تفاعل أكاديمي سويسري من نوع خاص مع تطورات الربيع العربي
يعدّ معهدُ الدراسات الإسلامية والشرقية بجامعة برن في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية، وقسم اللغة العربية بجامعة جنيف في سويسرا الروماندية الناطقة بالفرنسية، من بين المؤسسات الأكاديمية السويسرية المتخصصة في شؤون العالمين العربي والإسلامي التي تتابع عن كثب تطورات "الربيع العربي" المتلاحقة.
اهتمام هذين المعهدين بالتحولات التي تعيشها الشعوب العربية لا ينحصر في نطاق البحث والتحليل والنقاش، بل يذهب أحيانا إلى حدّ إدخال تعديلات على طبيعة ومضمون وسير برامجهما التعليمية، مثلما أوضح في حديث مع swissinfo.ch مديرا كل من المعهدين، البروفيسور راينهارد شولتزه، والبروفيسور شارل جينكان.
فاجأت الثورات العربية الرأي العام السويسري والدولي بالغليان السريع الذي انطلق في بداية هذا العام بـ “ثورة الياسمين” في تونس لينتشر في عدد من البلدان العربية، منها من شهد ثورة أطاحت سريعا بالنظام القائم فيها منذ عقود .. في انتظار إقامة النظام المنشود، ومنها من لا يزال يتخبط في اشتباكات عنيفة بين السلطة الحاكمة والشعب الثائر.. ومنها من يحاول إرضاء مطالب الشارع من خلال اعتماد تدابير لإصلاح النظام..
وتتابع الأوساط الأكاديمية السويسرية، لا سيما المتخصصة أو المُهتمة ببلدان المشرق وحضارته وثقافته، باهتمام أكيد مُستجدات الربيع العربــي. فـفضلا عن كونها مؤسسات تعليــمية وبحثية، تــمثل هذه المعاهد مراكز خبرات تزود وسائل الإعلام المحلية والأطراف المُهتمة بتحاليل علميــة وقراءات موضوعية للأحداث.
بحوث الماضي لفك رموز أحداث الحاضر
وعن الكيفية التي يتعامل بها معهد الدراسات الإسلامية والشرقية في برن مع التطورات السريعة والمتلاحقة التي تعيشها العديد من المجتمعات العربية، يقول مديره، البروفيسور الألماني راينهارد شولتزه، متحدثا بلغة عربية فصحى أنيقة: “إن المعهد كان يتجاوب مع الأحداث في العالم العربي بوجوه مختلفة. وكان من المُهمّ توفير المعلومات العلمية لوسائل الإعلام، والتي تــُعتبر مفيدة لتفسير الأحداث التي وقعت في العالم العربي. وقد تم ذلك أول الأمر عن طريق النشرات الصحفية، والمقابلات والتعليقات في الجرائد والمجلات”.
مدير هذا المعهد الذي تأسس في بداية عقد السبعينات كفرع مستقل تابع لجامعة برن استطرد قائلا: “بالإضافة إلى ذلك، نظم المعهد عدة مناقشات منحت الطلاب فرصة مناقشة التطورات الحالية، وإن كنا نعالــج في إطار النشاط البحثي للمعهد التطورات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي منذ فترة طويلة، ما يمكننا من إقران نتائج البحوث بالتطورات الراهنة في العالم العربي بصفة مباشرة”.
قسم اللغة العربية بجامعة جنيف الذي تأسس في عام 1964 بادر أيضا بتنظيم لقاءات أو المشاركة في فعاليات حضرتها شخصيات انخرطت بفعالية في انتفاضات الشارع العربي.
رئيس القسم، البروفيسور شارل جينكان، خص بالذّكــر ضمن هذا السياق اللقاء بالسينمائي المصري الشاب محمد دياب الذي كان يخاطب الشباب في ميدان التحرير ويسجل شرائط فيديو قصيرة شوهدت عشرات آلاف المرات على موقع يوتيوب يحث فيها الشباب المعتصمين على التمسك بأحلام التغيير والحرية، وعدم العودة إلى بيوتهم قبل تحقيق مطالبهم.
الربيع العربي يفرض تكييف الأجندة وتحديثها
وقـد أثــّرت حالة الغليان التي انتشرت في عدد من بلدان العالم العربي على محتوى برامج المعهدين بحيث نظما قبل نهاية العام الجامعي سلسلة إضافية من الحلقات الدراسية والمحاضرات المرتبطة بتلك الأحداث الساخنة.
ويُلفت البروفيسور راينهارد شولتزه الانتباه في هذا الصدد إلى أن البرامج الدراسية في المعهد “تتناول التطورات الإجتماعية في العالم العربي بأشكال مختلفة تتيح مراعاة التطورات الأخيرة أيضا. ولقد عالجنا مثلا في حلقة دراسية خاصة النظريات الإجتماعية العربية، وكان من الممكن أن تُدرج فيها مباشرة التطورات السياسية في العالم العربي؛ فكان هدف هذه الحلقة مناقشة مسألة المُثل العليا للمجتمع المدني التي يتم التعبير عنها في الإحتجاجات”.
وأشار البروفيسور شولتزه إلى أن المعهد استدعى أيضا في هذا الإطار “بعض العلماء العرب البارزين الذيــن ألقوا سلسلة من المحاضرات حول الوضع العربي الحالي”.
أما البروفيسور جينكان، فنوه إلى أن دروس العام المقبل لقسم اللغة العربية في جنيف ستتعزز بدروس خاصـة عن اليــمن وبسلسلة محاضرات حول الربيع العربي.
“المجتمعات العربية لم تكن مستسلمة”
وماذا عن نظرة الطلبة السويسريين (أو محاوري المعهد عموما) إلى الشعوب العربية التي كان يقال عنها إنها شعوب خاملة ومُستسلمة لقبضة أنظمة مستبدة؟
يجيب البروفيسور شولتزه بوضوح تام: “لقد كان أحد الأهداف التعليمية قبل اندلاع الاحتجاجات تلقين الطلبة أن المجتمعات العربية لم تعش ولا تعيش في جمود سياسي أو ثقافي كما تدّعي بعض وسائل الإعلام الغربية. وفي هذا الصدد، كان الطلاب أهلا لتفسير هذه الحركات في سياق التحليل العام للتاريخ الاجتماعي والسياسي. وقد تناولت الكثير من بحوث الطلاب المشاكل المعاصرة (في العالم العربي)”.
ومن بين الأمثلة التي استشهد بها البروفيسور شولتزه في هذا السياق، أبحاث قام بها طلبة معهد الدراسات الشرقية والإسلامية في برن عن “وضع حركة الاحتجاج في سوريا في عامي 2000 و2001″، وأبحاث ركزت على “العلاقات بين المنظمات الإسلامية والتحرر الاجتماعي”، و”دور المرأة في عالم العمل”، و”تطوير مؤسسات المجتمع المدني في مصر وتونس”، و”النقد الاجتماعي الذي عبر عنه في الأدب العربي”.
من جانبه، أكد مدير قسم اللغة العربية في جامعة جنيف على أن “الطلبة والأساتذة المهتمين بالعالم العربي يعرفون منذ وقت طويل أنه لا يوجد أي استسلام من قبل الشعوب العربية، وأن الرغبة في الحرية والعدالة توجد لديها بنفس القدر التي تشعر به الشعوب الأخرى”. في المقابل، يشير البروفيسور جينكان إلى أن ما أثــار الدهشة هو “الطابع الفجائي للثورة وانطلاقها من تونس ومصر اللتين لم تكن تبدوان أكثر الديكتاتوريات ممارسة للقمع” في العالم العربي.
