين لإجراء حوار مع “الصهاينة”، بينما يرفضون الحوار مع حماس. وقال مسؤولان إسرائيليان بارزان، إن إسرائيل تعتزم منع وصول أموال الضرائب الفلسطينية، التي يتم تحويلها إلى عباس، إلى غزة لتشغيل الوكالات التي تديرها حماس ودفع رواتب الموظفين.

وقال مسؤول إسرائيلي يعمل مع إدارة بوش لعزل حماس “غزة كِـيان يسيطر عليه الإرهابيون الآن.. لا يمكن إيصال المساعدات المالية إلى أي كيان أو شخص على صلة بالإدارة التي تسيطر عليها حماس في غزة”. وقال وزير الإعلام الفلسطيني رياض المالكي، إن حكومة الطوارئ لم تسمع بأي شروط إسرائيلية على أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، وأضاف أن حكومة الطوارئ لن تقبل أي شروط.

وقال مسؤولون إسرائيليون، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، إن إسرائيل تبحث مع الولايات المتحدة نطاق الحصار الإسرائيلي على غزة. وأبلغ مئير شتريت، الوزير في الحكومة الإسرائيلية لرويترز، أنه يتعين على إسرائيل أن تتأكد من عدم وجود وسيلة يمكن أن تستخدم من خلالها الأموال “للإرهاب أو بواسطة حماس”، وقال مسؤولون إسرائيليون وغربيون إن المساعدات الإنسانية لن تنقطع ويمكن أن تزيد.

وأبلغ ماجد الخالدي، المستشار في مكتب عباس، دبلوماسيين غربيين أن حكومة الطوارئ قد تستمر لمدة شهرين، ثم تصبح بعدها حكومة تصريف أعمال قد تحاول وضع الأساس لإجراء انتخابات جديدة. وقال دبلوماسي غربي بارز، إن مكتب عباس أوضح أنه لا يريد من المجتمع الدولي أن يكون له “أي اتصالات مع حماس في غزة أو يضفي أي شرعية عليها”، باستثناء ما يصب في خانة تيسير إيصال المساعدات الإنسانية. وأضاف الدبلوماسي الغربي أن إمدادات المياه والكهرباء لن تتأثر، لكن غزة ستواجه قيودا صارمة، من بينها تجميد الصادرات ما دامت حماس تسيطر على القطاع.

وذكر مساعدون لعباس أن حكومة الطوارئ تعتقد أنها مسؤولة عن دفع رواتب الموظفين في غزة، بمن فيهم أعضاء الأجهزة الأمنية، الذين يتبعون أوامر الحكومة الجديدة وليس إدارة حماس. وقال دبلوماسي غربي “لكن ليس من الواضح كيف سيتمكّـنون من هذا التمييز”، ويمكن لعباس أن يستخدم الأموال العربية بدلا من أموال الضرائب التي تحولها إسرائيل لدفع الرواتب في غزة.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن إسرائيل ستحوِّل ما يصل إلى 400 مليون دولار من عوائد الضرائب الفلسطينية إلى حكومة الطوارئ، التي شكلها عباس على مراحل، وهو ما يقل عما يسعى عباس للحصول عليه وهو مبلع 700 مليون دولار، وتقول إسرائيل إن بقية الأموال تم تجميدها، بناء على أحكام قضائية. ودعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حكومة عباس الجديدة، وأعلنا إنهاء حظر اقتصادي مستمر منذ 15 شهرا على السلطة الفلسطينية. وليس من الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيجاري إسرائيل في مساعيها الرامية إلى عزل غزة، التي يعتمد سكانها البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، على المساعدات.

وقال مسؤولون من الاتحاد الأوروبي، إن برنامج الاتحاد الأوروبي للمساعدات يعتزم مواصلة دفع “الإعانات” المالية الشهرية – وتبلغ 360 دولارا تقريبا للإعانة الواحدة – مباشرة لقوة العمل غير الأمنية بالسلطة الفلسطينية، بما في ذلك في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، لكن مسؤولا إسرائيليا قال إن إسرائيل تريد تخفيض نطاق البرنامج الأوروبي، بحيث يكتفي بدفع الإعانات للموظفين في القطاع الصحي في غزة فقط لضمان استمرار عمل المستشفيات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 يونيو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية