تـصلب المواقف يـهدد قـمة تـونس
تواجه المرحلة الثانية من قمة مجتمع المعلومات في تونس - التي يراد لها أن تكون "قمة الحلول" - تهديدا بتصلب في المواقف من حيث الشكل والمضمون في آن واحد.
ويشمل التصلب مواقف الإدارة الأمريكية في مسالة إدارة شبكة الإنترنت بشكل منفرد وعبر مؤسسة “ICANN”، وأسلوب السلطات التونسية في معالجة قضايا الحريات العامة.
لأول مرة في تاريخ المؤتمرات الدولية يتم تنظيم قمة دولية على مرحلتين: الأولى في بلد من الشمال وانعقدت في جنيف في شهر ديسمبر من عام 2003، والثانية في بلد من الجنوب هي التي تفتتح يوم الأربعاء 16 نوفمبر في ضواحي العاصمة التونسية بحضور أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، وبمشاركة أكثر من 16 ألف موفد من مختلف بلدان العالم.
ولأول مرة في تاريخ المؤتمرات الدولية، يتم توسيع المشاركة لتشمل، إلى جانب ممثلي الدول والحكومات، ممثلين عن المنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وهل يعقل أن يتم الحديث عن تصورات مجتمع الغد، مجتمع قائم على أساس تبادل المعلومات بدون إشراك هذه المكونات الهامة في مجتمعات اليوم؟ وهل الشركاء في هذا الحوار المتعلق ببناء قواعد مجتمع الغد مستعدون وبدون استثناء لفتح كل الملفات للنقاش ؟ وهل أصبحت فكرة إشراك ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص معيارا دوليا أم أنها قابلة للتأويل والمساومة وفقا للحالات؟
نجاح المرحلة الثانية لقمة مجتمع المعلومات في تونس، مرهون بكيفية الإجابة على كل هذه التساؤلات، وبمدى قدرة الساهرين على إنجاح القمة، من حيث الشكل والمضمون، على توضيح الجوانب القاتمة التي لا زالت عالقة.
الإشراف على الإنترنت.. مربط الفرس
أطلق على المرحلة الثانية شعار “مرحلة الحلول”، والمرحلة التي ستثار فيها اهتمامات البلدان النامية بعد أن تم التركيز في المرحلة الأولى على القضايا التقنية، ومسالة ردم الهوة الرقمية بين بلدان الشمال والجنوب، والتوصل (فيما يشبه العملية القيصرية على مستوى التمويل) إلى تأسيس صندوق التضامن الرقمي الذي تشارك فيه الدول بشكل طوعي في وقت كانت الآمال تتجه في البداية نحو مساهمة إلزامية للجميع.
لكن النقطة التي قد تبدو حاسمة في تحديد مدى نجاح مرحلة تونس او فشلها هي قضية تحقيق إجماع حول كيفية الإشراف على شبكة الإنترنت وإدارتها. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تشرف بشكل غير مباشر وعبر شركة “ICANN” على نشاطات الشبكة، ترى – على عكس غالبية الدول الأعضاء – أن أي توسيع لعملية الإشراف بإدماج ممثلي الحكومات والمنظمات الدولية وممثلي القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، قد يؤدي الى فرملة نجاعة وسهولة الاتصال بالشبكة وقد يعرضها الى ثقل بيروقراطي معرقل.
ولم تفلح لا مشاورات اللجنة التي عينها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة برئاسة السويسري ماركوس كومر، ولا الاجتماعات الماراتونية للاجتماع التحضيري الثالث في حسم الموضوع. وقد ترك الموضوع ليكون محط نقاش خلال الاجتماع الخاص الذي انطلقت أشغاله يوم الأحد 13 نوفمبر في العاصمة التونسية.
ويتمثل الخطر الذي قد ينجم عن تصلب في المواقف بهذا الخصوص في تعدد مراكز الإشراف على الإنترنت في حال تعذر التوصل الى إجماع دولي حول جهة وحيدة تتحمل مسؤولية القيام بذلك. وهي فرضية اعتبرتها المسؤولة عن ملف تكنولوجيا المعلومات بالاتحاد الأوروبي السيدة فيفيان ريدينغ “تهديدا فعليا لعالمية شبكة الإنترنت”.
لا مجتمع معلومات بدون احترام فعلي للحريات
إذا كان إشراك ممثلي المجتمع المدني في التحضير لقمة مجتمع المعلومات يشكل سابقة في تاريخ المؤتمرات الأممية، فإنه قد يتحول بفعل تصلب المواقف بين الحكومة التونسية وممثلي المجتمع المدني بخصوص موضوع الحريات في هذا البلد إلى عامل اضطراب وعرقلة للسير الحسن لقمة أممية هامة يحتضنها بلد من الجنوب.
ولئن كانت الغالبية قد تابعت تطورات المواجهة بين ممثلي المجتمع المدني والسلطات التونسية بنوع من التغاضي معتبرة أنها أمر تونسي داخلي، فإن تصلب الموقف الرسمي التونسي في الأسابيع الأخيرة من جهة، ولجوء عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية المعروفة إلى شن إضراب عن الطعام منذ يوم 18 أكتوبر الماضي قد دفع العديد من العواصم ومن الشخصيات الأممية إلى الخروج عن هذا الصمت.
كما أنه لم يعد بإمكان الذين كانوا يحذرون من مخاطر تحويل مرحلة تونس من القمة إلى مجال للحديث عن الحريات في تونس تجنب الحديث عن ذلك بعد أن تحولت المسألة إلى موضوع الساعة الذي يطغى في تعاليق وسائل الإعلام الدولية حتى على باقي المواضيع التي ستعقد القمة من أجلها.
وقد تكتسي مسألة احترام الحريات العمومية، وبالأخص حرية الرأي والصحافة في تونس وفي العديد من البلدان الأخرى المشاركة في القمة، أهمية بالغة من خلال “قمة المواطنين حول مجتمع المعلومات” الموازية التي تسعى منظمات غير حكومية تونسية ودولية إلى تنظيمها على هامش القمة الرسمية.
ويرى غيوم شونفيار Guillaume Cheneviére المدير السابق للتلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية ورئيس جمعية غير حكومية سويسرية عاملة في مجال تكنولوجيا الاتصالات أنه “قد يكون من الخطير جدا أن تتجنب قمة مجتمع المعلومات في تونس إثارة موضوع احترام حقوق الإنسان واحترام الحريات العامة”.
ومن هذا المنطلق، يرى خبير البنك الدولي في تكنولوجيا الاتصالات برونو لانفن أن “تجند ممثلي المجتمع المدني سمح بإظهار عيوب ونقائص البلد المضيف للقمة والعديد من البلدان الأخرى”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.