مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المتاحف والإرث الاستعماري … هل حان وقت المصالحة؟ 

كنوز مسروقة
"كنوز مسروقة"، تلك القطع الأثرية والرموز الثقافية التي نهبتها القوى الاستعمارية من القارة الأفريقية ومن جميع البلدان المستعمرة. Geopolitics/ RTS

هل يجب على المتاحف أن تُعيد التحف الفنية المنهوبة في عهد الاستعمار؟ لا يُعدّ هذا السؤال جديدا. لكن ازداد اهتمام بعض الدول والمؤسّسات المتحفيّة بالموضوع في الآونة الأخيرة، ما يدعو المتاحف لإعادة النظر في دورها ورسالتها. 

لا يُعتبر الجدل حول جدوى إرجاع التراث الثقافي المنهوب أو المسلوب أثناء الغزوات الاستعمارية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى أوطانه الأصلية، أمرا جديدا. فلقد ظهرت هذه الحركة منذ استقلال البلدان الإفريقية في الستينات، وفي أعقاب عمليات النهب النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، لم يبدأ انشغال بعض المتاحف والحكومات بهذه القضية، إلاّ مؤخرًا.

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

فيقول جاك آير، الأستاذ المحاضر في علم المتاحف بجامعة نوشاتيل ومدير وكالة “ميزيوليس” (Museolis)، في حديثه مع برنامج جيوبولتيكس (Geopolitics) “منذ عام 2010، بدأ الرأي العام يتبنّى هذه القضية بالفعل، لاسيما في سياق محاربة التمييز والعنصرية.” 

قواعد صارمة

لئن تردّدت بعض المتاحف في إعادة القطع الأثرية التي تطالب بها بلدانها أو مجتمعاتها الأصلية، فقد بدت أخرى أكثر تجاوباً، كمتحف الإثنوغرافيا بجنيف مثلا، الذي أرجع منذ التسعينات مقتنيات عديدة، منها قناعٌ مقدّس وشخشيخة طقوسية إلى الشعب الهودنوسوني عام 2023. 

ومع ذلك، قد تكون إعادة أيّ تحفة فنية مهمّة شاقة، لصرامة الإجراءات القانونيّة وتعقيدها الكبير، إضافة إلى اختلافها من بلدٍ إلى آخر. فيشير جاك آير في هذا السياق، إلى أن “كلّ متحف أوروبي مطالبٌ باحترام مبدأ عدم قابلية التصرّف، الذي لا يسمح بإعادة قطعة أو إخراجها من المصنّفات العمومية الأوروبية بغرض الإتلاف، أو البيع، أو الإرجاع.” ويُضاف إلى ذلك وجوب القيام بعمل تحقيقي بأتم معنى الكلمة للكشف عن مصدر تلك التحف، بالإضافة إلى الشروط القانونية أو غير القانونية، التي جُلبت فيها. 

سلاح دبلوماسي  

وتُعنى القوى الاستعمارية القديمة، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، أكثر من غيرها بهذه القضية. فقد كلّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017، بإعداد تقرير عن التراث الإفريقي. وكشفت تلك الدراسة عن وجود ما يقارب 90% من التراث الثقافي الإفريقي في متاحف أجنبية؛ إذ يوجد حوالي 70 ألف قطعة في متحف كي برانلي، و69 ألف قطعة في المتحف البريطاني، و75 ألف قطعة في متحف هومبولت ببرلين، و180 ألف قطعة في متحف إفريقيا ببلجيكا. 

إرث أفريقيا
ما يقرب من 90% من التراث الثقافي لأفريقيا موجود في المتاحف الأجنبية، وخاصة في أوروبا. Géopolitis/RTS

يدعو التقرير إلى إرجاع المصنّفات المتحصَّل عليها بطريقة غير مشروعة، على أن يكون ذلك بشكل نهائي وفوري. لكن تصطدم الإجراءات أحياناً بتردد الحكومات، وقد تخدم أيضاً مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية. فيقول جاك آير: “في بعض البلدان، نادراً ما تُعاد الأشياء مجانًا. فنجد أن هناك مقابلاً دائما”. ويذكر مثال مخطوطة كورية أعادها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عام 1993، في إطار مفاوضات تجارية مع كوريا الجنوبية لشراء قطارات فائقة السرعة.  

عظام بشرية 

وتحتفظ بعض المتاحف الغربية إضافة إلى التحف الفنيّة والمقتنيات الثقافيّة، ببقايا بشرية كذلك في مخازنها. فقد استرجعت جنوب إفريقيا عام 2002، رفات سارة بارتمان، المولودة حوالي عام 1789 في مستعمرة هولندية آنذاك. واقتيدت إلى أوروبا، وعُرضت للجمهور في قفص كحيوان بري في إنجلترا، ثم في فرنسا، حيث لُقبت بـ “فينوس الهوتنتوت”. وبعد وفاتها، شُرّحت جثتها وعُرضت في متحف الإنسان لدعم النظريات القائلة بوجود طبقات للكائنات البشرية بناءً على تكوينها البدني.  

وقد واجه جاك آير نفسه هذه المشكلة عام 2014، عندما ظهرت رأس مقطوعة من إفريقيا الجنوبية، منقوعة بالكحول، في متحف التاريخ الطبيعي بجنيف، الذي كان يشرف عليه آنذاك. ويتذكر تلك الحادثة قائلا: “أعارت جامعة جنيف الرأس للمتحف من أجل معالجة مضادة للبكتيريا. ولقد بُذلت مساعي للعثور على أصل الشخص صاحب الرأس، لكن للأسف، دون جدوى.” ودُفنت الرأس المقطوعة في نهاية المطاف، في مقبرة سان جورج بجنيف، في مربع المجهولين، إكراماً لها.  

متاحف التاريخ الطبيعي معنية  

ولا تُعنى المتاحف الإثنوغرافية وحدها، بمسألة إرجاع المقتنيات. إذ يقول جاك آير في هذا الصدد: “اهتمت متاحف التاريخ الطبيعي بهذا الموضوع في السنوات الأخيرة، وكان اهتمامها في محلّه، لأننا أدركنا أن تأسيس المصنّفات نفسه تم في إطار استعماري”.  ونعرض، كمثال على ذلك، الهيكل العظمي الأصلي للديناصور ريكس المعلّق عند مدخل متحف التاريخ الطبيعي ببرلين، الذي نُقِّب عنه في سياق استعماري أيّام الاحتلال الألماني لتنزانيا في عشرينات القرن العشرين. 

ويقول عالم المتاحف: “في الواقع، قد لا يتعلّق الأمر بإرجاع حمار وحشيّ أو مجموعة من الفراشات، بقدر ما يتعلّق بفهم أصلها وإعادة النظر في الخطابات المحيطة بها في المعرض”.  

المزيد
مستعمرون بريطانيون جالسون ينظرون إلى عدسة المصور

المزيد

“انفتاح لا حدَّ له” لإعادة الأعمال الفنية التي نهبها المستعمرون

تم نشر هذا المحتوى على تمتلك المتاحف السويسرية هي الأخرى أعمالاً فنية منهوبة من مملكة بنين الإفريقية. في هذا التقرير، مدير هيئة المتاحف النيجيرية يتحدث عن مآلاتها مستقبلا.

طالع المزيد“انفتاح لا حدَّ له” لإعادة الأعمال الفنية التي نهبها المستعمرون

«ويضيف أن بعض المتاحف كانت تقدّم مثلاً “التنوّع البشري” من خلال عرض جماجم بشرية، لِما يوصف بـ”الأعراق المختلفة” آنذاك، واستمر ذلك إلى غاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.  

وما الجدل حول إعادة الآثار المتحفيّة إلا في بدايته، يدحض فكرة “المتحف العالمي” التي ظهرت في القرن الثامن عشر، وتقول إنّ دور المتاحف الكبرى، مثل متحف اللوفر والمتحف البريطاني، يتمثّل في جمع التراث الثقافي العالمي في مكانٍ واحد. ويعلّق جاك آير على هذا الموضوع، فيقول: “إن المشكلة هي أن هذا المنطق لا يزال متمحوراً حول أوروبا وأحيانًا أبوياً. ومن المهمّ التمسّك بمسألة عالمية المتاحف هذه وتعميمها حتى جغرافيًا، وذلك بالتفكير في إقامة متاحف كبرى في البلدان الإفريقية والآسيوية”.  

ويختم الخبير حديثه بالقول: “أمام المتاحف فرصة ذهبية لإعادة النظر في هويتها وموقفها، ولأن تتحوّل ربما إلى أماكن ليس للحفظ، والدراسة، والعرض للجمهور فقط، بل للقاءات والحوار أيضاً، بل حتى للتعويض والمصالحة.” 

* أُنتجت هذه المادة بالاشتراك مع برنامج “جيوبولتيكس”، الذي تنتجه وتعرضه قناة التلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية (RTS)

ترجمة: موسى آشرشور

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية