بوش يدخل عام “البطة العرجاء”
يبدو أن الكونغرس الديمقراطي، الذي أفرزته انتخابات نوفمبر الماضي، سيضع الرئيس بوش في وضع يُـسميه الأمريكيون "البطة العرجاء" فيما تبقّـى من فترته الرئاسية، وخاصة خلال عام 2007.
سويس إنفو استطلعت آراء ثلاثة من الخبراء من العرب الأمريكيين حول ما يعنيه وضع بوش الجديد بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية إزاءها.
يرى الدكتور منذر سليمان، خبير الأمن القومي الأمريكي والأستاذ بجامعة ميريلاند، أن الرئيس بوش يُـحاول منذ هزيمة حزبه في انتخابات الكونغرس، الظهور بمظهر يختلف عن وضعه الحقيقي كرئيس منخفض الشعبية، من خلال ما يصفه بعملية مُـراجعة السياسة الأمريكية في العراق، كغطاء سياسي ليحاول مواصلة سياسات انتقدها الديمقراطيون الذين يُـسيطرون الآن على الكونغرس بمجلسيه، وهو يُـمارس بتلك المراجعة استراتيجية احتواء الضرر وتخفيف الخسائر التي لحِـقت بمكانته السياسية.
ويفرق الدكتور منذر سليمان فيما يتعلّـق بوضع بوش كبطة عرجاء بين أمور السياسة الداخلية وقضايا السياسة الخارجية، إذ يرى أنه سيكون بطّـة عرجاء بكل معنى الكلمة فيما يخص السياسة الداخلية، بحكم أن الديمقراطيين لن يتركوه طليقا في اتخاذ قرارات تتعلّـق بالسياسة الضريبية أو الضمان الاجتماعي أو الرعاية الصحية وغيرها، وسيتعيَّـن عليه استرضاءهم لتمرير أي قرار في الكونغرس بمجلسيه، ولكن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن النظام السياسي الأمريكي يُـتيح للرئيس الأمريكي إطارا واسعا من حرية الحركة، حيث أن أقصى ما يُـمكن للكونغرس الديمقراطي عمله هو ممارسة دوره الرقابي من خلال عقد الجلسات التحقيقية وجلسات الاستماع وعرقلة سرعة اندفاع الرئيس بسياسات معيّـنة فيما تبقى له من فترة رئاسته الثانية.
كما أن الدستور الأمريكي يسمح للرئيس بإرسال قوات أمريكية للتدخل في أي منطقة من العالم لمدة ستين يوما قبل أن يتعيّـن عليه الحصول على موافقة الكونغرس، لذلك، يرى الدكتور سليمان أنه يجب عدم المبالغة في تصور أن سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس ستُـجبر الرئيس بوش على إدخال تغييرات دراماتيكية في توجّـهات سياسته الخارجية، غير أن الجديد في وضع بوش أنه أصبح مُـضطرا لإظهار نوع من المُـرونة في التعامل مع الكونغرس فيما يتعلّـق بقرارات السياسة الخارجية، خاصة إذا كانت عاجلة.
ويتّـفق الدكتور سامر شحاتة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون مع هذا التحليل، ويقول “إن بوش، وإن كان من الناحية الفنية قد تحوّل إلى بطة عرجاء فيما تبقى من فترته الرئاسية الثانية، فإن السؤال المطروح هو كيف سيؤثر ذلك على السياسة الأمريكية، خاصة في الشرق الأوسط؟ صحيح أن السياسة الخارجية تتم صياغتها في البيت الأبيض، إلا أن الكونغرس الديمقراطي سيُـواصل ضغوطه لتغيير سياسات غير محبوبة، مثل تلك التي اتبعها بوش والمحافظون الجدد في العراق، ولكن ذلك لن يعني في كافة الأحوال تحوّلا جذريا وفوريا في السياسة الأمريكية.
أما الدكتور عمرو حمزاوي، كبير الخبراء بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي فيرى أن إمكانيات الرئيس بوش ستتقلّـص فيما يتعلّـق بصياغة السياسة الخارجية الأمريكية بالشكل الذي تعوّد عليه خلال السنوات الست الماضية، ولكن هذا لن يعني أنه سيكون بوسع الديمقراطيين فرض أولويات سياسة خارجية أخرى، لذلك، يتوقع أن تشهد الأسابيع الأولى من عام 2007 محاولات للتوصل إلى حلول توفيقية بين الرئيس والكونغرس الديمقراطي، توفِّـر الحد الأدنى من التوافق فيما يتعلق بالسياسة في العراق وباقي قضايا السياسة الخارجية الأخرى.
البطة العرجاء وهيبة أمريكا
ويرى الدكتور عمرو حمزاوي أن وضع البطّـة العرجاء، الذي أصبح فيه الرئيس بوش لا يعني زوال تأثير المحافظين الجدد الذين لا يزال لهم ممثل رئيسي في إدارة بوش، وهو نائب الرئيس ديك تشيني وممثلون فيما دون المراكز العليا، يشاركون معه في الترويج لبقاء الخيار العسكري مفتوحا مع إيران مثلا إذا واصلت برنامجها النووي، ويعتقد الدكتور حمزاوي أن وضع البطة العرجاء سيؤثِّـر إيجابيا على صورة الولايات المتحدة في الخارج بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، حيث أن هناك شعورا بأنه قد يكون بوسع الكونغرس الديمقراطي، على الأقل ترشيد السياسة الخارجية الأمريكية، بعيدا عن الشطط والاندفاع غير العقلاني لإدارة الرئيس بوش، ولكن يجب إدراك حقيقة أنه لن يمكن البدء قي إعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية قبل خروج الرئيس بوش من البيت الأبيض.
ويختلف الدكتور سامر شحاتة مع هذا التحليل، ويرى أن وضع بوش كبطة عرجاء لن يؤدّي إلى تغيير صورة الولايات المتحدة في الخارج، لأنه سيظل الرئيس الذي يتولّـى إدارة دفة السياسة الخارجية، رغم أن الانتخابات الأخيرة أثبتت تململ الشعب الأمريكي من سياساته، وقال “يجب أن نتذكر أن إدارة بوش أهدرت ستة أعوام دون الاهتمام بالقضية الرئيسية في الشرق الأوسط، وهي التوصل لحل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن طريق عملية السلام”.
ويتفق معه في هذا الدكتور منذر سليمان، الذي يُـحذر من التوهُّـم بأن إدارة بوش، حتى في وضع البطة العرجاء ستغير من سياساتها، خاصة في الشرق الأوسط، ويقول “إن أجواء التفاؤل بسياسة أمريكية متوازنة، والتي مهَّـد لها تقرير لجنة بيكر – هاملتون، سرعان ما ستتوارى أمام الهجمات التي تعرّضت لها من أنصار إسرائيل في الكونغرس الديمقراطي ورموز المحافظين الجدد، توصية خاصة بتنشيط دور أمريكي لإحياء عملية السلام.
وخلص الدكتور منذر سليمان إلى أن العالم ينظر بقلق شديد إلى حالة عدم التوازن القائمة في النظام الدولي، ولا ينتظر من إدارة بوش فيما تبقّـى لها من فترة الرئاسة الثانية أن تقبل بشراكة حقيقية في إقامة نظام دولي متوازن، بل سيُـواصل بوش، حتى في وضع البطة العرجاء، سياسة توظيف القوة العسكرية والتكنولوجية للولايات المتحدة في تمديد هيمنتها على العالم.
الجديد في عام البطة العرجاء
ويتوقع الدكتور منذر سليمان أن يؤدّي وضع بوش الضعيف ومشاكل الوضع في العراق إلى أن يُـواصل تعاونه الوثيق مع الدكتاتوريات العربية، سواء الملكية منها أو الجمهورية أو تلك التي تُـحاول الجمع بين النظم الرئاسية السلطوية وتوريث السلطة إلى الأبناء، وكلها أنظمة مستعدّة لخدمة أهداف إدارة بوش مقابل البقاء في السلطة، وبالتالي، ستواصل واشنطن في عام البطة العرجاء سياسة الطنطنة الإعلامية عن التزامها بدفع مسيرة الديمقراطية في العالم العربي، بينما لن تُـحرِّك ساكنا إزاء القمع والقهر الذي تتعرض له المعارضة ودُعاة التحوّل نحو الديمقراطية في العالم العربي، كما أن الولايات المتحدة لن تحرِّك عملية السلام الراكِـدة، ولن تستجيب للنداءات المُـطالبة بعقد مؤتمر إقليمي لاستئناف مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، وستكتفي إدارة بوش بمؤتمر إقليمي لمجرّد تنسيق جُـهود إخماد العنف في العراق.
ويتفق الدكتور عمرو حمزاوي مع هذه التوقعات، ويرى أن أوضح التغييرات المتوقعة في السياسة الخارجية الأمريكية في عام البطة العرجاء، هو التغيير في شكل العلاقة الأمريكية مع الحكومة العراقية والأطراف الفاعلة في العراق، حيث بدأ بوش يقتنِـع بفشل العملية السياسية في العراق، وبأن الحل الوحيد هو محاولة التنسيق مع الفئات والإئتلافات، الشيعية والسُـنية والكردية، للتوصل إلى حدٍّ أدنى من ضبط الانفلات الأمني، كما سيتمّ نقل سريع للملفات الأمنية من القوات الأمريكية إلى القوات العراقية.
أما فيما يتعلق بعملية الدفع نحو التحول الديمقراطي في العالم العربي، فيرى الدكتور حمزاوي أن هناك تراجُـعا أمريكيا إزاءها، حتى قبل أن يجِـد بوش نفسه بطة عرجاء في البيت الأبيض، حيث أن إدارة بوش لم تحسِـم بعدُ صراع الأولويات، هل يكون التركيز على دعم مسيرة الإصلاحيين العرب ودفع عملية التحول نحو الديمقراطية أم دعم الأنظمة السلطوية المستبدة والحكام العرب الذين يقدمون المساندة لأهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، ولن يختلف مثلا موقف الولايات المتحدة من التعديلات الدستورية المتوقعة في مصر عام 2007 عن موقفها السلبي من الحِـراك الشعبي المُـطالب بالديمقراطية في مصر في عامي 2004 و2005، حيث لم تُـمارس واشنطن ضغطا إلا في حالة استثنائية هي حالة اعتقال زعيم حزب الغد أيمن نور، المنافس الرئيسي للرئيس مبارك في انتخابات الرئاسة، وبقيت العلاقات بين إدارة بوش والنظام المصري إيجابية، رغم التجاوزات العديدة لنظام مبارك، سواء في التعديلات الدستورية التي تستثني قوى المعارضة من التنافس أو تجاوزات الانتخابات عام 2005.
وأعرب الدكتور عمرو حمزاوي عن اعتقاده بأن الاهتمام الأمريكي بموضوع التحوُّل الديمقراطي في العالم العربي، سيقتصر على التصريحات الطنانة، ولكنه لن ينطوي على ضغط حقيقي يُـساند الحِـراك الشعبي، سواء في مصر أو غيرها.
أما الدكتور سامر شحاتة، فيرى أن وضع بوش كبطة عرجاء أسدَل الستار بشكل نهائي على فكرة إمكان فرض الديمقراطية بالقوة الأمريكية أو حتى فرض عقوبات على الحكومات العربية التي لا تتحرّك صَـوْب الديمقراطية، خاصة وأن الحكّـام العرب أصبحوا يرفعون لواء الفزّاعة الإسلامية في تخويف الولايات المتحدة من أن أي عمليات انتخابات نزيهة في الدول العربية، ستأتي بالإسلاميين الذين يناصبون سياسات الولايات المتحدة العداء.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.