تفجير الأزهر.. مصدر جديد للقلق
قالت مصادر قضائية مصرية يوم الاحد 10 أبريل ان السلطات تمكنت من تحديد هوية منفذ الإنفجار الذي وقع يوم الخميس الماضي في سوق خان الخليلي بوسط القاهرة.
وقد اثار الحادث الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وجرح 18 عشر شخصا على الأقل عدة مخاوف وتساؤلات.
وكانت مصادر بالنيابة العامة قد ذكرت يوم الاحد انها تمكنت من تحديد هوية المفجر من خلال بصمات أصابعه وقالت انه يدعى محمد صبحي علي (24 عاما) من محافظة القليوبية شمالي القاهرة وان هناك ثلاثة شركاء له ساعدوه في اعداد المتفجرات.
وذكر مسؤول أمني بوزارة الداخلية أن أجهزة الامن المصرية ألقت القبض على شركاء منفذ الهجوم يوم الاحد وستنقلهم الى نيابة أمن الدولة.
وقالت مصادر من الشرطة ان الشركاء الثلاثة هم شقيق المفجر ويدعى جمال صبحي علي (27 عاما) ورجلان من منطقة شبرا في شمال العاصمة. وقال مسؤول بوزارة الداخلية ان الاربعة ليست لهم صلة بأي منظمة ارهابية.
وكان وزير السياحة المصري أحمد المغربي قد قال هو الاخر ان التفجير عمل فردي وليس من تدبير جماعة.
ويوم الجمعة 8 أبريل، قالت منظمة غير معروفة تسمي نفسها “كتائب العز بأرض النيل” في بيان على الانترنت انها مسؤولة عن الهجوم لكن لم يتسن التحقق من صدق بيانها.
من جهة أخرى، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية يوم الاحد ان رجلا فرنسيا كان قد أصيب في الانفجار توفي وهو في طريقه الى باريس للعلاج.
وبذلك يرتفع عدد قتلى الانفجار الذي وقع يوم 7 أبريل الماضي الى أربعة. وكان قد قتل في الانفجار امرأة فرنسية ورجل أمريكي فضلا عن رجل يعتقد أنه منفذ العملية.
وكان الانفجار الذي أسفر كذلك عن اصابة 11 مصريا وسبعة أجانب اخرين قد وقع بحي الموسكي بالقاهرة القديمة في شارع مليء بمتاجر تبيع العطور والسجاد والمجوهرات والهدايا التذكارية للسياح.
عنف قديم ومراجعة فكرية
هل بدأت موجة جديدة من عمليات العنف فى مصر؟ ذلك هو أحد أهم الأسئلة التى أثارتها عملية تفجير قنبلة بدائية فى أحد أهم شوارع حي الأزهر، قبلة السائحين فى مصر، راح ضحيتها أربعة من السائحين الأجانب وإصابة عدد آخر من المصريين والأجانب.
ولكي تكون هناك إجابة شافية، فإن التعريف بمنفّـذ العملية، والجهة التي وراءه يُـعد المفتاح لأي إجابة حاسمة فى هذا الصدد، وهما أمران ما زالا غامضين، حتى بالرغم من صدور بيان على شبكة الإنترنت لجماعة مجهولة تسمي نفسها “كتائب العز الإسلامية فى بلاد النيل”، نسبت لنفسها العملية، التي وصفتها بالانتحارية، وبرّرتها بأنها ردّ على ما اعتبرته استبداد الحكم في مصر، وإغلاقه منافذ التغيير.
وحين يتحدث المرء عن موجة عنف جديدة فى مصر، تستعيد الأذهان تلك الموجة التي استمرت حوالي ثمانية سنوات متواصلة في تسعينيات القرن الماضي، والتي شهدت مواجهة مفتوحة بين الدولة المصرية وبين كل من حركة الجهاد الإسلامية والجماعة الإسلامية المصريتين، وهي المواجهة التي جاءت في سياق إستراتيجية الجماعتين الإسلاميتين الداعية آنذاك إلى التخلص من نظم الحكم في عدد من البلاد العربية، التي اعتُـبرت مجرد امتداد للطاغوت الأمريكي والغربي. وكانت الفكرة المسيطرة على هاتين الجماعتين، أن “العدو القريب”، أي نظم الحكم غير الإسلامية، حسب رؤيتها، هي الأولى بالمواجهة.
لكن هذه المواجهة حُسمت لصالح الدولة المصرية، خاصة بعد حادثة الأقصر الشهيرة فى نوفمبر 1997، والتي راح ضحيتها عدد كبير من السائحين السويسريين، والتي اعتبرها قادة الجماعة الإسلامية، وهم في السجن، دليلا على التوظيف غير السليم وغير الشرعي للعنف.