أسئلة مفتوحة…
ذلك “الطابع الفجائي” أثار في جميع أنحاء العالم جملة من الأسئلة والتعليقات عن تلك الصحوة العربية، وعن شبابها الذي استخدم أحدث تكنولوجيا الاتصالات، واستثمر أقوى الشبكات الاجتماعية على الإنترنت لكسر جدران الخوف والصمت، ولإبلاغ العـالم بحقيقة أوضاعهم ورغبتهم في التغيير.
ومن أبرز الأسئلة والتعليقات المرتبطة بهذه الأحداث التي طرحها طلبة معهد الدراسات الإسلامية والشرقية في برن، مثلما عددها البروفيسور شولتزه: “ما هو دور المؤسسات الإسلامية والمنظمات في تطوير وعي المجتمع المدني؟ وما هو مدى الوعي العلماني في الجمهرة السياسة؟ وما هو دور منظمات القرابة وصلة النسب (أي القبائل) في حركة الاحتجاجات في ليبيا واليمن على سبيل المثال؟ وهل ينجح المجتمع المدني العربي في إنشاء مؤسسات دائمة تسمح لها أن تصير القاعدة لنظام مبني على السلام والحرية والتعدد والعدل؟ وهل ينجح في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، مثل البطالة والتوزيع غير المتكافئ للثروة؟
أما مدير قسم اللغة العربية في جامعة جنيف فقال: “إن السؤال الذي يُطرح غالبا من قبل الطلبة هو: “ما الذي سيحدث الآن؟ وجوابي هو: الله أعلم”.
هل لمس معهد الدراسات الإسلامية والشرقية في جامعة برن وقسم اللغة الغربية في جامعة جنيف اهتماما متزايدا بعمل واختصاصات المعهدين من قبل وسائل الإعلام السويسريــة أو جهات أخرى منذ اندلاع أولى شرارات الإنتفاضات العربية؟
مدير المعهد الأول، البروفيسور راينهارد شولتزه أكد في أجوبته لـ swissinfo.ch أن “المهام الرئيسية لمعهد الدراسات الإسلامية والشرقية بجامعة برن في الأشهر الأخيرة تمثلت تزويد وسائل الاعلام بالمعلومات التي تُبرَز من منظور علمي، لذلك أجرى المعهد اتصالا وثيقا مع وسائل الاعلام السويسرية. وبالطبع لم يكن يمكننا الرد على جميع استفسارات وسائل الإعلام لأن عدد مساعدي المعهد قليل، وهكذا يتركز عَمَلنا على وسائل الاعلام التي لها أهمية وطنية”.
وضمن هذا السياق، حرص البروفيسور شولتزه على التــّذكير بأن مجالات بحوث المعهد لا تشمل استكشاف كافة المجتمعات العربية، بل إن تركيز جهوده ينصب على بلدان المشرق العربي.
من جانبه، قال مدير قسم اللغة العربية بجامعة جنيف، البروفيسور شارل جينكان في تصريحاته لـ swissinfo.ch: “من الواضح أن هنالك اهتماما كبيرا بما يحدث”. ولكنه خلافا لزميله شولتزه، أشار إلى أن “وسائل الإعلام السويسرية تفضل في كثير من الأحيان التوجه إلى متخصصين أجانب في العلوم السياسية بدلا من الخبراء المحليين المتخصصين في الثقافة العربية”.
وإن كانا يتوقعان تزايد الإقبال على تعلم اللغة العربية والتعرف على الثقافة العربية والإسلامية في سويسرا في ظل التطورات الجارية، قال البروفيسوره شولتزه: “هذا أمر صعب التقدير في الوقت الحالي، ومن الأكيد أن يزيد بين الطلاب الإهتمام في التنمية في العالم العربي، ولكنه سيتبين بعد سنتين أو ثلاث سنوات فقط”.
أما البروفيسور جانكان فيعتقد أن الإقبال سيتزايد، مضيفا “سيكون لدينا الجواب في بداية العام الدراسي المقبل عندما سنكتشف عدد الطلبة المسجلين”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.