بعد “الهزيمة”.. المحافظون الجدد يعيدون الإنتشار
في ضوء الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها إدارة بوش خلال السنوات السبع الماضية، يثار تساؤل حول ما إذا كانت تلك الأخطاء ستؤدّي إلى أفول نجم المحافظين الجدد فيما بعد بوش؟ أم أنهم بدؤوا في إعادة الانتشار، ليواصلوا تأثيرهم على السياسة الخارجية الأمريكية من خلال الحزب الديمقراطي؟
طرحت سويس إنفو هذا التساؤل على الدكتور عمرو حمزاوي، كبير الباحثين بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن..
أجاب الكتور حمزاوي “رغم الضربات التي تلقاها رموز تيار المحافظين الجدد ورحيل المتنفذين منهم عن مواقعهم، خاصة في وزارة الدفاع الأمريكية خلال العام الماضي، فلا زال هذا التيار يحتفظ بقوته وقدرته على التأثير في صياغة سياسات إدارة الرئيس بوش، وهو ما يتّـضح في التشدد الأمريكي إزاء الطموح النووي الإيراني، وفي الإصرار الأمريكي على عدم التعامل مع حماس وحزب الله، وكل من يصنِّـفهم المحافظون الجُـدد على أنهم حلفاء لإيران، أما فيما بعد بوش، فيجب أن نُـدرك أن تيار المحافظين الجدد، ومنذ نشأته في أواخر الثمانينات، لم يقصر انتشاره على الحزب الجمهوري. فللمحافظين الجدد وجود قديم داخل صفوف الحزب الديمقراطي ولم يختف ذلك الوجود، وإن كان لم يتمكن من النفاذ إلى قادة الحزب الديمقراطي بنفس القوة، التي تغلغل بها في أوساط الحزب الجمهوري”.
ويتَّـفق الكاتب الأمريكي رون جاكوبس، مؤلف كتاب “الطريقة التي تهب بها الرياح”، مع الاعتقاد بأن المحافظين الجدد لن يتوقفوا عن التأثير في توجُّـهات السياسة الأمريكية ويقول: “إن النخبة السياسية الأمريكية داخل الحزب الديمقراطي، وإن كانت تعارض أساليب وطرق المحافظين الجدد، فإنها تشاركهم أهداف الهيمنة التي وضعوها في مشروع القرن الأمريكي الجديد”، بل يرى أن جيلا جديدا من الديمقراطيين من المحللين السياسيين وخبراء الأمن القومي الأمريكي، يشكِّـل محافظين جدد، القادمين من اليسار أو الليبراليين الجُـدد، يحاولون من خلال معهد السياسة التقدمية إحياء أفكار الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان، فيما يتعلق بسياسة أمريكا إزاء الحرب الباردة من أجل تطبيقها على الحرب الأمريكية على الإرهاب، ويقود هذا الاتجاه السناتور جوزيف ليبرمان، وحاكم ولاية أيووا توم فيلساك، الذي يرأس حاليا المجلس القيادي للحزب الديمقراطي، وسيتم الترويج لأفكارهم في وسائل الإعلام الأمريكية، التي سرعان ما ستصور آراءهم، على أنها حقائق.
ويرى الكاتب جاكوبس أن المحافظين الجدد بدؤوا في التسلُّـل من الآن إلى وسائل الإعلام الأمريكية الموجّـهة للعالم الخارجي، وخاصة للشعوب العربية، مثل راديو سوا وقناة الحرة وراديو “فردا” (أي الغد) الموجه للشعب الإيراني.
الاضطرار لإعادة الانتشار
ويعود الدكتور عمرو حمزاوي إلى أسُـس منهج المحافظين الجدد كمعيار لقياس أسباب تراجعهم واضطرارهم لإعادة الانتشار، فيقول إن ترويج المحافظين الجدد لبرنامج القرن الأمريكي الجديد وزيادة الإنفاق العسكري وانتهاز فرصة الزعامة الأمريكية المنفردة للعالم في فرض هيمنتها عليه، ارتبط بمسألتين:
أولا، الهيمنة الأمريكية الحميدة أو الطيبة، ويعني ذلك أنه يتعيّـن أن تمارس الولايات المتحدة كقائدة للعالم الحر، هيمنة طيبة على عالم تنفرد بزعامته، بحيث تتدخل في أنحاء العالم من أجل التأثير باتجاه إحداث تحوّلات سياسية واقتصادية، تكون في صالح العالم، من وجهة النظر الأمريكية.
