تكليف نواف سلام تشكيل حكومة جديدة في لبنان

كلّف الرئيس اللبناني جوزاف عون الاثنين القاضي نواف سلام تشكيل حكومة جديدة، بعد استشارات نيابية نال بموجبها سلام تأييد غالبية أعضاء البرلمان، في تطوّر يؤكد التغيير الكبير الحاصل في المشهد السياسي اللبناني نتيجة تراجع موقع حزب الله الذي كان يتحكّم بمفاصل الحياة السياسية في البلاد.
وامتنع حزب الله وحليفته حركة أمل اللذان كان نوابهما آخر من زار القصر الجمهوري للتشاور مع الرئيس، عن تسمية رئيس حكومة. وأدلى رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد بتصريح بدا إقرارا واضحا بالخسارة، لكنه أكد على تمسّك حزبه بالمشاركة في الحكومة.
وجاء تكليف سلام، وهو دبلوماسي مخضرم يرأس محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعد أربعة أيام على انتخاب جوزاف عون رئيسا، على وقع ضغوط خارجية خصوصا من الولايات المتحدة والسعودية، أعقبت تغيّر موازين القوى في الداخل على خلفية نكسات مني بها حزب الله في مواجهته الأخيرة مع اسرائيل وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.
وإثر انتهاء الاستشارات، أعلن المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير في بيان، أن رئيس الجمهورية “استدعى القاضي نواف سلام لتكليفه تشكيل الحكومة، علما أنه موجود حاليا خارج البلاد ومن المقرر أن يعود” الثلاثاء.
وحصل سلام على تأييد 84 نائبا في مقابل تأييد تسعة آخرين لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، بينما امتنع 35 نائبا عن التسمية، وفق الرئاسة.
وبحسب الدستور اللبناني، يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة، استنادا الى نتائج الاستشارات النيابية، وفي الممارسة، يُكلّف رئيس الجمهورية المرشح الذي ينال العدد الأكبر من الأصوات.
ودعمت سلام كتل معارضة لحزب الله ونواب مستقلون، إضافة الى كتلتي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والتيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، حليف حزب الله في العهد السابق.
وقال النائب فراس حمدان، وهو في عداد 13 نائبا انتُخبوا في العام 2022 إثر الاحتجاجات الشعبية ضد الطبقة الحاكمة التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2019، إن تسمية سلام “صناعة لبنانية من دون أي تدخل خارجي أو اجتماع أو رسالة من الخارج”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “هي مبادرة سياسية لبنانية بحتة تمّت بالتنسيق مع سلام شخصيا، تشبه خطاب القسم الرئاسي ومبادئ ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر)”، معتبرا أن سلام “شخصية تشبه جميع اللبنانيين الذين يرفضون استمرار الفساد والمحسوبيات”.
من جهته قال رعد “لقاؤنا مع فخامة الرئيس كان من أجل أن نعرب عن أسفنا لمن يريد أن يخدش اطلالة العهد التوافقية مرة جديدة”.
وتابع “الآن نقول بكل بساطة وبكل هدوء أعصاب، من حقّهم أن يعيشوا تجربتهم ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، لأن أي سلطة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها”.
– “ولّى زمن السلاح” –
وقاد ميقاتي حكومته في ظل شغور سدة الرئاسة لأكثر من سنتين، في فترة تعمّق فيها الانهيار الاقتصادي وشهدت حربا مدمّرة بين حزب الله واسرائيل، وتربطه علاقات جيدة مع قوى سياسية ويحظى بعلاقات خارجية مع جهات عدة.
لكن خصوم حزب الله ومعارضي تكليفه مجددا، يعتبرون أنه يشكّل جزءا من المنظومة السياسية السابقة التي أحكم حزب الله قبضته عليها.
وفي مقابلة مع قناة الحدث السعودية بثّت بعد تسمية سلام، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الخصم الشرس لحزب الله والذي سمّت كتلته سلام “ذهب النواب وقاموا بتسمية من يريدون دون ضغوط من أحد…لا يوجد محاولات إقصاء”.
واعتبر جعجع “هناك مشروع سياسي تقدّم على مشروع آخر…سوف نكمل ونحاول أن نترجم ما نؤمن به سياسيا”.
ودعا النائب جورج عدوان من كتلة حزب القوات اللبنانية في تصريح لصحافيين بعد تسمية الكتلة سلام، حزب الله الى “الانخراط في العمل السياسي”، مضيفا “زمن السلاح ولّى الى غير رجعة”.
وأضاف “ليتفضلوا الى العمل السياسي.. ونحن نمد أيدينا” اليهم “لنتعاون في بناء الوطن”.
وقال الباحث والأستاذ الجامعي علي مراد لوكالة فرانس برس إن “التفاف قوى سياسية ومن خلفيات مختلفة حول سلام يعكس التغييرات الحقيقية التي يعيشها لبنان” على وقع التغيرات المتسارعة في الداخل وفي المنطقة.
ويوضح أن “منع عودة ميقاتي شكّل هدف المعركة” المشترك لتلك القوى بعدما “تقاطعت على رفض عودته”.
ويتابع أن تسمية سلام بمثابة “إعادة اعتبار لمنطق الاصلاح ومنطق السيادة”.
واعتبر المحلل السياسي كريم بيطار أن ما قد يقلق حزب الله إزاء سلام هو “أنه قانوني، ملتزم للغاية بسيادة القانون واحترام المؤسسات، وكانوا يميلون إلى اعتباره ربما مفرطا في الميل نحو الغرب”.
– الحكومة؟ –
ويعود سلام الثلاثاء الى بيروت، وفق رئاسة الجمهورية، آتيا من لاهاي، على أن يلتقي رئيسي الجمهورية والبرلمان فور وصوله. ويتوقع أن يتوجه إثر ذلك بكلمة الى اللبنانيين.
ولا يعني تكليف رئيس حكومة جديد أنّ ولادة هذه الحكومة ستكون قريبة.
إلا أن عون قال في دردشة مع الصحافيين بعد انتهاء المشاورات في البهو الخارجي للقصر الجمهوري، “انتهينا من الخطوة الأولى، والخطوة الثانية هي التأليف وإن شاء الله أن يكون سلسا وفي أسرع وقت”.
وأضاف “نملك فرصا كبيرة جدا من خلال مساعدة الخارج لنا، وقد انتهيت للتو من محادثة مع رئيسة الوزراء الإيطالية التي أبلغتني أنهم ينتظروننا، ولكن يجب أن نذهب وقد شكّلنا حكومة”.
والتقى عون كذلك بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي أمل أن “يكون هناك تشكيلة وزارية سريعة تستجيب لكل ما هو مطلوب لبنانيا”، وفق تصريحات نقلتها الرئاسة في بيان.
وغالبا ما استغرق تشكيل الحكومات في لبنان أسابيع أو حتى أشهر بسبب الانقسامات السياسية العميقة.
وتنتظر الحكومة المقبلة تحديات كبرى، أبرزها الإعمار بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله واسرائيل التي دمّرت أجزاء في جنوب البلاد وشرقها وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينصّ على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006 والذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
ومن التحديات أيضا تنفيذ إصلاحات ملحّة للدفع بعجلة الاقتصاد بعد أكثر من خمس سنوات من انهيار غير مسبوق.
وقالت سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دو وال الاثنين بعد تسمية سلام، “من المشجع أن نرى الأمور تسير قدما في لبنان. نأمل في أن يتم تشكيل حكومة سريعا لإطلاق الإصلاحات الملحة وإعادة إحياء مؤسسات الدولة لصالح جميع اللبنانيين”.
لار/غ ر