بين ختان الذكور والذاكرة… امرأة
ما لذي يجمع بين الدعوة لمنع ختان الذكور والسعي لإعادة قراءة التاريخ الثقافي العربي بصورة لا تتجاهل مساهمات المرأة الأدبية؟ أو بعبارة أخرى، كيف يجتمع ختان الذكور وقضية نسوية في بوتقة واحدة؟ الجواب ليس عند حامله، بل هو يتجسد في شخص امرأة واحدة.
هي امرأة ذات وجوه متعددة.. ولعلها من النساء القلائل اللاتي جمعن بين مهن وقضايا متنوعة لا يربط بينها سوى حب المعرفة. فالدكتورة سهام عبد السلام محمد، المصرية الجنسية، هي طبيبة وأنثروبولوجية وناقدة سينمائية ومهتمة بقضايا السلامة الجسدية والمرأة. وهي في كل ذلك إنما تسعي، كما تقول، “لاستكشاف الحياة.”
ختان الذكور بين مؤيديه ومناهضيه
المميز في شخصها يكمن في القضايا التي تبنتها للدفاع عنها. فأي موضوع اكثر إثارة للجدل من ختان الذكور، لاسيما وأنه يقف على طرف نقيض من قضية ختان الإناث التي تلقي الدعوة لمنعها تعاطفا كبيرا دوليا وعربيا. إذ لا محالة من أن تجد من سيشير إلى أن ختان الذكور عادة تمارس لدى اتباع الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلامية.
كما إنه تقليد مقبول اجتماعيا لدى الكثيرين لاسيما في حال إجراءها بصورة تراعى شروط السلامة الطبية. فقلة عربية تلك التي تعرف أن نحو 60% من كل الأطفال الذكور الذين يولدون في الولايات المتحدة يُختَنون. لا، بل إن العديد من المدافعين سيسارعون إلى القول بإن العلم أثبت أن ختان الذكور يقي من الكثير من الأمراض وان له فوائد طبية.
هذا عن مؤيدي ختان الذكور. أما المناهضون له فترتفع أصواتهم منادية بالتخلي عنه، فالختان ما هو إلا عادة اجتماعية لا مبرر لها وتؤدي بقطع جزء سليم من جسم الإنسان. فما الداعي إلى بتر قطعة من الجسد وجدت للقيام بوظائف عضوية محددة؟ وما الضرورة إلى تشويه خلق الله؟ هذا الموقف تتبناه الدكتورة سهام عبد السلام محمد ولكن بصورة قائمة على براهين علمية. فقد كتبت بحثا في إطار منحة زمالة لما بعد الماجستير بعنوان “التشويه الجنسي للذكور: دراسة نسوية في موضوع مسكوت عنه من قضايا النوع.”
في دراستها البحثية، أشارت الدكتورة سهام عبد السلام محمد إلى المراحل التي مرت بها حتى اقتنعت برفض هذه العادة. فلم يكن الختان قضية مطروحة على وعيها لفترة طويلة من حياتها، حيث نشأت وتربت في بيئة ترفض ختان الإناث ، لكنها تقبل بختانِ الذكور كأمر واقع وَهين لا يتعدى قطع قطعة جلدٍ زائدة لا توجد بها حساسية. وعندما التحقت بكلية الطب دَرست هذا الموضوع ضمن مقررِ الجراحة، و كانت الكتبُ توصى بإجرائِها للوقاية من سرطان القضيب للذكر، وتوصى بإجرائها للرضع بدون تخدير بحجة أن الرضيع لا يحس بالألم كالطفل الأكبر سنا أو الإنسان البالغ.
لكن مشاهدتها لعملية ختان لطفل رضيع أصابتها بصدمة شديدة خاصة وأن الآم الطفل من جراء العملية وصراخه الهستيري الذي تبع ذلك ابرز بوضوح انه يشعر بالفعل بما يحدث له. تقول:” وجدت الموضوع بشعا، لاسيما وأنه يتسبب بألم فظيع للطفل.” وهو الأمر الذي دفعها بعد ذلك إلى التعمق اكثر في جذور هذه العادة خاصة بعد أن استقبلت حالات نزيف عديدة لأطفال من ذكور وإناث نتيجة لعمليات ختان تعرضوا لها.
و فوائده؟
إذا كانت هذه هي البداية، فكيف ترد الدكتورة سهام عبد السلام محمد على ما يثار عن الفوائد الطبية الوقائية لختان الذكور. ترد بالقول:” أولا مسألة القطع الروتيني لجزء سليم من الجسم للوقاية من أمراض هي خرافة كبيرة جدا، وترجع أصلا للتاريخ الاجتماعي لمهنة الطب، حيث مورست هذه العادة طوال عمر التاريخ البشري بدءا بقدماء المصريين في إطار رؤيتهم للعالم ومعتقداتهم.”
