توجهات جديدة لتعزيز اندماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي
خلّـف اللقاء التشاوري الثاني للمانحين والحكومة اليمنية الذي انعقد في العاصمة اليمنية صنعاء يوم الاثنين 3 فبراير، بصيص أمل بأن يكون لليمن موضِـع قدم متقدّم في دول مجلس التعاون الخليجي.
وهذا، على الرغم مما ساد اللقاء من نقاشات أخذت على الحكومة تقصيرها في كثير من الجوانب، لاسيما منها الأمنية ومكافحة الإرهاب.
يعزي التفاؤل هذه المرة لأن يتّـخذ تأهيل اليمن للاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون لدول الخليج دفعة قوية إلى عدد من المؤشرات الداخلية والخارجية، التي لا تكاد تنفكّ عن بعضها، لاسيما في حالة اليمن الذي ربط نمو اقتصاده في السنوات الأخيرة بدعم بلدان الخليج العربي النفطية والمانحين الدوليين.
فقد وضع البلد مخططا طموحا للنمو “الخطة الخُـمسية الثالثة للتنمية (2006- 2010)”، يعتمد بدرجة أساسية على الريع الخارجي للمانحين، خاصة وأنه يواجه صعوبات تأمين مصادر التمويل الذاتية نتيجة لتراجع إنتاج النفط وصعوبة إنعاش الصادرات غير النفطية، التي لم تتجاوز نسبة الـ 10% من إجمالي الصادرات ما جعل التعويل على مصادر التمويل الخارجي للخطط الإنمائية، يشكل أهم رهانات الحكومة اليمنية لإنجاح برامجها تلك.
وقد التزم المانحون في مؤتمر لندن، الذي انعقد في نهاية عام 2006، بتقديم أزيد من 7 مليار دولار على مدار السنوات الخمس للخطة، لكن التطورات الداخلية التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة وغموض موقف بعض البلدان الخليجية أو تردّده إزاء موقع اليمن في تجمع بلدانها، كرّس القناعات ببقاء اليمن بعيدا عن عتبة البوابة الخليجية حتى هذا اللقاء المنعقد في صنعاء هذه المرة، الذي عزز التفاؤل بأن اليمن مقبِـل على مرحلة جديدة في علاقاته بمحيطه الخليجي، طبقا لما يرصده المراقبون.
ويرى هؤلاء التابعون أن اليمن داخليا عاش طيلة الأشهر العشرة الماضية حالة من الفوضى والاضطراب المقلق، بسبب تزايد الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت مناطق الجنوب وارتفاع الدعوات الانفصالية، فيما بقى فتيل الحرب في صعدة، شمال البلاد منذ أربع سنوات، قابلا للانفجار في أي لحظة يتجدّد من حين لأخر ولم تنجح الوساطة القطرية في وضع حدٍّ نهائي لتلك الحرب حتى الأسبوع الماضي.
كما أن استمرار الحوادث الإرهابية أعادت إلى الأذهان الصعوبات التي تعترض صنعاء في وضع حدٍّ للنشاطات الإرهابية التي ينفِّـذها متطرفون إسلاميون، وجاء استهداف السياح البلجيكيين في وادي دوعن، شرق البلاد مؤخرا ليطرح مجددا خطر الإرهاب، رغم التدابير الأمنية التي تنفذها قوات الأمن والجيش، وعرفت العديد من مناطق البلاد في الأشهر القليلة الماضية تحدّيا سافرا لسلطات الدولة من قِـبل مجاميع قبلية، استطاعت أن تنفذ مهامّ ثأرية ما بين مناطق متباعدة، وبدت بمظهر أضعف سلطان الدولة وقللت من هيبتها.
تداعيات ومخاوف
كل تلك التداعيات التي ألمت بالبلاد، أشعلت المخاوف من أن تنهار الدولة اليمنية ومن أن ينجَـر المجتمع العصبوي القبلي إلى الفوضى، وهو أمر فيما لو حدث، لن يقتصر أثره على الجغرافيا اليمنية، بل سيمتَـد إلى دُول الجوار التي لم يكُـن بعضها بعيدا عن المشاكل التي يُـعاني منها اليمن. وقد ذهبت صنعاء في هذا السياق غير مرة، إلى اتهام أطراف خارجية بتحريك الشارع في الجنوب ودعم متمردي صعدة في الشمال.
هذه الأجواء الداخلية المضطربة، التي خيّـمت على اليمن، حملت – برأي المتابعين للشأن اليداخلي، نذر صراعات مُـقلقة للبلدان الخليجية، مما حدا بهذه الأخيرة خلال الشهرين الأخيرين، لاسيما بعد القمة الأخيرة لدول المجلس، التي انعقدت في أبو ظبي، إلى إرسال إشارات مختلفة عن المألوف بشأن وضعية اليمن المستقبلية ضمن دول هذه المنظومة، لذلك لم تكن نتائج اللقاء التشاوري، إلا تتويجا لتلك الإشارات المطمئنة لصنعاء.
فعقب القمة، سارع الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة إلى زيارة اليمن مُـعلنا رفع مساهمة بلاده في دعم اليمن من 500 مليون دولار إلى 650 مليون، مما اعتبر مؤشر تطمين لصنعاء بُـعيد القمة مباشرة.
وفي خطوة لاحقة لأول مرة، أفصحت المملكة العربية السعودية عن موقِـف قوي داعم بشأن مستقبل موقع اليمن في هذا التجمع الإقليمي، إذ كشفت مؤخرا أن العاهل السعودي الملك عبدالله كان قد طرح خلال القمة الأخيرة لقادة دول مجلس التعاون التي انعقدت في ديسمبر الماضي، مقترحا يدعو إلى ضرورة الإسراع بتأهيل اليمن من أجل الاندماج في اقتصاديات الخليج، وذلك على غير العادة التي ظلّـت فيها المملكة السعودية غير واضحة في موقفها من عضوية اليمن في التكتل الخليجي.
“من الشراكة إلى الاندماج”
من جهتها، استأنفت قطر وساطتها بين الحكومة اليمنية والمُـتمردين في صعدة واحتضنت مطلع الأسبوع المنصرم لقاءً جمع ممثلين عن الحكومة اليمنية والمتمردين، وقّـعا خلاله على اتفاق جديد، لإنهاء الحرب الدائرة منذ أربع سنوات.
وحسب ما ذهبت إليه مصادر مطلعة ربطت بين استئناف الوفاء في التزاماتها المالية التي تعهدت بتقديمها للحكومة اليمنية في مؤتمر لندن، وبين إنهاء الحرب الدائرة في صعدة، وهو ما أجبر الحكومة اليمنية على قبول التوقيع على الاتفاقية الجديدة لوضع حدٍّ للصِّـراع الذي أنهك البلاد.
الملاحظ، أن التحوّل في مواقف أهم الدول الخليجية تُـجاه وضع اليمن في مجلس التعاون، جاء متماشيا مع تصريحات عبد الرحمن بن حمد العطية، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حينما أكّـد خلال رعايته للقاء التشاوري الأخير في صنعاء، على ضرورة “الانتقال بعلاقة اليمن من مرحلة الشراكة إلى مرحلة الاندماج”، مما يؤكّـد المنحى الجديد في التعامل مع الملف اليمني، الذي غلب عليه طيلة الفترة السابقة منذ إعلان قبول اليمن في عضوية هذا التكتل عام 2001، عدم الجدّية، إلا أن هذه المرة وعلى عكس سابقاتها، شدد العطية في أكثر من حديث له على أن قادة دول المجلس والأمانة العامة، حريصون على تعزيز اندماج اليمن في نسيج مجلس التعاون.
تحسّـن مرهون..
إجمالا، إذا كان هناك مَـن يربط بين التحولات الفجائية في موقف بلدان المجلس الخليجي وبين الخِـشية من تطوّرات الأوضاع الداخلية اليمنية وانعكاسها على دول المنطقة، فإن هناك مَـن يرجع هذا التحول بالمواقف من وضعية اليمن في تكتل مجلس التعاون إلى توقيع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية واليمن وعُـمان والبحرين، وبتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية، على اتفاق لإنشاء أنبوب لنقل النفط من منطقة الخليج عبر ميناء المكلاء اليمني في أغسطس الماضي، تحاشيا للمخاطر التي قد تتعرّض لها خطوط المِـلاحة الدولية في مضيَـق هُـرمز، ممّـا أعطى اليمن حظوظا قوية لتمتين علاقاتها بالدول الأعضاء في مجلس التعاون.
الخلاصة التي يخرج بها المتابع لهذا الحدث وما تمخض عنه من نتائج، هي أنه ثمة بوادر جديدة لتحسين وضع اليمن من دول الإقليم، لكن يبقى ذلك التحسن مرهونا بما سيقدر عليه اليمن من تأمين استقراره الداخلي وتجاوبه مع مقتضيات المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة، التي أصبحت تفرض نفسها بقوة على هذا البلد الذي تعتمد خُـططه الإنمائية على الدّعم الخارجي ومساعدات المانحين.
عبد الكريم هائل سلام – صنعاء
صنعاء ـ صدر بيان صحفي في ختام جلسات أعمال اللقاء التشاوري الثاني لمتابعة نتائج مؤتمر المانحين لليمن، الذي استمر يوم واحد في صنعاء, “بمشاركة ما يزيد عن 250 مشارك يمثلون مجتمع المانحين الثنائيين والمتعددين من دول الخليج والدول المانحة التقليدية الأخرى والمؤسسات التمويلية الإقليمية والدولية، عقدت الحكومة اليمنية اللقاء التشاوري الثاني لمتابعة نتائج مؤتمر المانحين للجمهورية اليمنية الذي عقد في لندن منتصف نوفمبر من عام 2006.. تحت شعار “سير الإنجاز بعد مرور سنة من انعقاد مؤتمر المانحين”.
وترأس اللقاء الموسّـع، الذي عقد تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية اليمنية معالي كل من عبد الكريم إسماعيل الأرحبي، نائبي رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي وعبد الرحمن بن حمد العطية، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والسيدة دانييلا غراسيني، نائب رئيس البنك الدولي.
وفي إطار حرص الحكومة اليمنية على تعزيز الحوار والتشاور مع شركائها في التنمية حول الدفع بمقررات المؤتمر، عقدت جلسات أعمال اللقاء التشاوري الثاني بمشاركة رفيعة لممثلي الدول والجهات المانحة خارج وداخل اليمن.
وهدف اللقاء التشاوري بدرجة أساسية إلى مراجعة ما تم تنفيذه على امتداد عام منذ انعقاد مؤتمر لندن للمانحين وتقييم مستوى وطبيعة الانجازات التي تحققت على مستوى الإيفاء بالالتزامات، التي تم التوافق عليها خلال مؤتمر لندن للمانحين، الذي خلص إلى حصيلة من التعهدات بلغت 5.3 مليار دولار، وبالنظر إلى ما تم إنجازه من تخصصات لهذه التعهدات حتى شهر ديسمبر 2007.
كما تم استعراض ما تم اتخاذه من إجراءات فاعلة لتعزيز الطاقة الاستيعابية لتنفيذ المشاريع من خلال تعزيز الوحدات الفنية القائمة وإنشاء وحدات جديدة في قطاعات الكهرباء والطرق والمياه والتدريب المهني والزراعة… إلى جانب إنشاء وحدة فنية لمتابعة مشاريع الخليج. وقدمت خلال الجلسات عروض لكل من الحكومة اليمنية والأمانة العامة لدول الخليج العربية والبنك الدولي والمانحين الثنائيين الآخرين، كما تخللها نقاش مفتوح حول سير الإنجاز وطبيعة التحديات الاقتصادية التي تواجه اليمن واتجاهات العمل المشترك لدعم جهود اليمن في التخفيف من الفقر وتحقيق تنمية مستدامة والدفع بالإصلاحات التي تنتهجها الحكومة بما يعزز من البيئة المناسبة للاستثمار والتنمية.
إن الحكومة اليمنية، وهي تؤكد على مضيها قدما في تطبيق الأجندة الوطنية للإصلاحات التي قطعت فيها شوطا كبيرا، لا تزال محل تقدير المانحين لتجدد في الوقت نفسه أهمية حشد الجهد المشترك لترسيخ أسس شراكة حقيقية وفاعلة مع كافة الجهات المانحة وإضفاء المزيد من الزخم لمسيرة الشراكة التي أسس لها النجاح الذي حققه مؤتمر لندن للمانحين.
الجدير بالإشارة إلى أن نسبة التخصيص لتعهدات المانحين حتى نهاية العام المنصرم بلغت 70% من إجمالي التعهدات، فيما بلغت نسبة التخصيصات التي تم التوقيع على اتفاقيات لتكريسها في تنفيذ مشاريع تنموية مدرجة ضمن الخطة الخمسية الثالثة والبرنامج الاستثماري التابع لها 25% من إجمالي التخصيصات، وهي نسبة جيدة قياسا بالسقف الزمني ،الذي أنجزت خلاله والذي لا يتجاوز العام منذ انعقاد مؤتمر لندن للمانحين.
وفيما يتعلق بالمستجدات الاقتصادية فقد بلغ معدل نمو الإنتاج المحلي الإجمالي خلال عام 2007 3.6%، وهي نسبة لا بأس بها مقارنة بجملة من الظروف المتداخلة التي جعلت من نسبة النمو المذكورة دون مستوى طموح الحكومة اليمنية.
وتمثلت تلك الظروف في تراجع كميات الإنتاج النفطي بمعدلات أكبر مما كان متوقع، حيث تراجعت إلى 12.2% بالسالب إلى جانب تباين مستوى أداء القطاعات غير النفطية، وهو ما أدى إلى نسبية تحقق المؤشرات المستهدفة نتيجة تباطؤ الاستثمارات الخاصة والاستثمار العام، وخاصة في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية، الأمر الذي دفع الحكومة اليمنية للقيام بمراجعة نصف مرحلية للخطة الخمسية الثالثة بحلول شهر يونيو من هذا العام بهدف إعادة صياغة الإطار الاقتصادي الكلي لاستهداف معدلات نمو واقعية وقريبة من الإمكانيات الموضوعية للتحقق إلى جانب مراجعة الأهداف والسياسات القطاعية.
(المصدر: وكالة الأنباء اليمنية سبأ بتاريخ 4 فبراير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.