تحرك دولي لحماية المُفرج عنهم من غوانتانامو
أعربت منظمات حقوقية عن تخوفها من عمليات الإفراج عن معتقلي غوانتانامو الذين تتم إعادتهم الى بلدانهم بشروط أمريكية وأطلقت حملة دولية لتصور مرحلة "ما بعد غوانتانامو".
وفي ندوة عقدت في جنيف من قبل المنظمة العربية لحقوق الإنسان وجمعية الكرامة لحقوق الإنسان، تم استعراض حالات سوء معاملة بعض الدول العربية لمواطنيها المفرج عنهم والإعلان عن توجه “الحملة الدولية” إلى تحسيس المحافل الدولية بهذه التجاوزات.
كشف الدكتور هيثم مناع، المتحدث باسم المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ندوة صحفية عقدت صباح الأربعاء 14 نوفمبر في جنيف، عن قيام أكثر من 200 منظمة غير حكومية من أربع قارات بإطلاق حملة دولية من أجل التعجيل بإغلاق معتقل غوانتانامو الذي تقيمه الولايات المتحدة فوق الترابي الكوبي وتعتقل فيه معظم من تصفهم واشنطن بـ “المقاتلين الأعداء” في إطار حربها ضد الإرهاب.
معضلة ..
لكن المشكلة المثيرة للقلق التي تعترض هذه المنظمات الحقوقية في المرحلة الحالية تتلخص في سؤال مفاده: ما هي الفائدة من إفراج يعرض هؤلاء المعتقلين بعد عودتهم الى بلدانهم الأصلية لمحاكمات صورية وتعذيب؟ ويقل الدكتور هيثم مناع “إننا نجد أنفسنا اليوم أمام رغبة في تمديد وجود معسكر غوانتانامو إذا ما كنا نحرص على تفادي إقامة العديد من معتقلات غوانتانامو مصغرة في العالم العربي والإسلامي وفي أوروبا”.
يضاف الى ذلك أن من بين هؤلاء المعتقلين حوالي 50 شخصا في حالة صحية يرثى لها حسب المحامين والتقارير الطبية. وقد عدد السيد مناع “حالة المعتقل الجزائري زاوي المصاب بمرض السل والذي تدعي إدارة غوانتانامو أنه يرفض تناول الدواء والذي اعترفت له لجنة مراجعة حالات الاعتقال في سجن غوانتانامو انه لا تنطبق عليه صفة المقاتل العدو”.
وهناك أيضا حالة الفلسطيني الذي كان يقيم في المملكة العربية السعودية ولا يحمل الجنسية السعودية. فعلى إثر تبرئته من تهمة “العدو المقاتل”، رفضت السلطات السعودية والجهات المسؤولة الفلسطينية استقباله.
وأمام هذه الوضعية يقر الأستاذ رشيد مسلي من جمعية الكرامة لحقوق الإنسان بأننا “كمدافعين عن حقوق الإنسان نجد أنفسنا في وضعية حرجة خصوصا وان عددا من المعتقلين رفضوا إعادتهم الى بلدانهم الأصلية”.
أما الدكتور مناع فيقول “إن الذين ظلوا يطالبون بإغلاق معسكر غوانتانامو يجدون أنفسهم أمام معضلة مطالبة مرتكبي الانتهاكات بحماية هؤلاء في انتظار إيجاد حلول مقبولة”.
ومن الحلول المقبولة لما بعد غوانتانامو بخصوص الضحايا، يقول السيد مناع “إننا نحاول تجنيد الراي العام في البلدان الأوروبية لاستقبال بعض من هؤلاء ممن ثبتت تبرئتهم لتفادي تعريضهم لمحاكمات صورية في بلدانهم الأصلية، كما نجري اتصالات مع مناضلي حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا لنفس الغرض”.
من تونس الى السعودية
في رد على سؤال طرحه أحد الصحفيين، حدد الدكتور هيثم مناع ترتيب الدول العربية من حيث انتهاكها لحقوق مواطنيها المفرج عنهم من غوانتانامو. وهو الترتيب الذي يشير الى تونس كأكثر البلدان انتهاكا وينتهي بالسعودية التي تفاوضت بأحسن طريقة للحصول على عودة مواطنيها.
ويرى المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان أن هذه التجاوزات المفروضة على المعتقلين المفرج عنهم هي في معظمها “من إملاء الولايات المتحدة”. وهذا ما ينطبق على السودان الذي قبل عودة مواطنيه بشروط أمريكية أو الجزائر التي يرفض عدد من مواطنيها العودة اليها (مثل وضع أحمد بلباشا)، أو تونس التي يقول المحامي سمير ديلو، (من الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين غير المعترف بها) إنها “أعادت محاكمة اثنين من المفرج عنهم بتهم ملفقة”.
أما بخصوص سوريا، فيقول السيد هيثم مناع إنها حاكمت عدد من المفرج عنهم من معتقل غوانتانامو بتهمة الانتماء الى جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن البعض منهم قد غادر البلاد قبل حدوث المواجهات الدامية بين السلطة والإسلاميين في موفى السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي.
وفيما يتعلق بالكويت، اعتبر المتدخلون أنها من البلدان التي “غُـرر بها والتي لم تستطع الحصول على إفراج عن كل مواطنيها رغم الوعود” التي حصلت عليها.
في المقابل، أثنى المشاركون في الندوة الصحفية على المملكة العربية السعودية، حيث اعتبر السيد هيثم مناع أنها “هي البلد العربي الوحيد الذي وجد حلا جيدا من خلال التفاوض بخصوص الإفراج عن مواطنيه”، وذهب الى حد القول بأن إفراج سلطات الرياض عن العائدين من غوانتانامو بعد أيام قليلة من رجوعهم إلى بلادهم يمثل تكذيبا للإدعاءات الأمريكية التي زعمت أن في حوزتها “قيادات كبرى من تنظيم القاعدة”.
مخاطبة المحافل الدولية و المثقفين الأمريكيين
جانب من الحملة التي تستعد لإطلاقها العشرات من المنظمات الحقوقية في العالم يستهدف الرأي العام الأمريكي والمثقفين الأمريكيين بالدرجة الأولى خصوصا وأن “ما حدث في غوانتانامو عمل على هدم كل ما بني منذ سنين في مجال احترام القانون بالولايات المتحدة وفي العالم. لذلك نستهدف بحملتنا المثقفين الأمريكيين للتساؤل عن مدى سكوتهم لسنوات عما يجري في غوانتانامو”، على حد قول الدكتور هيثم مناع.
وأوضح المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان بأن “هناك اتصالا بالديمقراطيين لأن قضية غوانتانامو كانت من بين نقاط الحملة الانتخابية الأمريكية”، كما أشاد بالدور الذي يقوم به بعض المثقفين العرب في الولايات المتحدة والذين يدعمون الحملة مثل نادر فرجاني ومنصف مرزوقي ونجيب النعيمي وغيرهم.
وعن موقف المنظمات الحقوقية الدولية من الحملة، أشار السيد هيثم مناع الى أنها “تتعاطف مع الحملة ومنها من يساهم بشكل مباشر ومنها من يفضل التحرك بمفرده مثل منظمة العفو الدولية”.
ومن بين الخطوات العملية التي يُتوقع القيام بها في سياق هذه الحملة، إجراء اتصالات بالمحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان ولكن هذه المرة “بملفات موثقة”، حسب تعبير السيد هيثم مناع. ومن المقرر أن يعود الوفد إلى جنيف في نهاية شهر نوفمبر الجاري لمقابلة مسؤولين في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإجراء لقاء مع المقرر الأممي الخاص المعني بمناهضة التعذيب.
التحرك ضد الإفلات من العقاب
اما بالنسبة لمرتكبي التجاوزات في حق معتقلي غوانتانامو، فتهدف هذه المنظمات من خلال حملتها الدولية التي تمتد حتى إلى داخل الولايات المتحدة وبمشاركة منظمات أهلية أمريكية إلى تعريض الجناة للمحاسبة والمحاكمة والعقاب.
ومن هذه المحاولات التي لم تنجح، تلك التي قامت بها قبل فترة وجيزة 32 منظمة أهلية لرفع قضية ضد وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد أثناء تنقله إلى برلين عبر باريس، وقال السيد مناع “إنه يعتبر المسؤول عن تقنين أكثر من 16 طريقة تعذيب بواسطة وثيقة تثبت ذلك”، مضيفا بأن “النيابة العامة (في فرنسا) لم ترغب – تحت الضغوط الأمريكية – في التحرك في هذا الملف”.
وأمام هذا العجز من قبل المحاكم الرسمية يرى السيد مناع أنه “علينا اليوم تشجيع المحاكم الشعبية للقيام بتحرك ولو رمزي لكي لا تبقى الانتهاكات بدون عقاب ولكي يتحول القرن الحادي والعشرون إلى قرن التحرك ضد الإفلات من العقاب بعد أن كان القرن العشرون قرن المعاهدات وتشخيص الانتهاكات”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
يقول السيد هيثم مناع التحدث باسم المنظمة العربية لحقوق الإنسان “إن السودان قبل عودة تسعة سودانيين أبرياء لم توجه لهم اية تهمة، والذين اشترطت واشنطن الإفراج عنهم مقابل تلبية بعض الشروط مثل عدم مغادرة التراب السوداني أو الإدلاء بتصريحات أو القيام بحملات من أي نوع كانت ضد الولايات المتحدة”. ويضيف السيد مناع بأنه “لتفادي أية متابعة قانونية ضد الولايات المتحدة، هناك من أرغم على التوقيع على تعهد بعدم وضع قدميه فوق التراب الأمريكي مدى الحياة”.
السيد رشيد مسلي، من منظمة الكرامة لحقوق الإنسان (مقرها جنيف) يشير إلى أنه فيما يتعلق بالجزائر هناك “حالة أحمد بلباشا الخاضع لحبس انفرادي لا إنساني في المعسكر 6 في غوانتانامو، والذي يرفض ان يعاد الى بلده”. وعدد كلا من “تونس وليبيا ومصر” من بين الدول التي يرفض المعتقلون ان يعادوا إليها.
قدم المحامي التونسي سمير ديلو الذي يدافع عن اثنين من المعتقلين التونسيي المفرج عنهم وهما لطفي الأغا وعبد الله حاجي، شهادة عما عاينه من “تعذيب على جسم أحد موكليه في مباني وزارة الداخلية وما تعرض له الثاني من معاملة تشبه ما يتم في معسكر غوانتانامو” . وقد استشهد بقول لطفي الأغا الذي نقل عنه قوله “لو كنت أعرف أنهم سيعاملونني بهذه الطريقة لفضلت البقاء في غوانتانامو”. ويرى السيد سمير ديلو أن “لطفي الأغا تمت محاكمته في محاكمة صورية بموجب قانون محاربة الإرهاب الذي تم اعتماده عامين بعد تاريخ اعتقاله وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات”. ويقول إن ذلك حدث “رغم أنه تم بيعه، نعم بيعه للأمريكيين من قبل الباكستانيين” (وقد أشار بعض المتدخلين إلى ان ثمن هذه الصفقات لبيع أشخاص بتهمة الانتماء للقاعدة يتراوح ما بين 30 و 2000 دولار أمريكي). أما السيد عبد الله الحاجي فقد “حُوكم غيابيا بعقوبة عشر سنوات سجن بتهمة الانتماء الي حزب لا وجود له ( الجبهة الإسلامية التونسية)، وهو مهدد بقضاء عشر سنوات في السجون التونسية”.
أما سوريا، فيقول السيد هيثم مناع إنها “تتهم المفرج عنهم من غوانتانامو بالانتماء الى حركة الإخوان المسلمين ولو ان واحدا من هؤلاء غادر البلاد في عام 1977، أي حتى قبل الأحداث المأساوية بين السلطة والإسلاميين، وعلى الرغم من أن السلفيين السوريين ليسوا من تيار الإخوان المسلمين”، لكن السيد مناع أشار أنه “لحسن الحظ، حصلت منظمة الحقوقيين العرب على وعد من السلطات السورية بالتزام الشفافية وقبول تعيين محام والوعد بالإفراج عن الأشخاص إذا لم يكن هناك ملف قضائي يدينهم إسميا”.
ويرى السيد هيثم مناع أن العربية السعودية “هي البلد العربي الوحيد الذي وجد حلا جيدا من خلال التفاوض بخصوص الإفراج عن مواطنيها”، وأشار إلى السبب الكامن وراء ذلك هو أن “بعض المعتقلين ينتمون الى قبائل قوية في السعودية”، ويتوقع السيد مناع “أن لا يبقى سعودي واحد في غوانتانامو مع نهاية هذا العام حسب ما توصل به من معلومات عن الاتفاق المبرم بين السعوديين والأمريكيين”. ويضيف السيد مناع بأن ادعاءات الأمريكيين من أن من بين المعتقلين السعوديين قياديون كبار في تنظيم القاعدة “تكذبه عملية إفراج السعودية عن المعتقلين المفرج عنهم بعد أربعة أو خمسة أيام من عودتهم” إلى بلادهم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.