وتستطرد قائلة: ” الختان لم يدخل إلى المهنة الطبية إلا في القرن التاسع عشر في العصر الفيكتوري، حيث ارتبط بتطور النظريات الطبية السائدة آنذاك. فقد كان هناك افتراض أن الأمراض العقلية تتسبب فيها زيادة استثاره الأعضاء الطرفية وأهمها الأعضاء الجنسية، وكانت هناك معاداة شديدة للعادة السرية وللجنس عند الأطفال. ولهذا السبب أستخدم بعض الأطباء الختان لقناعتهم بأنها تقي من العادة السرية.. ولم ينجحوا.”
بعد ذلك، تكمل الدكتورة سهام عبد السلام محمد، تحول ختان الذكور إلى علاج لكل مرض يستعصي على العلاج:” أيام الحرب العالمية الأولى، كانت الأمراض المستعصية هي الزهري والسيلان والأمراض الجنسية، وزعموا أن الختان يعالجها، وهذا غير صحيح، فالعلاج تم من خلال مضادات حيوية والوقاية من خلال السلوكيات الجنسية السليمة. ثم ظهرت خرافة انه يقي من السرطان… وثبت أن هذا غير صحيح. واليوم برزت قناعة جديدة بأنه يقي من الإيدز… لكنك لو نظرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية تجديها اكثر البلدان الغربية التي يمارس فيها ختان ذكور واكثر البلدان الغربية في معدلات الإصابة بالإيدز.”
والذاكرة؟
إذا كانت قضية ختان الذكور هي إحدى العلامات التي تميز فكر الدكتورة سهام عبد السلام محمد، فإن دعوة أخرى لا تقل إثارة للجدل … وللتفكير.. تبرز بوضوح اكثر طبيعتها. فمن جانب،لا تخشى الدكتورة سهام أن يطلق عليها لقب داعية للتحرر النسائي. فهي ليست بتهمة. وفي كل الأحوال، فإن الدعوة للتحرر النسائي بالنسبة لها هي دعوة للتحرر الإنساني: ” لا أرى أن هناك أي فرق بينهما ..فالاثنان متصلان.”
كيف؟ هي ترى أن النسوية تهتم بالإنسان بصفة عامة، و” بكل من هو ضعيف في علاقات قوى، لان العلاقات في المجتمع الذكوري ُتميز علي محورين … محور الجنس ومحور السن… التمييز بذلك يصبح ضد الأصغر سنا وضد النساء من كافة الأعمار.”
والتاريخ الثقافي العربي يعكس إلى حد كبير علاقات القوى تلك. حيث همّش صورة المرأة فيه وغيب الكثير من إسهاماتها. وبسبب هذا الغياب، أنبثق ملتقى المرأة والذاكرة. الملتقى هو مركز للدراسات الثقافية عن المرأة العربية، مقره القاهرة، ويهدف من خلال جهود عضواته من الباحثات والأكاديميات إلى إعادة قراءة التاريخ الثقافي العربي والمصري قراءة نقدية نسوية، بهدف استرجاع تاريخ المرأة فيه وإعادة بعثه من جديد.
تقول الدكتورة سهام عبد السلام محمد، العضوه في الملتقى : ” في العادة، يكتب التاريخ من وجهة نظر الرجل، فتُهمل لذلك الكثير من إسهامات النساء وأفكارهن وكتاباتهن.. هذا هو المسعى الذي يهدف إليه الملتقي… هناك مجموعة البحث التي تدرس سير الرائدات، وهناك مجموعة الحكي وأنا عضوه فيها، نقرأ النصوص… سواء كانت قصص شعبية أو أعمال أدبية مثل ألف ليلة وليلة، أو حتى الأمثال الشعبية وقصص الأطفال، ونعيد كتابتها من وحيها ولكن من وجهة نظرنا… ونهدف أن نغير النظرة السائدة للمرأة في المجتمع من خلال تقديم صورة مختلفة للمرأة عن الصورة الشائعة.”
ولكن ألن تثير هذه الصورة ردة فعل الغاضبة من بعض الفئات المحافظة في المجتمع؟ ترد بالقول: ” ممكن… لكن السؤال هل نتوقف عن تقديم هذه الصورة المختلفة للمرأة والتي نشعر بها فعلا … بسبب الخوف؟ رأيي أن نثير هذا الغضب.. فلابد للمجتمع من أن يتحاور حول معتقداته وعاداته وتقاليده وتصوراته… ومن هنا يأتي التقدم.”
إلهام مانع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.