“رؤى من الواقع”.. ضرورة سينمائية في عالم يزداد تعقيدا
تحتفل مدينة نيون هذا العام بمرور أربعين عاما على احتضانها للسينما الوثائقية وخمسة عشر عاما على مهرجان رؤى من الواقع، الذي يُـديره جون بيري، ويواصِـل اقتراح برمجةٍ تمزجُ بين المواضيع المتخصّـصة جدا والملفّـات التي تُـثير اهتمام الجمهور العريض.
من 23 إلى 29 أبريل، سيغيب الملَـل والتِّـكرار عن قاعات العرض المطِـلّـة على بحيرة ليمان، التي ستنقُـل شاشاتها مخاطِـر الليبرالية الجديدة ومعضِـلة تلوث الشواطئ الكندية وتعريفا بلُـعبة إستراتيجية افتراضية واستعادة للحروب الكُـبرى للقرن العشرين وأوضاع الصيد والصيادين في المغرب والطبّ النفسي في اليابان وغيرها من القضايا، المتداولة في الأشرطة العشرين المشاركة في المسابقة الدولية لهذه السنة.
أربعة أشرطة سويسرية حاضرة في المسابقة. ففي شريط “بسيجي”، تنقُـل المخرجة مهران تمادون، صورة عن اصطدامها بالمليشيا الحكومية الإيرانية، التي تحمل نفس الاسم. أما فاديم يندرايكو، فتتناول في شريط “السيدة والأفيال الخمسة”، أدب دستويفسكي. أما في بقية أقسام المهرجان، فإن الكلمات – المفاتيح تشمل موسيقى البيتلز وروبيرت فرانك والسرطان والعائلة والحلاقة والغابة والأيديولوجيات ومنطقة Bretagne، غرب فرنسا ولبنان وكوبا ودارفور وغيرها.
مدير المهرجان هو جون بيري، الذي يُـشرف على تسييره منذ عام 1995، ألّـف أطروحةً حول السينما الوثائقية السويسرية في الثلاثينات وعمل في مجال التدريس، كما مارس مهنة الصحافة لسنوات طويلة. شغل من عام 1990 إلى 1994 منصب المفوض العام لأسبوع النقّـاد في مهرجان لوكارنو الدولي للسينما، كما يشارك في العديد من المؤسسات والهياكل المعنية بالترويج والإنتاج والتوزيع في المجال السينمائي.
سويس انفو: ما الذي سيُـشاهده الجمهور هذا العام في “رؤى من الواقع”؟
جون بيري: ثلاثة أمور على الأقل. أولا، نعثُـر مرة أخرى على التنوّع الرائع لأشكال التعبير في سينما الواقع، الذي يتميّـز عن الوثائقي الخالص. ثانيا، سنشاهد من جهة، أشرطة تروي حكايات بضمير المتحدث، ذات طابع السيرة الذاتية. ومن جهة أخرى، هناك الرحلات الكبرى، ذلك أن سينمائيي الواقع، يعشقون السفر واستكشاف الآخر في أقصى نِـقاط الأرض.
الانفتاح الثالث للمهرجان، يتمثل في تجميع كل أولئك الذين يوجدون في قلب عملية الإبداع السينمائي، والذين يقترحون علينا، بفضل التزامهم وتصميمهم ورؤيتهم وتوقيعهم وشخصياتهم، أشياء لم تُـشاهَـد أبدا من قبل.
سويس انفو: هل هناك قضايا أو مواضيع، تتّـسم بأهمية خاصة هذا العام؟
جون بيري: نعم، هناك أولا تلك المُـرتبِـطة بوضع العالم. فالأزمة الاقتصادية وأزمات البورصات والأزمة المالية والأزمة الشاملة للقيِّـم المؤسِّـسة لمجتمعاتنا الغربية الرأسمالية، كانت محاور لعدد من الأشرطة، التي تتّـخِـذ مسافة (عنها) وتُـفكّـر وتقترح وتُـجري مقابلات وتُـعطي الكلمة.
