جدل في جنيف حول الاحتلال الإسرائيلي وتأثيراته الاقتصادية
أثار تقرير أممي حول تأثيرات الاحتلال الإسرائيلي لدى مناقشته في اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جنيف، جدلا بين مطالبين بمعالجة موضوع الاحتلال وآخرين يرون في مجرد النقاش "تسييسا" لمداولات الاجتماع.
من جهة أخرى، أثارت مناقشة موضوع محو الاستعمار تلاسنا بين الجزائر والمغرب حول مسألة الاستفتاء في الصحراء الغربية.
في دورته الحالية المنعقدة في قصر الأمم المتحدة في جنيف ما بين 2 و 27 يوليو، تطرق المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة يوم الإثنين 23 يوليو للأوضاع في الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل من خلال مناقشة تقرير مكتب اللجان الإقليمية بخصوص التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الاحتلال.
الاجتماع استمع إلى تقرير قدمه ممثل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا السيد عمرو نور أورد أرقاما عن معاناة الشعب الفلسطيني من جراء هذا الاحتلال والحصار، كما أثار جدلا بين ممثل فلسطين وإسرائيل وبعض الدول الأخرى المناصرة للطرفين بخصوص صلاحية أو عدم صلاحية تطرق الاجتماع لموضوع الاحتلال.
فقر ومجاعة وتدمير بسبب الاحتلال
تقرير مكتب اللجان الإقليمية بمنظمة الأمم المتحدة أوضح بأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية ومرتفعات الجولان يواصل تهديد فرص الانتعاش الاقتصادي للفلسطينيين.
وأورد التقرير بأن “عمليات الحصار الداخلية والخارجية، والمرفقة بحجب المساعدات المالية الحيوية بالنسبة للسلطة الفلسطينية تضاعفت بشكل كبير خلال العام 2006، وعملت على تعميق الأزمة الاقتصادية في الأراضي المحتلة”.
وبلغة الأرقام يرى التقرير أن حجب الأموال عقب قرار الرباعية أدى إلى تراجع الناتج القومي الفلسطيني بحوالي 8% خلال الربع الثالث من عام 2006 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2005. وقد بلغت نسبة البطالة 30% في الضفة وأكثر من 60% في القطاع، وأفاد بأن 65 % من العائلات الفلسطينية اضطرت للاقتراض من أجل الإيفاء بحاجياتها المعيشية اليومية.
وأشار التقرير الى تفاقم ظاهرة سوء التغذية وذكر أن أكثر 57% من الأطفال في قطاع غزة في سن يتراوح ما بين الشهر السادس والسنة الثالثة، وأكثر من 44% من النساء الحوامل يعانون من فقر الدم.
ونتيجة لهذا التدهور الإضافي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبسبب نقص التمويل، قال التقرير إن مبالغ هامة مما كان من المفروض أن تذهب لبناء الاقتصاد الفلسطيني أصبحت تنفق على المساعدة الطارئة.
وعلى الرغم مما تبذله المجموعة الدولية للإيفاء بحاجيات الشعب الفلسطيني رغم الصعاب، انتهي التقرير الى خاتمة مفادها أن ذلك “يجب ألا يعتقد بأنها قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادي والاجتماعية على المدى البعيد أو أن تزيل المسؤولية عن الأطراف المحلية أو أن تعفي من الشروع في مسار سياسي بإمكانه أن يعالج الأسباب العميقة للصراع”.
ضرورة الحديث عن الاحتلال وليس عن تأثيراته
في شجبه لفتور تحمس الدول الغربية لمناقشة موضوع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومعارضة البعض الآخر لذلك، ذكّر السفير الفلسطيني محمد أبو كوش أثناء تدخله في النقاش، بأن “المأساة الفلسطينية هي من صنع أوروبا إبان الفترة الاستعمارية التي عانت منها العديد من الدول الممثلة في المجلس اليوم”. كما تساءل عن أسباب “إفراط بعض الدول الغربية في الدفاع أمام المجلس عن حقوق ذوي الشذوذ الجنسي، أو تجند الولايات المتحدة والبرتغال للدفاع ضد رفض قبول عضوية منظمة المؤتمر الوطني اليهودي (في المجلس الاقتصادي والاجتماعي) كمنظمة غير حكومية في الوقت الذي تعتبر فيه في حقيقة الأمر المحرك لسياسة الاستيطان في فلسطين”؟.
وانتهى السفير الفلسطيني الى القول بأن “رغبة المجموعة الدولية في الابقاء على توازن في المواقف بين المحتل والقوة المحتلة هو بمثابة تجاهل للأسباب الحقيقة للأوضاع وعامل تهييج لها”، مطالبا بضرورة إنعاش المجموعة الدولية للعملية السلمية ولم لا بعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط.