وبعدها تأكّـدت عملية المراجعة الفكرية التي تبناها قادة الجماعة من قبل عملية الأقصر، وكان قوامها الرجوع التام عن أساليب العنف والقسر والإجبار في الدعوة إلى إقامة حكم شرعي من وجهة نظرهم، واعتبار الدعوة بالحسنى، هي الوسيلة الشرعية الوحيدة التي سوف تلتزم بها الجماعة.
هذه المراجعة الفكرية الجذرية، وإن شكك فيها بعض السياسيين والمراجع الأمنية في حينها، إلا أنها ظلت صامدة وباتت هي المرجع الوحيد لأعضاء الجماعة السابقين، سواء الذين خرجوا من السجن أو الذين ما زالوا فيه، انتظارا لإفراج بات قريبا.
وهي نفسها التي يستند إليها كثيرون الآن في نفي مسؤولية الجماعة عن حادثة الأزهر، والتي يعتبرونها تفجيرا بدائيا لا يقوم به إلا هاو مبتدئ، في حين أن الجماعة كان لديها كوادر وخبرات عالية فى هذا المجال. ومما صدر عن الجماعة لرفض وإدانة هذه الحادثة، يرجح بقوة أنها بعيدة تماما عن الحادثة فكريا وعمليا.
احتمالان أساسيان
استبعاد الجماعة الإسلامية، وكذلك القوى السياسية الحزبية أو الشعبية التي تشكلت أخيرا، وأبرزها حركة “كفاية”، وأيضا حركة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا، التي لم يثبت أنها كانت وراء أي عمل عنيف منذ أكثر من نصف قرن مضت، يجعل مسؤولية الحدث محصورة في احتمالين، الأول، وهو العمل الفردى المعزول، الذي قام به صاحبه لأسباب ذاتية وفوضوية، ومن ثم فلا توجد له أبعاد حركية وتنظيمية.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن وراءه تنظيما صغيرا حديثا لم يُـعرف من قبل، وربما لم يكن سوى خلية محدودة أرادت أن تُـعلن عن وجودها من خلال عمل يوفّـر لها أرضية دعائية كبيرة، ويحقق لها الانتشار المطلوب.
وفي سياق هذا الاحتمال أيضا، ثمة تكهّـن بأن يكون لهذه الخلية امتداد خارجي مع تنظيم إسلامي عابر للحدود أو قوة خارجية ما تستهدف إغراق المجتمع المصري في قدر من الفوضى المقصودة.
الاحتمال الأول، يتم التركيز عليه رسميا، ربما لأسباب تتعلق بالحفاظ على مستوى التدفق السياحي العالي. أما الثاني، فهو محل تشكيك نسبي، ولكن دون الاستبعاد الكامل.
فوفقا لخبرة حادثة فندق طابا في أكتوبر الماضي، فقد وجد أن المنفذين يشكلون خلية صغيرة غير مرتبطة بأحد، وكانت دوافعها مزيج من الإحباط والغضب مما يجري في فلسطين المحتلة على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، فكانت رسالتهم بمثابة ضربة مُـوجعة لأحد أبرز المعالم السياحية التي ينشدها الإسرائيليون.
خلية صغيرة وأفكار جهادية
ووفقا لهذا القياس الأولي، فمن غير المستبعد أن تكون هناك خلية ما صغيرة أو محدودة العدد، أرادت أن توجه رسالة للحكم. والظاهر أيضا أنها خلية معزولة، ولكنها متأثرة بأفكار جهادية عامة كتلك التي نشرها تنظيم القاعدة، ولكنها، أي الخلية المعنية، محدودة الفكر، وليست على إطلاع أو دراية بالنتائج الكارثية لأعمال العنف التي جرت في مصر وغيرها فى البلدان العربية والإسلامية، ولم تؤدّ أبدا إلى إسقاط أي حكومة أو بناء نظام جديد.
كذلك، يبدو أنه لا علم لها بالمراجعة الفكرية والشرعية التي قامت بها أكبر جماعة استخدمت العنف في مصر، وثبت لها انه يأتي فقط بالخراب والدمار والغضب من الله.
وجود مثل هذه الجماعات المحدودة لا يعني بالضرورة أنها غير بعيدة الصلة الفكرية، وربما التنظيمية مع جماعات أو مؤسسات تعمل في الخارج بهدف هز استقرار المنطقة، ولاسيما بلدانها الأكبر. وربما هذا ما عبّـر عنه تحذير وزير الداخلية المصري قبل ثلاثة أيام فقط من حادثة الأزهر بقوله أنه يتوقع حملة عنف عشوائية وشرسة تواجهها مصر.
إشكاليات المواجهة
دخول الجماعات الانتحارية على خط العنف العشوائي في مصر يطرح بدوره إشكاليات عدة بشأن أسلوب المواجهة الأمثل لمثل الظروف والمستجدات التي تعيشها مصر والمنطقة العربية بأسرها.
أحد ابرز هذه الإشكاليات ينصب على مدى كفاية الاقتراب الأمنية في مواجهة هذه الحملة المتوقعة من العنف العشوائي. فإذا كان الاقتراب الامنى أثبت نجاحه في مواجهة الجماعة الإسلامية والجهاد قبل عقد ونصف، فإنه وحده الآن لن يكون كافيا في مواجهة عنف عشوائي مسنود بأفكار دينية محل جدل كبير.
ولذلك، فإن التهوين من الحادث مدفوع باعتبارات الحفاظ على التدفق السياحي، وصورة أمنية زاهرة للبلاد، قد يكون خيارا غير دقيق تماما. فغياب المواجهة الإعلامية والفكرية والدينية للأفكار الدافعة لعمليات العنف العشوائي أو المخطط، سيقلص كثيرا من شمولية المواجهة ونجاعتها.
أما الإشكالية الثانية فهي مرتبطة أساسا بحالة النضال السياسي والسلمي التي يشهدها الشارع السياسي المصري على خلفية المطالبة بتغييرات دستورية وقانونية، تجسّـد بحق تطورا ديمقراطيا جوهريا عند انتخاب رئيس الجمهورية، وفقا لصيغة تعددية وتنافسية شفافة، وهي المطالبة التي دفعت بكثير من القوى السياسية للنزول إلى الشارع للتظاهر، ولتعبئة الناس لغرض الضغط السياسي والمعنوي على الحكومة، حتى تأخذ في الاعتبار تلك المطالب، والتى من بينها أيضا إلغاء العمل بقانون الطوارئ المعمول به منذ ثلاثين عاما متصلة، وهو القانون الذي تعتبره القوى السياسية والحزبية مسؤولا عن انكماش الحياة السياسية، وغياب المشاركة، وعزوف الناس عن العمل السياسي والقانوني.
وما دام حادث الأزهر، بالرغم من بدائيته، يدخل تحت بند مواجهة الإرهاب، فسوف تتصلب الحكومة في موقفها الرافض إلغاء قانون الطوارئ، بما في ذلك رفض وقف العمل به مدة الانتخابات الرئاسية المنتظرة في سبتمبر المقبل.
وربما أيضا تزداد حدة القيود القانونية على أية أعمال سلمية سياسية تقوم بها الأحزاب أو القوى السياسية الشعبية. وكثير من هؤلاء يتخوفون، رغم إدانتهم الشديدة للحادث واعتباره نوعا من الرجوع إلى الخلف، بالفعل من أن يوظف الحادث في خنق المطالب الشعبية، أو وضع رموزها تحت طائلة الاعتقال.
الإشكالية الثالثة ذات صلة بحالة الضغط الخارجي المنهجي على الحكم فى مصر، كأحد تطبيقات مشروع الشرق الأوسط الكبير. فلمدة طويلة، كانت طريقة إقناع الخارج تقوم على معادلة صفرية بين أمرين، إما استمرار النظام ومعه المصالح الغربية والأمريكية، أو غياب النظام لصالح آخر متطرف دينيا ومعه تدهور شديد للمصالح الغربية والأمريكية، وهي المعادلة التي أنتجت تأييدا للمواجهة الأمنية ضد الجماعات الإسلامية وتغاضيا عن أي تطور سياسي ديمقراطي حقيقي خلال العقدين الماضيين.
حادثة الأزهر بدورها قد تعيد الاعتبار، من وجهة نظر الحكومة المصرية، لهذه المعادلة، وبالتالي فقد تبرر أي بطء متعمد لأي تطور سياسي في اتجاه الديمقراطية.
والمعضلة هنا، أن رد الاعتبار هذا يتناقض تماما مع مفردات البيئة السياسية الدولية الضاغطة من أجل الإصلاح السياسى، وبدلا من تعميق الإصلاحات وتعزيز المشاركة، فقد تواجه مصر بإعادة إنتاج تنافسية سياسية مقيدة لا تضيف كثيرا، وهذا هو الجانب العبثي في الحادثة.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.