بعد الهجوم على أم درمان.. زلزال فى الأفق
في التحليل الإجمالي لوزير الدفاع السوداني الفريق عبد الرحيم محمد حسين، لِـما جرى في أم درمان بين العاشر من مايو إلى الرابع عشر، فقد نجحت قوات الأمن من جيش وشرطة ومخابرات، في دحر "عُـدوان حركة العدل والمساواة" على حد تعبيره.
فبينما كان هدف الهجوم، الوصول إلى مؤسسات حيَـوية في الخرطوم والسيطرة عليها والتّـمهيد لانقلاب النظام، وكلها لم تتحقّـق، بل تمّ دحر المهاجمين وأسِـروا وسيُـقدَّمون إلى المحاكمة، فهذا يعني أن “هدف العدوان لم يتحقّـق، وفي المقابل تحقّـق النصر مُـؤزرا”، حسب وزير الدفاع السوداني.
على الصعيد الشكلي، يمكن الاتِّـفاق مع هذا التّـوصيف لوقائِع وحصيلة الهجوم، الذي قامت به حركة العدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم على أم درمان، الواقعة غرب الخرطوم، ولكن هذا لا يمنع أن هناك فَـجوات كبيرة في هذا النصر الحكومي من جانب، وفجوات أكبر نسبة للمستقبل من جانب آخر.
فجوات النصر الحكومي
فمِـن فجوات النصر الحكومي، أنه كشف عن ثغرات كُـبرى في تأمين العاصمة وفي عمليات الرّصد والتأمين داخل عُـمق البلاد.
فالهجوم على أم درمان جاء بعد تسلّـلٍ للمهاجمين بواسطة قافِـلة من السيارات، يُـقال أن عددها لا يقِـل عن 350 سيارة وأكثر من خمس مائة من المهاجمين، سلكت طُـرقا طولها أكثر من 400 كلم من جنوب درافور وعبر كردفان، وصولا إلى غرب أم درمان، ويُـفتَـرض أن بها العديد من النِّـقاط الأمنية التي لم تشتبك أيٌّ منها مع هذه القوة المهاجمة.
وممّـا قاله وزير الدفاع السوداني، إن هذه القوة المهاجِـمة كانت توجِّـهها أقمار اصطناعية ساعدتها على تخطّـي النقاط الأمنية في نسقها الأول والثاني، وحتى النّـسق الثالث فى داخل أم درمان ذاتها، وهو النّـسق الذي اشتبك معها في الأحياء السكنية، يعني أن خُـطط الدفاع المعمول بها ليست بالكفاءة المناسبة، وأنه يسهل خِـداعها بحيل بسيطة، ويكشف أيضا الحاجة إلى تحديث شبكة وعمليات الرّصد والمتابعة الحكومية لِـما يجري على أرض البلاد.
أسئلة بلا إجابات
تغلغل القوة المهاجِـمة إلى عُـمق المناطق السكنية، أثار بدوره تساؤلات عدّة لا زالت بحاجة إلى إجابات، منها مثلا: هل يُـوجد طابور خامس بالفِـعل في العاصمة وما حولها من مناطق مُـجاورة، وهل يمتدّ هذا الطّـابور إلى مؤسسات حيوية، كالجيش والأمن الداخلي، وهل توجد خَـلايا نائِـمة تتبع العدل والمساواة أو أي فصيل آخر متمرّد في دار فور، تنتظر اللّـحظة المناسبة للانقضاض على المؤسسات الحيوية وإحداث خراب واسع فيها؟ وغير ذلك من أسئلة محيِّـرة، ومن شأن إجاباتها الصحيحة، أن تحدّد طبيعة القُـصور فى أداء الأمن السوداني من جِـهة، وطبيعة المواجهة في المرحلة المقبلة من جهة ثانية.
ويكفي هنا أن يقال أن خليل إبراهيم كان موجودا في أم درمان وقت الهجوم، ولكنه استطاع أن يفلِـت منها بعد أن فشل هجوم قُـواته، فمَـن إذن قَـدّم له مساعدة القُـدوم وتوجيه الهجوم، ثم الاختباء ثم الهروب؟ وربما من هذه الزاوية يُـمكن فهم سرعة استدعاء الشيخ حسن الترابي، زعيم المؤتمر الشعبي المعارض وعدد من قيادات حزبه، وهو المعروف بأنه الأب الروحي لكثير من قيادات العدل والمُـساواة، بمن فيهم قائدها خليل إبراهيم، للتّـحقيق معه ولكشف مدى ارتباطه، شخصيا أو حزبيا، بالهجوم أو بأي خُـطط محتملة لإسقاط النظامـ وهو ما لم يُـثبت فى التحقيقات.
وبالرغم من فشل الهجوم، إلا أنه كشف عن إمكانية نقل الحرب إلى الخرطوم، بعد أن ظلت العاصمة القومية، التي تحتضن أبناء السودان من كل الولايات والمناطق والإثنيات، بعيدة عنها وعن أهوالها المُـباشرة، طوال السنوات الماضية.
وبالرغم من الفشل أيضا والخسائر المادية والبشرية، التي تكبّـدتها العدل والمساواة، فقد تقع مجموعات متمرِّدة أخرى تحت إغراء القيام بهجوم مُـشابه، لتحصُـل على اعتراف عملي بأنها صاحبة يد طولى، يمكنها إيذاء النظام الحاكم وتعريته أمنيا وسياسيا أيضا، ومِـن ثَـمَّ المطالبة بثمن سياسي مميّـز في أي مفاوضات مقبلة.
دورة صراع إقليمي
والمؤكّـد هنا، أنه رغم وضع الحكومة هجوم العدل والمساواة في إطار الصِّـراع مع تشاد واتهامها بأنها وراء الهجوم عبر مُـرتزقة وعُـملاء، حسب توصيف الرئيس البشير، وأن للسودان حقّ الردّ لاحقا، فإن الشاهد والثابت أن الهجوم هو جُـزء من دورة الصِّـراع في دارفور، بما لها من أبعاد إقليمية، جزءٌ منها يتمثّـل في تورّط تشاد عسكريا، نتيجة التداخلات القبلية المعروفة بين أهل دارفور وأهل تشاد، وأنه أيضا نتيجة لفشل العملية السلمية التي تديرها عدّة جهات دولية وإقليمية عبر الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة معا.
ومِـن ثمّ، فطالما استمرّ هذا الفشل قائما، فمن المرجّـح أن تحدُث محاولات أخرى للهجوم، سواء من العدل والمساواة أو من غيرها، على مناطق حيوية أخرى في عُـمق السودان، لممارسة المزيد من الضُّـغوط على الحكومة السودانية، ولذلك، فإن الطريقة التي ستُـعالِـج بها الحكومة ما تصِـفُـه بالانتصار ودحْـر العُـدوان على أم درمان، سيكون له أثره البالغ في تحديد مَـسار التَّـسوية والأمن في الإقليم المضطرب.
تأييد للحكومة بالجُـملة
هنا يُـمكن ترجيح، وحسب الشواهد المُـتاحة، أن تعمد القوات السودانية إلى القيام بعدّة حملات على مناطق في دارفور، يُـعتقَـد أنها تأوي المتمرّدين، تعويضا عمّـا جرى في أم درمان، وتأكيدا لكون ميزان القِـوى هو لصالح الجيش الحكومي، وليس لجماعات التمرّد.
وفي السياق السياسي، فربما لا يتغيّـر الخِـطاب الرسمي، المؤكّـد على أولوية السلام وِفقا للمبادرات الدولية وعبر تفاوُضٍ يرعاه الاتحاد الإفريقي، في الوقت نفسه، يبدو صَـعبا بدءُ جولة أخرى من مفاوضات التسوية قريبا، حتى ولو سعَـت إلى ذلك الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.
المفارقة هنا، أن الخسائر المادِّية والمعنوية، التي لحِـقت بأداء القوات المسلحة في مواجهة العُـدوان، بعيدا عن مشارف العاصمة القومية، صاحبتها، لاسيما بعد مواجهة الهجوم، مكاسِـب سياسية تمثّـلت في وقوف الأحزاب السياسية، بما فيها الأكثر معارضة، وراء الحكومة في مواجهة أي مُـغامرة عسكرية تصِـل إلى العاصمة، وفي رفض ما فعلته العدل والمساواة، كما بدا تأييد الجبهة الشعبية، الشريك الآخر، مثاليا في إدانة هجوم العدل والمساواة ورافضا مثل هذه المغامرات العسكرية التي تُـؤذي الكل أكثر مما تفيد أحدا بذاته، بل إن مجلس الأمن، الذي عادة ما يوجِّـه الانتقاد تِـلو الآخر للحكومة السودانية، وقف بجانبها هذه المرّة، نظرا لعدم قابلية تأييد هجوم على المدنيين بلا معنى سياسي يفيد في حسم الحرب لصالح السلام.
أهداف غامضة وأداء انتحاري
من المفارقات أيضا، ما يتعلّـق بأصحاب الهجوم وأهدافهم من هكذا عمل، لم يكن له أدنى أسباب النجاح الميداني، اللّـهُـم إلا إذا كان الهجوم مُـرتبطا بقِـوى سياسية أخرى في الداخل، وكان هجوم العدل والمساواة مجرّد إشارةَ بدءٍ لعمل انقلابي أكبر، وهو ما لم يتأكّـد بعدُ.
ووِفقا لبيانات وتصريحات قادة الحركة، بمن فيهم خليل إبراهيم نفسه، يُـلاحظ المرء تخبُّـطا في أهداف الهجوم. فمرّة كان هدفه إسقاط النظام الحاكم، وكأن بضع عربات وعددا من الشبان قادرون على السيطرة على مؤسسات سيادية بفعل مغامرة لا تحدث إلا في الشاشات الفضية.
ومرة ثانية، توجيه ضربة عسكرية وسياسية للحكومة تجعلُـها تُـعيد النظر في موقفها من مفاوضات السلام الخاصة بدارفور. ومرة ثالثة، كان الهدف إثبات أن حركة العدل والمساواة هي الأقوى بين الفصائل، وتستحِـق أن يتِـم التّـفاوض معها منفردة بشأن مصير دارفور وتجاهل الحركات الأخرى. ومرة رابعة، إعادة الاعتبار لأهل دارفور ومطالبهم وانتقاما لمعاناتهم، وبما أعطى أولوية للانتقام، بدلا من البحث عن مَـخرجٍ سِـلمي يحفظ الأرواح والمُـمتلكات.
ويُـذكر هنا، أن الحركة كانت في 17 مارس الماضي قد دعت الحكومة إلى مفاوضات منفرِدة معها في جنيف، تحت زعم أنها الأكثر تمثيلا لأهل دارفور والأكثر قابلية لتحقيق السلام، إذا ما شاركت في مفاوضات ثُـنائِـية مع الحكومة القومية، على غِـرار ما تمّ بين الحكومة والحركة الشعبية بشأن الجنوب.
فصل بلا خاتمة بعد
وهكذا تعدّدت أهداف الهجوم، بصورة جعلته فاقدا للمِـصداقية وأقرب إلى عمل انتحاري يلهب المشاعر وحسب، خاصة وأن الكثير من الذين شاركوا في الهجوم كانوا صـغار السِـنّ، مِـمّـن ينطبق عليهم تجنيد الأطفال، وهو الأمر المُـجرم دوليا، وبما يجعل قائد العدل والمساواة مشاركا في جريمة دولية بامتياز.
فشل الهجوم والتأييد السياسي الذي حصلت عليه الحكومة، لا يعني أن الفصل قد كُـتِـبت خاتمته وطُـوي غِـلافه، فالأفق مُحمّـل بتغييرات كُـبرى في القيادات العسكرية والأمنية السودانية، بحُـكم التقصير الذي ظهر جليا، كما هو مُحمّـل بمغامرات عسكرية جديدة قد يشهدها إقليم دارفور، ناهيك عن استمرار البحث عن إجابة مَـن هم الطابور الخامس في الداخل، قد تطول بعض قيادات سياسية هنا وهناك، كما ستطُـول حتما أناسا عاديِّـين بحُـكم السحنة واللّـكنة، قد يقعوا تحت طائلة توسيع دائرة الاشتباه، التي بدأته بالفعل دوائر أمنية عدّة.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
الخرطوم (رويترز) – قال الرئيس الجديد للاتحاد الإفريقي يوم الأحد 18 مايو، بعد إجراء محادثات في تشاد والسودان، إنه متفائل إزاء انحسار التوترات بين البلدين.
وقطع السودان العلاقات الدبلوماسية مع تشاد الأسبوع الماضي، منحيا باللائمة عليها في هجوم على الخرطوم قُـتل خلاله أكثر من 20 شخصا.
وتنفي تشاد المسؤولية عن ذلك، وتتهم السودان بتدبير هجمات على نجامينا في الماضي.
وقال جان بينغ، رئيس الاتحاد الإفريقي للصحفيين في الخرطوم، بعد محادثات استمرت ساعتين مع الرئيس عمر حسن البشير، “إننا واثقون من..أننا سنشارك في عملية لإنهاء التصعيد، تتعلّـق بالعلاقات التشادية السودانية”.
ووصل بينغ في أول مهمة له إلى السودان، قادما من العاصمة التشادية في مطلع الأسبوع، بعد محادثات مع الرئيس إدريس ديبي. وقال “حصلت على معلومات جاءت من العاصمتين جعلتني متفائلا”، وأضاف أنه يجب على الاتحاد الإفريقي التحقيق في اتهامات كل من السودان وتشاد بدعم المتمرّدين في البلد الآخر.
وبعد الهجوم الذي شنّـته على الخرطوم حركة العدل والمساواة المتمرّدة في دارفور، والتي ينتمي قادتها إلى نفس قبيلة ديبي، وصف السودان المتمرّدين بأنهم “تنظيم إرهابي”، وقال إنه لن يتفاوض معهم، وأضاف بينغ أن عملية السلام التي توسّـط فيها الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، لن تتوقف.
وقال: “علينا المشاركة في المفاوضات من أجل تحقيق السلام في تلك المنطقة، ومن ثمّ سيتِـم اتخاذ العمل اللازم”.
وتحرّكت حركة العدل والمساواة نحو 600 كيلومتر من إقليم دارفور المجاور لتشاد لمهاجمة ضاحية أم درمان بغرب الخرطوم، ولم يتم وقفها إلا عند الجسور الواقعة فوق نهر النيل المؤدّية إلى مقر الجيش وقصر الرئاسة.
وكانت تلك أول مرة ينقل فيها متمرّدون ينتمون إلى المناطق، التي تشكو من الإهمال في السودان، صراعهم إلى العاصمة خلال عقود من الحرب الأهلية.
وعرض السودان أسلحة ومركبات تمّ الاستيلاء عليها من المتمرّدين في أم درمان، وقالت وزارة الداخلية يوم الأحد إن ستة أشخاص جُـرحوا بعد أن أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى انفجار صاروخ كاتيوشا بينهم قبل يوم، وأضاف أن الأسلحة آمنة.
وقتل عشرات الأشخاص في شتى أنحاء السودان بسبب انفجارات في مستودعات أسلحة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 مايو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.