مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تخزين معدات أمريكية في إسرائيل…

بعد الاتفاق على تخزين اسلحة امريكية في اسرائيل، كيف ستتصرف مصر فيما يتعلق بعبور القطع والمعدات الحربية الامريكية قناة السويس؟ Keystone

في غمرة الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط مرّ خبر القرار الأمريكي بتخزين كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات في إسرائيل دون أن يثير آهتماما يُـذكر من جانب الأطراف العربية.

وعلى الرغم من المبررات المُعلنة لتبرير القرار، إلا أنه يكشف عن بوادر تحولات استراتيجية خطيرة في التحالفات الأمريكية ستنعكس حتما على مستقبل المنطقة العربية.

لم يثر التقرير الذي نشرته جريدة معاريف الإسرائيلية حول قيام الولايات المتحدة بتخزين معدات وأسلحة بكميات كبيرة في القواعد العسكرية الإسرائيلية، استعدادا لشن حملة عسكرية على العراق، لم يثر ردود فعل عربية تتوازى مع طبيعة الخبر ودلالاته. بل إن الجامعة العربية – التي عادة ما تقوم بأدوار لتوضيح مواقف عربية جماعية تحظى بقدر من التوافق الضمني – لم تُعر الموضوع أي اهتمام.

وربما عكس ذلك أحد أمرين؛ إما الاستخفاف العربي بالموضوع أصلا، أو النظر إلى الموضوع باعتباره تحصيل حاصل من زاوية العلاقة الحميمة التي تجمع بين إسرائيل وإدارة الرئيس بوش، التي تقع قراراتها وتحركاتها تحت تأثير قوى اليمين المسيحي – الصهيوني الموالي لإسرائيل دوما.

وربما جاز القول، أن التجاهل العربي يشير إلى شعور ضمني جارف بالخطر من جراء مشاركة إسرائيل في أي عمليات عسكرية أمريكية ضد العراق. إذ أن هذه المشاركة الإسرائيلية، وفي ظل الانتكاسة الكبرى التي عصفت بعملية التسوية السياسية على المسار الفلسطيني، وما يجري يوميا من اعتداءات على الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تفتح أبوابا من الجحيم على المنطقة بأسرها، حسب قول أمين عام الجامعة عمرو موسى في آخر اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب، قبل عشرة أيام.

شعور جارف بالخطر

ويُـعزى مثل هذا الشعور الجارف بالخطر إلى أسباب عديدة، لعل أقلها أهمية التخوف من ضغوط الرأي العام العربي على الحكومات والنخب العربية. فهناك “تقاليد” عربية باتت راسخة يُـمكنها استقطاب تلك الموجة المنتظرة من الغضب الشعبي المنتظر.

أما أكثر هذه المخاوف أهمية، فهي أن مشاركة إسرائيل في العمليات الحربية الأمريكية ضد العراق – حتى ولو كان ذلك من قبيل توفير مخازن للأسلحة الأمريكية التي سوف تستخدم في ضرب الأهداف العراقية – سيكون التعبير العملي الأكثر وضوحا على مدى الهوة التي باتت تفصل بين البلدان العربية، خاصة من يصفون بالأصدقاء، وبين واشنطن التي باتت في ظل إدارة بوش أقل حساسية للمواقف العربية وأكثر إهمالا لمطالبهم ومصالحهم التي تتداخل في مساحة واسعة مع المصالح الأمريكية نفسها.

وما بين ضغوط الرأي العام العربي المتوقعة وإهمال واشنطن للمصالح العربية، تأتي تلك القناعة التي باتت مسيطرة على الرؤى العربية في صفوف النخب الحاكمة وغير الحاكمة، بأن واشنطن بحملتها العسكرية المحتملة ضد نظام الرئيس صدام حسين، لا تقتصر على العراق فحسب، بل أنها تستهدف بناء خريطة سياسية جديدة في المنطقة عبر تغيير نُـظُـم عربية أخرى، وفي مقدمتها نظم طالما وُصفت بالصديقة كتلك الحاكمة في المملكة العربية السعودية ومصر، واللتين تتخذان مواقف معارضة لمبدأ تغيير أنظمة الحكم العربية بالقوة العسكرية وبفضل الدعم المقدم من الخارج.

خسائر مالية واستراتيجية

وفى الوقت الذي تتأكد فيه معارضة السعودية استخدام الولايات المتحدة لقواعدها العسكرية في الحملة المتوقعة ضد العراق، يطرح البعض في القاهرة تصورات ـ غير رسمية ـ بأن من حق مصر اعتراض مرور السفن الحربية الأمريكية عبر قناة السويس الذاهبة إلى منطقة الخليج، استنادا إلى أن اتفاقيّة القسطنطينية تحول دون مرور السفن الحربية في حال الحرب في أي من أجزاء المنطقة وتحمل تهديدا مباشرا لمصالح مصر.

ولا يخفى أن كل التوقعات تذهب إلى أن مصر ستكون من عداد الدول الخاسرة، اقتصاديا على الأقل، إذا ما أقدمت واشنطن على مغامرتها ضد بغداد. فالموسم السياحي الشتوي الذي تنتظره بشغف مشروعات سياحية في منطقة البحر الأحمر، تقدّر قيمتها بعشرات المليارات من الجنيهات المصرية، سوف تواجه بالفعل خطر الانهيار التام.

وثمة تقديرات أخرى تذهب إلى أن فاتورة الحرب الاقتصادية التي ستتحملها مصر سلبا، قد تصل إلى حوالي 4.5 مليار دولار في الشهر الأول من العمليات العسكرية. أما الخسائر الاستراتيجية فقد تفوق ذلك بعدة مرات.

قواعد عربية مؤهلة وأخرى محظورة

ومن الخطأ تصور أن النزوع الأمريكي الشديد نحو الاعتماد على إسرائيل راجع إلى أن القواعد العسكرية العربية المؤهلة للاستخدام في الحملة ضد العراق ليست كافية، أو أن الرئيس بوش يرى في إٍسرائيل الحليف الوحيد الموثوق به في المنطقة، أو أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة تربطهما علاقة استراتيجية تعود إلى عام 1981، تبيح تخزين الأسلحة والمعدات الأمريكية في القواعد الإسرائيلية.

وتشير الدلائل الجارية إلى أن كل هذه الأسباب يُـمكن أن تُـقـدّم – وإن بطريقة جدلية بالطبع – تفسيرا لإقدام واشنطن على خطوة إشراك إسرائيل في حملتها ضد بغداد.

والصحيح أن القواعد السعودية باتت مغلقة أمام الحملة الأمريكية، لكن الموثوق به، ووفقا للمصادر الأمريكية نفسها أن هناك قواعد عسكرية أخرى في بلدان إقليمية كتركيا، وأخرى عربية تمثل البديل الأمثل كما هو الحال في الكويت والبحرين وعُـمـان وقطر وربما الأردن، وكلها قد خضعت لعمليات توسيع في الشهور القليلة الماضية، بحيث يمكنها استقبال الكثير من القوات والمعدات والأسلحة، فضلا عن ربطها بنظام الرادار الفضائي الأمريكي.

ومن الأمثلة، قاعدة العديد في قطر، والتي تظهر صور الأقمار الصناعية المنشورة حديثا أن حجم التوسعات التي جرت بها في الشهور التسعة الماضية يماثل إضافة قاعدتين متطورتين أخرتين لها.

رؤيتان للتعاون الإستراتيجي

أما مبرّر اتفاق التعاون الاستراتيجي المبرم بين تل أبيب وواشنطن في نهاية نوفمبر 1981، فيبدو مبررا سطحيا إلى حد كبير. فالاتفاق – وإن كان يُـبيح استخدام الولايات المتحدة للقواعد الإسرائيلية – ربط ذلك في مادته الأولى بمواجهة التهديدات الناجمة عن الاتحاد السوفييتي آنذاك أو أي من الدول التابعة له. وكلا التهديدين باتا في عداد التاريخ.

كما أن هذا الاتفاق كان قائما أثناء حرب الخليج الثانية، لكن إدارة الرئيس بوش الأب وظّـفت كل ثقلها لوضع إسرائيل في زاوية معيُنة لا تُـتيح لها المشاركة في العمليات الحربية، ولو من قبيل الردّ على قصف العراق بعض صواريخه من طراز “سكود” عليها، إذ أن تلك المشاركة كانت ستعني انهيار التحالف الدولي، وتفسد المشاركة العربية فيه.

إن تلك الحساسية التي ميّزت سلوك إدارة بوش الأب، تبدو الآن بعيدة تماما عن إدراك قادة واشنطن الحاليين، بل الأكثر من ذلك أن نزعة إشراك إسرائيل في تلك العمليات المتوقعة ضد بغداد تبدو نتيجة قناعة تامة بأن ما يجري في المنطقة يصُـبّ كله في خدمة التفوق الإسرائيلي المطلق وفى إفساح المجال واسعا أمام هيمنتها على شؤون الإقليم.

الهدف الأمريكي .. الأبعد

ولا يتأتى القيام بكل ذلك، إلا من خلال صدم التوقعات العربية، لاسيما الرسمية منها وبصورة مباشرة، وتكثيف الضغوط على كل من الشعوب والقادة العرب، وبلورة واقع جديد يجعل الصّـدام بين الحاكمين والمحكومين أمرا حتميا.

بعبارة أخرى، إن إسرائيل هي مفصل جوهري في خطة الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة العربية، ليس فقط من خلال الاستناد عليها في تغيير النظام القائم في العراق، وإنما أيضا في إسقاط نظم عربية أخرى عبر إجلاء التباعد الأمريكي عنها ودفعها إلى اتخاذ قرارات عفوية وردود فعل عصبية إزاء نفسها وإزاء شعوبها وبما يجعل سقوطها محليا أمرا شبه مؤكد، أو إدخالها – على الأقل- في دوامة من عدم اليقين وغياب الثقة بالنفس.

ومن ثم يتحقق الهدف الأمريكي الأكبر، وهو تغيير خريطة النظم والتحالفات بأقل ثمن ممكن، في الوقت الذي تظل فيه إسرائيل أكثر تماسكا وأكثر قوة وأكثر انغماسا في تحقيق الاستراتيجيات الأمريكية الكونية الجديدة.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

يؤشر آعتزام الولايات المتحدة الأمريكية تخزين كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الحربية في إسرائيل إلى آحتمال حصول تغييرات خطيرة في التوازنات الإستراتيجية القائمة في المنطقة وإلى توجه أمريكي لتغيير الأنظمة “المغضوب عليها” لسبب أو لآخر بالقوة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية