أي مستقبل لمحادثات السلام السورية في جنيف بعد سقوط نظام بشار الأسد؟
استضافت جنيف عدة جولات من المفاوضات بشأن أزمة سوريا على مدار العقد الماضي. وفي أعقاب سقوط الرئيس بشار الأسد، قد تستضيف مدينة كالفن محادثات جديدة من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد، وفقاً لما ذكره محلل سياسي مطّلع.
بعد مرور أزيد من أسبوع على انهيار نظام بشار الأسد، الذي أطاح به الهجوم الخاطف الذي شنه تحالف من المتمردين بقيادة هيئة تحرير الشام (HTS)، يشهد الشرق الأوسط حراكًا دبلوماسيًا نشطا ومكثّفا.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
فيوم السبت الماضي، استضاف الأردن محادثات حول مستقبل سوريا، حضرها عدد من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، منها العراق ولبنان المجاوران لسوريا، بالإضافة إلى ممثلين عن تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي. وحضرها أيضاً مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، النرويجي غير بيدرسون.
ولم تُدع الحكومة المؤقتة التي أنشأتها هيئة تحرير الشام، فرع تنظيم القاعدة السوري السابق، الذي يقول إنه بات ينبذ الإرهاب. ومع ذلك، فقد أعلنت العديد من الحكومات الأجنبية، لا سيما في الغرب، التي تخشى من تفكك البلاد وعودة التهديد الإرهابي، أنها أجرت اتصالات مباشرة مع السلطات الجديدة في العاصمة السورية دمشق.
وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية، التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، ودمرت البلاد، وأجبرت نحو ستة ملايين سوري وسورية على اختيار المنفى، وعدت الحكومة الجديدة بـ ”الحفاظ على استقرار المؤسسات“ و”تجنب تفكك الدولة“، خلال الفترة الانتقالية التي تستمر حتى الأول من مارس المقبل.
مفاوضات جديدة في جنيف؟
يقول سهيل بلحاج كلاتس، الأستاذ الزائر في معهد الدراسات العليا ودراسات التنمية في جنيف: “لا يوجد خمسون بديلا”. فيجب أن تجري المناقشات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، بمقر الامم المتحدة في جنيف.
وقد استضافت سويسرا وجنيف خصوصا، جولات متعددة من المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة منذ عام 2012. وقد جمعت هذه المحادثات التي ركزت بشكل خاص على وضع دستور، ممثلين وممثلات عن حكومة بشار الأسد، وأعضاء وعضوات من المعارضة، وجماعات المجتمع المدني السوري. وقد انتهت بالفشل بسبب الخلافات بين الأطراف المشاركة، وتحت ضغط النفوذ الروسي، الداعم القوي لبشار الأسد.
ولم يعلن مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، الذي يتولّى حتى الآن دور الوسيط، ما إذا كانت المفاوضات ستُستأنف في جنيف أم لا. ولكن بالنسبة إلى سهيل بلحاج كلاتس، تتميّز مدينة كالفن بعدد من المزايا تجعلها الخيار الأمثل لاستضافة الاجتماعات المستقبلية.
بعيدا عن النفوذ الروسي
ويمكن لجنيف، بفضل وجود الأمم المتحدة الكبير، ولا سيما هيئاتها الإنسانية ومؤسساتها المعنية بحقوق الإنسان، أن تتباهى بامتلاكها الخبرة اللازمة لتنظيم هذا النوع من المفاوضات. كما أنّ لمعظم الدول بالفعل، تمثيلا دبلوماسيا هناك.
وتستطيع سويسرا المحايدة أيضًا، الاستفادة من خبرتها في تنظيم اجتماعات سرية بين الدول والمجموعات ذات المصالح المتباينة. ووفقًا لسهيل بلحاج كلاتس، يمكن جمع الأموال اللازمة لإعادة إعمار البلاد انطلاقا من جنيف أيضا، إذ يُرجّح ألا تمانع الجهات المانحة في الذهاب إلى المدينة السويسرية.
ومنذ عام 2017، تعرضت محادثات جنيف إلى انتكاسة عندما أقامت روسيا، بدعم من إيران وتركيا، عملية تفاوضية منافسة في أستانة، في كازاخستان. وقد أفرغت هذه العملية تدريجياً محادثات جنيف من مضمونها. وفي حين لا تزال صيغة أستانا نشطة، يرى البروفيسور ضرورة توسيع نطاقها لتشمل بقية المجتمع الدولي، إذ لا يدعمها فعليا سوى موسكو، وأنقرة، وطهران.
ويقول سهيل بالحاج كلاتس، الذي يعتقد أن روسيا لن تكون قادرة على التأثير في المفاوضات المستقبليّة مؤكِّدا: ”لم يعد لدى الروس أي مجال حقيقي للمناورة، بعد أن غادر ربيبهم [بشار الأسد] سوريا. وحتى لو تم التفاوض على ضمانات مع تركيا”.
وللتذكير، تنشط روسيا عسكريًا في سوريا منذ عام 2015، حيث تمتلك قاعدتين استراتيجيتين، إحداهما بحرية والأخرى جوية. ويضيف البروفيسور:” للروس مصلحة في الحفاظ على ماء الوجه، من خلال المشاركة في المفاوضات“.
القضايا التي ستكون على جدول الأعمال
يرى سهيل بلحاج كلاتس، ضرورة تركيز المفاوضات المستقبلية، أولاً وقبل كل شيء، على تنظيم السلطة في سوريا.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب، والعاصمة دمشق، والعديد من المدن الرئيسية الأخرى في غرب سوريا. لكن تقع مساحات شاسعة من الأراضي تحت سيطرة جماعات وفصائل معارضة أخرى. ففي شمال شرق البلاد، تسيطر القوات الكردية التي تشكل أكبر أقلية عرقية فيها، على جزء كبير من الأراضي المتاخمة للحدود مع تركيا. وتُعدّ هذه المنطقة أيضاً، موطن الجيش الوطني السوري، الجماعة المتمردة المدعومة من أنقرة.
ويقول: ”ستركز المفاوضات على الدستور، وعلى وجه الخصوص، على شكل الحكومة التي ستُعتمد. ولن يقع الاختيار على حكومة مركزية على الأرجح، بل حكومة فدرالية أو حكومة أقاليم، مع حكم ذاتي للمحافظات“. ويرى أنّ ذلك شرط مسبق لأي حوار بين مختلف اللاعبين الذين يتقاسمون الأراضي السورية.
ويضيف كلاتس قائلا: ”ستكون هناك أيضًا مسألة تمثيل الأقليات العرقية والدينية. فأيّ اتفاق يجب أن يضمن حماية الطائفتين المسيحية والعلوية”. كما ستكون مسألة تفكيك الأجهزة الأمنية السورية والعدالة الانتقالية محورية، في تقرير مصير جلادي نظام الأسد السابقين.
كما يجب أن تكون مسألة تأمين الأسلحة الكيميائية السورية وتدميرها على جدول الأعمال، ما يشير إلى أن عملية التفاوض ستكون طويلة وعلى عدّة جولات.
ورداً على سؤال حول موعد بدء هذه المحادثات، يتوقّع البروفيسور أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن، وربما في شهر يناير المقبل.
تحرير: فيرجيني مانجين
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: مي المهدي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.