مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكومة السويسرية تراقب أصداء مبادرة حظر بناء المآذن في الخارج

Keystone

في ردّها على أسئلة نائبة ديمقراطية مسيحية في مجلس النواب السويسري، جدّدت الحكومة الفدرالية يوم 13 مايو الجاري رفضها لمبادرة حظر بناء المآذن التي أطلقتها أطراف يمينية مُتشددة في سويسرا، مؤكدة أنها على استعداد لرد الفعل إذا ما ساءت الأمور إلى درجة تهديد مصالح الكنفدرالية في الخارج، إذ أنها أمدت السفارات بالإمكانيات المالية الضرورية للتحرك.

وكانت الحكومة السويسرية، في خطوة غير مُعتادة، قد أعلنت بشكل مُبكـِّر جدا الصيف الماضي موقفها الرافض لتلك المبادرة التي قد يصوت عليها الشعب قبل نهاية عام 2009.

سـلّمت كاتي ريكلين، ممثلة الحزب الديمقراطي المسيحي بكانتون زيورخ في مجلس النواب السويسري (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي) يوم 19 مارس 2009 للمجلس ستة أسئلة موجهة للحكومة الفدرالية. وتمحورت حول الأخطار والانعكاسات السلبية المُحتملة للمبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن على صورة سويسرا واقتصادها وسياحتها وأمنها، وحول السياسة المُعتمدة من قبل برن والتمثيل الدبلوماسي في الخارج لتوضيح الموقف الحكومي الرافض للمبادرة، ولمواجهة احتمالات تفاقم الـوضع بالنسبة للسفارات وغيرها من مكاتب التمثيل السويسري.

شرح خصوصية سويسرية هامة

في أجوبتها المُفصلة على أسئلة النائبة ريكلين، أكدت الحكومة الفدرالية يوم الأربعاء 13 مايو بأنها تُدرك التأثير السلبي المُحتمل لمبادرة حظر بناء المآذن على صورة سويسرا، مُذكرة بأنها أشارت في رسالتها المؤرخة في 27 أغسطس 2008 إلى احتمال تشويه هذه المبادرة الشعبية لصورة البلاد، ومُنوهة إلى أن الكنفدرالية “تتمتع في العالم الإسلامي بصورة دولة محايدة تتميز بتقاليد ديمقراطية وإنسانية قوية”، وبالتالي “قد يُنظر إلى فرض حظر على بناء المآذن كزيادة للتعصب والتمييز ضد المسلمين، الأمر الذي يمكن أن يُلحق الضرر بسمعة سويسرا وعلاقاتها الجيدة مع هذه الدول”.

إدراك حساسية الموقف وخطورته المحتملة دفع الحكومة السويسرية يوم 8 يوليو 2008، إلى الإعلان عن رفضها للمبادرة في وقت مُبكر جدا إذ أنها لم تنتظر، كعادتها، اقتراب موعد التصويت على المبادرة الشعبية للتعبير عن الموقف الذي تتخذه منها.

وعن هذه الخطوة الاستثنائية، أضافت الحكومة في أجوبتها على أسئلة النائبة ريكلين: “(…) لم تنتظر الحكومة التحقق من صلاحية المبادرة للقيام بنشر معلومات بغرض (ضمان) الشفافية، وبالتالي وضعت بسرعة مصادر معلومات مختلفة حول السياق الاجتماعي والسياسي والقانوني للمبادرة رهن إشارة المكاتب التمثيلية لسويسرا، حيث يمكن أن تجد فيها عناصر إجابات للأسئلة التي يمكن أن تُطرح عليها في البلدان المضيفة”.

ولعل أبرز عناصر الإجابات تلك شرح خصائص نظام الديمقراطية المُباشرة في سويسرا التي تتيح لأفراد عاديين إطلاق مُبادرات شعبية (بعد تجميع التوقيعات الضرورية) دون أن يعكس مضمون المبادرة بالضرورة موقف الحكومة السويسرية أو البرلمان الفدرالي. وأكدت الحكومة أيضا في أجوبتها أنها “على اتصال منتظم ووثيق بمكاتب التمثيل السويسري في الخارج التي تُبلغها بسرعة بتطورات الوضع على الميدان وتقلبات الرأي العام في البلدان المضيفة. كما تُتخذ تدابير أخرى لإعلام الممثليات في الخارج بمجرد حدوث تغييرات هامة على الوضعية السياسية الداخلية أو الخارجية”.

الاقتصاد والسياحة: اطمئنان حذر جدا

أما عن الأخطار التي تُمثلها مبادرة حظر تشييد المآذن على اقتصاد سويسرا وقطاعها السياحي، فقد استهلت الحكومة السويسرية ردودها على تساؤلات النائبة ريكلين بتعداد “المؤهلات الفريدة” التي تتمتع بها السياحة السويسرية التي تجتذب الزوار بفضل ما وصفته بــ “الطبيعة المهيبة والمدن التاريخية والتنوع الثقافي لسويسرا”، فضلا عن “العوامل غير المادية، ومن بينها الخدمات والجودة، المترسخة في الثقافة السياحية السويسرية منذ القرن التاسع عشر، وهو ما يعلمه السياح جيدا”.

وإذا ما صادق الشعب السويسري على المبادرة ضد بناء المآذن، فتعتقد الحكومة أن “الأضرار التي ستلحق بصورة سويسرا، باعتبارها وجهة سياحية، ستكون هامشية إلى حد ما على المدى البعيد، (إذ) تـُبيـِّن التجربة أن السياحة تنهض من جديد بسرعة كبيرة، حتى بعد وقوع كوارث هائلة من صنع الإنسان أو الطبيعة (مثل الهجمات الإرهابية التي وقعت في بلدان مختلفة، أو كارثة تسونامي عام 2006)”.

وبالنسبة لتعزيز الاقتصاد وتشجيع الصادرات، ترى الحكومة أن خطر تضرر صورة سويسرا قائم، وهو ما قد يكون له عواقب اقتصادية على المدى المتوسط من وجهة نظرها، بحيث “لا يُستبعد أن تتخذ بلدان مسلمة تدابير انتقامية ضد سويسرا أو ضد شركات سويسرية، أو أن يقاطع المستهلكون المسلمون منتجات سويسرية. ومن الصعب بطبيعة الحال تقييم حجم التأثيرات الدقيقة لتهديد محتمل بالمقاطعة”.

غير أن الحكومة شددت على “العلاقات الدينامية” التي تربط سويسرا بالعديد من الدول الإسلامية، وعلى أهمية بعض القطاعات التي لها وزن هام في الاقتصاد السويسري مثل المتاجرة بالنفط الخام (والتي تُعتبر جنيف محورا عالميا للتفاوض وعقد الصفقات بشأنها) والمصارف الإسلامية (المتواجدة أساسا في جنيف) والسياحة، خاصة في مجال الصحة والعلاج.

المزيد

المزيد

المبادرة الشعبية

تم نشر هذا المحتوى على توفّـر المبادرة الشعبية لعدد من المواطنين إمكانية اقتراح تحوير للدستور الفدرالي. تحتاج المبادرة كي تكون مقبولة (من الناحية القانونية)، إلى أن يتم التوقيع عليها من طرف 100 ألف مواطن في ظرف 18 شهرا. يُـمكن للبرلمان أن يوافق مباشرة على المبادرة، كما يمكن له أيضا أن يرفضها أو أن يعارضها بمشروع مضاد. في كل الحالات، يتم…

طالع المزيدالمبادرة الشعبية

إمدادات مالية للسفارات من أجل تحرك محدود

وتحسبا لتفاقم الوضع في بعض البـُلدان بسبب النقاش السياسي الذي سيصاحب حملة مبادرة حظر بناء المآذن قبيل تصويت الناخبين السويسريين عليها في نهاية شهر نوفمبر القادم على الأرجح، مهدت الحكومة السويسرية الطريق للتحرك وأكدت أنها مُستعدة لنشر “معلومات مُناسبة” حول الموضوع عبر السفارات وغيرها من منظمات التمثيل السويسري في الخارج. وأوضحت الحكومة أن هذه التدابير “تهدف إلى إقامة اتصال على الصعيد الدبلوماسي ونشر معلومات مُوجهة للجمهور الواسع”.

كما أكدت أن “مكاتب التمثيل مُنـِحت مؤخرا الإمكانيات المالية الضرورية لكي تتمكن بسرعة من اتخاذ إجراءات محلية محدودة النطاق. بيد أنه ليس من المستحسن إطلاق “حملة إعلامية” ستكون سابقة لأوانها في كافة الأحوال، لأن ذلك قد يأتي بسهولة بنتائج عكسية”. في المقابل، تعتقد الحكومة الفدرالية أنه “من الضروري ومن الأولويات نشر معلومات وقائعية عن المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن وعن موقف الحكومة السويسرية منها بروح (تهدف إلى ضمان) الشفافية”.

الـمسألة ليست بخطورة رسوم الكاريكاتور، ولكن..

وعن الاستعدادات (الجارية أو المُرتقبة) لمواجهة احتمالات اندلاع أعمال احتجاجية قد تتسبب في متاعب للسفارات والتمثيليات السويسرية في الخارج، قالت الحكومة السويسرية في جوابها على السؤال الخامس للنائبة كاتي ريكلين: “إن الاحتجاجات، المصحوبة أحيانا بالعنف، التي أثارتها “الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد” في العديد من بلدان أوروبا والعالم الإسلامي، أظهرت أن أحداثا رمزية يمكن أن تُستغل بشكل غير لائق لنشر الدعاية المناهضة للغرب وتعبئة جزء من السكان”، مُشيرة إلى أن تلك الأحداث كانت “الدافع لأعمال إرهابية “جهادية” (مثل مهاجمة السفارة الدنمركية في باكستان”.

ولئن كانت الحكومة السويسرية قد شددت على أن المبادرة ضد بناء المآذن “ليس لها نفس القدرة على الاستقطاب” التي ميزت قضية الكاريكاتور، فإنها أقرت بأن “الجدل يمكن أن يتعزز وقد تلـيه أعمال عنف ضد المصالح السويسرية”.

ورغم ذلك، أضافت الحكومة الفدرالية: “في الوقت الحاضر، نحن نعتبر هذا الخطر ضئيل جدا”، مؤكدة على ضرورة التحلي الدائم بالحيطة والحذر، لا سيـّما إزاء “سير النقاشات حول التصويت في سويسرا والتطورات في البلدان المعنية (تأثير وسائل الإعلام، ومصالح السياسية الداخلية)، ومنوهة إلى أن الوقاية الجيـِّدة من الأخطار ضرورية في هذا الصدد.

وفي هذا السياق، تعتبر الحكومة السويسرية أنه “من بين التدابير الأكثر فعالية ممارسة سياسة إعلامية مستبقة وشفافة مثل تلك القائمة بالفعل، وإقامة الحوار مع مجموعات مصالح وقادة الرأي الأجانب”.

ومن الإجراءات الأخرى التي تعتبرها برن “حاسمة” أيضا، “التدابير الإعلامية والتوضيحية على المستوى الداخلي، وخاصة ما يتعلق بالحساسيات ذات الطابع الديني”. ولكي تكون الوقاية من الأخطار فعالة، ينبغي، حسب الحكومة الفدرالية، “متابعة دائمة لما يحدث في وسائل الإعلام في العالم الإسلامي والدول الأوروبية ذات الجاليات المسلمة الكبيرة”.

المخابرات تشارك في تقييم التهديدات

وذكـّرت الحكومة السويسرية أن هذه المُتابعة المرتبطة بالمبادرة الشعبية ضد بناء المآذن قد وُضعت منذ صيف عام 2008 من قبل وزارة الخارجية (الدوائر السياسية، والسفارات، ومؤسسة الحضور السويسري).

كما أشارت إلى أن أجهزة المخابرات السويسرية (DAP) وإدارة المخابرات الاستراتيجية(SND) تراقبان ردود الفعل في الأوساط الإسلامية المُتطرفة، بحيث تقوم بعمليات تقييم حول التهديدات المحتملة بالنسبة لسويسرا، ومواطنيها ومصالحها داخل حدود البلاد وخارجها.

من جانبها، تلتقي الإدارات المعنية في الإدارة الفدرالية بصورة مُنتظمة لمناقشة ردود الفعل المرتبطة بمبادرة المآذن، وبكافة المعلومات الضرورية التي تأتي من موظفيها في الخارج.

وفي ختام أجوبتها على أسئلة النائبة الديمقراطية المسيحية كاتي ريكلين، أكدت الحكومة السويسرية أن “كل مكتب تمثيلي لسويسرا يتوفر على استراتيجية في حالات الطوارئ يمكن تكيـيفها في أيّ وقت إذا ما تطورت التهديدات، مثل حدوث احتجاجات واسعة ضد سويسرا مصحوبة بأعمال عنف”.

المزيد

المزيد

الديمقراطية المباشرة

تم نشر هذا المحتوى على يُـستعمل مصطلح الديمقراطية المباشرة لوصف نظام سياسي يمارس فيه الشعب السلطة بشكل مباشر. هذا المفهوم يتعارض مع الديمقراطية التمثيلية التي يفوِّض فيها الشعب سلطاته إلى ممثلين قام بانتخابهم. في سويسرا، هناك آليتان رئيسيتان للديمقراطية المباشرة، وهما المبادرة الشعبية والاستفتاء الاختياري. توصف سويسرا أيضا بأنها ديمقراطية شبه مباشرة، لأن نظامها السياسي يستخدم في الوقت نفسه الديمقراطية…

طالع المزيدالديمقراطية المباشرة

إصلاح بخات، swissinfo.ch

1 – (…) المبادرة “ضد بناء المآذن” قد تضر بصورة سويسرا في بعض البلدان. هل تعي الحكومة الفدرالية هذا الأمر؟

2 – كيف تُقـيـِّم الحكومة الفدرالية أخطار (المبادرة) بالنسبة للاقتصاد السويسري والقطاع السياحـي؟

3 – هل يمكن للحكومة الفدرالية أن تـُوفر معلومات بشأن الأهمية الاقتصادية للعناصر التالية: العلاقات التجارية مع الدول الإسلامية، ومع الشركات القائمة في تلك البلدان والتي تعمل بنشاط في سويسرا، و(أنشطة) القطاع السياحي مع تلك البلدان، والشركات التي يوجد مقرها بسويسرا والتي تتاجر في النفط ومنتجات أخرى تأتي من الدول العربية؟

4 – هل الحكومة الفدرالية على استعداد لإطلاق – من خلال السفارات ومنظمات السويسريين في الخارج وغيرها من القنوات – حملة إعلامية في البلدان الإسلامية بهدف وضع تقارير موضوعية قدر الإمكان حول التصويت (على مبادرة حظر بناء المآذن في سويسرا) وبهدف النظر بشكل صحيح في موقف الحكومة السويسرية (من تلك المبادرة)؟

5 – كيف تـُقيم الحكومة الفدرالية خطر إثارة الحملة (ضد بناء المآذن) لجدل في بعض البلدان قد يتسبب في متاعب للسفارات وغيرها من الوفود السويسرية؟

6- هل تم إعداد استراتيجية للحالات الطارئة (لمواجهة) مثل هذا الاحتمال؟

في عام 2008، ارتفعت قيمة الصادرات السويسرية إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقطر وعمان والبحرين والكويت) إلى زهاء 5,9 مليار فرنك، أي ما يعادل 2,7% من إجمالي الصادرات السويسرية.

وإذا ما احتـُسب إجمالي الصادرات إلى مجموع البلدان المصدر للبترول في العالم العربي (الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، والجزائر، وسوريا، والبحرين، وعمان، والعراق، وليبيا)، نحصل على زهاء 6,959 مليار فرنك، وهو ما يمثل 3,2% من إجمالي الصادرات السويسرية في عام 2008.

وإذا ما أضيف عليها مبلغ 1776 مليون فرنك التي تمثلها الصادرات السويسرية باتجاه البلدان العربية الصاعدة (مصر والمغرب والأردن ولبنان وتونس)، يتجاوز المجموع 8,7 مليار فرن، أي قرابة 4% من مجموع الصادرات.

صادرات باتجاه دول هامة أخرى توجد فيها نسبة هامة من السكان المسلمين:

تركيا: 2471,24 مليون فرنك (1,1% من إجمالي الصادرات)

ماليزيا: 606,37 مليون (0,27%)

أندونيسيا: 405,58 مليون (0,18%)

باكستان: 330,1 مليون (0,15%)

نيجيريا (حوالي 50% من المسلمين): 203,79 مليون (0,09%)

السياحة: يمثل المسلمون زهاء 5% من إجمالي عدد السياح الذين يترددون على سويسرا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية