مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد السيطرة على غرب بيروت.. “تمدّد إستراتيجي زائد” لحزب الله؟

مقاتل من حزب الله يُظهر صورا للنائب اللبناني سعد الحريري إثر استيلاء الحركة على مقر حركة المستقبل التي يقودها وعلى معاقل أنصاره في الضاحية الغربية ببيروت يوم 9 مايو 2008 Keystone

سيطر مسلحون من جماعة حزب الله على أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية يوم الجمعة 9 مايو في يوم ثالث من المعارك بين الجماعة المدعومة من إيران ومقاتلين موالين للتحالف الحكومي المدعوم من الولايات المتحدة. وقال مصدر بارز في المعارضة اللبنانية إن المعارضة ستبقي على حصار بيروت حتى التوصل الى حل سياسي ينهي 17 شهرا من الازمة السياسية.

فهل تعني هذه التطورات أن لبنان دخل، بعد انفجار الوضع الأمني في بيروت الذي أدى إلى مقتل 11 شخصا على الأقل، مرحلة اللاعودة في رحلته الجديدة إلى حرب أهلية جديدة؟ كل الأطراف المنغمسة في الصراع تؤكِّـد – إلى حد الآن – رفضها لهذا الخيار.

فزعيم حزب الله والمعارضة حسن نصر الله، وبرغم اعتباره قراري الحكومة الأخيرين بوضع اليد على شبكة اتصالاته السلكية وإقالة قائد أمن المطار العميد وفيق شقير الموالي له، بمثابة “إعلان حرب على المقاومة”، إلا أنه شّدد في الوقت ذاته على أمرين أثنين: عدم وجود مخطط انقلابي لديه للاستيلاء على السلطة واستعداده لاستئناف الحوار، إذا ما تراجعت الحكومة عن قراريها.

وزعيم تيار المستقبل والموالاة سعد الحريري، سارع في اليوم الثاني من معارك بيروت، التي أودت (حتى لحظة إعداد التقرير) بحياة عشرة أشخاص وإصابة العشرات بجروح، إلى إعلان استعداده بشكل غير مباشر للتَّـراجع عن قراراي الحكومة عبر وضعهما في عُـهدة الجيش، ووجّه “نداء شخصياً” إلى نصر الله وإلى نفسه (حسب تعبيره)، لوقف الانزلاق إلى “الحرب الأهلية المذهبية”.

هذه المواقف جعلت المُـراقبين يستنتِـجون أن أطراف الصراع، خاصة حزب الله، قرّرت اللعب على حافة أو شفير الهاوية بدون الانزلاق إليها أو على الأقل خوض حرب أهلية محدودة، إذا ما اقتضى الأمر (كما يبدو أنه يحدث الآن)، مع الحرص على تجَنّـب حرب شاملة منفلِـتة من عِـقالها.

هذا الاستنتاج يبدو منطِـقياً، إذا ما قاربنا الوضع من زاوية النوايا، لكنه يتوقّـف عن كونه كذلك حين نُـدخِـل إلى الصورة عاملين اثنين: تداعيات ما يجري على الوضع الداخلي أو الذاتي اللبناني، والمُـعطيات الإقليمية والدولية المحيطة بالانفجار الراهن.

النصر العسكري والسياسي

بالنسبة للعامل الأول، يميل العديد من المحللين المحايدين إلى القول، أنه برغم الانتصار العسكري الكاسح لحزب الله في بيروت، إلا أنه سيكون انتصارا يقود إلى مأزق كبير له ما لم يتوّج بانتصار سياسي، يتمـثّـل إما بتراجُـع الحكومة عن قراريْـها أو بقيام الحزب بإسقاط الحكومة بالقوّة عبر اجتياح السرايا الحكومي بالقوة والدّعوة إلى تشكيل حكومة وِحدة وطنية جديدة، كما كان يُـطالب دائماً الحليف الماروني الأبرز لحزب الله العماد ميشال عون.

لماذا قد ينقلب الانتصار مأزقاً؟ لأن حزب الله سيكون مُـضطراً لنشر قواته بشكل دائم في العاصمة، التي يتجاوز عدد سكانها المليون شخص، وأيضاً إلى السيطرة الأمنية على رُقعة جغرافية واسعة تمتَـدّ من صيدا جنوباً إلى بعلبك شرقاً.

هذا، في حين أن مناطق الجبل، حيث دروز وليد جنبلاط وموارنة سمير جعجع، والشمال، حيث الخزّان البشري السنَي، سيُـطوران سريعاً قِـواهما العسكرية الذاتية لمواجهة انقلاب مَـوازين القِـوى في بيروت والجنوب والبقاع.

هذا الخطر المتمثل بـ “التمدّد الإستراتيجي الزائد” لحزب الله، يتقاطع مع خطر آخر برأسين: الأول، احتمال دخول إسرائيل على الخط عبر شنّ حرب جديدة على لبنان، وهو احتمال أكدّه نصر الله حين كشف النِّـقاب عن استمرار وجود خمس فِـرق عسكرية إسرائيلية على حدود لبنان موضوعة في حال استنفار، كما أكِّـدته أيضاً معلومات مركز “مجلس سياسات الشرق الأوسط” الأمريكي، التي أشارت إلى أن الدولة العِـبرية أعدّت 50 ألف جندي مدرّبين على حرب العصابات، لاستئناف ما انقطع من معارك مع حزب الله في حرب الأسيرين صيف عام 2006.

والثاني، هو ما يتردّد بكثافة في واشنطن عن أن الرئيس بوش لا ينوي مغادرة البيت الأبيض قبل أن يشن مزيداً من الحروب في الشرق الأوسط، وخاصة في لبنان وفلسطين وإيران.

مواجهة بين مشروعين على أرض لبنان

أول من كشف عن هذا المعطى، كان جيم هوغلاند، الذي كتب في “واشنطن بوست” (3 مارس 2008): “جورج بوش يعِـدُ بمواصلة السّـير في أقصى سرعة طيلة ما تبقّـى من رئاسته، ويتعيّـن على الأمة الأمريكية أن ترد عليه لتُـطالبه بالاختفاء عن الساحة بالتدريج، إن لم يكُـن بسرعة”.

السير في أقصى سرعة إلى أين؟ إلى المزيد من الحروب، كما ألمح أحد مساعدي المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين، حين قال قبل أيام: “إن فرصَـنا للفوز بالبيت الأبيض ستعتمِـد على ما قد يفعله الرئيس بوش خلال الأشهر المتبقِـية من عهده”، هذا في حين أن الكاتب الأمريكي ديفيد أغناتيوس كان يوضح أن الصِّـراع مع إيران، وليس “الاقتصاد أيُّـها الغبي”، بات القضية الرئيسية في معركة الانتخابات الأمريكية، مشيراً إلى أن مسؤولين سعوديين وعرباً “يضغطون بقوة كي تقوم إدارة بوش بإشعال الموقف في الشرق الأوسط، قبل نهاية عهدها”.

وبالطبع، الصِّـراع المنفجِـر في لبنان، جزء رئيسي من الصراع مع إيران، خاصة بعد أن تحوّلت بلاد الأرز منذ عام 2005 إلى خط تماس حقيقي بين مشروعين يتنافسان للسيطرة على الشرق الأوسط: النظام الإقليمي – الشرق أوسطي أو المتوسطي الأمريكي – الإسرائيلي – العربي “المعتدل”، والنظام الإقليمي “الإسلامي” الإيراني – السوري – الحماسي.

على خط التَّـماس هذا، اصطفت قِـوى 8 و14 آذار، مدجّـجة بكل أنواع الأسلحة واستعدت للانطلاق نحو التفجير بانتظار صدور “كلمة السِّـر” الإقليمية أو الدولية.

أوضح من أشار إلى حقيقة هذا الاصطفاف، كانت قِـوى 14 آذار نفسها. ففي الوثيقة الأولى التي أصدرتها الشهر الماضي عن برنامجها السياسي، وردَ نصاً: “العالم العربي يُـواجه، في خِـضمّ سعيه لإعادة تكوَنه السياسي، بقوى إقليمية – إيران وإسرائيل – تحاول إبقاءه على ما كان عليه والحلول مكان الدول الكبرى في التحكم بمصيره”.

