تونس: ترحيل الانفراج السياسي إلى 2008؟
بدأت سنة 2007 بحادِثة الاشتباك المسلّح بين الشرطة وعناصر مجهولة، وهي الحادثة التي فاجأت السلطة والرأي العام.
وها هي السنة نفسها تنتهي بإصدار أحكام ثقيلة بما في ذلك الإعدام والمؤبد على من بقى على قيد الحياة من أولئك العناصر، الذين أصبحوا يعرفون بـ “مجموعة سليمان” رغم أنهم يفضلون أن يطلق عليهم “جند أسد ابن الفرات”. احكام صدرت في ظروف، أثارت احتجاج الدفاع، ودفعت بمنظمات حقوق الإنسان إلى التشكيك في مصداقية المحكمة والمحاكمة.
كان المحامون يأملون في تأخير القضية لمدة شهر على الأقل، للإطلاع على ملفات موكِّـليهم، لكنهم اصطدَموا بإصرار قضائي، وربما سياسي، على طَـي صفحة هذه المجموعة قبل نهاية العام أو في أقصى تقدير، مع مطلع السنة الجديدة.
ويمكن القول بأن العام المنقضي، كان بامتياز عام المواجهة المتصاعدة، بين السلطة والتيار السلفي. الشاهد على ذلك، حملة الاعتقالات الواسعة، التي تمت في صفوف المتأثرين بما يجري في العراق خُـصوصا.
وبالرغم من غياب رقم دقيق لعدد الموقُـوفين، إلا أن الأوساط الحقوقية تتحدّث عن اعتقال أكثر من ألفي شخص ضمن الحملة المُـدرجة فيما يُـسمى بـ “مكافحة الإرهاب”، كما أن هناك وتيرة متسارعة لمحاكمة الكثير منهم، حيث صدرت خلال الأشهر الأخيرة أحكام قضائية، تراوح معظمها بين سنتين و12 عاما، ومنهم من تجاوز نصيبه العشرين سنة.
كما كشفت التحقيقات والملفات أن هؤلاء لا يجمعهم تنظيم حزبي أو قيادة موحدة، وإنما هم أفراد أو مجموعات صغيرة من شباب لا تزيد أعمارهم عن 26 عاما، تأثروا بما يجري في بلاد الرافدين وتفاعلوا مع خطاب سياسي ودِيني أثار حمَـاسهم، وجعل الكثير منهم يُـقرر الالتحاق بما تصوروه مقاومة مشروعة في العراق.
اعتُـقل بعضهم في سوريا وآخرون في الجزائر، وصِـنف ثالث لم يغادر تونس أصلا، وباستثناء جماعة “سليمان”، التي قرّرت أن يبدأ “الجهاد” من تونس، فإن الأغلبية الساحقة من أبناء هذا التيار غير المنظم، لم تكُـن معنِـية بالشأن التونسي ولم تفكر في مُـمارسة العُـنف ضد أيّ جِـهة داخلية، وإنما الذي شغلها وحرّكها، نفس المشاعر التي حرّكت آخرين قدِموا من بلدان كثيرة لمنازلة الأمريكان على أرض العراق.
ما أثار حيرة المحامين والحقوقيين والمراقبين، هو أنه بعد عام كامل من تاريخ القضاء على مجموعة “سليمان”، فإن الغموض لا يزال يحيط بجوانب من هذه القضية، إذ بالرغم من أن الجهات الرسمية سبق لها وأن ذكرت بأن هدف المجموعة كان التخطيط للاعتداء على سفارات أجنبية، وتحديدا سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أن ملف القضية جاء خاليا من هذه الحيثيات – حسبما ذكره بعض المحامين – كما فوجئ الجميع بتوجيه تُـهمة محاولة قلب النظام، مما حوّل اتجاه القضية وأدرجها ضِـمن سياق مختلِـف عمّـا ذكره وزير الداخلية، في لقائه الشهير مع كوادر الحزب الحاكم، مما جعل البعض يعتقد بأن هناك مُـعطيات لا تزال مخفية.
وقد نقل ” المجلس الوطني للحريات ” في بيان له عن المحامين تأكيدهم بأن ” الملف تنقصه بعض الوثائق ومحيت منه بعض الأجزاء في النسخة التي مكن منها المحامون، أمّا النسخة الأصلية فهي غير موجودة بخلاف الإجراءات المعمول بها في المحكمة. وقد تمت معاينة غياب ثلاثة وثائق رئيسية من ملف القضية (قرار افتتاح الأبحاث وقرار الإنابة العدلية ومحاضر الجلسات والاستنطاقات بالجلسة) حسب محضر معاينة قام بها الفرع الجهوي للمحامين بتـونس يـــوم 18/12/2007 “.
وفي انتظار الكشف عن الحلقات المفقودة في هذه القضية، التي ذكّـرت التونسيين بحادثة مدينة قفصة، وإن كانت أجواء المحاكمة هذه المرة تدور في ظروف غير مسبوقة، فإن كل المؤشرات تدُل على أن مرحلة مواجهة السلفِـيين، مرشحة لكي تمتَـد في الزمان والمكان، وهناك من لا يُـخفي خِـشيته مما قد يُـفرزه الأسلوب الأمني المتشدد، الذي يتم اعتماده مع أعضاء هذا التيار، وبالأخص ما يُـمكن أن ينجَـرّ عن احتمال إعدام المتهمين “صابر رقوبي وعماد بن عامر” الذين شملهما هذا الحكم”.
وما يخشاه هؤلاء، هو أن تتجدّد محاولات العُـنف الموجّـه نحو الداخل، سواء بدعم خارجي أو بدافع “الثأر”، فتصاعد وتيرة العمليات المسلحة في الجزائر وبقية دول المغرب، من شأنه أن يعزز احتمالات سعي البعض لزعزعة استقرار بلد مثل تونس، التي تمكّـنت إلى حدّ الآن، من أن تكون خارج دوّامة العُـنف المنظم والمحترف.
في انتظار الانفراج!
مرت سنة 2007، دون أن يتحقّـق الانفراج السياسي، الذي طالما توقّـعته بعض الأوساط وروّجت له جِـهات من داخل السلطة أو قريبة منها، وكانت آخر محطة انتظار، هي الذكرى العشرون لاستلام الرئيس بن علي الحُـكم، حيث لم يتضمّـن خطابه أي إجراء سياسي من الحَـجم الثقيل، ممّـا خلّـف لدى الكثيرين شعورا بخيمة أمل، وبذلك، استمرّت حالة الاحتقان في أوساط شقّ من المعارضة والمجتمع المدني، حيث شكّـل الإضراب عن الطعام لمدة شهر، الذي قام به مسؤولان في الحزب الديمقراطي التقدمي، أهم مظهر له في هذه السنة.
لقد رفض الرئيس بن علي الانفتاح على هذا الصِّـنف من المعارضة، التي تقف على النَّـقيض من سياساته وتُـشكِّـك في شرعية الحُـكم القائم وتعترض على ترشيح بن علي للانتخابات الرئاسية القادمة، معتبِـرة ذلك “رئاسة مدى الحيــاة”، وبتعبير أدق، وضع الرئيس بن علي شروطا ضِـمنية لأي علاقة محتملة مع الأطراف الاحتجاجية، لعَـل في مقدّمتها، التسليم بقواعد اللعبة التي وُضِـعت منذ انتخابات 1994.
لكن، ورغم أن نفس الخطاب لم يُـغلق باب الإصلاح نهائيا، حسب اعتقاد البعض من المعارضين، إلا أن جزءً من الأحزاب المتّـهمة بكونها موالية للسلطة، عبّـر بِـدَوره عن رغبتِـه في أن يتِـم تعديل هذه القواعد بشكل يسمح لهذا الصنف من المعارضة من التخلّـص، ولو نسبيا، من هيمنة الحزب الحاكم على مختلف جوانب الشأن العام.
وقد عبّـر عن ذلك بوضوح إسماعيل بولحية، رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، عندما انتقد صراحة (حزب التجمع الدستوري الديمقراطي) الحزب الحاكم، في برنامج تلفزيوني حواري تمّ بثه قبل أيام.
والمعلوم أن بولحية يُـعتبر من بين أكثر الشخصيات السياسية من خارج الحُـكم، مقرّبا للرئيس بن علي، مع ذلك، هناك من يفترض بأن سنة 2008 قد تشهد خُـطوات ملموسة في اتِّـجاه ترضِـية بعض تطلُّـعات الشارع السياسي والنُّـخب المتعلمة.
“الخيار الثالث”
من جهة أخرى، شهد “الحزب الديمقراطي التقدمي”، الذي يُـعتبر من بين أنشط الأحزاب المكوّنة لهيئة 18 أكتوبر، تبايُـنا عميقا في وجهات النظر حول منهج التغيير والعلاقة بالنظام، فقد أصدرت بعض عناصره القيادية عدداً من النّـصوص طيلة السنة الجارية تحت عنوان “نصوص في التنمية السياسية”، صدر آخرها في مطلع شهر ديسمبر 2007.
وقد اعتبر الموقِّـعون عليه، أن إمكانيات الإصلاح السياسي لا تزال قائمة في تونس، وخلافا لمن يعتقد بأن الوضع السياسي قد وصل إلى حدِّ القطيعة، فإن هؤلاء يؤمِـنون بوجود “تقاطعات هامة بين السلطة والمعارضة، من أجل إنهاء التنافي والبناء المشترك”.
كما أن أصحاب الوثيقة جدّدوا رفضَـهم للمعارضة الراديكالية واتهموها بـ “ضيق الأفُـق”، وذهبوا إلى حدّ القول بأن “إرساء نظام سياسي جديد على أنقاض النظام القائم، بقطع النّـظر عن عدم واقعيته، يظَـل بدوره محكوما بجاذِبية التسلط”، وأكّـدوا على أن “النجاعة السياسية تتطلب البراغماتية”، هذا الخطاب، الذي يعتبِـره البعض “استسلاميا”، يشكِّـل مؤشرا عن المأزق الذي تواجهه المعارضة في تونس، هذه المعارضة التي لم تتمكّـن مرة أخرى طيلة سنة 2007 من تغيير المعدّلات لصالحها أو جذب اهتمام الرأي العام للمعركة التي تخوضها منذ سنوات طويلة، ضد نظام الحكم.
وقد يبدو هذا الجدل الدّائر حول منهَـج التغيير، هل يكون راديكاليا أو إصلاحيا، مجرّد نقاش داخل فصيل واحد من المعارضة الاحتجاجية، لكن الاقتراب أكثر من المشهد السياسي قد يكشِـف بأن نِـطاق هذا الجدل تتجاوز دائرة حزب واحد وأن سنة 2008 قد تشهد مُـبادرات متعدّدة الأطراف، للبحث عما وصفته إحدى الصحف المحلية بـ “الخيار الثالث”، بين طريق الموالاة وطريق القطيعة.
لكن العقبة الرئيسية أمام الباحثين عن مِـثل هذا الخيار، تتمثل في مدى استعداد السلطة لتقبُّـل هذا النّـمط الجديد من المعارضة، وهل ستوفِّـر له شروط البروز والتَّـبلوُر، أم أنها ستكتفي بتوظيفه لإضعاف الجميع؟
ملف رابطة حقوق الإنسان.. يظل معلّـقا
إن شيئا ما يحدُث داخل الساحة النقابية، هذا ما يلمَـسه المراقب وهو يستعرض أهمّ التطورات التي سُـجِّـلت خلال هذه السنة الجارية، فالإضرابات العُـمالية والقطاعية، عرفت وتيرة متصاعِـدة خلال العام المنقضي، وهو ما جعل البعض يعتقد بأن سنة 2008 ستكون محكومة إلى حدٍّ كبير بتوتُّـر اجتماعي بارز.
فالغلاء في تونس، قد أصبح ظاهرة حادة تقض مضجَـع الأغلبية الواسعة من السكان، بما في ذلك الطبقة الوسطى، التي اعتبرتها صحيفة “الشروق” بأنها أصبحت مرهُـونة لدى البنوك، كما أن الخصخصة لا تزال تخلِّـف وراءها ضحايا يعزِّزون سنة بعد سنة جبهة العاطلين عن العمل، إلى جانب ما تقذف به المدارس والجامعات من كُـتل بشرية ضخمة كل عام نحو سوق الشغل.
أخيرا، استمر مِـلف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان معلَّـقا للسنة السابعة على التوالي، ورغم أن سنة 2007 تميّـزت عن غيرها بفتح حوار متقطّـع بين الهيئة المديرة لهذه المنظمة وبين السلطة من خلال رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان، إلا أن المحادثات التي تمّـت، لم تفض إلى حلول عملية لتمكين الرابطة من عقد مؤتمرها السادس، وبالتالي، إلغاء الأحكام القضائية التي تمنعها من ذلك، وإذ تجدّدت من حين لآخر الحملة الإعلامية ضد رئيس الرابطة والهيئة المديرة، إلا أن الأيام الأخيرة الماضية شهِـدت عودة الاتصال والمحادثات بين السيدين مختار الطريفي (عن الرابطة) ومنصر الرويسي (عن السلطة)، وبذلك، تجدّد الأمل في احتمال تسوية قريبة لهذا الملف، الذي لا زالت تعتبره الأوساط الدبلوماسية بمثابة المِـحرار الفعلي لقياس درجة الانفتاح السياسي للنظام.
هكذا بدا المشهد السياسي في تونس طيلة العام الذي ودعنا، فهل يُـمكن القول بأن السلطة قرّرت بوَعي ترحيل قرارات الانفراج السياسي للعام الجديد؟
الأكيد أن سنة 2008 ستمحو سياسيا حول تكثيف الاستعدادات السياسية للانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي ستنظم خلال سنة 2009، وهي انتخابات ستكتسب، من الناحية الرمزية، أهمية خاصة للرئيس بن علي الذي يتهيّـأ لدورة رئاسية خامسة.
صلاح الدين الجورشي – تونس
تونس (رويترز) – تجمّـع مئات المدرسين يوم الخميس 27 ديسمبر بوسط العاصمة تونس، للاحتجاج على ما وصفوه بالفصل التعسّـفي لثلاثة زملاء لهم يُـضربون عن الطعام منذ 37 يوما.
وبدأ ثلاثة من معلِّـمي المرحلة الثانوية، وهم علي الجلولي ومُـعز الزغلامي ومحمد المومني، إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ 20 نوفمبر الماضي، احتجاجا على ما قالوا إنه طرد تعسُّـفي وتعهّـدوا بعدم وقف الإضراب إلا بإعادتهم للعمل.
وقالت وزارة التربية والتكوين التونسية، إن الأمر يتعلّـق بعدم تجديد عقود العمل، على غِـرار ما اتُّـخذ في شأن عدد آخر من المتعاقدين.
ورفع المحتجّـون، الذين فاق عددهم 600 شخصا، في ساحة محمد علي أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، شعارات تُـنادي بحق العمل، من بينها “صامدين صامدين حتى رجوع المطرودين”.
ويتّـهم نقابيون وزارة التربية بفصل المدرسين، بسبب أنشطتهم النقابية، بينما نفت الوزارة ذلك وقالت إنه لا دخل للانتماءات السياسية والنقابية في المعايير المعتَـمدة من قِـبلها.
ورُفعت خلال التجمّـع الاحتجاجي، الذي دام نحو ساعة، لافتات كُـتب عليها “معا يا عمّـال ضد الطرد والاستغلال” و”حق الشغل واجب.. حق الإضراب واجب”.
وهدّد فرج شباح، المسؤول بنقابة التعليم الثانوي بإضراب عن العمل في منتصف شهر يناير المقبل، تصعيدا للاحتجاجات إذا لم يعُـد المعلمون إلى عملهم.
وحاول المحتجّـون الخروج في مسيرة نحو شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، لكنهم مُـنعوا من ذلك.
ويُـنتظر أن تتواصل احتجاجات المدرّسين بعد أن اتّـسع نطاق التعاطف معهم، ليشمل حقوقيين وناشطين سياسيين.
وتُـحرج مثل هذه الاحتجاجات الحكومة التونسية، التي تتباهى بأنها من بين أفضل الدول العربية والإفريقية على مستوى الالتحاق بالمدارس، الذي يتجاوز معدله 90%، وِفقا للأرقام الرسمية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 ديسمبر 2007)
تونس (رويترز) – قال محامون يوم الأربعاء 26 ديسمبر، إن المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، قضت بالسجن لمدة تتراوح بين عامين وخمسة أعوام على عشرة شبّـان تونسيين، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لمحاولتهم الانضمام لمقاتلي القاعدة في العراق.
وقال المحامي سمير ديلو لرويترز، إن كريم البلومي، وهو طالب في السنة الثالثة بكلية الهندسة، نال حُـكما بالسجن لمدة خمسة أعوام، بينما نال تسعة آخرون حُـكما بالسجن لمدة عامين.
وأضاف ديلو أن المحكمة أدانت الرجال بتلقّـي تدريبات عسكرية خارج الحدود، والتخطيط للالتحاق بالمقاومة في العراق، لقتال القوات الأمريكية وتجنيد أشخاص للقتال في العراق.
وتشُـن السلطات التونسية حملة أمنية على المتشدّدين الراغبين في الانضمام للجماعات المسلحة في العراق، على الرغم من التعاطف الواسع في البلاد مع من يقاتلون الولايات المتحدة في العراق.
ويقدِّر محامون تونسيون عدد المعتقلين بتُـهم متعلِّـقة بقانون مكافحة الإرهاب، المطبق في تونس منذ عام 2003، بحوالي ألف شخص.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 ديسمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.