“انحراف عن الموضوع.. ومخاوف حُسِمت مُسبقاً”
مع اقتراب موعد التصويت في 29 نوفمبر، حَسَمَ مُعظم المواطنين أمرَهم واتّـخذوا قرارَهم بشأن مُقترحٍ يدعو إلى حظر بناء المآذن في سويسرا. في المقابل، لم يكن هناك أدنى شك حول الطرف الذي تَعاطف معه الجمهور خلال واحدة من المُناقشات العامة العديدة التي شهدتها سويسرا خلال الأسابيع الأخيرة والتي دارت إحداها مؤخراً في مدينة بيل/بيين (كانتون برن) المشهورة بصناعة الساعات.
وكانت الشمس قد أذنت بالمغيب منذ حوالي 15 دقيقة، حينما طُلب من الحضور لأول مرّة الالتزام بالهدوء في القاعة، وذلك عندما اندلعت أصوات الجمهور الذين كان أغلبهم من المُحافظين ومن أنصار اليمين بسبب الآراء التي أعرَب عنها العضو في الحكومة المحلية من على منصة الخطبة.
وقد جادل إيريخ فيهر Erich Fehr بأن فرضَ حظرٍ على بناء المآذن سيؤدّي إلى نتائج عكسية وبأن الجالية المسلمة لم تكن تمثل مشكلة رئيسية في هذه المدينة أو في سويسرا بأجمعها، عكس ما هو الحال عليه في مدن فرنسا وألمانيا المجاورة في “الغيتوهات” التي يعيش فيها المسلمون. (تشير كلمة الغيتو الى منطقة يعيش فيها، طوعا أو كرها، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية أو ثقافة أو لدينٍ مُعَين. ويعود أصل الكلمة للإشارة إلى حيٍ يقطنه اليهود في المدينة).
وحاول هذا السياسي، الذي يمثل الحزب المحلي الرائد جاهداً، إقناع المجتمعين بأن فرضَ حظرٍ بناءِ مئذنة ليس بالطريقة الصحيحة لتحقيق التكامل والتعايش السلمي، غير أنَّهُ لم يكن يواجِه حشوداً غير ودّية فقط، ولكنه كان أمام مُنافسٍ قوي أيضاً، ألا و هو أوسكار فرايسينغر، وهو عضو في البرلمان السويسري وينتمي إلى حزب الشعب.
باختصار
جمع أعضاء الأحزاب اليمينية توقيعات كافية لفرض إجراء انتخابات وطنية حول قضية الحظر المقترح لبناء المآذن في 29 نوفمبر 2009.
هناك ما يقدر بـ 160 مسجداً ومركزاً ثقافياً في سويسرا، بما في ذلك أربع مساجد شُـيِِّـدَت لها مآذن.
في مدينة بيل/بيان، لا يقل عدد المساجد وقاعات الصلاة للمسلمين عن 12، ولكنها جميعاً بدون مآذن.
على مدى السنوات القليلة الماضية، كان هناك العديد من الخلافات على المستوى المحلي حول بناء مآذن جديدة قد تمَّ التخطيط لها وسط مخاوف من حدوث زيادة في عدد المهاجرين المسلمين.
وكان فرايسينغَر، صاحب تسريحة ذيل الحصان التي تمثل علامته التجارية، مع مواهبه الخطابية النادرة وتفضيله للجدل، يلعب لفائدة جماهير الفريق المُضيف. كما كان يستعرض بعض معرفته بالإسلام ويستَشهِد ببعض الآيات المختارة من القرآن الكريم. ولم يكن من الصعب رؤية فرايسينغَر المُدَرِس عندما بدأ بِقحم المُصطَلحات المُتَخَصِصة في النقاش والتي ذهبت – على الأرجح – إلى أبعد من رأس المواطن العادي الجالس في القاعة.
وقال فرايسينغَر، النائب عن حزب الشعب السويسري من كانتون فالاي في البداية: “أتمنى لو أن الإستفتاء على حظر بناء المآذن قد انتهى”، ولكنه، وقبل انقضاء فترة طويلة، كان في مجاله المُلائم يحاول شرح رسالةٍ يُكررها بدون ملل في مداخلاته التلفزيونية والإذاعية وفي مختلف وسائل الإعلام مفادَها أن حظر بناء المآذن هو أمر ضروري لمنع انتشار الإسلام والمسلمين المُتَشددين في أوروبا الغربية. وكان يقول مُنذِراً: “إن ثقافتنا المسيحية على وشك أن تقتل نفسها”.