وتضيف الوثيقة: “.. يجب العمل على مُـلاقاة التحوّل الجاري في العالم العربي، حيث بدأت ترتسِـم معالِـم نظام إقليمي عربي جديد وحديث، بعيداً عن الديماغوحية السابقة”.

القرار هنا واضح: الانضمام إلى محور الرياض – القاهرة – واشنطن وتل أبيب، في إطار “الاصطفاف الإستراتيجي الجديد”، الذي دعت إليه كوندوليزا رايس لمواجهة محور طهران – دمشق، والذي يُـفترض في النهاية أن يقود إلى حِـلف عربي – يهودي- أمريكي، وربّـما أيضاً تركي وباكستاني.

وبالطبع، قوى 8 آذار لم ولن تتردّد في الانضمام إلى المِـحور المقابل، مُـعتبرة أن هذه، كما قال أحد قادتها، “معركة حياة أو موت”.

الظروف المحلية اللبنانية إذن، أنضجت منذ فترة غير قصيرة لدفع الأمور إلى المواجهة على الأرض اللبنانية بين هذين المشروعين، لكن قرار التفجير كان يؤجّـل في كل حين، لاعتبارات عدّة تتعلق تارة بحسابات الرّبح والخسارة، وتارة أخرى بترك الباب مُـوارباً أمام احتمال توصل مِـحوري طهران وواشنطن إلى تسويات أو حلول وسط ما.

احتمالات عنيفة

فهل تكون أحداث 7 مايو بداية نهاية لعبة التأجيل هذه؟ ثمة تخوفات جدّية تصُـب بالفعل في هذا الاتجاه وتستند إلى الحقيقة بأن هناك أطرافاً أمريكية وعربية (سعودية) عدّة تسعى بدأب،ٍ لتشجيع بوش على تفجير سلسلة حروب قبل أن يتحوّل نهائياً إلى “بطة عرجاء” ثم إلى “بطة ميتة” هذا الخريف.

كيف يُـمكن أن يُـترجم ذلك نفسه في لبنان؟ كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك حرب إسرائيلية جديدة أو تصعيد الحملات العنيفة على سوريا أو دفع أطراف لبنانية جديدة إلى أتون القتال في بيروت أو تشجيع “عرقنة” الصراع اللبناني.. الخ.

وكما هو واضح، كل هذه الاحتمالات تتَّـسم بالعنف، ولا واحد منها يميل إلى التسويات، وهذا بحدّ ذاته مؤشِّـر، ليس فقط على المستوى العالي من التوتر الذي وصل إليه المشروعان الإقليميان المتصارعان، بل أيضاً إلى أن محور “الرياض – واشنطن – تل أبيب”، لن يكون مستعداً لجعل حزب الله يهضِـم بهدوء ما ابتلعه في بيروت.

سعد محيو – بيروت

بيروت (رويترز) – سيطر مسلحون من جماعة حزب الله على أجزاء كبيرة من بيروت يوم الجمعة 9 مايو، في يوم ثالث من المعارك بين الجماعة المدعومة من إيران ومقاتلين موالين للتحالف الحكومي المدعوم من الولايات المتحدة.

وقالت مصادر أمنية إن عشرة أشخاص على الأقل قُـتلوا وعشرين آخرين أصيبوا بجراح في الاشتباكات بين مسلحين موالين للحكومة ومقاتلي حزب الله.

واندلع أسوأ قتال داخلي منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، حينما اتّـخذت الحكومة اللبنانية قرارات تستهدف شبكة اتصالات حزب الله، الذي اعتبرها إعلان حرب.

وترددت أصداء انفجار القنابل وقرقعة نيران الأسلحة الآلية في أرجاء البلاد، التي ما زالت تتعافى من الحرب الأهلية.

وسيطر حزب الله على وسائل الإعلام المملوكة لسعد الحريري، الزعيم السني الحليف القوي للمملكة العربية السعودية، وتوقف تلفزيون المستقبل وإذاعة الشرق التابعان للحريري عن البث.

وسيطر مقاتلو حزب الله، المدعوم من سوريا، على مكاتب للفصائل الموالية للحكومة في منطقة بيروت الغربية، ذات الغالبية السنية.

وكان المسلحون يسلمون بعض المناطق التي استولوا عليها، بما فيها وسائل الإعلام التابعة للحريري وبعض منازل النواب، إلى عهدة الجيش اللبناني الذي بقي محايدا في الأزمة.

ومن بين القتلى امرأة وابنها البالغ من العمر 30 عاما اللذين قتلا عندما كانا يحاولان الفرار من منطقة رأس النبع في بيروت، التي يقطنها مسلمون سنة وشيعة والتي شهدت أعنف الاشتباكات.

وقال أحد أقارب الضحيتين، الذي رفض الكشف عن اسمه بسبب مخاوف أمنية، “كانا يحاولان الهروب إلى الجبل وبدل أن يصلا إلى الجبل وصلا جثتين إلى المستشفى…إنه أسوأ كابوس”.

وفي مشاهد أعادت إلى الأذهان ذكرى الحرب الأهلية، فإن الشبان المسلحين بالرشاشات ينتشرون في الشوارع وسط دمار السيارات والأبنية.

وأغلق أنصار حزب الله وحلفاؤه جميع الطرق المؤدية لمطار بيروت الدولي، الذي بقي مشلولا منذ يوم الأربعاء. وأعلنت شركة طيران الشرق الأوسط تعليق جميع رحلاتها ذهابا وإيابا حتى ظهر السبت.

واعتبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الخميس 8 مايو، أن الحكومة أعلنت الحرب بإعلانها أن شبكة اتصالات الحزب غير شرعية، واحتدم القتال بعد أن أنهى نصر الله كلامه.

وقال بول سالم، مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن ما حصل يضعف الحكومة وتيار المستقبل، مضيفا أن حزب الله يسيطر على أغلبية بيروت الغربية، لكنه قال إن الجماعة لا ترغب في أن ينظر إليها على أنها “محتلة لبيروت” عن طريق إبقاء مقاتليها في مناطق أو أحياء يكون الولاء السياسي فيها للحريري أو حلفائه، وأشار إلى أن تسليم المناطق للجيش، يبدو مخرجا أكثر ترجيحا.

ورفض حزب الله يوم الخميس اقتراح الحريري لإنهاء الأزمة، ودعا نصر الله الحكومة إلى الرجوع عن قراراتها والمشاركة في حوار يهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية.

ودعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى “الهدوء وضبط النفس” في لبنان يوم الخميس، وحث جميع الأطراف على العودة إلى الحوار السلمي، ودعا البيت الأبيض حزب الله إلى وقف “الأنشطة المعوقة”، كما دعت فرنسا، الداعم الآخر للحريري، إلى حل سلمي.

وقالت قناة تلفزيون العربية الفضائية يوم الجمعة، إن السعودية دعت إلى اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لمناقشة الأزمة في لبنان.

وتبادل مقاتلون من حزب الله وحليفته حركة أمل إطلاق نيران البنادق والقذائف الصاروخية مع مسلحين موالين للحكومة، ومنهم مقاتلون موالون لتيار المستقبل السني في عدد من المناطق بالعاصمة بيروت.

ويقود حزب الله المدعوم من إيران وسوريا حملة سياسية منذ 17 شهرا على حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة المناهضة لسوريا والمدعومة من الولايات المتحدة، وأدت الانقسامات إلى اندلاع أعمال عنف مميتة.

وحزب الله هو الفصيل اللبناني الوحيد الذي سمح له بالاحتفاظ بأسلحته بعد الحرب الأهلية لقتال القوات الإسرائيلية التي تحتل الجنوب، وانسحبت إسرائيل في عام 2000 وأصبح مصير أسلحة حزب الله في قلب الأزمة السياسية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 مايو 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية