بين نيران العدو والصديق!
تظل فلسطين واقفة على رمال متحركة، ولعل صيف العام الحالي المتميز بسخونة "فوق العادة" وجد له متنفسا في الأزمة الحالية.
هذه الأزمة التي تعصف بركني القيادة الفلسطينية، حكومة محمود عباس، وقيادة الرئيس ياسر عرفات.
مرة أخرى تُـلقي إسرائيل بالكرة في الملعب الفلسطيني، وتنجح في نقل الأزمة إلى باحة السلطة الفلسطينية المعلقة بين مطرقة وصاية اللجنة المركزية لحركة فتح ومنظمة التحرير من جهة، وسندان المجموعة الدولية بقيادة الإدارة الأمريكية من جهة أخرى.
جاء عنوان الخلاف هذه المرة تحت يافطة استقالة رئيس الحكومة محمود عباس من عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح التي أوسعته انتقادا بحجة تهاونه في إدارة الحوار السياسي مع إسرائيل.
وشملت الانتقادات التي تلقاها أبو مازن، مجموعة من القضايا بدءً مما وُصف بخطابه المهادن لإسرائيل، مرورا بالسماح لبعض وزرائه بالاجتماع مع نظراء إسرائيليين في القدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم العتيدة.
أما الملف الأبرز الذي يعتقد مراقبون أنه شكل القشة التي قصمت ظهر البعير في الأزمة الأخيرة، فهو قضية إطلاق سراح المعتقلين في سجون إسرائيل، وهو الملف الأكثر حساسية لارتباطه مباشرة بهدنة الفصائل والحركات وتطبيق خطة خارطة الطريق.
وتتضاعف أهمية ملف المعتقلين الذين يقدر عددهم بنحو 7000 أسير لتأثيره المباشر على كل بيت فلسطيني تقريبا في الأراضي المحتلة، الأمر الذي يمس شعبية رئيس الوزراء.
وقد ساهم الخطاب السياسي لمحمود عباس منذ توليه رئاسة الوزراء في نهابة أبريل الماضي، وخصوصا كلمته أمام مؤتمر العقبة التي وصفته قوى وطنية وإسلامية بأنها تنازل عن الحقوق التاريخية الفلسطينية، في إضعاف شعبية عباس.
بين العدو والصديق
ليس غربيا أن يجد رئيس الوزراء الفلسطيني، الذي يعول كثيرا على الدعم الأمريكي والدولي، نفسه وقد بات في مرمى نيران عدوة وصديقة في آن واحد.
فرئيس الوزراء الذي تمكن من الفوز بثقة الجمهور المحلي لمبادرته إلى تحسين الوضع الوظيفي والإداري بدعم امريكي للإصلاح، وجد نفسه في مرمى الانتقاد ثانية بتهمة التخلف عن دفع إسرائيل لتقديم استحقاقات سياسية.
تخشى اللجنة المركزية لحركة فتح، والتي تقوم على أركان قيادات تاريخية، على تراجع نفوذها كما هو حال أركان اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي وجدت الفرصة السانحة للضغط على أبو مازن.
المفارقة أنه، ما أن لبثت قضية المعتقلين ذات الأبعاد المحلية والسياسية، أن أخذت حيّـزها على أجندة حكومة عباس، حتى سارعت كل من إسرائيل، وفتح كذلك، في المبادرة إلى استخدام الملف تلبية لأغراض كل منهما.
دفعت إسرائيل، الخبيرة في الحال الفلسطيني، ملف المعتقلين إلى مرحلة الذروة الساخنة وهي تعي تماما أنه سيرتد على الساحة الفلسطينية ليمنحها هامشا جديدا للمناورة.
فالشروط التي دفعتها إسرائيل إلى طاولة ممثلي عباس، لاسيما وزير شؤون الأمن الداخلي العقيد محمد دحلان، كانت كفيلة بإثارة أزمة كبيرة لم يمض عليها ساعات حتى كانت تتصدر أجندة اجتماع مركزية فتح مع عباس.
لم يطق عباس، عضو مركزية فتح المخضرم، الانتقاد وغادر الاجتماع العاصف تاركا وراءه استقالته، التي توصف بأنها تكتيك للتخلّـص من ضغوط الهيئة القيادية لفتح التي ما انفكت تلاحقه منذ تعيينه رئيسا للوزراء.
“تـكـتـيك”
تدرك فتح بقيادة عرفات الذي أصر هذه المرة أن تدار الأزمة وهو يراقب، ويدرك عباس أيضا أن غزل خيوط الأزمة الحالية أو فكها غير محصور فقط بمهارة القيادة الفلسطينية، وإنما بإسرائيل والإدارة الأمريكية.
ويعتقد عباس أنه بات خطا أحمرا لا يمكن لفتح ومنظمة التحرير تجاوزه ما دام يقف على رأس الحكومة الفلسطينية، ومادام يحظى بدعم الإدارة الأمريكية التي ساعدت إلى تأكيد هذا الدعم بعد وقت قليل من اندلاع أزمة الاستقالة الأخيرة.
استقالة عباس مرتبطة أيضا بخطة خارطة الطريق المعلقة بدورها بأسباب الإدارة الأمريكية ونفوذها في المنطقة، وكذلك قضية المعتقلين الفلسطينيين التي أثارتها إسرائيل على هذا النحو.
وتطبيق خارطة الطريق مرتبط أساسا بهدنة الفصائل والحركات الفلسطينية الوطنية والإسلامية، التي أكّـدت مجددا أن إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين يبقى صمام الأمان للهدنة.
هكذا تدور أزمة استقالة محمود عباس، الذي لم يبادر إلى الاستقالة من منصبه كرئيس وزراء، بل ربطها فقط بعضوية لجنة حركة فتح حتى يتحرر من ضغوطها وقيودها.
“تكتيك”، هو اسم اللعبة الأخيرة، اللجنة المركزية تضغط على أبو مازن الذي بدوره سيطلب النجدة من الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل المشغولة بدراسة الخطوة التالية.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.