“جنيف الدولية” .. قضية وطنية في سويسرا
تشعر سويسرا بأن المنافسة الكبرى التي تلاقيها جنيف من قبل مدن أوربية وآسيوية لاستقطاب المنظمات الدولية، تضطرها الى تعزيز اهتمامها بجنيف الدولية كمكسب وطني.
لذلك يتجه مفهوم جنيف الدولية إلى الإتساع ليشمل، إضافة إلى المنظمات الدولية، منظمات المجتمع المدني والشركات المتعددة الجنسيات، والمؤسسات ذات التركيبة المختلطة.
الحديث عن جنيف الدولية – كما ذكر بذلك ممثل سويسرا السفير بليز غوديه في ندوة صحفية عقدت يوم الثلاثاء 7 فبراير في جنيف – يعني احتضان 25 منظمة دولية من بين 30 التي اختارت سويسرا مقرا لها. ويعني أيضا ممثليات دبلوماسية لحوالي 151 بلدا، بعضها له ثلاث ممثليات منفصلة الأولى لدى المقر الأممي، والثانية لدى مؤتمر نزع السلاح والثالثة لدى منظمة التجارة العالمية، وهو ما يجعل عدد الممثليات يصل الى 215 ممثلية. يضاف الى هذا كله حوالي 180 منظمة غير حكومية معتمدة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة.
وإذا كان عدد موظفي جنيف الدولية لم يزد في عام 1920 عن حوالي 200 شخص، فإن هذا العدد يفوق اليوم 38000 موظف. وهذا التواجد كما يقول السفير بليز غوديه يدر على جنيف وضواحيها حوالي 5 مليار فرنك من العائدات المالية سنويا.
وإذا كانت الميادين التقليدية لجنيف الدولية تسترعي الاهتمام في الماضي مثل قضايا السلم ونزع السلاح ، وقضايا حقوق الإنسان من خلال تواجد اللجنة الدولية للصليب الأحمر والفدرالية الدولية لجمعيات الهلال والصليب الأحمر، والتي ستعزز باستقبال مجلس حقوق الإنسان (الذي سيحل محل لجنة حقوق الإنسان بعد رفع العقبات الأخيرة)، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية من خلال منظمة التجارة العالمية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، والقضايا البيئية من خلال المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والأمانات العامة للعديد من المعاهدات البيئية الدولية، فإن موضوع الأمن أصبح يحظى بالأولوية منذ أحداث الحادي عشر سبتمبر وبالأخص بعد الاعتداء الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد.
وهو القطاع الذي “تتقاسم المسؤولية فيه كل من الكنفدرالية ودويلة جنيف” كما قال السفير غوديه الذي أضاف: “لحسن الحظ أن الأمور تسير فيه على أحسن ما يرام لحد الآن وان هذه الإجراءات لم تعزل جنيف الدولية عن أهالي جنيف”.
جنيف الدولية مكسب وطني
أما رئيس الدائرة السياسية الثالثة بوزارة الخارجية السفير أولريخ لينر، الذي مثل الكنفدرالية في هذه الندوة، فقد استعمل مصطلح “سويسرا الدولية” للتأكيد على أن الاهتمام بتواجد جنيف الدولية يتعدى حدود دويلة جنيف لكي يشمل كانتون فو Vaud حيث يقطن العديد من الموظفين الدوليين العاملين في جنيف أو فرنسا المجاورة التي استقطبت حوالي 50% من هؤلاء الموظفين الدوليين.
كما تحدث السفير لينر عن احتضان مدن سويسرية أخرى لمنظمات دولية بارزة مثل بازل حيث يوجد مقر بنك التسويات الدولي، او العاصمة الفدرالية برن حيث مقر “اتحاد البريد العالمي” و”الفدرالية الدولية للنقل عبر سكك الحديد”. وهو ما دفعه الى الحديث عن “سويسرا الدولية” محذرا من مخاطر اشتداد المنافسة الأجنبية.
وهنا أوضح السفير أولريخ لينر بأن “فيينا استحوذت على الطاقة وعلى برنامج الأمم المتحدة لمحاربة الجريمة المنظمة، وأن لاهاي استقرت بها المحاكم الدولية وبون تبحث عن مكانة دولية لها في مجال حماية البيئة ومونريال بكندا تؤوي مقر الوكالة الدولية للطيران المدني، إضافة الي نيويورك التي احتكرت المواضيع السياسية لمنظمة الأمم المتحدة”.
ويرى المسؤول السويسري أن هذه المنافسة اتسعت اليوم الى دول آسيوية حيث نجد مدنا مثل بانكوك او سنغفورة تحاول هي الأخرى استقطاب منظمات دولية.
لهذه الأسباب، ونظرا لضيق الحيز الترابي المتوفر، أكد السفير لينر بأن سويسرا “تحاول متابعة التطورات عن كثب وعدم الإستكانة إلى مكاسب الماضي”. ولكن ذلك لا يعني البحث عن استقطاب كل المنظمات بل تعزيز القطاعات المتواجدة فعلا في جنيف.
ففي مجال التجارة ستنفق سويسرا حوالي 60 مليون فرنك لتشييد المقر الجديد لمنظمة التجارة العالمية، كما صرفت حوالي 60 مليون فرنك لبناء مقر برنامج الأمم المتحدة لمحاربة الإيدز، يضاف إلى ذلك حوالي 50 مليون فرنك كميزانية سنوية تقدمها الكنفدرالية من أجل دعم جنيف الدولية.
ورغبة في ترسيخ المفهوم القائل بأن “جنيف الدولية مكسب وطني”، هناك حاليا مشروع قانون في طور الإعداد يرمي إلى تسهيل وتوحيد القوانين الخاصة بالتواجد الدولي في سويسرا. ومن أهم النقاط الجديدة الذي سيأتي بها توسيع مفهوم المنظمات الدولية لكي تشمل منظمات هي خليط من ممثلي الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص. وهي التي “تمثل منظمات المستقبل” على حد تعبير السفير لينر.
مبررات المكانة الدولية
ممثل دويلة جنيف في هذه الندوة الصحفية لوران فالبن، الذي يشغل مبعوث دويلة جنيف المكلف بجنيف الدولية، رغب في التأكيد في سياق مداخلته على أن مفهوم جنيف الدولية يعني بالنسبة لمسئولي جنيف – إضافة الى ما سبق ذكره – “حوالي 150 شركة متعددة الجنسيات التي اختارت جنيف مقرا لها، وهو ما يمثل حوالي 60 الف موطن شغل وعائدات اقتصادية هامة”.
ويرى أن المكونات البشرية للسكان تعتبر من الأبعاد المهمة لجنيف الدولية حيث أن “ربع المقيمين يحمل جواز سفر أجنبي، وحيث توجد أكثر من 24 طائفة عرقية بها أكثر من ألف شخص”.
وحتى على مستوى البحث العلمي والأكاديمي، اشار السيد لوران فالبن الى أن أربعة معاهد من بين ثمانية عشر معهد جامعي تشتمل عليها جنيف هي معاهد تابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
لذلك فإن هذا البعد الدولي لجنيف بكل مكوناته الدبلوماسية والدولية والسكانية والتجارية هو الذي يسمح لسويسرا، هذا البلد “الذي هو بمثابة قزم على الساحة السياسية، أن يحظى بهذه المكانة الدولية”، على حد تعبير لوران فالبن.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
طبقا لأرقام وزارة الخارجية السويسرية، تحتضن جنيف 215 ممثلية دبلوماسية والمقر الرئيسي لـ 22 منظمة دولية.
إجمالا يعمل 38 ألف شخص في القطاع الدولي مع اعتبار الموظفين العاملين في حوالي 170 منظمة غير حكومية تتخذ من جنيف مقرا لها.
تقدر الفوائد الإقتصادية التي تجنيها جنيف نتيجة لتواجد الهيئات والمنظمات الأممية والدولية فيها بحوالي 5 مليارات من الفرنكات سنويا.
اتخذت المزيد من الإجراءات الرامية لتشجيع قدوم منظمات جديدة إلى جنيف ومنها إنشاء مؤسسة المباني للمنظمات الدولية التي تقدم قروضا بفائدة صفر للوافدين الجدد لفترة تمتد إلى 50 عاما.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.