ثانيا، الاستناد إلى حقيقة انهيار الاتحاد السوفييتي وغياب القطب المنافس في إقامة علاقات إستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي ودوله الرئيسية، وعلاقات ودية مع القوى الكبرى، التي لا تنافس الولايات المتحدة على زعامة العالم، مثل الصين وروسيا الاتحادية وإعادة بناء النظام العالمي الجديد، انطلاقا من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وقال الدكتور عمرو حمزاوي، إن فشل المشروع الأمريكي في العراق وتأزّم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه، أوضح للأمريكيين قبل الرأي العام العالمي، أن مسألة الهيمنة الأمريكية الطيبة، وهْـم كبير وأن العالم يرفُـض إنفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم ويبحث عن عالم متعدد الأقطاب، كما أن حلم المحافظين الجدد بأن انتهاء الحرب الباردة بسقوط القوة العالمية العظمى الأخرى جعل من أمريكا القوة الوحيدة، التي تستطيع بقوتها العسكرية الانفراد بزعامة العالم، دون تحدٍّ من أي قوة أخرى، لم يتحول إلى حقيقة، حيث أن روسيا الاتحادية تمر علاقتها بالولايات المتحدة بمرحلة من التحدّي والمنافسة السياسية والاقتصادية، وينطبق نفس السيناريو من حيث التنافس الاقتصادي مع الولايات المتحدة، على الصين، كما أن الدول الرئيسية داخل الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وألمانيا، حاولت البحث عن خط سياسي مستقل عن الولايات المتحدة.
ويرى الدكتور حمزاوي أن الجديد الذي ينتظره العالم بعد بوش، هو خليط من عدّة أفكار وإستراتيجيات مطروحة من أكثر من اتجاه، من بينها تصوّرات المحافظين الجدد، وأشار إلى ما يُـسمى مشروع برنستون، الذي يطرح إستراتيجية جديدة للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، شارك في وضعها نخبة من السياسيين والمفكرين من الحزبين، من أمثال زبجنييف بريجينسكي، مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر، وأنتوني ليك، المستشار السابق للأمن القومي، وجورج شولتز، وزير الخارجية الأسبق، ووصف الدكتور حمزاوي مشروع برنستون، بأنه أحد المتدخلات المطروحة لتغيير مسار التعامل الأمريكي مع الشرق الأوسط والصين والقوى المنافسة الأخرى، لكنه ليس الوحيد، حيث يعاود المحافظون الجُـدد الانتشار داخل الحزب الديمقراطي، وقسَّـم الدكتور حمزاوي التيارات الداخلية في الحزب الديمقراطي إلى مجموعتين:
الأولى، يسار الوسط، وهي المجموعة التي جاءت بكلينتون إلى الحكم، والتي تساند حاليا ترشيح زوجته السناتور هيلاري كلينتون ومنافسها الرئيسي السناتور باراك أوباما.
الثانية، يسار اليسار أو اليسار الديمقراطي، ويمثله حاليا عدد من مرشحي الحزب لانتخابات الرئاسة القادمة.
ولكن، يبقى المجال مفتوحا أمام تأثيرات أخرى داخل الحزب الديمقراطي من شباب المحافظين الجدد ومن الواقعيين، الذين يقتربون في أفكارهم مع نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع السابق رامسفلد، بالإضافة إلى المجموعات القريبة من اليمين الديني، ولكن ليست بنفس المنهجية التي تجمع اليمين الديني داخل الحزب الجمهوري مع المحافظين الجدد.
أيها العرب لا تهللوا
وقال الدكتور عمرو حمزاوي: “ينبغي عدم التهليل المبكّـر، ابتهاجا بنكسات المحافظين الجدد، لأن تيارهم الفكري لن يختفي عن حلبة السياسة الأمريكية، كما أن الحزب الديمقراطي أظهر منذ سيطرته على الكونغرس تردّدا شديدا إزاء اختيار بدائل للسياسة الخارجية الأمريكية، ويجب ألاّ يقع العرب في فخِّ افتراض أن الديمقراطيين سيكونون أفضل حالا بالنسبة للقضايا العربية”.
ويتفق المفكر الليبرالي الأمريكي ناعوم تشومسكي مع هذا التحليل، ويرى أن الطبيعة البراغماتية للسياسة الأمريكية، المستندة إلى مصالح متعدّدة، من أهمها البترول، تجعل من الصعوبة بإمكان التخلص من نزعة الصقور في السياسة الخارجية الأمريكية، التي طالما تعرضت للدفع بها للوصول إلى مصادر ثروات العالم وأسواقه بشكل مضمون، حتى ولو اضطرت أمريكا لتبنِّـي سياسة قصيرة النظر تستخدم قيما، مثل نشر الديمقراطية أو الدفاع عن حقوق الإنسان، لتحقيق مصالحها المادية.
كما يرى مفكرون ليبراليون آخرون، أن فوز الديمقراطيين في انتخابات نوفمبر الماضي، اعتمد على أن كثيرا من مرشحي الحزب للكونغرس قدّموا أنفسهم على أنهم مرشحون محافظون في القضايا الاجتماعية والأخلاقية، وكان هؤلاء المرشحون تجسيدا لاعتماد الحزب على مرشحين، هم أقرب لليمين المحافظ من اليسار الليبرالي، وبالتالي، فإن توجّـه الحزب الذي يضمن له التنافس في انتخابات الرئاسة القادمة، يعتمد إلى حدٍّ كبير على اجتذاب أصوات تميل إلى اليمين، وليس إلى يسار الوسط.
أما بيل كريستول، رئيس تحرير مجلة ويكلي ستاندارد، أشهر مجلات المحافظين الجدد وابن إيرفنغ كرستول، الأب الروحي لذلك التيار، فيذهب في تحليله لمستقبل المحافظين الجدد إلى الطرف النقيض، حيث يعتقد أن الحزب الديمقراطي لا يمتلك قيادات قادرة على حشد أصوات الغالبية من المرشحين، التي أصبحت تميل إلى اليمين، خاصة مع استمرار الحرب الأمريكية على الإرهاب، مما سيُـجبر الناخبين الأمريكيين على البحث عن مرشح تتوفَّـر فيه القوة والحسم والقدرة على الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، وكلها قضايا تشكِّـل نقاط قوة وتفوّق لمرشحي الحزب الجمهوري، من أمثال السناتور المحافظ جون ماكين، ورودي جولياني، عمدة نيويورك السابق، والذي يستطيع، حسب قول بيل كرستول، الجمع بين أصوات اليمين واليسار في أمريكا.
ويختلف مع هذا التحليل البروفيسور فرانسيس فوكوياما، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، وأحد أقطاب المحافظين الجدد الذين انشقوا عن ذلك التيار فيقول: “إن الشعب الأمريكي يشعر برغبة في التحوّل نحو اليسار، بسبب الحرب في العراق والخلل الاجتماعي، الذي سببه اتساع الفجوة بين اُثرياء أمريكا وفقرائها، كما أن مرشحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة، يفتقرون إلى أي أفكار جديدة”.
ويتوقع البروفيسور فوكوياما، أن تتغير أجندة المحافظين الجدد في ضوء فشل تجربة العراق، لتأخذ بمبدأ التعاون مع الأطراف الدولية في مواجهة الأزمات العالمية، وهو أمر بدأ الأخذ به بالفعل في التعامل الأمريكي مع الملف النووي الإيراني والبرنامج النووي لكوريا الشمالية والابتعاد عن منهج الحروب الاستباقية وفرض الأجندة الأمريكية بالقوة المسلحة.
كما يتوقع فوكوياما خيارين لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية بعد بوش: الخيار الأول، العودة بالسياسة الأمريكية إلى أسلوب الواقعية، الذي انتهجه هنري كيسنجر من خلال غضّ النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان، والتغاضي عن المطالبة الأمريكية بالتحول الديمقراطي في أنحاء العالم، والتركيز بدلا من ذلك، على كيفية تحقيق المصالح القومية الأمريكية. أما الخيار الثاني، فهو انتهاج مبدأ نشر الديمقراطية باستخدام وسائل سلمية وبسلاح الإقناع والحوافز، وليس بالغزو والتدخل العسكري.
وفي الحالتين، يتوقع المفكر الأمريكي فوكوياما أن يسدِل الستار على منهج المحافظين الجدد، الداعي إلى إعادة تشكيل النظام العالمي باستخدام القوة الأمريكية، كأحد مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية للرئيس القادم للولايات المتحدة.
محمد ماضي – واشنطن
بدأ الرئيس السابق للبنك الدولي بول فولفوفيتز، الذي استقال منه بسبب انتهاك لوائحه الداخلية، العمل في معهد الأبحاث “أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت”، المؤيد للمحافظين الجدد.
وأوضح رئيس المعهد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له أن “لولفوفيتز سيعمل على مواضيع مرتبطة بالشراكة والتنمية في إفريقيا وفي الشراكات العامة – الخاصة”.
وأضاف كريستوفر ديموث أن فولفوفيتز (63 عاما)، الذي قضى نحو عامين على رأس البنك الدولي، سيعمل في المركز بصفة “بروفيسور ضيف”.
ويهتم مركز “أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت”، الذي تأسس عام 1943، حسب بيان المهمة، بتحسين المؤسسات الأمريكية التي تعنى بالحريات والديمقراطية، ويعتبر المركز مقربا من المحافظين الجدد.
وقد اشتغلت في المركز شخصيات وازنة في دوائر القرار الأمريكي، مثل سفير واشنطن السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، وأحد كبار المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع ريتشارد بيرل.
(المصدر: موقع الجزيرة. نت بتاريخ 3 يوليو 2007 نقلا عن وكالات أنباء)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.