مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصين: بين مُـنـجز اقتصادي وتنموي.. وتقصير في الحقوق السياسية والمدنية

متظاهرون صينيون أمام المكتب الإعلامي لمجلس الدولة في العاصمة بيكي يوم 14 يناير 2009 للتنديد بالرشاوى ومصادرة الممتلكات واستهداف المدافعين عن حقوق الانسان. Keystone

تمخضت مناقشة أول تقرير تقدمه الصين أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان في جنيف إلى انقسام بين دول نامية تشيد بالنموذج الاقتصادي الصيني وتطالب بتعميمه، وبين دول غربية منتقدة لسجل الصين في مجال الحقوق السياسية والمدنية وحقوق الأقليات وفي مقدمتها بإقليم التيبت.

وفي الواقع، لم يكن استعراض تقرير الصين أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل حدثا عاديا، نظرا لأهمية هذا البلد والثقل الذي يتمتع به في المحافل الدولية. وهو ما جعل القاعة المخصصة لذلك بقصر الأمم تغص بالحضور من ممثلي الدول والمنظمات غير الحكومية والمهتمين بأوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد.

لكن الذين كانوا يؤملون أن تتطرق آلية الاستعراض الدوري الشامل بالتفصيل إلى أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد، وجدوا أنفسهم شهودا على محفل دولي تتبادل فيه المجموعات الجغرافية التهم بـ “تسييس” مجلس كان من المفروض، في نظرهم، أن لا يكون كذلك.

إشادة بالإنجازات الاقتصادية

التقرير الحكومي للصين والمكون من 36 صفحة ركز في معظمه على الانجازات وبالاخص الانجازات الاقتصادية. وقد أعطى السفير الصيني لي باودونغ الذي ترأس وفد بلاده إلى هذه الآلية، من البداية التوجه الذي يجب أن تتبعه المناقشات بالتشديد على أنه “يجب عدم التمييز بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبين الحقوق السياسية والمدنية”، في انتقاد واضح لحرص الدول الغربية على التركيز على الحقوق السياسية والاقتصادية وتجاهل الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

هذا الصنف من الحقوق (الاقتصادية والاجتماعية) التي ركز عليها تقرير الصين، وردت على لسان جل المتدخلين من الوفد الرسمي، حيث تم التذكير بالإصلاحات المتخذة منذ عام 1978 والتي “سمحت للصينيين الذين كانوا يفتقرون للمواد الأساسية آنذاك [أن ينعموا اليوم بنوع من الرفاهية”. وقد أسهب التقرير في استعراض التأثيرات الإيجابية لهذه “الرفاهية” المستجدة على عدة مجالات مثل التعليم والصحة والتنمية.

وفي تبويب استعراض النظرة الحكومية لمجالات حقوق الإنسان، فضلت الصين الحديث في المقام الأول عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وخصص الباب الأول للحق في توفير ظروف العيش والتنمية ثم الحق في العمل والضمان الاجتماعي والحق في السكن والحق في التعليم والحق في الصحة، قبل التطرق تاليا للحقوق السياسية والمدنية.

هذه المقاربة وجدت دعما لافتا من طرف العديد من الدول النامية التي لم تتردد في الإشادة بالنجاح الصيني إلى حد أن بعض الدول (مثل الجزائر) طالبت بضرورة “مشاطرة هذه التجربة مع الدول التي ترغب في اتباع النموذج الصيني”.

تقصير في الحقوق السياسية والمدنية

رغم انضمام الصين الى عدد من المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان إلا أنها اكتفت بالتوقيع (دون المصادقة إلى حد اليوم) على العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي يعتبر أساس الحقوق والحريات الفردية والذي من المفروض أن ينعكس في القوانين الوطنية لضمان الحقوق والحريات للمواطنين.

هذا الوضع تعرض للإنتقاد من جانب العديد من الدول أثناء مراجعة تقرير الصين، كما انتقدته منظمات المجتمع المدني في تقريرها المقدم إلى آلية الإستعراض الدوري الشامل. وترى عدة منظمات غير حكومية أنه يجب على الصين أن “تقدم تعريفا رسميا لمفاهيم مثل “تعريض الأمن القومي للخطر” و “انتهاك أمن وسلامة الدولة” التي كثيرا ما تلتجئ إليها في التهم الموجهة للأفراد والمجموعات، والتي كانت آليات لحقوق الإنسان قد طالبت بتوضيحها من قبل”.

وانتقدت منظمة العفو الدولية عدم تماشي التعريف الصيني الرسمي للتعذيب مع ما تنص عليه مناهضة التعذيب التي وقعت عليها الصين، ويؤكد المدافعون عن حقوق الإنسان أن ممارسات التعذيب منتشرة وأن المحاكمات والتحقيقات لا تحظى بالشفافية المطلوبة.