وضع الكرة الأرضية من وجهة نظرٍ بيئية، قضية أخرى تتكرّر هذا العام، أما الطاقة النووية، فكانت مثار اهتمام بعض الأفلام المُـلتزمة والمثيرة للاهتمام.
هناك مِـحور آخر شديد الأهمية، بالنسبة لنا، نظرا لأنه يمنحُ لسينما الواقع دفعا لجهة فرحة الحياة وتحقيق الذات والتوازن بين الإنسان ومحيطه، يتمثل في الأشرطة التي تعالِـج الإبداع الفني، حيث نعرض على سبيل المثال، شريطا صوِّر في فنزويلا يحمل عنوان « El sistema » (النظام)، يتحدّث عن الموسيقى الكلاسيكية، التي أتاحت لبعض الأطفال إمكانية الخروج من ظروف حياة تتّـسم بالهشاشة في بعض الأحيان.
بعض الأشرطة التي وقع الاختيار عليها في “رؤى من الواقع”، تُـظهر أيضا كيف يعيش الناس حياتهم اليومية. فعلى سبيل المثال، يتحدّث شريط Perestroïka عن شقّـة جماعية في مدينة سان بيترسبورغ، يقطُـن كل غرفة منها مستأجر من صِـنف خاص، وهو توصيف لنمط حياة (يرتبط) بفترة الحرب الباردة، يتّـسم بالغرابة الشديدة ومثير للانشغال الشديد في نفس الوقت. وإجمالا، إنها أشرطة تدفع للتفكير والضحِـك والبكاء.
سويس انفو: هذه هي الدورة الأربعون للمهرجان والخامسة عشرة لرؤى من الواقع تحديدا، هل جاء أوان جرد الحساب؟
جون بيري: لا شك في ذلك، فبإمكاننا طرح السؤال: هل وصلنا إلى مستوىً جيِّـد من العمل؟ أم أن مدّة المهرجان طالت أكثر من اللزوم؟ وما الذي نرغبُ في القيام به تاليا؟ الجواب (عن هذه الأسئلة) مُـزدوج.
بداية، نحن نقوم في كل عام بإجراء حصيلة، تشملُ (عدد المتفرِّجين)، الذين تمكّـنا من جمعِـهم وما تمّ إنجازُه واستقبال الجمهور (للأشرطة المعروضة) ورأي المحترفين ومشاعر السينمائيين، وتطرح هذه الحصيلة دائما السؤال حول ما إذا كان يجب الاستمرار في عرض جميع هذه الأشرطة والحِـرص على تقاسُـمها (مع الجمهور).
بعد ذلك، وفي إطار التفكير الدوري للمهرجان، توصّـلنا في الوقت الحاضر إلى خلاصة، تتمثل في أنه من المفيد جدا عرض هذه الصوَّر، التي وقع الاختيار عليها من بين عدّة ملايين. فقد شاهدنا هذا العام 1700 شريط، لم نختر منها إلا 140.
ومن خلال هذا الانتقاء، نسعى لأن نقترح على المتفرِّج المسافة الضرورية، التي بإمكانها أن تُـوفِّـر له لذّة وتفكيرا ومشاعر.
سويس انفو: ما الذي تغيّـر في سينما الواقع بعد انقضاء كل هذه الأعوام؟
جون بيري: بلا شك، تُـعتبر الثورة التكنولوجية المعتبرة المرتبطة بالصور الرقمية، مسألة فارقة في تطوُّر سينما الواقع منذ 15 عاما.
إن طرح أجهزة كاميرا صغيرة وخفيفة في السوق، يستطيع أي شخص كان بفضلها، التقاط صوَّرٍ يُـمكن أن يعرضها فيما بعد على حاسوبه أو ينسخها على قرص مضغوط وينشُـرها، تُـعتبر ثورة، لأنها تسمحُ لأي كان بالتعبير.
أما النتيجة، فتتمثل في اكتشافات مثيرة. فعلى سبيل المثال، لم يكُـن متاحا لنا أن نتعرّف في بلادنا على الصين، مثلما تُـعاشُ من طرف ملايين الصينيين اليوم، بدون هذه الموجة الجديدة من السينمائيين، المُـستخدمين لأجهزة التصوير الخفيفة بالفيديو، المستقلّـين تماما عن استوديوهات الدولة.
سويس انفو: يشهدُ إنتاج الأشرطة الوثائقية على الإنترنت، ارتفاعا مهولا، وقد خصّـصتم له قسما في دورة هذا العام. ما هي رؤيتك لهذه الظاهرة؟
جون بيري: تتّـسم رؤيتنا لها بالمراقبة، حيث نحاول فهْـم تطوّر هذا الأسلوب الجديد لتمويل أشرطة (بتكلفة أقل على الإنترنت) وبثِّـها وتصوُّرها، كما نتساءل عمّـا سيتغيّـر – نتيجة لنشرِ أشرطة وثائقية وأفلام من الواقع على الإنترنت – في الأسلوب الذي يستخدمه السينمائيون لرواية قصصهم ولتصوير أشرطتهم وتركيبها وبثها. إننا نريد أن نُـمارس عملية التفكير هذه، في إطار شبكة توزيع مثيرة للاهتمام في صورة استخدامها من طرف سينمائيين موهوبين.
ففي هذه السنة، نستقبل ليخ كوفالسكي، وهو بولندي عاش في الأوساط الثقافية “التحتية” Underground الأمريكية في نيويورك وعاد الآن إلى أوروبا، وهو يقترح في كل أسبوع على موقعه على شبكة الإنترنت www.camerawar.tv، حلقة جديدة من سلسلة تروي مجتمِـعة قصة ما، مع احتفاظ كل حلقة بخصوصيتها. وتتمثل محاولته في تصوير ما يُـسمّـيه “انهيار الرأسمالية” بشكل يومي تقريبا في الولايات المتحدة. أليست مغامرة تستحق المتابعة؟
أجرى الحديث بيير فرانسوا بيسّـون – سويس انفو
تدور فعاليات الدورة 15 لمهرجان “رؤى من الواقع” في مدنية نيون فن 23 إلى 29 أبريل، وسيتم الإعلان عن الأشرطة الفائزة مساء الأربعاء 29.
الجمهور مدعُـوّ لاكتشاف أكثر من 150 شريطا، من بينهم 20 (من 16 بلدا) في المسابقة الدولية، وتضم لجنة التحكيم الدولية للمهرجان، كلا من موللي دينين وساللي بريغر وفرناند ميلغار وهولمان موريس.
يشتمل المهرجان على 10 أقسام وورشتين، خُـصِّـصتا هذا العام للبنانيين، جوانا حاجي طوماس وخليل جريج ولسيرغي دفورتسيفوي من كازاخستان.
بمناسبة الاحتفاء المُـزدوج بذكرى تأسيس المهرجان، تُـنظَّـم أمسيات نقاش حول حصيلة العشرية الأولى لشبكة الأشرطة الوثائقية الأوروبية وحول مرور 20 عاما على انهيار جدار برلين وأخرى حول ظاهرة إنتاج وترويج الأشرطة الوثائقية على الإنترنت…
يُـعتبر “رؤى من الواقع”، المهرجان السينمائي الأول في سويسرا الروماندية (المتحدثة بالفرنسية)، وهو من أهمِّ التظاهرات السينمائية في سويسرا، بعد مهرجاني لوكارنو الدولي وسولوتورن للأفلام السويسرية. وفي عام 2008، بلغ عدد المتفرِّجين فيه 28000 شخص.
هذا المهرجان، الذي تمّ تجديده في عام 1995 ليتّـخِـذ صيغته الحالية، بعد تجربة أولى انطلقت في عام 1969، يُـقدِّم سينما تتعامل بشكل مباشر مع الواقع بأسلوب يتجاوز الحدود الصارمة للشريط الوثائقي.
يُـمثِّـل “رؤى من الواقع” أيضا، موعدا مميَّـزا للّـقاء بين المنتجين والموزِّعين الأوروبيين. وفي هذه السنة، يقترح سوق Doc Outlook، اختيارا واسعا يشتمل على 250 شريطا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.