استحضارُ روح سويسرية في ذكرى هيروشيما
بعد 60 عاما على وقوع كارثة هيروشيما، تُكرم جنيف أخيرا السويسري مارسيل جونو الذي كان أول طبيب أجنبي يزور المدينة اليابانية بعد شهر من تعرضها للقصف النووي.
أما اليابان، فواظبت منذ عام 1990 على الاحتفاء بذكرى السيد جونو الذي تعتبره من رواد العمل الإنساني.
ستحتفل مدينة جنيف يوم 13 سبتمبر المقبل للمرة الأولى بذكرى السويسري مارسيل جونو، الذي ترأس وفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى اليابان عام 1945.
وستـُدشن سلطات المدينة خلال حفل تكريمي نُصبا صغيرا مُستوحى من النصب التذكاري الذي شيده اليابانيون في هيروشيما عام 1970 ترحما على روح السيد جونو. ومنذ عام 1990، يحيي اليابانيون ذكرى الطبيب السويسري كل عام في شهر يونيو، وهو الشهر الذي شهد وفاته عام 1961.
ويـعتبر ميكيماسا ماروياما، المترجم الياباني للسيرة الذاتية للسيد جونو “المقاتل الثالث”، أن الاعتراف بالدور الهام للطبيب السويسري لا يحتاج أي تبرير قائلا: “إن عمل مارسيل جونو في هيروشيما سمح بإنقاذ ما بين 20 و30 ألف شخص”.
وصل جونو إلى طوكيو يوم 9 أغسطس 1945، أي يوم إطلاق القنبلة النووية على مدينة ناغازاكي اليابانية. وكانت تتمثل المهمة الأولى للطبيب السويسري في مساعدة أسرى الحرب.
وحسب فرانسوا بونيون، المتخصص في تلك الفترة من نشاطات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قرر جونو في مرحلة أولى إرسال أحد مساعديه، فريتز بيلفينغر، إلى هيروشيما من أجل زيارة مخيمات أسرى الحلفاء في المنطقة.
برقية تلغرافية مُفزعة
وفي الثلاثين من أغسطس 1945، بعث الموفد برقية تلغرافية تصف الوضع المأساوي في المدينة المُدمرة. وقبل شهادة بيلفينغر، لم يكن مارسيل جونو يُـدرك تماما حجم الكارثة التي حلت بهيروشيما وسكانها.
فور تلقيه البرقية، سارع جونو إلى الاتصال بالقوات الأمريكية التي كانت تواصل انتشارها في اليابان، والتي كانت الطرف الوحيد الذي يتوفر على احتياطات من الأدوية والإمدادات الضرورية لمواجهة مثل تلك الكارثة.
وحصل جونو من الجنرال ماك أرثور – قائد القوات المسلحة- على مساعدات تزن 15 طنا من لوازم الإسعاف وعلى وعد بإيصالها جوا إلى هيروشيما. وقرر الطبيب السويسري مرافقة الإمدادات على متن نفس الطائرة بصحبة طبيب أشعة ياباني وأطباء وضباط أمريكيين.
ويحكي بونوا جونو، الإبن الوحيد للطبيب السويسري: “لقد ظل والدي لمدة خمسة أيام في عين المكان. الوضع كان فوضويا تماما، وقد عالج بنفسه الـ”هيباكوشا”، أي الذين تعرضوا للإشعاع”.
وذكر إبن الطبيب السويسري أن الحصول على المساعدات الأمريكية – في تلك الفترة- لم يكن مأمورية سهلة. وأوضح في هذا السياق متحدثا عن أبيه: “إن عمله لفائدة سجناء الحرب الأمريكيين الذين كانوا محتجزين لدى اليابانيين – من بينهم جنرالات مشهورين- كان له ثقل بالتأكيد في الميزان”.
من جهته، قال كيوشي إيوشي من الصليب الأحمر في هيروشيما: “لا يمكن أن نـدرك اليوم إلى أي مدى بعث وصول تلك الكميات الكبيرة من الأدوية التفاؤل في نفوس الناجين”.
شهادة مؤثرة
ولدى عودته من اليابان في أبريل 1946، انكب مارسيل جونو على تأليف حياته ونشاطاته في اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ونُشرت سيرته الذاتية التي تحمل عنوان “المقاتل الثالث” في العام الموالي، ومثلت الصفحات المخصصة لليابان إحدى أولى الشهادات عن آثار القنبلة الذرية.
وأوضح إبن مارسيل جونو في هذا السياق أن “هذه المسألة كانت موضع كتمان شديد من قبل الأمريكيين. فالتقرير الأول الذي نُشر في الولايات المتحدة عن ضحايا القنبلة الذرية – بقلم الصحفي الأمريكي جون هيرسي- هو بتاريخ سبتمبر 1946”.
وبصفته شاهدا مُبكرا على دمار هيروشيما، قام الطبيب السويسري بدور كبير في نشر الوعي بفظاعة السلاح الذري.
وقد عزز مارسيل جونو كتاباته المُنددة باستعمال ذلك السلاح الفتاك بنص كتبه عام 1946 بعنوان “كارثة هيروشيما”. وبعد أن ترجمه إلى اللغة اليابانية في عام 1974، قام ميكاماسا ماروياما مؤخرا بترجمته إلى الإنجليزية قبل إرساله إلى قادة القوى النووية الخمس في العالم، أي روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة.
وشدد ماروياما، وهو أيضا مؤسس مركز للأبحاث حول السلام، على القيمة الكبيرة ذلك النص قائلا: “إن نص الدكتور جونو في غاية الأهمية ويجب مواصلة إدانة التهديد الذي يمثله السلاح النووي على كوكبنا”.
نموذج للعمل الإنساني
الأكيد إذن أن الطبيب الجراح مارسيل جونو يجسد – بشكل نموذجي، حتى قبل “الأطباء الفرنسيين” مؤسسي منظمة “أطباء بلا حدود”- الوجه الحديث للنشاط الإنساني الذي يقوم على أعمال شجاعة لفائدة ضحايا الحرب وشهادات عن فظاعتها.
ويشدد فرانسوا بونيون، مدير القانون الدولي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على أن جونو “كان رجلا شديد الالتزام. لقد التحق باللجنة لأداء مهمة مؤقتة وظل في نهاية المطاف مرتبطا بها على الدوام. وبالعمل الذي أنجزه، خلق نموذجا عمليا لمندوبي (اللجنة)”.
وفي كلمة الختام، قال بونيون: “بهذا المعنى، يُُعتبر كافة مندوبينا الورثة الروحيين لمارسيل جونو”.
أكينو ياياما وفريديريك بورنون – سويس انفو / (ترجمة وتوضيب: إصلاح بخات)
6 أغسطس 1945: خلفت القنبلة الذرية التي أطلقت على هيروشيما أكثر من 140 ألف قتيل خلال الثواني والأيام التي تلت الانفجار.
9 أغسطس 1945: تلقت مدينة ناغازاكي بدورها قنبلة نووية أسقطت أكثر من 70 ألف قتيل.
يقدر اليابان إجمالي الضحايا التي لقيت حتفها جراء انفجار قنبلتي هيروشيما وناغازاكي بـ300 ألف، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار عدد القتلى الذين سقطوا بعد سنوات من الانفجارين.
1904: ولد مارسيل جونو، ابن القس ريشار جونو، في نوشاتيل.
1935: بعد تخصص في الطب الجراحي بجنيف، وافق مارسيل جونو على أداء أول مهمة له في اللجنة الدولية للصليب الأحمر وذهب إلى إُثيوبيا حيث تدخلت القوات الإيطالية ضد الإمبراطور هايلي سيلاسيي.
1936: أرسل مارسيل جونو إلى إسبانيا لتنسيق عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال الحرب الأهلية.
1939: أرسل جونو للعمل في شتى أنحاء أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية لزيارة أسرى حرب قوات التحالف ودور المحور.
1945: ذهب جونو إلى اليابان كرئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر وزار هيروشيما بعد شهر من تدميرها.
1946: عاد إلى جنيف حيث استأنف جونو نشاطاته كطبيب. وفي العام الموالي، نشر قصة حياته بعنوان “المقاتل الثالث”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.