تـنـوع هائل في بورتو أليغري
اختتم المنتدى العالمي الاجتماعي في بورتو أليغري أشغال دورته الخامسة التي تطرق المشاركون فيها إلى جل مشاكل الإنسانية.
وفيما يلبي تنوع الإهتمامات وتعدد المواضيع المطروحة للنقاش رغبة كل مشارك على حدة، تثور تساؤلات محيرة حول مصير نقاشات لا يحصل بشأنها توافق ولا تؤدي إلى اتخاذ قرارات.
أسدل الستار على الدورة الخامسة للمنتدى الاجتماعي العالمي في بورتو أليغري بالبرازيل، بعد أن شهد تنظيم أكثر من 2000 جلسة نقاش ، تطرق خلالها أكثر من 100 ألف مشارك إلى جل القضايا العالمية والمحلية التي تشغل بال الإنسانية في الوقت الحالي.
وإذا كان كل مشارك يجد في هذا التنوع والتشعب في المواضيع المطروحة للنقاش، ما يلبي رغبته او على الأقل ما يشفي غليله، (على غرار أعضاء الوفد السويسري)، فإنه يترك عدة تساؤلات مطروحة حول مستقبل هذه التظاهرة التي أتت كرد فعل لممثلي المجتمع المدني على اجتماع أقطاب المال والأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا.
من الماء إلى إصلاح الأمم المتحدة
لم تقتصر مناقشات المشاركين في بورتو أليغري على انتقاد سلبيات العولمة، وهيمنة كبريات الشركات المتعددة الجنسيات على الاقتصاد العالمي، بل تطرقت إلى مواضيع حماية البيئة ومعارضة تيار خصخصة شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب في العديد من البلدان النامية، والمطالبة بمحو ديون البلدان الفقيرة والعمل على إقامة نظام تجاري عادل.
وقد تعدى النقاش المواضيع التقليدية ليصل إلى حد المطالبة بإصلاح للمنظومة الأممية، أو العمل على نقل مقرها من نيويورك إلى بلد نام في حال عدم امتثال الولايات المتحدة للقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.
وإذا كانت المواضيع المرتبطة بالشرق الأوسط قد شكلت أحد المحاور الرئيسية في منتدى دافوس الذي اهتم بحظوظ الحوار الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنها لم تغب عن اهتمامات ممثلي المجتمع المدني في بورتو إليغري أيضا، حيث شارك حوالي 2000 متظاهر في تجمع جانبي لإدانة بناء إسرائيل للجدار العازل.
وعلى الرغم من توقع المشاركين عدم حصول موضوع العراق على اهتمام مماثل كالذي حظي به في العامين السابقين، تصدرت المظاهرات المعادية لسياسة الرئيس الأمريكي في العراق جل نشاطات المنتدى الاجتماعي، كما وجهت المنظمة البريطانية “التحالف من أجل وقف الحرب”، نداءا من أجل تعبئة دولية كبرى بمناسبة الذكرى الثانية للحرب في العشرين من شهر مارس القادم.
ارتياح سويسري
هذا التنوع في المواضيع والاهتمامات واللقاءات ، وجد فيه أعضاء الوفد السويسري تجربة غنية سمحت لكل عضو بتعميق معارفه وربط علاقات مباشرة مع ممثلي المجتمع المدني من بلدان عديدة.
فقد اهتم النائب البرلماني جوزيف لانغ (من حزب الخضر من مدينة تسوغ)، بالاستراتيجية المراد اتباعها من قبل المنتدى لمواجهة نفوذ الشركات المتعددة الجنسيات. أما النائب أندريا هيمرلي (من الحزب الاشتراكي بجراوبوندن)، فقد اهتم بقضايا المزارعين، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن “صغار المزارعين او المزارعين بدون أرض، لهم اهتمامات كبيرة بالبيئة وبالزراعة البيولوجية”.
وقد تابعت كارولين موريل من المنظمة الإنسانية “سويس إيد” المناقشات المخصصة لانتقاد البذور المحورة جينيا، معربة عن اندهاشها للمعارف المتوافرة لدى السكان الأصليين ولأسباب معارضتهم لكل ما هو محور جينيا من منظور البعد الديني أيضا.
وإذا كان تنوع المواضيع، يلبي رغبة غالبية المشاركين على غرار أعضاء الوفد السويسري، فإن توسيع أرضية المشاركة وبالأخص زيادة مشاركة منظمات المجتمع المدني من كل من افريقيا وآسيا، يشير بيتر نيغلي، مدير جمعية منظمات المساعدة الإنسانية السويسرية إلى أنه “سمح لأول مرة لأكثر الناس تهميشا، أي طبقة المنبوذين في الهند، والهنود الحمر في أمريكيا اللاتينية، بالمشاركة في المنتدى”.
ولا شك أن مشاركة المهمشين وتوعية الطبقات الكبرى لانشغالات المنتدى الاجتماعي الدولي، ستزداد اكثر فأكثر بعد تنظيم دورة العام القادم للمنتدى في القارات الثلاث أي افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية. ومن المحتمل أن يكون المغرب المحتضن للتظاهرة الافريقية للمنتدى العام القادم، على أن تستضيف دولة افريقية في عام 2007 المنتدى السنوي بكامله.
أخيرا .. وثيقة غير رسمية
من الانتقادات التي كثيرا ما ترددت بخصوص المنتدى الاقتصادي الاجتماعي منذ الدورات الأولى له، حديثه عن تصور لـ “عالم آخر ممكن”، بدون التوصل إلى إجماع حول معالم هذا العالم الجديد او حتى لطرح الأسس التي يجب أن يقوم عليها.
وإذا كان مؤسسو المنتدى قد رغبوا في تفادي ارتكاب نفس الأخطاء التي ينتقدونها (أي اتخاذ القرارات بدون استشارة المعنيين)، فإن كثرة الاستشارة بدون حصول إجماع أو توافق حول تصور مشترك لهذا العالم المنشود، بدأ يهدد مستقبل هذا التيار العالمي.
ولاشك أن إقدام مجموعة من المثقفين وعددا من الحائزين على جوائز نوبل، على إصدار “ميثاق من أجل عالم أخر ممكن”، على هامش أشغال منتدى بورتو أليغري وليس كوثيقة منبثقة عنه، يمثل محاولة جدية لتجنب العجز في التوصل إلى هذا الإجماع.
فقد وضعت هذه المجموعة في هذه الوثيقة (التي لم تعرض على موافقة الجميع)، أثنى عشر اقتراحا تشمل محو الديون، وفرض ضريبة على المبادلات المالية، والقضاء على أوكار التهرب الضريبي والجريمة المنظمة. كما يطالب الميثاق، بضمان حق حصول كل إنسان على وجه هذه المعمورة على الضمان الاجتماعي، وبإقامة نظام تجاري عادل، وبالحق في أمن غذائي للجميع.
ويعارض محررو الميثاق أية خصخصة لملكية الكائنات الحية او للمنشآت الحيوية مثل شبكات المياه، كما يطالبون بضرورة حماية البيئة وإخلاء القواعد العسكرية وترحيل القوات الأجنبية من العديد من الدول. وينتهي الميثاق بالمطالبة بمنح المواطن حق الحصول على المعلومات كما يطلب بضرورة إصلاح المنظومة الأممية وبإخضاع المؤسسات المالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لنفوذها.
ومع أن هذه المقترحات لم تُعرض على مصادقة جميع المشاركين في منتدى بورتو أليغري، فإن الساهرين على إصدارها، يرون أنها تعكس آراء الغالبية من ممثلي المجتمع المدني في العالم. وهي المقترحات التي يِؤمل أن تصبح بمثابة قاعدة لأي نقاش مستقبلي حول تصور “العالم الآخر الممكن” والمنشود.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.