من جهة أخرى، طالبت العديد من المنظمات بضرورة تأسيس هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان في الصين وفقا لمبادئ باريس. كما دعت إلى السماح للمقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة بزيارة البلاد. وجاء في رد رئيس الوفد على هذا الطلب أن بلاده “ستسمح لمقرر خاص بزيارة الصين خلال هذه السنة”، دون توضيحات إضافية.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الصين أنها من الدول القلائل التي توصلت الى “تحقيق أهداف الألفية” التي حددتها الأمم المتحدة، أعتبر الاتحاد الدولي للنقابات العمالية أن “الأقليات لا تتمتع بإمكانيات متساوية للوصول الى فرص العمل مثلما هو الحال في مناطق سينكيانغ أويغور ومنغوليا الداخلية ومنطقة التيبت المتمتعة بالحكم الذاتي”.

وتعرضت منظمات المجتمع المدني في تقريرها أيضا إلى قمع الحريات الدينية وتدخّل السلطة في سن قوانين وتوجيهات وطنية للشؤون الدينية في مناطق مثل التيبت تسيطر بموجبها على أماكن العبادة البوذية، وتسمح للسلطات بتوقيف المسلمين.

تجند غربي.. ورفض صيني للانتقادات

استعراض تقرير الصين ترافق مع تسجيل رقم قياسي في عدد الدول الراغبة في الإدلاء برأيها تجاوز 115 دولة، ولُوحظ أن عدة دول غربية سارعت إلى التسجيل في وقت مبكر لكي تتواجد في أعلى القائمة ولا يتم إقصاؤها مثلما حدث لدى استعراض تقرير كوبا.

هذا “التكتيك” سمح لدول غربية عديدة بفتح ملف الانتقادات بدءا بأستراليا التي أثارت موضوع عرقلة الحرية الدينية والذهاب الى حد اعتقال وتعذيب زعماء دينيين. وهو الخيط الذي التقطته كندا بالإشارة إلى ما يتعرض له أنصار حركة “فالون غونغ” من مضايقات.

هولندا تطرقت إلى عقوبة الإعدام وإلى انعدام الشفافية في التحقيقات والمحاكمات، وطالبت بإصلاح النظام القضائي كما دعت السلطات الصينية إلى السماح للمقررين الخاصين بزيارة البلد.

أما سويسرا التي رحبت بالإنجازات الاقتصادية للصين، فقد دعت بدورها إلى إصلاح النظام القضائي والمصادقة على العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية وحثت بيكين على إقرار مهلة في تطبيق عقوبة الإعدام، وعبرت – في سياق تلميح سريع – عن “القلق بخصوص وضع الأقليات في سينكيانغ وأيغور ومنطقة التيبت”.

السفير الصيني رفض هذه الانتقادات بخصوص سجل بلاده في مجال الحقوق السياسية والمدنية وقال إن “بعض الدول مثل أستراليا أصدرت تصريحات لا أساس لها من الصحة بخصوص قضية التيبت”، منتهيا إلى “رفض هذه المحاولات الهادفة لتسييس القضية”.

وقد وجد رئيس الوفد الصيني في مندوبي عدة دول نامية (من بينها بلدان عربية) حلفاء شاركوا في التنديد “بمحاولات التسييس”، وهي تهمة كانت كثيرا ما ترددها في السابق الدول الغربية لدى انتقادها لموقف البلدان النامية من مواضيع تتعلق بإسرائيل أو ببعض الدول الإفريقية. وقد ذهب ممثل باكستان إلى حد التساؤل عن سبب طرح بعض الدول لموضوع التيبت للنقاش في مجلس حقوق الإنسان مذكرا أن “التيبت جزء من الصين بموجب القوانين الأممية”.

يبقى الآن أن تقوم “الترويكا” التي تضم البلدان الثلاثة المكلفة بإعداد التوصيات بخصوص مراجعة تقرير الصين أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل بتلخيص كل ما دار في هذا النقاش الذي استغرق أكثر من 3 ساعات وتدخلت فيه أكثر من ستين دولة (من بين 115 سجلت اسمها في القوائم). وستعرض الحصيلة في جلسة صباح الأربعاء 11 فبراير على أن يتم اعتمادها في جلسة قادمة لمجلس حقوق الإنسان.

معاهدات وبروتوكولات حقوق الإنسان التي وقعت أو صادقت عليها الصين:

4 نوفمبر 1980: اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.

29 ديسمبر 1981: الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري.

4 أكتوبر 1988: اتفاقية مناهضة التعذيب.

3 مارس 1992: اتفاقية حقوق الطفل.

27 مارس 2001: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

3 ديسمبر 2002: البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال ودعارة الأطفال واستغلال الأطفال في المواد الإباحية.

20 فبراير 2008: البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.

1 أغسطس 2008: اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

ولم توقع الصين على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية