تركيا والاتحاد الأوروبي: مفترق طرق لمن؟
منذ التحاق عشر دول جديدة بالإتحاد الأوربي في غرة مايو، لا يُخفي المسؤولون الأتراك مرارتهم من موقف بروكسل المتردد من ملف انضمامهم إلى الإتحاد.
ومع اقتراب موعد الحسم، تبذل الحكومة التركية قصارى جهدها للإستجابة لمعايير كوبنهاغن لكن القرار النهائي يظل بيد الأوربيين في نهاية المطاف.
تنظر تركيا بمرارة إلى عملية توسيع الاتحاد الأوروبي من 15 إلى 25 عضواً. فغالبية الدول المُـنضَـمة حديثاً كانت، إلى سنوات قليلة ولمدة تقارب النصف قرن، ذات أنظمة شمولية وبُنى اقتصادية مغلقة، خلاف تركيا، الأطلسية منذ نصف قرن، وصاحبة تجربة ديمقراطية، رغم شوائبها، عمرها أكثر من ذلك.
بل إن من بين الدول العشر الجديدة، من لم يكن قد ظهر إلى الوجود أو بالكاد (قبرص)، عندما كانت تركيا توقع بروتوكولاً مع المجموعة الأوروبية عام 1963 يفتح لها آفاق العضوية الكاملة، وإذا دققنا في سلوكية الاتحاد الأوروبي نجد أن الشروط التي فرضها على الدول الجديدة لم تكن قاسية بمقدار تلك التي يطلب من تركيا الالتزام بها. ومع ذلك، فإن تركيا تنظر بتفاؤل وواقعية إلى مسار عملية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
فقمة هلسنكي عام 1999 حدّدت بعنوانين رئيسيين شروط انضمام تركيا إلى الاتحاد وهما: تطبيق «معايير كوبنهاغن»، وحلّ القضية القبرصية. ومع خروج الأخيرة، بعد التأييد التركي لخطة كوفي أنان ورفض اليونانيين لها، من كونها شرطاً، فإن الحكومة التركية تتقدم بسرعة على طريق تشريع وتطبيق الإصلاحات مع توقّـع الانتهاء منها بحلول الأسابيع القليلة المقبلة، وقبل تقديم «تقرير التقدم» الذي تعدّه المفوضية الأوروبية.
وعلى الرغم من الحساسية الفرنسية الزائدة تجاه أوروبية تركيا، فإن كلام الرئيس الفرنسي جاك شيراك مؤخراً، كان، وخلاف ما يُظَـن، باعثاً للأمل لدى أنقرة. فشيراك تحدث عن عدم أهلية تركيا في الوقت الراهن للعضوية الأوروبية، وهو ما لا يعترض عليه الأتراك الذين يهدفون في هذه المرحلة إلى مجرد بدء مفاوضات العضوية. الرئيس شيراك ربط ذلك بالتقرير الذي سيُرفع إلى قمة كوبنهاغن نهاية هذا العام، أي إنه لم يغلق الباب أمام بدء المفاوضات التي قد تبدأ في مطلع العام المقبل أو حتى نهايته.
القطار التركي .. والسكة الأوربية
لكن الجديد والمهم في تصريحات الرئيس الفرنسي أنه أشار، وللمرة الأولى، إلى أن الاتحاد الأوروبي يرغب في عضوية تركيا:
أولاً، لأنها تملك «قابلية» “الأوربة”، ولأن قدرها ارتبط دائماً بأوروبا في القرون الماضية، وهي اليوم جزء مهم من المؤسسات الغربية والأوروبية.
وثانياً، لأن تركيا تقدّم مزايا عديدة في إطار المصالح السياسية الأوروبية، وباعتبارها نموذجاً لكل العالم الإسلامي والشرق الأوسط كبلد يتقاسم القيم والأهداف الأوروبية في الاستقرار والحداثة والديمقراطية والعلمانية، كما أن اندماج تركيا بأوروبا يفسد لعبة المخططين لصِـدام الحضارات.
ومقارنة مع «القبول الاستراتيجي» الأوروبي لتركيا، فإن حديث شيراك عن الطريق «الصعب والطويل» الذي يجب أن تمرّ به تركيا قبل الانضمام، والذي قد يستغرق عشر سنين أو أكثر، يُـصبح «هامشياً» إلى حدّ بعيد. فالأتراك أنفسهم لا يتوقعون اكتمال عملية الانضمام قبل عشر سنوات، ولن ينزعجوا كثيراً إذا استطالت الفترة خمس سنوات أخرى.
لا شك أن الحكومة التركية لا تهمل هذه «الهجمة الجديدة» في الإعلام الأوروبي على تركيا والتي تركّـز على معارضة انضمام تركيا إلى الاتحاد.
وإذا كان من غير المفهوم تفسير هذه الهجمة في هذه المرحلة، فإن أنقرة بعد تفكيك اللغم القبرصي، تمضي بخطوات واثقة على طريق تسريع تشريع الإصلاحات وتطبيقها. وعلى هذا، أقرَّ البرلمان التركي قبل أيام تعديلات جذرية على الدستور تقلّص أكثر دور العسكر في السياسة مثل: إلغاء وجود ممثّل لرئاسة أركان الجيش في مجلس التعليم العالي، وإلغاء محاكم أمن الدولة، والإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام، وفرض رقابة من ديوان المحاسبة على كامل ميزانية الإنفاق العسكري، فضلاً عن تعديلات تلحظ المساواة التامة بين الرجل والمرأة وتفرز حرية الصحافة والحريات عموماً.
لم يعد من الممكن إخراج القطار التركي عن السكة الأوروبية بعدما وضعه الاتحاد الأوروبي بنفسه عام 1999 على هذه السكة، والقطار التركي يتقدم، على الأقل على صعيد الشروط المعلنة أوروبياً، وهي ذات صفة تقنية وتخص الجانب التركي أساساً والمتمثلة بمعايير كوبنهاغن.
ولكن، إذا حدث أن أخلَّت أوروبا بوعودها، فإن ذلك سيشكّـل حرجاً بالغاً لها ويؤثر سلباً على مجمل العلاقة بين تركيا وبين القيم الأوروبية ودولة مسلمة، وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة المرحلة المقبلة.
ضغوط أمريكية..
إن جانباً كبيراً من عملية تقدم تركيا على طريق العضوية الأوروبية مرتبط بالخيار الأوروبي: استراتيجياً، حول تمديد حدود الاتحاد إلى شرق أوسط مثقل بالمشكلات، وحضارياً، حول إمكانية تقبل الجسم الأوروبي دخول «وحدة دم» مسلمة إليه.
وفي هذا الإطار كان تذكير البابا يوحنا بولس الثاني بـ «القيم المسيحية» كأساس لـ «الوحدة الأوروبية»، وردّ رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان بأن على الاتحاد الأوروبي أن يثبت أنه ليس «نادياً مسيحياً»، بل تجمّعا لـ «قيم الحداثة». ومع ذلك، لا يمكن هنا أن نفصل العلاقة التركية بأوروبا عن الخيارات الأمريكية، ولا سيما بعد أحداث 11 أيلول 2001.
فالولايات المتحدة تضغط على أوروبا «القديمة» لتوسع مفهومها ليكون أكثر معاصرة وانفتاحا،ً وبالتالي ضم دول جديدة تفتح على البلطيق والمتوسط والبحر الأسود.
إن توسيع الاتحاد ليشمل كل أوروبا هو في الأساس «مشروع أمريكا» يضغط على تميـّز ألمانيا وفرنسا داخل الاتحاد من جهة، ويخدم في الحالة التركية، المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد، وضرورة أن تأخذ تركيا دوراً متقدماً فيه بصفتها بلداً يجمع بين الإسلام المعنوي وبين قيم الغرب في الديمقراطية والعلمانية.
وأوروبا هنا، ليست خارج هذا المشروع للتغيير، بل يمكن القول أن «الشرق الأوسط الكبير»، ورغم بعض التباينات، تحول إلى نقطة الالتقاء الوحيدة لإعادة العلاقات الأوروبية ـ الأمريكية إلى مجراها الطبيعي بعد افتراقهما بسبب العراق.
رابـح .. وخاسـر؟
لا خلاف على أن موقع تركيا وقيمها المختلفة ودورها، تشكّـل عوامل إرباك للموقف الأوروبي، وخيار تركيا الوحيد التقدم حتى النهاية على طريق الإصلاحات وإظهار أنه إذا كان ثمة عقبة مستقبلية أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فهو هذا الاتحاد نفسه. وفي كل الأحوال ستخرج تركيا رابحة، سواء انضمت أم لا، فيما ستكون أوروبا خاسرة أولى في حال عدم الانضمام.
سابقا،ً كان يُقال في العلاقة التركية ـ الأوروبية أن تركياهي عند مفترق طرق، في إشارة إلى أن الكرة في ملعبها. أما اليوم، فالآية معكوسة: أوروبا هي التي توجد عند مفترق طرق.
د. محمد نورالدين – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.