كلمات السفير الفلسطيني وجدت صدى لها في تدخلات العديد من ممثلي الدول العربية والدول المناصرة لفلسطين من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على غرار الممثل السوري غالب بيطار الذي اعتبر أن ما ورد في التقرير “عبارة عن قطرة في محيط ما ترتكبه إسرائيل من تجاوزات في حق السكان العرب”، أو الممثل الكوبي بيدرو لويس بيدروسو الذي دعم فكرة تنظيم مؤتمر دولي للسلام “بإمكانه أن يجد حلا نهائيا للمشكل”.
نقاش معاد للإسرائيليين!
في المقابل اعتبر ممثل إسرائيل تيبور شاليف شلوسر أن ما جاء في تدخل السفير الفلسطيني “يتجاهل رغبة السلطات في الطرفين في استئناف الحوار”، واعتبر السفير الإسرائيلي أن تدخل الممثل السوري “بعيد كل البعد عن الواقع”، منتهيا للإعراب “عن الأسف لكون المجلس اضطر مرة أخرى للخوض في نقاش سياسي لا صلة له بأشغاله”.
وقد دعا الممثل الإسرائيلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة “للالتزام بنوع من التوازن في معاملاته”، في إشارة الى تقديم تقرير خاص بإسرائيل وفي تجاهل “موجهة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت إسرائيل، وبأن عدد العمليات انخفض بحوالي 100% منذ بناء الجدار العازل”، حسب قوله.
ممثل الولايات المتحدة ريتشارد موللر اعتبر من ناحيته أن “النقاش بدأ ينزلق من نقاش مناصر للفلسطينيين الى نقاش معاد للإسرائيليين”، وأشار إلى أن “المجموعة الدولية سوف لن تحقق أي تقدم ما لم تدرك عمق وتشعب المشكلة” في الشرق الأوسط.
ويرى الممثل الأمريكي أن “على الأمم المتحدة أن تبقى شريكا ذا مصداقية في المفاوضات”، مشددا على أن “المبالغة في التسييس قد تقضي على حظوظ قيامها بدور أساسي في إعادة السلام” للمنطقة.
ملاسنة حول الصحراء
تدخل السفير الجزائري، إدريس الجزائري، أثناء مناقشات موضوع تأثيرات الاحتلال الإسرائيلي والحق في محو الاستعمار، وقوله بأن “أراضي الشعوب التي تقع تحت الاستعمار من الصحراء الغربية حتى مرتفعات الجولان تحولت الى سجون بالنسبة لها”، أثار رد فعل من السفير المغربي سرعان ما تحول الى رد ورد مضاد.
إذ قال السفير المغربي محمد لوليشكي بان “الربط بين أوضاع الشعب الفلسطيني وأوضاع السكان في الأقاليم الجنوبية بالمغرب عمل مهين”، متهما الجزائر بكونها “مسؤولة عن منع أعداد من الصحراويين منذ 30 سنة من الحرية في تيندوف”.
وفي الوقت الذي رأي فيه السفير الجزائري أن “الصحراء الغربية أمر واقع وأنه ما لم يتم تنظيم استفتاء لإلحاقها بالمغرب لن يمكن الحديث عن أقاليم جنوبية بالمغرب”، اعتبر السفير المغربي أن “الجزائر هي التي تمنع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تنظيم الإحصاء”، منتهيا الى قناعة “شرعيته على أقاليم الصحراء الغربية”، وهي الشرعية التي يرغب في استعادتها عبر “اقتراح الحكم الذاتي”، على حد تعبير السفير المغربي.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
ينسق المجلس الاقتصادي والاجتماعي أعمال وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وعددها 14، و 10 لجان فنية، وخمس لجان إقليمية؛ ويتلقى تقارير من 11 صندوقا وبرنامجا للأمم المتحدة ؛ وهو يصدر التوصيات في مجال السياسة العامة إلى منظومة الأمم المتحدة والدول الأعضاء.
وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي مسؤول عن تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي؛ وتيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم؛ وإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع في العالم. ويشمل اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي أكثر من 70 في المائة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة الأمم المتحدة بأكملها.
وفي اضطلاع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بولايته، يتشاور مع الأكاديميين، وممثلي قطاع الأعمال، وأكثر من 100 2 منظمة غير حكومية مسجلة. ويعقد المجلس في شهر يوليو من كل عام دورة موضوعية مدتها أربعة أسابيع، وذلك في نيويورك وجنيف بالتناوب. وتشمل الدورة جزءا رفيع المستوى يقوم فيه وزراء الدول ورؤساء الوكالات الدولية وغيرهم من كبار المسؤولين بتركيز انتباههم على مواضيع مختارة ذات أهمية عالمية.
تنتخب الجمعية العامة الحكومات الأعضاء الـ 54 في المجلس لفترات متداخلة من ثلاثة أعوام. وتخصص المقاعد في المجلس على أساس التمثيل الجغرافي بتخصيص أربعة عشر مقعدا للدول الأفريقية، وأحد عشر مقعدا للدول الآسيوية، وستة مقاعد لدول أوروبا الشرقية، وعشر مقاعد لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وثلاثة عشر مقعدا لدول أوروبا الغربية ودول أخرى.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.