وبالتالي، لم يستطع أي شيء أو أحدٍ منعه من توجيه ملاحظاتٍ لفظيةٍ ساخرة ضد اليساريين والحركات النسائية والمصرفيين والمؤسسة السياسية، وكذلك المؤيِّـدين لسياسة الهجرة الحُرة. وكان يُكافؤ بِعدَةِ جولاتٍ من التصفيق العفوي من الجمهور. وقال فرايسينغَر في نهاية اللِّـقاء الذي استمر ساعتين: “لقد كانت ليلةً حية” وأضاف بارتياح: “لمَرة واحدة كان لي جمهور ساندني”.
الضرب على الوتر الحساس
ولم يبْـدُ منافس فرايسينغَر من الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط اليسار) مُهتزاً من الصراخ والانتقادات والهجمات الكلامية. وقد وضع فيهر قضيته بهدوء وضرب على الوتر الحساس عندما حذر المستمعين – الذين كانوا عبارة عن خليط من كبار وصغار السن، ومعظمهم من الذكور – بأن الموافقة على فرض حظٍر لِبناء المآذن قد يؤدّي إلى تفعيل المقاطعة الاقتصادية من جانب الدول الإسلامية.
وقال: “لا حاجة لي بأن أذكرك بالدور الحاسم الذي تلعبه صناعة التصدير في الاقتصاد المحلي”، وقد أنتج هذا البيان سخطاً واحتجاجاً غاضباً من الجمهور.
وتشتهر منطقة بيل/بيين بصناعة الساعات والصناعات الهندسية، وقد وصل مُعدل البطالة فيها إلى ما يقرب
ترفيه
لم يكن مُرجّحاً أن يُبَدِل أفراد الجمهور آراءهم قبل الانتخابات يوم 29 نوفمبر، ولكن كان لهذه الأمسية قيمة ترفيهية بالنسبة للبعض.
وقال ريتو شتاينر: “لقد وجدت صيْـحات الاستهجان مُسليّة من حشود الحاضرين”، وأشارت زميلته ميريام كوتشي، إلى أن كِـلا الجانبين نال فرصته العادِلة للكلام. وفي رأيها، كانت حجَج عضو المجلس المحلي فيهر، أفضل في تلك الليلة.
ووجَد زاهد بُوت، عضو الجماعة الأحمدية المسلمة في سويسرا، والذي طرح العديد من الأسئلة خلال الاجتماع، أن النقاش قد انحرف عن الموضوع، وأضاف: “لم يكن الموضوع حول المآذن حقاً. الأمسية كانت حية، وكان من الواضح بأن الناس قد جاؤوا بأفكارهم التي حسموها مُسبَقاً”، ولكنه يعتقد بأن المُبادرة تتوجه إلى الهدف الخاطئ، وهو لا يزال يشعر بالقلق من أن تكون نتيجة التصويت متقاربة جدا.
وأعرب أدريان ديلير، الذي قام بتنظيم الإجتماع الذي عقد في بيل/بيين، عن ارتياحه لهذه الأمسية، وكان عدد الحضور لا يقل عن 120 شخصا، وأضاف “الأجواء كانت عظيمة وغَطت المناقشة العديد من القضايا”.
بيين / بيل
هي ثاني أكبر مدينة في الكانتون الذي يحتضن العاصمة برن وأكبر مدينة ناطقة باللغتين الألمانية والفرنسية في سويسرا.
تشتهر بصناعة الساعات ويقطن فيها نحو 51،000 نسمة، وهي من بين أكبر عشرِ مدن وبلدات سويسرية.
تفتخر المدينة، الواقعة في شمال غرب البلاد، بأن سكانها يتواصلون فيما بينهم باللغتين الألمانية والفرنسية.
وِفقا لإحصائيات 2007، يمثل الأجانب حوالي 27٪ من السكان المَحليين، وهو أعلى من المتوسط السويسري. وقد جاء الكثير منهم من بلدان خارج الإتحاد الأوروبي.
يُشكل المسلمون نحو 7٪ من سكان المدينة (طبقا لبيانات تعداد عام 2000).
يبلغ المُعَدَّل الرسمي للبطالة في بيل/بيين 5.9٪ – وهو يزيد بنسبة 2٪ تقريبا عن معدل البطالة على المستوى الوطني.
تتوفر أحزاب وسط اليسار على الأغلبية في البرلمان وفي الحكومة المحليين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.